خبير: "واشنطن تدعم تغيير النظام".. هل يُخطئ وادفول في قراءة المشهد الإيراني؟
تاريخ النشر: 23rd, June 2025 GMT
أثار وادفول جدلًا جديدًا بتصريحاته حول الصراع الإيراني الإسرائيلي، حيث أبدى ثقته بعدم تدخل أمريكا عسكريًا، ثم أكد أن واشنطن لا تريد تغيير النظام في إيران. يرى الخبير لانج أن أوروبا تخلق خطرًا بمحاولتها فرض دور دبلوماسي دون نفوذ حقيقي. اعلان
يواجه وزير الخارجية الألماني يوهان وادفول انتقادات واسعة تتعلق بمساره السياسي تجاه منطقة الشرق الأوسط.
وفي إطار مبادرة دبلوماسية أوروبية لاحقة، قاد وادفول جهودًا للتوصل إلى محادثات مع إيران حول برنامجها النووي، حيث التقى يوم الجمعة الماضي بوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي على هامش مؤتمر في جنيف. لم تشارك كل من الولايات المتحدة وإسرائيل في هذه المباحثات.
اتهم خبراء الوزير الألماني بعدم الواقعية في التعامل مع طهران، مشيرين إلى أن إيران تمارس لعبة دبلوماسية مع الجانب الأوروبي دون التزام حقيقي. كما لا تزال هناك انقسامات حادة حول فعالية الاتفاقات النووية الحالية في منع النظام من تطوير أسلحة نووية. وقد انتهت المحادثات في جنيف دون التوصل إلى أي تفاهم، وأعلنت إيران لاحقًا تعليق مشاركتها في المفاوضات.
وأثار وادفول غضبًا جديدًا يوم الاثنين خلال تصريحاته في بروكسل، قبل بدء اجتماع مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، الذي يبحث اليوم الوضع المتوتر في الشرق الأوسط على مستوى الوزراء.
وقال وادفول إن تغيير النظام في إيران ليس هدفًا للولايات المتحدة، مؤكدًا تصريحات نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس، التي أوضح فيها أن واشنطن لا تسعى لتغيير النظام في طهران. وأضاف وادفول: "رسميًا، صرّح نائب الرئيس الأمريكي بذلك، وقد أعربت إسرائيل أيضًا عن نفس الموقف".
وتأتي هذه التصريحات متناقضة مع ما تناقلته الصحف والمواقع الإخبارية حول العالم يوم الاثنين، والتي أكدت أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعرب خلال مقابلة الأحد عن رغبته الصريحة في تغيير النظام الإيراني، مما أثار استغرابًا واسعًا وامتعاضًا لدى العديد من الجهات المحللة والسياسية.
قبل ساعات: تحدث ترامب عن "تغيير النظام" للمرة الأولىوأوضح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تدوينات نشرها على حساباته في وسائل التواصل الاجتماعي يوم الأحد، أنه رغم عدم صواب استخدام مصطلح "تغيير النظام" من الناحية السياسية، إلا أنه أبدى تساؤلًا استفزازيًا بالقول: "إذا كان النظام الإيراني الحالي غير قادر على إعادة عظمة إيران، فلماذا لا يكون هناك تغيير للنظام؟!!!"
وهنا يكمن التناقض: فلأول مرة، تحدث ترامب بوضوح عن "تغيير النظام" في إيران، بل وتبنى شعار "إجعلوا إيران عظيمة مرة أخرى"، وهو خطاب يحمل دلالات أيديولوجية وسياسية عميقة.
وقد فسرت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية، بما في ذلك صحيفة "وول ستريت جورنال"، ذلك على أنه إشارة واضحة إلى رغبة ترامب في تغيير الوضع القائم في طهران.
ولفتت الصحيفة إلى أن الرئيس الأمريكي لم يستبعد تقديم دعم لجهود تغيير السلطة في إيران، ما يُعد تصعيدًا ملحوظًا في لهجة الإدارة الأمريكية تجاه النظام الإيراني.
هل يمكن أن يكون وادفول مخطئًا مرة أخرى؟في مقابلة مع "يورونيوز"، أكد الخبير الأمني نيكو لانغ بشكل واضح: "نعم، الولايات المتحدة الأمريكية تؤيد تغيير النظام في إيران".
وأوضح لانغ أن واشنطن تفضل في المقام الأول أن تعود إيران إلى طاولة المفاوضات وتتفق على تسوية جديدة. لكنه أشار إلى تصريحات الرئيس ترامب التي أظهرت بوضوح أنه "إذا لم تنجح الأمور مع الحكومة الحالية، فحينها يجب أن تكون هناك حكومة أخرى".
وأضاف الخبير أن الاستراتيجية المشتركة لكل من إسرائيل والولايات المتحدة لا ترتكز على خيار التحرك العسكري المباشر لتغيير النظام، "لكن كلا البلدين يؤيدان تغيير النظام في إيران من خلال أدوات سياسية واقتصادية وربما دعم معارضة داخلية".
ُيشير الخبير العسكري نيكو لانغ إلى وجود مشكلة أعمق في المقاربة الحالية التي تتبناها الدول الأوروبية، وخاصةً ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي ككل.
ويقول لانغ: "بغض النظر عن شخصية وزير الخارجية الألماني يوهان وادفول، فإن السؤال الجوهري هو إلى أي مدى قد تشكل السياسات الأوروبية الحالية خطرًا عكسياً على مصالح كل من الولايات المتحدة وإسرائيل".
ويستطرد الخبير موضحًا أن "الأوروبيين يتصرفون وكأنهم يمارسون دبلوماسية التفاوض بالوكالة عن الأمريكيين، في حين أن الرئيس ترامب يؤكد باستمرار أنه الوحيد القادر على إبرام صفقة حقيقية مع إيران".
كما يلفت لانغ الانتباه إلى أن "الاجتماع الذي عقد في جنيف يُصوَّر من قبل الأوروبيين بطريقة مختلفة تمامًا عمّا كانت عليه مخرجاته الواقعية"، مشددًا على أن "الدول الأوروبية لا يمكنها بأي حال التحدث باسم الولايات المتحدة أو إسرائيل، وهو ما يثير التساؤلات حول جدوى وفعالية هذه الجهود المنفصلة".
وحذر نيكو لانج من أن اللاعبين الإيرانيين يتعاملون بذكاء استراتيجي مع الموقف الأوروبي، ويصف سلوك طهران بأنه "ماكر للغاية"، وشددعلى ضرورة أن يكون الأوروبيون حذرين، موضحًا: "لو كنت مكان إيران، لدرست بجدية إمكانية التلاعب بالأوروبيين ضد الولايات المتحدة وإسرائيل. هناك خطر حقيقي لأن تنجح إيران في استغلال هذا الانقسام".
وأشار الخبير إلى أن الأوروبيين يمثلون شريكًا أكثر ليونة ولطفًا في الحوار مع إيران، ولفترة طويلة اعتمدوا سياسة ناعمة لم تحقق أي نتائج ملموسة. ويضيف: "إيران تستغل تمامًا رغبة الأوروبيين في الاعتراف بهم كقوة دبلوماسية مؤثرة، بينما في الحقيقة، لا تمتلك هذه الدول الوسائل اللازمة لتحقيق أي تأثير حقيقي على الأرض".
وأكد لانغ أن "الضغط الحقيقي والتأثير الفعلي يقعان على عاتق الولايات المتحدة وإسرائيل، وليس لدى ألمانيا أو فرنسا أو الاتحاد الأوروبي عمومًا أدوات للعب دور فاعل في هذا الملف".
وحذر في الوقت نفسه من أن "استمرار الأوروبيين في السماح باستغلالهم من قبل إيران قد يتحول إلى خطر مشترك يهدد الجميع".
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثةالمصدر: euronews
كلمات دلالية: إيران النزاع الإيراني الإسرائيلي إسرائيل البرنامج الايراني النووي دونالد ترامب الوكالة الدولية للطاقة الذرية إيران النزاع الإيراني الإسرائيلي إسرائيل البرنامج الايراني النووي دونالد ترامب الوكالة الدولية للطاقة الذرية ألمانيا إيران دونالد ترامب إسرائيل النزاع الإيراني الإسرائيلي أسلحة نووية إيران النزاع الإيراني الإسرائيلي إسرائيل البرنامج الايراني النووي دونالد ترامب الوكالة الدولية للطاقة الذرية صواريخ باليستية الشرق الأوسط غزة هجمات عسكرية حلف شمال الأطلسي الناتو علي خامنئي الولایات المتحدة وإسرائیل تغییر النظام فی إیران الرئیس الأمریکی أن واشنطن مع إیران فی جنیف إلى أن
إقرأ أيضاً:
تغيير النظام لن يوقف مساعي إيران النووية
ترتكز الضربة العسكرية «الأحادية» التي وجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضد إيران على فكرةِ إجبارِ الجمهورية الإسلامية على التخلي عن برنامجها النووي، أو إحلالها بنظام سيَمْتَثِل لمطالب إسرائيل والولايات المتحدة، ويتخلى عن طموحاته النووية.
في الحقيقة لن يتخلى أي نظام إيراني سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل عن طموحات إيران النووية. وإذا كانت إسرائيل قد فعلت أي شيء بمهاجمة المواقع النووية الإيرانية فيما كانت طهران تتفاوض مع الولايات المتحدة؛ فإنها في الواقع عززت حافز الجمهورية الإسلامية للمسارعة إلى امتلاك رادع نووي.
أحلام إيران النووية وكوابيس الغرب النووية لم تولد مع الجمهورية الإسلامية في عام 1979. شاه إيران محمد رضا بهلوي هو الذي سَرَّع بشكل مثير البرنامج النووي المدني لبلاده عام 1974 بعد أزمة الطاقة العالمية التي رفعت أسعار النفط بشدة؟ وقتها -كما هي الحال الآن- كان هنالك قلق عميق في واشنطن من أن تطلق إيران النووية موجة انتشار نووي في الشرق الأوسط «تهدد» إسرائيل.
عندما اتجه الشاه إلى الولايات المتحدة؛ لتزويد إيران بمفاعلات نووية حاول وزير الخارجية هنري كسينجر فرض «حقوق فيتو» أمريكية على الوقود النووي المُستنفَد في إيران. كان يخشى من أن إيران مثلها مثل الهند أو باكستان ستستخدم برنامجها المدني؛ لتخزين المادة القابلة للانشطار، والتي يمكن استخدامها في نهاية المطاف؛ لإنتاج القنبلة النووية. اليوم أتقنت إيران دورة الوقود النووي. وهي -وفقا لمعظم التقديرات- على بُعد أسابيع من الحصول على يورانيوم مخصَّب وكافٍ لصُنع سلاح نووي.
اعترض الشاه على فكرة وجوب معاملة إيران بطريقة مختلفة عن البلدان الموقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية في عام 1968.
وما كان من الممكن حتى لكيسنجر أستاذ الدبلوماسية أن يقنع الشاه بالموافقة على فرض قيود وضوابط احترازية إضافية على البرنامج النووي لإيران.
أصرَّ الشاه على حق إيران في تخصيب وإعادة معالجة وقودها النووي الخاص بها بدلا من الاعتماد على أي بلد أجنبي؛ لتزويد مفاعلاتها بالوقود. لكن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وافقت على هذه القيود والضوابط الإضافية في الاتفاق النووي لعام 2015 والذي مزقه ترامب عام 2018.
حذر وزير الخارجية الإيراني الأسبق أردشير زاهدي في عام 2018 من أن «التنمُّر نادرا ما ينجح. ولم ينجح أبدا مع بلد كإيران». ومن منفاه في سويسرا هاجم صهر الشاه السابق في رسالة نشرها على صفحة إعلان كاملة بصحيفة نيويورك تايمز تعليقاتِ وزير الخارجية الأمريكي وقتها مايك بومبيو والتي جاء فيها أن إيران ستُسحق إذا لم تمتثل لمطالب واشنطن. وتساءل زاهدي الذي وقَّع على معاهدة منع الانتشار النووي نيابة عن إيران في عام 1968 بقوله: «هل العقول في وزارة الخارجية في الولايات المتحدة ووكالة الاستخبارات الأمريكية جاهلة بالتاريخ إلى هذا الحد؟».
تذكّر زاهدي أنه على الرغم من علاقة الشاه الوثيقة بكل من الولايات المتحدة وإسرائيل كان هنالك عدم ارتياح عميق في الغرب من فكرة إيران النووية. ذلك الإحساس بالقلق التقطته رواية بول اردمان الصادرة في عام 1976 تحت عنوان «انهيار 79». رسمت الرواية التي راجت وقتها سيناريو يصنع فيه سرَّا شاهٌ مصابٌ بجنون العظمة سلاحا نوويا، ويخوض حربا؛ للهيمنة على الشرق الأوسط.
فكرة إيران القوية -بصرف النظر عمن يحكمها- هي مادة «كوابيس» في واشنطن وإسرائيل. ويبدو من المستبعد تماما أن تقبل إسرائيل التي هي نفسها دولة أسلحة نووية غير معلنة فكرة إيران النووية حتى لو لم تكن تحت القيادة الحالية. فإيران المسلحة نوويا ستُنهي الاحتكار النووي الذي تنفرد به إسرائيل في الشرق الأوسط، وتغير التوازن الاستراتيجي في المنطقة إلى الأبد.
يعلم الإسرائيليون تمام العلم أن أي نظام إيراني لن يقبل بدور متضائل في الشرق الأوسط. فإيران بعد كل شيء بلدٌ يبلغ عدد سكانه 90 مليون نسمة، ومساحته ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا، ويملك ثاني أكبر احتياطيات للغاز الطبيعي، وثالث أكبر احتياطي للنفط في العالم.
أي زعيم إيراني عليه التعامل مع حقيقة أن سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران تضع مصالح إسرائيل في الاعتبار. الشاه نفسه كان يعرف هذا.
لقد شكا علنا من انحياز الصحافة الأمريكية لإسرائيل، وكان يقرّ بقوة اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة. نفس هذه المخاوف تشعر بها اليوم أيضا على الأقل شريحةٌ من حركة ماجا (صاحبة شعار لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى) والتي تكره فكرة جرجرة الولاياتِ المتحدة بواسطة إسرائيل إلى حرب مع إيران.
سيكون قادة إيران في المستقبل -مثلهم مثل قادتها في الماضي- على وعي حاد بأن إيران القوية لن يُرحَّب بها أبدا في إسرائيل أو واشنطن. فما لم تكن إيران مستعدة للقبول بمكانة أقل شأنا في المنطقة -وهو ما لا يمكن أن يقبل به أي سياسي إيراني في حقبة القومية الشعبوية- سيبدو حينها بحث إيران عن رادع نووي خيارا لا مفرّ منه.
روهام الواندي مدير مبادرة التاريخ الإيراني بمدرسة لندن للاقتصاد ومؤلف كتاب «نيكسون وكيسنجر والشاه: الولايات المتحدة وإيران في الحرب الباردة»
الترجمة عن «الفاينانشال تايمز»