يوم دراسي بالرباط يناقش ظاهرة الشعبوية في العالم المعاصر
تاريخ النشر: 25th, June 2025 GMT
نظّم مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، بشراكة مع المركز الدولي للدراسات في الإعلام والتنمية، يوماً دراسياً حول موضوع « الشعبوية في عالم اليوم »، وذلك يوم الإثنين 23 يونيو الجاري، بمقر المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط.
وقد شكّل اللقاء مناسبة لتسليط الضوء على ظاهرة الشعبوية، ومساءلة علاقتها بالسياقات السياسية وبحقل العلاقات الدولية، في ظل ما يشهده العالم من تحولات متسارعة.
في مداخلته، أوضح إسماعيل حمودي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، أن فهم الشعبوية يقتضي اعتماد أربع مقاربات أساسية؛ فهي تُدرَس بوصفها إيديولوجية، وخطاباً، وأسلوباً سياسياً، واستراتيجية سياسية. وأكد في ختام مداخلته أن الشعبوية لا تفضي بالضرورة إلى تصعيد النزاعات الدولية.
أما عبد الحميد بن خطاب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس، فقد عرّف الشعبوية بأنها خطاب سياسي يعتمد على تحريك العاطفة وشخصنة العلاقات السياسية، بهدف التقرب من الجمهور عبر استغلال مشاعرهم ومخاوفهم. واستدل في ذلك بخطابات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. كما أشار إلى أن الشعبويين يسعون إلى شيطنة الإعلام والمؤسسات الدولية، مقدّمين إياها كأعداء مباشرِين للشعب، مشدداً على أن العاطفة وشخصنة السلطة يشكّلان الركيزتين الأساسيتين لهذا الخطاب.
من جهته، تناول محمد عبد الوهاب العلالي، أستاذ التواصل السياسي بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، العلاقة بين الشعبوية والتواصل السياسي، منطلقاً من حالة الصراع الإيراني الإسرائيلي. واعتبر أن الخطاب السياسي في هذا السياق يُبنى على ثنائية الخير والشر، وفكرة « الاستئصال المتبادل »، حيث ينظر كل طرف إلى الآخر كعدو يجب القضاء عليه. وأكد أن مثل هذا الخطاب يوظف التخويف والأساطير والعقائد الدينية، مما يُفضي إلى انتشار الخطابات المضللة، محذّراً من أن الشعبوية تُعد تهديداً حقيقياً للديمقراطية.
أما محسن بن زاكور، أستاذ علم النفس بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، فقد أبرز أن الشعبوية تقوم على البعد العاطفي والتبسيط المفرط للوقائع، وتلجأ إلى خطابات تحفيزية وتوليد عداوات خارجية، لتسويق الوهم للجمهور. وأضاف أن الزعيم الشعبوي يُقدَّم كـ »منقذ »، مما يحوّل الحملات الانتخابية إلى ساحة للتلاعب بالكلمات والمفاهيم.
ويأتي هذا اليوم الدراسي في سياق الحاجة المتزايدة لفهم تعقيدات الخطاب الشعبوي، واستيعاب تداعياته على الممارسة السياسية ومستقبل الديمقراطيات في العالم.
كلمات دلالية الشعبوية
المصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: الشعبوية
إقرأ أيضاً:
خطاب الحرب
أما وقد رفعت الحرب راياتها، وشدت إليها مطايا وأرحل، وأكلت النيران العباد والبلاد، وسنت القاتلات الماحقات، وأعِدت الهالكات المفنيات، وسويت الشاهقات العاليات بأسافل الأرض، وعاث بنو صهيون في الأرض تِيه مارد طليق اليد واللِسان، وأقيم خطاب القوة قبل السلام، فإن عجْزا في خطاب الفكر قد حل، وصمْتا للعقل قد ساد، إذ أطلقت أيادي مجانين المال وتحصيله من الحروب والأوبئة قد غلب.
يعنيني جدا أن يتفكر الأدب -وهو مجالي وعالمي- في ما يحيط به من عوالم، يعنيني أن يقول الفكر قوله في هذا العالم الذي يقام فيه خطاب الكراهية ويعيد توزيع العالم وفق إرادة القوة. أهتم كثيرا بالخطاب، بما في ذلك الخطاب السياسي، لأني أعتقد أن اللغة هي -دوما- أداة أثر وتأثير، ومنها يمكن أن نتبين أبعادا وأن نقرأ أرضيات، وأن ندرِك نفسيات.
أولا وجب أن نقف على نمط من خطاب المخاتلة و«الكذب» الذي يسوغ في حالة الحرب لا في حالة السلم، وأن نتبين أن حرب القول، لا تقل منزلة ولا أثرا عن حرب السلاح، حرب إيران، مشروع قتال مفن، وضع الناس على فوهة بركان، وخاصة أناس الشرق الأوسط، ومنطقة الخليج العربي.
هنالك خطاب قوي سائد أولا هو خطاب الكيان الإسرائيلي، هو خطاب لا منطق فيه، ولا سند له، غير أن العالم أعرض عن الوجاهة وعن المنطق وانخرط في زمن «فتونة الأقوياء»، خطاب الكيان الصهيوني، هو خطاب معاقبة من يرفضه، ومن يقف ضده بقوة السلاح، بقوة التدمير، دون حد أو ضبْط، ودون رقيب أو حسيب، وقد سادت عبارة صدرت عن رأس السلطة في هرم حكم الكيان الضالِ المضل، ابن يامين نتنياهو، تبدو عادية، بسيطة، تلقاها العالم بكل رضا واستسلام، وهي المقولة التي قال فيها: «الرئيس ترمب وأنا أقول دائما إن السلام يأتي من خلال القوة، القوة أولا، ثم يأتي السلام»، معادلة جديدة في منطق جديد لكون جديد، القوة ثم سلام يفرضه الأقوياء، أو هو استسلام في شكل سلام.
لا تعنيني السياسة في شكلها العملي في هذا المقال، ولكن تعنيني كثيرا سياسة الخطاب، كيف يبْني القوي خطابا مختلفا، خارجا أحيانا عن حدود الأعراف، وعن المنطق، ليصبح هو ذاته منطقا يحتج به. خطاب نتنياهو بعد ضربة أمريكية لدولة مستقلة، لها حرمة حدودها، وهي إيران، هو خطاب القوي، الذي انطلق بمفرده، لضرْب دولة قرر هو معاقبتها ومنعها من امتلاك السلاح النووي، قدر هو أنها اقتربت من صناعة النووي، ولذلك وجب أن ينقذ العالم منها، وسوق لهذا الخطاب، خطاب المنقذ، في حين أنه علنا، محا بفعلته تلك، كل ما بنته الحضارة الحديثة، من أمم متحدة تتخذ القرار بمعاقبة أو محاربة الدول التي تقدر أنها تهدِد السلم الكوني.
منطق الأشياء أن العالم الحديث تخلص من شريعة الغاب، ومن اتخاذ القرارات الفردية بإقامة الحروب، وتحديد الخارج عن السِرْب، من هي إسرائيل لتنوب الكون وتعتدي على دولة سيادية، لا تربطها بها حدود، وتتهمها بما هي مالكته، تتهمها بنية الطموح لامتلاك سلاح نووي تشرِع إسرائيل لنفسها امتلاكه، وتمنع الغير حتى من التفكير في تحصيله؟ هل صارت إسرائيل قاتلة الأطفال والنساء، الدولة التي تتهمها الأمم المتحدة بالإبادة الجماعية، هي حامية العالم؟ يكتسب الكيان الإسرائيلي قوة خطابه من مباركة أمريكا له، ومن مساندة العالم أيضا لما يفعله، وكأن أصحاب عصبة الأمم المتحدة اتفقوا على أن الفعل الغاصب هو الفعل الحق.
هذا باب من خطاب استسلم له الكون وقبله وروج له، وهو خطاب حول جذريا من اعتقاد إنساني ساد إيمانا بالإنسانية وبالعدالة الكونية، وهو اعتقاد سقط وهوى في أيامنا هذه، في انتظار قيام وعي جديد وإنسان جديد يؤمن بمبادئ كونية جديدة، لا نعرف محتواها.
في السياق نفسه يصرح وزير الدفاع الأمريكي بعد ضرْب أمريكا لإيران قائلا: «العملية ضد إيران كانت جريئة ورائعة»، استرعت اهتمامي في هذا التصريح عبارة «رائعة»، وهي عبارة متساوقة مع خطابات سائدة لترمب يسم بها كل فعل أمريكي عموما، ويصف فيها الانتصار الساحق الذي وصف به تدمير المفاعلات النووية الإيرانية، وما فعله أيضا من «تخليص» للكون من «الشرير»، دور المخلِص هو دور عقدي يؤديه شخص ترمب من جهة ونتنياهو من جهة ثانية، ودور «الشرير» تحدد لأهل غزة أولا، ثم لإيران ثانيا، وعودا إلى عبارة وزير الدفاع الأمريكي في وسْمه للعملية ضد إيران بالرائعة، فإن الروعة تلحق عملا فيه إبهار وتأثير، وله أثر إنساني عادة، فالرائع في المعاجم هو «الذي يجاوز الحد فنا أو حسنا أو شجاعة أو أخلاقا»، وما قام به الطيار الأمريكي الذي ألقى قنبلة، وهو عديم كل شعور إنساني، أو معرفة ذاتية بأثرها، أو وعيا وعلما بمن يحارب، هو فعل جمادي، لا يرتقي للحيوانية، لأنه قد يبيد مدينة كاملة برضعها وشيوخها بفعله «الرائع»، المروع، فالحيوان يقتل بحثا عن الطعام، أما الإنسان الأمريكي فإنه يقتل وهو يؤدي وظيفته. خطاب الروعة، لا صلة له بالشجاعة، فالطيار يمتطي حصانا معجِزا، ولا صلة له بالفن ولا بالجمال، وإنما صلته الأمتن بالتكنولوجيا التي يمتلكها صاحب الخطاب ويذل بها الكون، ويريد أن يقلب بها مفاهيم الوجود، «مطرقة منتصف الليل» درس في الخطاب وأثره، هي بيان لقوة تعيد توزيع مفاهيم الحق والباطل، العدل والجوْر، المنقذ المخلِص والشرير، المحور والهامش.
«مطرقة منتصف الليل» هي استعادة لخطاب ديني، يتبوأ فيه المنقذ المخلص دور حامي الكون، وهو الذي يحدد المارق، الكافر، وهو أيضا الذي يستمد قوته من شرعية دينية «عادلة، تمكنه من «معاقبة» الأشرار، صاحب قوة القول، مستند إلى قوة فعل، وهو حامل مطرقة يهرس بها كل رأس يخرج من قمقمه.