في حين تتوالى التصريحات من واشنطن وتل أبيب بشأن مستقبل المواجهة مع إيران، تبقى طهران محور الترقب الإقليمي والدولي، وسط تساؤلات ملحة حول سبب تأخر الرد الإيراني بعد الهجوم الأميركي واسع النطاق على منشآتها النووية، ومآلاته المنتظرة في الساعات المقبلة.

وبحسب مدير مكتب الجزيرة في طهران عبد القادر فايز، فإن إيران لم تصدر حتى الآن موقفا رسميا واضحا بشأن طبيعة ردها المحتمل، رغم مرور نحو 24 ساعة على ما وصف بأنه ضربة استهدفت العمود الفقري لبرنامجها النووي في 3 منشآت رئيسية.

ونقل فايز عن مصادر إيرانية مطلعة أن مجلس الأمن القومي الإيراني طلب تقارير دقيقة ومفصلة من المؤسسات المختصة، لتقييم حجم الأضرار الناتجة عن الهجوم الأميركي، بعيدا عن الخطاب الدعائي أو التصريحات السياسية المرتجلة.

ويتضمن هذا التقييم تقارير من هيئة الطاقة الذرية الإيرانية حول مستوى الضرر الذي لحق بالبنية التحتية النووية، فضلا عن تقرير عسكري مفصل عن مسار الهجوم، ونقاط انطلاقه وآلية تنفيذه، تمهيدا لصياغة رد محسوب يتناسب مع الخسائر ومع مصالح البلاد العليا.

وأشار فايز إلى أن هذا التريث الإيراني يعكس توجها نحو رد إستراتيجي مدروس، لا يقوم على الانتقام اللحظي، بل على مقاربة أشمل تتيح لطهران تعدد الخيارات بدلا من الانجرار إلى مواجهة تكتيكية محدودة أو رد فعل مباشر وغير مدروس.

تمييز ضروري

وفي هذا السياق، تسعى إيران -بحسب المصادر ذاتها- إلى التمييز بين الهجوم الأميركي المعلن والمنفرد، وبين التصعيد الإسرائيلي الميداني الجاري، وهو تفريق تعتبره طهران ضروريا لفهم طبيعة المرحلة المقبلة، خاصة أن الضربة الأميركية الأخيرة تُعد الأولى من نوعها من حيث وضوحها وتبني واشنطن العلني لها.

ويرى فايز أن إيران تتعامل مع المشهد على أنه تغيير في قواعد الاشتباك، يتجاوز حروب الظل السابقة مع الولايات المتحدة، كما حدث في العراق أو خلال الحرب الإيرانية العراقية، لتدخل المواجهة الآن طورا جديدا قد يفضي إلى مواجهة علنية على امتداد الإقليم.

إعلان

رغم ذلك، تؤكد المصادر الإيرانية أن طهران لا تميل إلى خيار الانزلاق نحو حرب مفتوحة ومباشرة مع الولايات المتحدة، بل تفضل الحفاظ على مساحات للمناورة والمواجهة المركبة التي تدمج بين أدوات متعددة.

وفي هذا الإطار، تُرجّح التقديرات أن يكون الرد الإيراني "تركيبيا"، أي لا يقتصر على ضربة عسكرية واحدة، بل يشمل قرارات سياسية وأمنية قد تمتد إلى البرنامج النووي ذاته، بما في ذلك احتمال إعادة النظر في علاقة إيران بالوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ومن بين الخيارات المطروحة على طاولة القيادة الإيرانية، كما يقول فايز، مراجعة الانخراط في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، والتعامل مع المفتشين الدوليين، وإجراءات في مياه الخليج، بما في ذلك مضيق هرمز، إلى جانب تغييرات على مستوى التحالفات الإقليمية والدولية.

رد إستراتيجي

ويعكس هذا التوجه سعيا إيرانيا لرفع سقف الرد إلى مستوى إستراتيجي يغير التوازنات في الإقليم، بدلا من الاكتفاء بضربة مباشرة قد لا تحدث فارقا ملموسا، خصوصا أن الضربة الأميركية نفسها هدفت -بحسب الرواية الإسرائيلية- إلى تأخير البرنامج النووي الإيراني لـ10 سنوات على الأقل.

وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" قد نقلت عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن تل أبيب مستعدة لوقف إطلاق النار "غدا" إذا أعلن المرشد الإيراني علي خامنئي رغبته بذلك، مشيرين إلى أن إسرائيل لا تريد الدخول في حرب استنزاف طويلة مع إيران.

كما أضافت الصحيفة أن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن إيران لن تتمكن من استعادة قدراتها النووية في المدى المنظور، وأن مصالح تل أبيب تقتضي إنهاء المعركة في أسرع وقت، مع استعداد لمواجهة مطوّلة إذا تطلب الأمر.

ورغم أن الأجواء مشحونة بإشارات التصعيد، فإن الصورة العامة من طهران -وفق عبد القادر فايز- تشير إلى مقاربة أكثر برودا وتحسبا، تستند إلى فهم عميق لحجم الضربة الأميركية ورغبة في تجاوز حدود الرد الفوري إلى بناء معادلة ردع جديدة.

وختم فايز بالإشارة إلى أن الساعات المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مسار الرد الإيراني، إن كان سيتخذ طابعا متدرجا أو سيأتي دفعة واحدة، ولكن المؤكد هو أن طهران تبحث عن رد يُحدث تأثيرا إستراتيجيا دون أن يُقيدها أو يضعها في زاوية ضيقة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات إلى أن

إقرأ أيضاً:

مغردون: كيف سيكون الرد الإيراني بعد ضرب واشنطن المنشآت النووية؟

أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تنفيذ هجوم جوي ناجح على ثلاث منشآت نووية في إيران، وهي فوردو ونطنز وأصفهان، موجة من الجدل الواسع عبر منصات التواصل الاجتماعي وسط تحليلات متباينة حول تداعيات هذا التصعيد غير المسبوق.

وفجر اليوم الأحد، أكدت واشنطن دخولها المباشر على خط الحرب الإسرائيلية الإيرانية بعد سلسلة من التوترات المتصاعدة في المنطقة. وبينما تحدث ترامب عن "نجاح كامل للعملية"، تباينت الآراء بشأن الهدف الحقيقي للهجوم وحجم الضرر الفعلي الذي لحق بالمنشآت المستهدفة.

ونقلت وكالة رويترز عن مصدر إيراني رفيع أن معظم اليورانيوم العالي التخصيب نُقل من منشأة فوردو إلى موقع غير معلن قبيل الضربة الجوية الأميركية، كما تم تقليص عدد العاملين في المنشأة إلى الحد الأدنى.

في تعليقات واسعة على منصات التواصل، اعتبر مغردون أن الساعات الحالية قد تحدد مصير الشرق الأوسط لعقود قادمة، معتبرين أن ما كانت تخشاه إيران وتسعى لتفاديه منذ سنوات وقع في لحظة حرجة، في وقت تواجه فيه تراجعا عسكريا في لبنان وسوريا، وإنهاكا في غزة إلى حد كبير.

الساعات التي نعيش قد تحدد مصير الشرق الأوسط لسنوات أو حتى لعقود قادمة،

ما كانت تخشاه إيران وتتجنبه منذ سنوات طويلة وقع في عدة دقائق، ولكن في التوقيت الأسوأ والأكثر صعوبة على الإطلاق،

في التوقيت الذي لا يمكنها الذهاب نحو الانفجار الشامل أو خيار شمشون، بعد إضعاف قوتها الضاربة في…

— Ali Abo Rezeg (@ARezeg) June 22, 2025

وأشار معلقون إلى أن إيران أصبحت أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما القبول باتفاقات تزيّن دبلوماسيا لتفادي الانفجار، وإما الانخراط في معركة استنزاف طويلة يدفع فيها الجميع، خاصة إسرائيل، ثمنا باهظا؛ ولكن المؤكد -بحسب وصفهم- أن المنطقة تتحضر لأيام وشهور شديدة القسوة.

إعلان

في المقابل، رأى مدونون آخرون أن خطاب ترامب يجسد منطقا استعلائيا واستعماريا، خصوصا في تصريحه "إما السلام وإما المأساة لإيران"، الذي اعتبروه ابتزازا سياسيا وعسكريا لا علاقة له بالسلام الحقيقي.

“بارك الله في الشرق الأوسط، بارك الله في إسرائيل، بارك الله في أمريكا.”

بهذه الكلمات اختتم دونالد ترامب خطابه الموجّه إلى الشعب الأميركي والجمهور الإسرائيلي، والذي أعلن فيه دخول بلاده الحرب، ومشاركة القوات الأميركية في قصف ثلاثة مواقع نووية إيرانية، من بينها موقع “فوردو” الأشد… pic.twitter.com/t6bwXoRRDi

— Tamer | تامر (@tamerqdh) June 22, 2025

 

وأكد مغردون أن الشعوب الحرة لا ترهبها لغة التهديد، وأن الكرامة الوطنية أغلى من أي صفقات إذعان، مشيرين إلى أن من يسعى فعلا للسلام لا يستخدم الطائرات والصواريخ لفرضه.

في حين شكك نشطاء في إمكانية تدمير منشأة فوردو بضربة جوية واحدة بسبب تحصينها العميق وتعقيدها التقني.

وأكد آخرون أن الضربة تحمل طابعًا دعائيا أكثر من كونها حاسمة، وأن الحديث عن نصر عسكري قد يكون مبالغة إعلامية تهدف إلى الضغط على طهران.

على جانب آخر، أشار البعض إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استطاع جر الرئيس ترامب إلى مستنقع معقد في الشرق الأوسط، يصعب الخروج منه دون كلفة إستراتيجية كبيرة.

رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، يتشكر الرئيس الأميركي دونالد #ترمب
"دائمًا ما أقول مع الرئيس ترامب: السلام يتحقق من خلال القوة.
القوة أولًا، ثم يأتي السلام.
وفي هذه الليلة، استخدم الرئيس ترامب والولايات المتحدة قوة استثنائية".
????القضاء على نظام حول المنطقة لساحة حرب… pic.twitter.com/SO8xuxqkmL

— Sawsan Mhanna| سوسن مهنّا (@SawsanaMehanna) June 22, 2025

يرى عدد من النشطاء أن إيران ليست من الدول التي تُهزم بضربة أو اثنتين، فحتى اللحظة لم تستخدم طهران سلاحها النووي -أو التلويح به- كورقة أساسية في قوتها، مما يعني أن المعركة لا تزال في بدايتها، وأن الحرب ستطول والعبرة بالخواتيم.

وبينما يرى بعضهم أن السيناريو الأسوأ قد يشمل نهاية النظام الإيراني بالتوازي مع انهيار النظام العالمي الأحادي القطب، يتوقع آخرون أن تتحول الأنظار إلى تايوان ومناطق شرق آسيا في حال تطور المواجهة إقليميا.

كما تتباين التوقعات بشأن الرد الإيراني، إذ يذهب البعض إلى أن الردود المحدودة أو استهداف قواعد فارغة قد يكون مؤشرا على قرب انتهاء التصعيد، في حين يرى آخرون أن إغلاق مضيق هرمز أو استهداف قواعد إستراتيجية سيجعل من الحرب حقيقة شاملة ويفتح باب المواجهة الكبرى.

انتهى كل شيء، ايران وأميركا أعلنت تدمير "المنشات النووية"

الآن يبقى السؤال كيف سيكون الرد الايراني ؟!

— MO (@Abu_Salah9) June 22, 2025

ويرى مدونون أن المنطقة تتجه نحو إعادة رسم خارطة النفوذ والسيادة، في ظل تحييد أطراف إقليمية كانت حتى وقت قريب تُعد فاعلة ومؤثرة.

وتساءل مدونون "كيف يمكن تحقيق السلام بهذه الطريقة الهمجية؟ وهل تنتهي الحرب فعلاً بعد الضربات الأميركية؟".

إعلان

مقالات مشابهة

  • تقرير أمريكي يكشف سيناريوهات الرد الإيراني على قصف منشآتها النووية
  • الرئيس الإيراني: طهران تعتزم الرد على الهجمات الأمريكية
  • مدير مكتب الجزيرة في طهران: 3 جهات بإيران تحدد الخطوة القادمة
  • روبيو: الرد الإيراني سيكون “الخطأ الأكبر” والباب مفتوح للحوار
  • مغردون: كيف سيكون الرد الإيراني بعد ضرب واشنطن المنشآت النووية؟
  • تفاصيل الضربة الجوية الأمريكية على المواقع النووية الإيرانية.. سمير فرج يوضح
  • تقدم إلى مكتب الصحة بالأمانة الأخ الصيدلاني د. فايز أحمد المحفدي بطلب تغيير اسم صيدليته
  • مدير مكتب الجزيرة بطهران: تراجع الزخم الدبلوماسي ينذر بمستوى جديد من المواجهة
  • مدير مكتب الجزيرة بطهران: حراك إسطنبول مهم لإيران ويؤسس لمظلة سياسية