يهود وإسلاميون في التيه!
تاريخ النشر: 23rd, June 2025 GMT
بثينة تروس
حين كانت أفنية الدور عامرة بمجالسنا التفاكرية، كنا نلتفّ في العصاري حول والدي رحمه الله، وهو يدير نقاشات منتداه بعمقٍ موشّح بالسخرية الذكية. سأل يومًا ابن عمّه، سليمان تروس، وهو رجل بسيط من عامة الطيبين، قويّ البنية، طويل القامة، جهير الصوت، وكان على الدوام فخورًا بمشاركته جنديًا في الجيش السوداني خلال حرب فلسطين عام 1948.
وواصلت حكومة الحركة الاسلامية توظيف العاطفة في التحشيد. خرجت (أخوات نسيبة) دعمًا لغزة، وتبرّعن بحليّهن فيما عُرف بـ(جبل الذهب) يهتفن (يا حكام العرب في قصوركم، البسوا خماراتنا وأعطونا سلاحكم). في تلك الأثناء، كانت الحروب تدور رحاها داخل السودان ذاته، وكانت أجساد النساء في غرب البلاد مسرحًا للجرائم. وفي أروقة الجامعات، كان الولاء الاخواني لإيران يُرفع شعارًا (إيران، إيران، في كل مكان) بحالة عاطفية ظلت تتبني الجهاد في ضياع للبوصلة الأخلاقية.
واستمرت إسرائيل في تقوية جيشها، مستندةً إلى تشتت المسلمين وارتباك التحالفات، رغم وحدةٍ وجدانية، لم تنجح الا في مزيد قتل وتجويع للفلسطينيين. وفي دوران الصراعات حول ذاتها، تدخل دونالد ترامب المتهور مناصرًا لإسرائيل، وممارسات بنيامين نتنياهو التي عمّقت الانقسام العربي، منذ نقل السفارة الأميركية إلى القدس، في رسالة مفادها أن مصائر الشعوب في منطقة الشرق الأوسط باتت تُرسم بإرادة البيت الأبيض، دون اعتبار للقانون أو الإرادة الدولية. كما ان الحرب الدائرة الان بلعبة المصالح التي لا تُخفى، وبتنسيقٍ واضح مع واشنطن، وجّهت إسرائيل ضربات دقيقة لحكومة الملالي في طهران، بذريعة السلاح النووي، وهي الذريعة ذاتها التي دمّرت بها أميركا العراق من قبل. انتشت إسرائيل بنجاح صواريخها الذكية التي أصابت أهدافها بدقة، غير أن المشهد سرعان ما انقلب حين ردّت إيران بصواريخ فرط صوتية، خلّفت دمارًا غير مسبوق داخل العمق الإسرائيلي، فشهد العالم لحظة نادرة من الذهول، وجزعٌ، وهلعٌ بين المدنيين الإسرائيليين، وتزلزلٌ في ثقة الشارع بحكومة نتنياهو، التي بدت عاجزة أمام ضربة بهذا الحجم والدقة. فما كان من أمريكا بد غير التدخل السافر في الحرب ضد إيران.
في المقابل، اجتاحت صفوف المعارضين لإيران موجة من الابتهاج، إذ بدا لهم أن الحليفين، إسرائيل وأميركا، يسعيان إلى إسقاط النظام الإيراني الارهابي، الذي طالما أذاق شعبه القهر، وخاصة النساء، كما هي عادة أنظمة الإسلام السياسي، التي تصبّ جام عنفها على الجسد النسوي. كم شكت الإيرانيات من القتل والسجن والتعذيب، لمجرّد خلع حجاب، أو التعبير عن رأي، أو المطالبة بحريّةٍ سياسية أو دينية. غير أن هذا الفرح لم يدم؛ إذ سرعان ما خرج ترامب ليؤكد أن العملية لم تكن إعلان حرب، من أجل حقوق الانسان، بل مجرّد ضربة محدودة، لا تهدف إلى تغيير النظام. ونقل عن مسؤول أميركي رفيع قوله: “هذا آية الله الذي نعرفه، خير من آية الله جديد لا نعرفه”، في إشارة إلى أن واشنطن، رغم اشتراكها في الحرب، ما زالت تفضّل استقرارًا يخدم مصالحها على تغييرٍ قد يحمل مفاجآت لا تُحتمل.
أما حلفاء إيران، أولئك الذين ما زالوا يتشبّثون بأحلام الجهاد الإسلامي، وهزيمة إسرائيل، وانتصار القضية الفلسطينية بقوة السلاح، فقد ظنّوا أن اللحظة قد أزفت للقضاء على “الصهاينة”، فاشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بحماسة مفرطة، تمجّد عظمة الصواريخ الإيرانية، وذكاء النظام في إخفاء المفاعلات النووية! وتبشّر بانكشاف الهيمنة الجوية الإسرائيلية، غير مدركين أن الحروب اليوم ليست كرًّا بالسيوف ولا طعنًا بالرماح، بل توازنٌ هشّ تحكمه التكنولوجيا، وسياقات الردع المتبادل.
لقد غفلوا عن أن اختراق الأجواء بقدر ما هو إنجاز عسكري فهو أيضًا مُتاح لكلا الطرفين بفعل تسابق التطوير التكنولوجي، وأن الدمار الناتج عن أي حربٍ شاملة لن يقتصر على البنية التحتية لتلك الدول فحسب، بل سيمتد ليزعزع استقرار جميع الشعوب بالمنطقة، ويهزّ ثقتها بحكوماتها، بما ينذر بمستقبلٍ سياسي غائم، لا يمكن التنبؤ بمآلاته. وقد تكون الحكمة الأبلغ من هذه الحرب أن البشرية، شرقها وغربها، مسلميها ويهودها، في ظلّ سباق التسلح النووي ومخاوفه المتصاعدة، باتت أحوج ما تكون إلى السلام، سلام يقوم على التعايش الإنساني لا الإقصاء، وعلى الشراكة في الموارد لا احتكارها، وعلى انصراف الحكومات إلى اسعاد شعوبها لا إغراقها في أوهام القوة المتخيلة. ولعمري، لعلّ هذا هو الموعود الحقيقي للبشرية، وإن طال انتظاره وتعثّر ظهوره. الوسومبثينة تروس
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
من الواضح أن إسرائيل لا تريد حربا طويلة مع إيران ولا تتحملها
أمريكا وجهت ضربات للمواقع النووية الإيرانية وسط شكوك حول فاعلية هذه الضربات، ولكنها لا تريد توسيع الحرب مع إيران.
أمريكا لا تريد حربا واسعة، وهناك تقارير إعلامية عن إبلاغ مسبق لإيران بالضربة الأمريكية وبمحدوديتها.
العدوان الإسرائيلي على إيران ووجه برد إيراني مؤلم لإسرائيل، وأظهر قدرة إيران على استهداف العمق الأسرائيلي.
ومن الواضح أن إسرائيل لا تريد حربا طويلة مع إيران ولا تتحملها.
هدف الحرب بالنسبة لإسرائيل وأمريكا في الحد الأدنى هو إخضاع إيران بإجبارها على التخلي عن برنامجها النووي وبرنامجها الصاروخي.
ويبدو، من الرد الإيراني، أن هذا الهدف لن يتحقق.
إسرائيل تتحرك بموجب الضرورة الوجودية لفعل أي شيء حيال قدرات إيران النووية والصاروخية التي تشكل تهديدا لها ولوضعها في المنطقة. وما قامت به هي ثم تبعتها أمريكا هو أقصى ما عندهما من الناحية العسكرية.
الهدف الذي يأملون الحصول عليه الآن هو تأخير البرنامج النووي لبعض الوقت، على أمل الوصول إلى اتفاق مع إيران يوقف الحرب أولا، لأن لا رغبة لأمريكا ولا لإسرائيل في استمرارها، ثم إيجاد حل لمشروعها النووي.
هذا الهدف هو الآن أقرب إلى الأمنية من أمريكا وإسرائيل؛ فبعد الفشل في إخضاع إيران وإرغامها على الاستسلام، وقيام أمريكا بضربتها المحدودة، تأمل كل من أمريكا وإسرائيل أن تتعقل إيران وأن لا تصعد أكثر. صحيح ترامب هدد برد أقسى وأعنف إذا ردت إيران، ولكنه يراهن على عدم ردها، ولا يريد الاستمرار في حرب مفتوحة.
تأمل وتتمنى كل من أمريكا وإسرائيل عودة إيران مرة أخرى إلى التفاوض.
الكرة الآن في ملعب إيران.
بالنسبة لإيران، لا توجد أهداف تريد تحقيقها من استمرار الحرب مع إسرائيل أو استهداف القواعد الأمريكية سوى الردع والانتقام. لا يوجد هدف ملموس.
كذلك، إسرائيل لم تعد تملك أهدافا قابلة للتحقق من استمرار الحرب مع إيران، باستثناء تأخير البرنامج النووي الإيراني. إستمرار الحرب هو استنزاف لاسرائيل ومدمر لها.
وعليه، فإن إيران في وضع مريح يمكنها من اختيار الخيارات الأفضل بالنسبة لها. يمكنها، إن أرادت، أن تستثمر في الوقت، في ترميم أمنها الداخلي وإعادة بناء قدراتها الصاروخية والدفاعية ومواصلة برنامجها النووي. فقد ردعت إسرائيل وبرهنت ضعفها وهشاشتها ولا يوجد هدف آخر يمكن أن تسعى إليه أكثر من ذلك. ويمكنها أيضا، إن أرادت أن تصعد باستهداف القواعد الأمريكية كما هددت وجر أمريكا للحرب، والنتيجة ستكون مزيد من الضربات ستتضرر منها إيران أكثر من أي طرف. فأمريكا لن تنهار أو تهزم من أي رد إيراني مهما كان قاسيا، وكذلك إسرائيل لا تزول بمجرد الضربات الصاروخية الإيرانية الحالية؛ إذن لا يوجد هدف ذو معنى يمكن أن تسعى إليه إيران. ولذلك أتوقع أن تختار الخيار الأول، وحتى لو ردت على الهجوم الأمريكي أن يكون ردها محدودا في إطار حفظ ماء الوجه. وأتوقع أن تكون هذه جولة وستنتهي.
المنتصر في هذه الجولة سيكون هو إيران إذا لم تذهب إلى تفاوض يعطي أمريكا وإسرائيل والأوربيين ما فشلوا في أخذه بالقوة؛ وهي منتصرة بمعيار عدم تحقيق أهداف العدو المتمثلة في تدمير المشروع النووي والمشروع الصاروخي أو/و إسقاط النظام.
وأظن أن إيران ستسعى لامتلاك السلاح النووي وستحقق ذلك؛ وإسرائيل لا تستطيع إيقاف ذلك ولا فعل أي شيء حيال ذلك.
حليم غباس
إنضم لقناة النيلين على واتساب