صحيفة التغيير السودانية:
2025-12-12@19:01:16 GMT

يهود وإسلاميون في التيه!

تاريخ النشر: 23rd, June 2025 GMT

يهود وإسلاميون في التيه!

بثينة تروس

حين كانت أفنية الدور عامرة بمجالسنا التفاكرية، كنا نلتفّ في العصاري حول والدي رحمه الله، وهو يدير نقاشات منتداه بعمقٍ موشّح بالسخرية الذكية. سأل يومًا ابن عمّه، سليمان تروس، وهو رجل بسيط من عامة الطيبين، قويّ البنية، طويل القامة، جهير الصوت، وكان على الدوام فخورًا بمشاركته جنديًا في الجيش السوداني خلال حرب فلسطين عام 1948.

بالطبع، كانت مشاركة الجيش السوداني حينها ضمن القوات المصرية، وتلك نقطة تستحق التأمل! علاقة التبعية تلك التي لم يتحرر جيشنا من إسارها حتى ما يسمي بحرب (الكرامة) اليوم. كان والدي يقول له ممازحًا (احكِ لنا عن قتالكم الصهاينة) فتتهلل أسارير عمي، ويأخذنا في حديثٍ شائق إلى أجواء المعركة، رغم أن الحديث يدور في النهاية عن هزيمةٍ لا نصر فيها. وكان والدي يختصر القصة ساخراً بقوله (يعني يا سليمان، هزمتم الإسرائيليين، والغنائم ساعات يد، وعدتم وفلسطين ما زالت تحت الاحتلال!). حينها، يبتسم عمي بفخر ويُرينا ساعةً معطوبة في معصمه الأيسر، ظلّ يعتز بها طيلة حياته.
وواصلت حكومة الحركة الاسلامية توظيف العاطفة في التحشيد. خرجت (أخوات نسيبة) دعمًا لغزة، وتبرّعن بحليّهن فيما عُرف بـ(جبل الذهب) يهتفن (يا حكام العرب في قصوركم، البسوا خماراتنا وأعطونا سلاحكم). في تلك الأثناء، كانت الحروب تدور رحاها داخل السودان ذاته، وكانت أجساد النساء في غرب البلاد مسرحًا للجرائم. وفي أروقة الجامعات، كان الولاء الاخواني لإيران يُرفع شعارًا (إيران، إيران، في كل مكان) بحالة عاطفية ظلت تتبني الجهاد في ضياع للبوصلة الأخلاقية.
واستمرت إسرائيل في تقوية جيشها، مستندةً إلى تشتت المسلمين وارتباك التحالفات، رغم وحدةٍ وجدانية، لم تنجح الا في مزيد قتل وتجويع للفلسطينيين. وفي دوران الصراعات حول ذاتها، تدخل دونالد ترامب المتهور مناصرًا لإسرائيل، وممارسات بنيامين نتنياهو التي عمّقت الانقسام العربي، منذ نقل السفارة الأميركية إلى القدس، في رسالة مفادها أن مصائر الشعوب في منطقة الشرق الأوسط باتت تُرسم بإرادة البيت الأبيض، دون اعتبار للقانون أو الإرادة الدولية. كما ان الحرب الدائرة الان بلعبة المصالح التي لا تُخفى، وبتنسيقٍ واضح مع واشنطن، وجّهت إسرائيل ضربات دقيقة لحكومة الملالي في طهران، بذريعة السلاح النووي، وهي الذريعة ذاتها التي دمّرت بها أميركا العراق من قبل. انتشت إسرائيل بنجاح صواريخها الذكية التي أصابت أهدافها بدقة، غير أن المشهد سرعان ما انقلب حين ردّت إيران بصواريخ فرط صوتية، خلّفت دمارًا غير مسبوق داخل العمق الإسرائيلي، فشهد العالم لحظة نادرة من الذهول، وجزعٌ، وهلعٌ بين المدنيين الإسرائيليين، وتزلزلٌ في ثقة الشارع بحكومة نتنياهو، التي بدت عاجزة أمام ضربة بهذا الحجم والدقة. فما كان من أمريكا بد غير التدخل السافر في الحرب ضد إيران.
في المقابل، اجتاحت صفوف المعارضين لإيران موجة من الابتهاج، إذ بدا لهم أن الحليفين، إسرائيل وأميركا، يسعيان إلى إسقاط النظام الإيراني الارهابي، الذي طالما أذاق شعبه القهر، وخاصة النساء، كما هي عادة أنظمة الإسلام السياسي، التي تصبّ جام عنفها على الجسد النسوي. كم شكت الإيرانيات من القتل والسجن والتعذيب، لمجرّد خلع حجاب، أو التعبير عن رأي، أو المطالبة بحريّةٍ سياسية أو دينية. غير أن هذا الفرح لم يدم؛ إذ سرعان ما خرج ترامب ليؤكد أن العملية لم تكن إعلان حرب، من أجل حقوق الانسان، بل مجرّد ضربة محدودة، لا تهدف إلى تغيير النظام. ونقل عن مسؤول أميركي رفيع قوله: “هذا آية الله الذي نعرفه، خير من آية الله جديد لا نعرفه”، في إشارة إلى أن واشنطن، رغم اشتراكها في الحرب، ما زالت تفضّل استقرارًا يخدم مصالحها على تغييرٍ قد يحمل مفاجآت لا تُحتمل.
أما حلفاء إيران، أولئك الذين ما زالوا يتشبّثون بأحلام الجهاد الإسلامي، وهزيمة إسرائيل، وانتصار القضية الفلسطينية بقوة السلاح، فقد ظنّوا أن اللحظة قد أزفت للقضاء على “الصهاينة”، فاشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بحماسة مفرطة، تمجّد عظمة الصواريخ الإيرانية، وذكاء النظام في إخفاء المفاعلات النووية! وتبشّر بانكشاف الهيمنة الجوية الإسرائيلية، غير مدركين أن الحروب اليوم ليست كرًّا بالسيوف ولا طعنًا بالرماح، بل توازنٌ هشّ تحكمه التكنولوجيا، وسياقات الردع المتبادل.
لقد غفلوا عن أن اختراق الأجواء بقدر ما هو إنجاز عسكري فهو أيضًا مُتاح لكلا الطرفين بفعل تسابق التطوير التكنولوجي، وأن الدمار الناتج عن أي حربٍ شاملة لن يقتصر على البنية التحتية لتلك الدول فحسب، بل سيمتد ليزعزع استقرار جميع الشعوب بالمنطقة، ويهزّ ثقتها بحكوماتها، بما ينذر بمستقبلٍ سياسي غائم، لا يمكن التنبؤ بمآلاته. وقد تكون الحكمة الأبلغ من هذه الحرب أن البشرية، شرقها وغربها، مسلميها ويهودها، في ظلّ سباق التسلح النووي ومخاوفه المتصاعدة، باتت أحوج ما تكون إلى السلام، سلام يقوم على التعايش الإنساني لا الإقصاء، وعلى الشراكة في الموارد لا احتكارها، وعلى انصراف الحكومات إلى اسعاد شعوبها لا إغراقها في أوهام القوة المتخيلة. ولعمري، لعلّ هذا هو الموعود الحقيقي للبشرية، وإن طال انتظاره وتعثّر ظهوره.

الوسومبثينة تروس

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

إقرأ أيضاً:

إسرائيل تتوقّع إعلانًا لبنانيًا عن نزع السلاح جنوبي الليطاني

تقدّر جهات إسرائيلية أن الحكومة اللبنانية تتجه خلال الأيام المقبلة إلى الإعلان عن نزع سلاح حزب الله في مناطق واسعة جنوبي نهر الليطاني، وذلك قبل انتهاء المهلة التي وضعتها بيروت لنزع السلاح نهاية الشهر الحالي.

وذكرت هيئة البث العام الإسرائيلية ("كان 11")، أن إسرائيل تستعد لاحتمال أن يرافق هذا الإعلان مطلبٌ لبناني بانسحاب الجيش الإسرائيلي من خمس نقاط داخل الأراضي اللبنانية لا تزال إسرائيل تحتلّها منذ الحرب الأخيرة.

يأتي ذلك فيما تزعم أجهزة الأمن الإسرائيلية أن حزب الله "يسعى إلى إعادة بناء جزء من قدراته العسكرية في الجنوب".

وأضاف التقرير أن مسؤولين لبنانيين أبلغوا الجانب الأميركي بأن الجيش اللبناني تمكّن من "نزع السلاح" أو "تفكيك البنى العسكرية" في نحو 80% من المساحة الواقعة جنوبي نهر الليطاني حتى الآن.

وأشارت "كان 11" إلى أن السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، زار اليوم الحدود اللبنانية، وتلقى خلال الزيارة "إحاطة من كبار ضباط قيادة المنطقة الشمالية حول تقييمات الجيش لمحاولات حزب الله استعادة قدراته".

وفي تقرير آخر بثّته "كان 11" أمس، الإثنين، أشارت القناة إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو ، والرئيس الأميركي دونالد ترامب، سيبحثان خلال لقائهما المقرر نهاية الشهر في فلوريدا، المرحلة الثانية من خطة ترامب لقطاع غزة ، إضافة إلى "التصعيد في لبنان وإعادة بناء قدرات حزب الله".

وكان الرئيس اللبناني جوزاف عون، قدر رفض أمس الإثنين، ما وصفه بـ"الادعاءات الأميركية" التي تتهم الجيش اللبناني بالتقصير جنوب الليطاني، مؤكدًا أن هذه الاتهامات "لا أساس لها من الصحة".

وقال عون إن الجيش "نفذ مهمته كاملة في كل المناطق التي انتشر فيها منذ عام"، مشيرًا إلى سقوط 12 شهيدًا من عناصره خلال تنفيذ المهام المحددة. وأضاف أن تقارير قيادة اليونيفيل وسفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن "أكدت فعالية الجيش اللبناني وقيامه بواجباته".

ويواصل لبنان التحضير للاجتماع المقبل للجنة الميكانيزم في 19 كانون الأول/ديسمبر، وهي اللجنة المخوّلة مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل. وسبق لعون أن شدد على أن "لغة التفاوض يجب أن تسود بدل لغة الحرب" في هذه المرحلة.

ومنذ وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب الإسرائيلية الواسعة على لبنان، اتهمت بيروت إسرائيل بارتكاب آلاف الخروقات التي أدت إلى سقوط شهداء وجرحى لبنانيين، إلى جانب استمرار احتلال خمس تلال لبنانية خلال الحرب الأخيرة، بالإضافة إلى عدد من المناطق الأخرى منذ عقود. وتخشى السلطات اللبنانية من أن يشكّل أي تصعيد جديد شرارة لحرب جديدة واسعة في الجنوب.

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار الإسرائيلية رئيس الشاباك السابق: التحقيق الحقيقي في 7 أكتوبر يبدأ بلجنة مستقلة خطط إسرائيلية لاغتيال السنوار والضيف رُفضت سياسياً قبل "طوفان الأقصى" نتنياهو: لا توجد تفاهمات أو اتفاقيات تم التوصل إليها بين إسرائيل وسوريا الأكثر قراءة كشف تفاصيل جديدة عن محادثة ترامب مع نتنياهو بشأن غزة إصابة شاب برصاص الاحتلال شمال القدس المحتلة كشف الغاز في المحافظة الوسطى وخانيونس ورفح 04 ديسمبر 2025 أسعار العملات اليوم الأربعاء 3 ديسمبر 2025 عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • الملف الأسود لتمويل الحرب والتجنيد.. إيران تنقل مصانعها من سوريا لليمن وتوسع شبكات التهريب لإغراق دول المنطقة بالمخدرات
  • السيّد: هل تكفي الدولارات القليلة التي تحال على القطاع العام ليومين في لبنان ؟
  • تفادياً لحرب مباشرة مع إسرائيل.. تقرير أميركي يكشف: هكذا تستغل إيران حزب الله
  • إسرائيل تستعد لسيناريو هجمات عبر أذرع إيران وجنوب سوريا
  • مشعل: وجه “إسرائيل” القبيح كُشف أمام العالم بعد السابع من أكتوبر
  • لبنان يرفض دعوة طهران.. هل هجمات إسرائيل على حزب الله مقدمة لهجوم جديد على إيران؟
  • ‏إسرائيل توافق على بناء نحو 800 وحدة سكنية في 3 مستوطنات بالضفة الغربية
  • اليمن.. عقدة الجغرافيا التي قصمت ظهر الهيمنة: تفكيك خيوط المؤامرة الكبرى
  • مسؤول إسرائيلي رفيع يتحدث عن حرب “ستُدار بدون إطلاق رصاصة واحدة” وأساليب استخدمتها إيران ضد إسرائيل
  • إسرائيل تتوقّع إعلانًا لبنانيًا عن نزع السلاح جنوبي الليطاني