نوضح قبل البداية أن استعمال لفظ الشعب العربي مجملا غير مفصل هو من قبيل المجاز الذي يسهل القول ويقلل اللفظ في النص ليس إلا، فالعرب شعوب اختلفت ولم تتآلف وبأسها بينها شديد، ولنقلها بصوت مسموع.. العرب مخترقون بكل الأفكار والمطامع، وتوحيدهم في لفظ شعب واحد يدخل في باب اللغو، ولم تزدنا الحرب الأخيرة إلا يقينا بأن الوحدة وهم غطى به العرب خيبات كثيرة.
ها نحن نشهد حربا إقليمية أخرى تضع أوزارها وترتب نهايتها، وتحدد مصائر من شارك فيها، وقد شارك فيها العرب بكلام كثير، وهم اللحظة في وضع المراقب عل بعض الفيء يقع بين أيديهم بالصدفة. هناك درس متاح وليس من فيء المعارك؛ تحارب الشعوب من أجل مصالحها القومية ولا تنفق دمها من أجل غيرها، فلِمَ لا يتعلم العرب أن يخوضوا معاركهم بأنفسهم من أجل مصالحهم فلا يكونون من جُمّاع الفيء من معارك الآخرين؟
التواكل القاتل
إن الدروس تتراكم منذ قرن ولا أحد يستخلص العبرة. سيطول بنا الحديث لو عدنا إلى الثورة العربية الكبرى التي اعتمد فيها بعض العرب على الإنجليز لتحريرهم من الترك، فاكتشفوا أنهم ليسوا أكثر من ألعوبة في يد الذكاء الإنجليزي الجبار. ولكن العرب الذين استقلوا عن الاستعمار المباشر بجهدهم وحدهم ارتدوا إلى خطأ الأسلاف بالاعتماد على رفيق خارجي. كان الاتحاد السوفييتي الاشتراكي صديق الشعوب هو الأقرب إلى مشاعرهم فوضعوا بيضهم في سلته، فغدر بهم في معارك مصيرية كانوا محتاجين إلى سلاحه ودعمه السياسي في عالم مقسوم بين معسكرين، وبتبيّن غدره لم يتوبوا عن التواكل، بل مالوا إلى عدوهم الأكبر فقالوا إن 99 في المائة من أوراق الحل بين يديه فإذا هم مهزومون يتسولون السلام من العدو، ولم يتدربوا على طرح السؤال: ماذا لو اعتمدنا على أنفسنا في صناعة قوتنا بأيدينا؟
في ميل بعض العرب إلى مناصرة إيران في حربها الدفاعية الأخيرة أمام الكيان سعي آخر إلى البحث عن نصير من خارج العرب، نصير يخوض معركة العرب بدلا منهم فيحررهم، وربما يشكرونه على حسن صنيعه بهم. لكن إيران خاضت حربها طبقا لأجندتها الإيرانية
في ميل بعض العرب إلى مناصرة إيران في حربها الدفاعية الأخيرة أمام الكيان سعي آخر إلى البحث عن نصير من خارج العرب، نصير يخوض معركة العرب بدلا منهم فيحررهم، وربما يشكرونه على حسن صنيعه بهم. لكن إيران خاضت حربها طبقا لأجندتها الإيرانية ولم تنظر في أنصارها العرب فتعدل بعض ردهات المعركة من أجلهم. نعم كانت مناصرة إيران في صد العدوان عليها من قبل كيان ظالم واجب أخلاقي سام، لكن مع الوعي بأن المعركة يخوضها الإيرانيون من أجل بلدهم لا من أجل العرب، لا بل يمكننا التدليل على أن العرب كانوا بعض الوقود المجاني في حرب ليست لهم بل عليهم. أين الدروس المستفادة من الخدائع السابقة؟ لا أحد تعلم واعتمد.
نتابع ما بعد المعركة
نجد العرب مشغولين بسؤال لا يعنيهم مباشرة: هل انتصرت إيران أو انهزمت؟ وهو سؤال يثير حروبا لفظية في السوشيال ميديا، ولا يُطرح من قبيل التعلم إلا لدى عدد قليل مغمور بالضوضاء العالية فلا يُسمع ولا يُطاع.
لقد حصلت إيران على مَنَعة رغم ما أصابها، وهذا من جنس مَنَعة حركة طالبان الافغانية بعد هروب الأمريكي من بلادهم، حيث سقط التهديد بالقوة بعد اختبارها وانكشاف عجزها (طبقا لقاعدة يطبقها الجميع وإن نسبها العرب إلى أنفسهم: الضربة التي لا تقصم الظهر تقويه). لم يعد ممكنا في ما نرى أن يتجرأ الأمريكي الآن على حركة طالبان الحاكمة، لقد سكت إعلام مطاردة برقع الأفغانيات ولغو حقوق الإنسان والحداثة على ما يجري في أفغانستان. سيتم الأمر نفسه في إيران بل بشكل أوضح، فإيران بعد الضربة لم تفقد كل قوتها الداخلية ولن يعود اللغو الغربي عن حقوق المرأة والديمقراطية ليزعج إيران، فضلا على أنها نجت بثمرة اجتهادها العلمي (المدخر النووي)، وستسير بلا ضغوط نحو استكمال مشروعها وترمم عمرانها وتتحول إلى قوة إقليمية لا يهضم جانبها. والعرب في كل هذا يتجادلون "انهزمت إيران.. لا بل انتصرت".
إيران مشغولة بمستقبل إيران وهذه قناعة تجلت ويجب أن تتحول إلى درس، مثلما أن تركيا مشغولة بتركيا وباكستان مشغولة بباكستان. إن النداءات العالية التي صدرت من غزة تطلب نجدة الأمة العربية والاسلامية فلم يُستجب لها تعني أولا أن الفلسطيني سيحمل قضيته بنفسه حتى نصره أو شهادته، وأن العربي من حولها معني بتحرير نفسه
ما زال بعض العرب الطيبين يظنون أن أي طاولة تفاوض مع الإيرانيين ستضع فيها إيران غزة والقدس على الطاولة وتستخلص لها بعض الحق، وهذا مدخل كبير للوهم نابع من مرض التواكل العربي؛ الذي قالت لنا غزة قبل هذه الحرب إه وهْم وأن الحل في الاعتماد على النفس بأقل القليل من القوة، ولكن بوضوح الرؤية والاعتماد. إن القفز فوق دبابة ورمي برميل بارود داخلها يعتبر أولا وقبل كل حساب درسا سياسيا يقطع مع انتظار كل نجدة خارجية أو الاستعانة بصديق، فهذه ليست لعبة من يربح المليون.
إيران مشغولة بمستقبل إيران وهذه قناعة تجلت ويجب أن تتحول إلى درس، مثلما أن تركيا مشغولة بتركيا وباكستان مشغولة بباكستان. إن النداءات العالية التي صدرت من غزة تطلب نجدة الأمة العربية والاسلامية فلم يُستجب لها تعني أولا أن الفلسطيني سيحمل قضيته بنفسه حتى نصره أو شهادته، وأن العربي من حولها معني بتحرير نفسه دون لغو الإسناد بالسوشيال ميديا ودعاء المساجد وأكثره تباك لترضية الضمير الكسول.
ماذا لو نفكر بالديمقراطية؟
إن الحل الغزاوي غير ممكن في غير غزة، هذه قناعة يؤكدها ما سبق من دخول تحت الأرض قبل بدء المعركة. لا نرى العرب يحفرون الأنفاق فالعدو الكامن بينهم ليس واضحا وضوح عدو غزة، ولذلك فالاعتماد مختلف. العدو الكامن هو من رمى قافلة الدعم المغاربية بتهم "التخونج" ليعيق تقدمها، فيحمي من أثرها الفعلي والرمزي نظاما يحمي الكيان بسلاحه حتى لا يضار من أحد. هذا العدو الداخلي يحارب بشوارع واعية بقضيتها، وقضيتها حريتها أولا، قبل أن تنظر إلى غزة، حريتها طريقها إلى نفسها فإذا تحررت بلغت غزة في أي زمن، وغزة ستظل محتاجة لمن يزورها ولو بعد دهر طويل.
معارك الحرية في كل قُطر هي السبيل إلى تحصيل المنعة ودون الحاجة إلى سلاح ردع، فالردع الأقوى هو الوعي بطبيعة العدو المتسلل عبر وسائل خبيثة، منها على سبيل التندر وضع قضايا المثلية قبل قضايا التنمية الاقتصادية. وهذا العدو يحارب بالحرية المفضية بالقوة إلى الحكم الديمقراطي، وهو الحكم الرشيد الذي تؤلَّف فيه الكتب وتوضع على الرفوف فلا تتحول إلى برامج تنفيذية على الأرض. (وكم عندنا من كتب جميلة الشكل والمضمون مركونة في المكتبات).
هذه هي المَنَعة السياسية المفضية إلى المنعة الاقتصادية المثبتة للمنعة السياسية (دائرة القوة والمجد) دون ردع نووي. فالعدو الذي نُخَوَّف به منذ قرن كفتنا إياه غزة ونراه يرتعش ويحزم حقائبه على أول طائرة. من بدأ بمعركة الحريات فقد اهتدى إلى الطريق.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه العربي الحرب إيران غزة إيران إسرائيل غزة عرب حرب مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بعض العرب من أجل
إقرأ أيضاً:
الزراعة تعلن حصول وقاية النباتات على تجديد واعتماد دولي جديد لـ 12 اختبارًا
أعلنت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، تجديد الاعتماد الدولي للمعامل المركزية لمعهد بحوث وقاية النباتات التابع لمركز البحوث الزراعية، وفقًا للمواصفة ISO/IEC 17025:2017 ، وذلك بعد إضافة 12 اختبارًا جديدًا، تم اعتمادهم أيضا.
وقال الدكتور أحمد عبدالمجيد مدير المعهد أن ذلك يأتي في إطار توجيهات علاء فاروق، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، برفع كفاءة المعامل المتخصصة، لضمان مطابقتها لأعلى معايير الجودة العالمية، وتعليمات الدكتور عادل عبدالعظيم، رئيس مركز البحوث الزراعية، برفع كفاءة المعامل وصقل العاملين بالمعاهد والمعامل.
وأشار عبدالمجيد إلى أن الاعتمادات تشمل 10 اختبارات جديدة متخصصة في منتجات نحل العسل، مما يعزز قدرة المعامل على تحليل العسل وتحديد جودته ومصدره،.حيث شمل ذلك تحديد نشاط إنزيم الدياستيز، ونسبة المواد الصلبة غير الذائبة، وقياس الحموضة الكلية، بالإضافة إلى تحديد نسب حبوب اللقاح التي تعد مؤشرًا أساسيًا على نوع الأزهار التي يعتمد عليها النحل، كما تم اعتماد اختبارات جديدة للبروتين والدهون في حبوب اللقاح وغذاء الملكات.
واضاف مدير المعهد انه تم أيضا تجديد اعتماد معمل التحاليل الكيميائية الدقيقة لاختبارين لقياس إنزيمي GPT وGST، بالإضافة إلى اعتماد اختبارين جديدين لقياس البروتين الكلي وإنزيم GOT، كذلك تجديد اعتماد معمل آفات وأمراض النحل للكشف عن أمراض تعفن الحضنة الأوروبي والأمريكي، واللذان يعدان من أخطر الأمراض التي تصيب خلايا النحل.
وأعرب عبدالمجيد، عن خالص شكره وتقديره للجنة التقييم التابعة للمجلس الوطني للاعتماد، والتي تضم الدكتور أشرف محمد، الدكتور نصر البورديني، الدكتور محمد توفيق، والدكتور أحمد عبدالعليم، على جهودهم المتميزة في إتمام عمليات التقييم وفق أعلى المعايير الدولية، كما تقدم بخالص الشكر والتقدير للدكتورة فرحة حسني، مدير إدارة الجودة بالمعهد، على إسهاماتها المتميزة وجهودها الدؤوبة في تحقيق هذا الاعتماد، والذي يعكس التزامها بالجودة والتميز في العمل، كذلك وجه شكر خاص للدكتورة نيفين صبحي، مستشار رئيس مركز البحوث الزراعية للجودة، لدعمها الكبير وتعاونها المثمر مع إدارة الجودة بالمعهد لضمان استيفاء كافة شروط الاعتماد.
وتقدم مدير المعهد بالتهنئة لكافة العاملين بالمعهد، الذين كان لهم دور أساسي في هذا النجاح، الذي يعزز مكانة المعهد كـمؤسسة علمية رائدة تسعى دائمًا للتميز والريادة و تأكيدًا على التزام المعهد بتطبيق أعلى معايير الجودة في الخدمات البحثية والتقنيات الزراعية، لضمان أعلى مستويات الجودة.