عربي21:
2025-10-13@19:24:14 GMT

كيف ينبغي تقييم نتائج الحرب بين إيران وإسرائيل؟

تاريخ النشر: 30th, June 2025 GMT

كما كان متوقعا، خضع تقييم نتائج الحرب الأخيرة بين إيران ودولة الاحتلال في العالم العربي لمنطق الاستقطاب القائم وخصوصا لجهة الموقف من إيران، بما أدى لتقديرات متسرعة ومبالغ بها لصالح أحد الطرفين؛ من قبيل "النصر الكاسح" و"الهزيمة الساحقة" و"انهيار النظام" و"الاستسلام" وغير ذلك، ومما يبعث على الأسف أن الأمر شمل حتى بعض الباحثين والكتاب الذين يفترض بهم وينتظر منهم التقييم الموضوعي.



والبديهي أن تقييم نتائج حرب من هذا النوع لا يمكن اختزاله بهذه الطريقة المخلّة، وإنما ينبغي أن يُبنى على منهجية تعتمد عدة عناصر رئيسة؛ في مقدمتها سياق الحرب، وأهداف الطرفين (المعتدي والمعتدى عليه) منها، وتطوراتها الميدانية، وخسائر كل طرف، وقدرات وأسلحة الطرفين، وكيف وعلى أي أسس انتهت الحرب.

يمكن تلخيص سياق الحرب بعدة معطيات بالغة الأهمية لا يمكن تقييم نتائج الحرب بدون وضعها في الحسبان:

الأيام اللاحقة في الحرب أكدت على أن إيران امتصت إلى حد كبير الصدمة الأولى وبادرت إلى تفعيل منظومة الصواريخ الباليستية في سياق السعي لحرب استنزاف تبدو هي -أي إيران- أكثر قدرة من "إسرائيل" على تحملها
أولها، أن إيران لم تكن تريد المواجهة بل أُجبرت عليها، وكانت حتى اللحظة الأخيرة تسعى لتجنبها ولعلها ظنت أنها ستنجح في ذلك، وهو تقدير خاطئ بطبيعة الحال بعد ما أثبتته السنتان الفائتتان من متغيرات جوهرية في النظرية الأمنية- العسكرية لدولة الاحتلال في المنطقة وبعد التغيرات الكبيرة في الأخيرة. الأهم أن إيران كانت تسعى بما أوتيت من قوة وأوراق لتجنب مواجهة مباشرة وشاملة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي ترى أنها ستكون مدمرة وكارثية عليها.

وثانيها، أن الحرب أتت بعد إضعاف حلفاء إيران في المنطقة إلى حد كبير، على أقل تقدير وفق المنظور "الإسرائيلي"، وفي مقدمة ذلك سقوط النظام السوري، والضربات التي وُجهت لحزب الله في لبنان واختُتمت باتفاق وقف إطلاق النار، فضلا عن إضعاف حركة حماس والمقاومة في غزة. وبالتالي فقدت إيران الدرع الأمامي وورقة التدخل البري -المحتمل- في أي حرب مع "إسرائيل"، وبالتالي نسبة لا بأس بها من الردع وأوراق القوة.

وثالثها، أن إيران لم تخض الحرب ضد دولة الاحتلال منفردة، بل شاركت مع الأخيرة عدة أطراف عربية وغربية، إن كان على صعيد الرصد والاستطلاع، أو المشاركة الفعلية في إسقاط المسيرات والصواريخ الإيرانية (بإتاحة الأجواء و/أو المشاركة المباشرة)، أو الضربة الأمريكية الكبيرة على المنشآت النووية، وغير ذلك.

في تطورات الحرب، وجهت "إسرائيل" بلا أدنى شك ضربة كبيرة لإيران، باغتيال عدة قيادات عسكرية وازنة وعلماء بارزين في المشروع النووي بشكل متزامن، فضلا عن قصف مواقع حساسة، واتضح أنها قد حققت على مدى سنوات اختراقات أمنية مذهلة في الداخل الإيراني، بما في ذلك تشغيل جهاز الموساد مجموعات قادرة على استخدام مسيّرات وأسلحة مختلفة خلال الحرب. كما لا ينبغي تجاهل الضربة الكبرى التي وُجهت للمشروع النووي الإيراني بالقصف الأمريكي المباشر في آخر أيام الحرب.

بيد أن الأيام اللاحقة في الحرب أكدت على أن إيران امتصت إلى حد كبير الصدمة الأولى وبادرت إلى تفعيل منظومة الصواريخ الباليستية في سياق السعي لحرب استنزاف تبدو هي -أي إيران- أكثر قدرة من "إسرائيل" على تحملها لعدة أسباب. خلال الأيام الأخيرة في الحرب، ورغم غياب أي اغتيالات لشخصيات "إسرائيلية" وازنة واختلال ميزان الخسائر البشرية لصالح دولة الاحتلال، أثبتت إيران أن صواريخها قادرة على إحداث ضرر أكبر وبدقة أعلى مما كان يظن قادة الاحتلال. وقد صدرت عدة تقارير إعلامية "إسرائيلية" وغربية بهذا الخصوص، فضلا عن تصريحات ترامب وكذلك حديث نتنياهو -ومسؤولي حكومته- المتكرر عن "الحرب الصعبة" و"الثمن الكبير" الذي ينبغي دفعه في المواجهة مع طهران.

إضافة لما سبق، من المعايير المهمة في تقييم نتائج الحرب ثم تبعاتها على المديين القريب والبعيد؛ أنها لم تنته باتفاق لوقف إطلاق النار (رغم التسمية الشائعة)، بل فقط بتوافق ضمني من الأطراف الثلاثة بعدم الاستمرار بها. وبالتالي فلم تتوقف الحرب بناء على توافق على أي شروط، ولا بالاتفاق على مسار سياسي أو أمني مختلف بما في ذلك المفاوضات بين طهران وواشنطن على الملف النووي. أكثر من ذلك، فقد كان أول من دعا إلى وقف الحرب، بعد قصف المنشآت النووية، هو رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو، وهو أمر ينفي فكرة الانتصار الساحق لصالح "إسرائيل" بالحد الأدنى، فلو كانت الأخيرة مرتاحة تماما لنتائج الضربة الأمريكية ومخرجات الحرب حتى حينه لما كان وقف الحرب بهذه الطريقة والأسلوب.

في الأهداف المعلنة للحرب، كرر نتنياهو أكثر من مرة أهدافا مرتفعة السقف من قبيل تغيير النظام الإيراني، وتدمير مشروعه النووي، وكذلك منظومته الصاروخية، وإن كانت بعض التصريحات أظهرت تضاربا وتناقضا أحيانا في ذلك. كما كرر ترامب نفسه عبارة "الاستسلام الكامل وغير المشروط" من قبل إيران كشرط لوقف الحرب عليها. في المقابل، التزمت طهران سردية ضرورة وقف العدوان عليها و"معاقبة إسرائيل" للعودة للمفاوضات مع الإدارة الأمريكية.

المواجهة الأخيرة لن تكون النهائية على الأغلب بين الجانبين، إذ أنها لم تحسم أيا من الملفات الخلافية بشكل نهائي، فضلا عن استمرار الحرب على غزة وفي المنطقة (سوريا ولبنان واليمن) بما يبقي فتيل التصعيد مشتعلا، وتزداد احتمالات المواجهات المستقبلية في حال تأكد أن الضرر الذي حل بالمشروع النووي الإيراني أقل مما يرضي "إسرائيل"
وعليه، تكون إيران في المحصلة قد حققت أهدافها في هذه الحرب، أي وقف العدوان والرد على "إسرائيل" وتجنب حرب مباشرة وشاملة مع واشنطن، رغم أنه لا يمكن أبدا التقليل من أثر الضربات التي تلقتها، على المستويين الرمزي والفعلي، بما يخص الاختراقات والاغتيالات والبرنامج النووي وحتى منظومات الدفاع الجوي، بينما لم تحقق دولة الاحتلال الأهداف الكبيرة التي أعلنتها، واكتفت بأنها وجهت ضربات أمنية ناجحة وتحققت لها الضربة الأمريكية المنشودة للمنشآت النووية، وأثبتت من جهة أخرى أنها لا تملك حلا ناجعا للصواريخ الإيرانية رغم عديد منظومات الدفاع الجوي والدول التي تشاركها المنظومة الدفاعية.

ومن نتائج الحرب المباشرة بقاء النظام الإيراني متماسكا، واستنزاف الجبهة الداخلية "الإسرائيلية" بشكل غير مسبوق في تاريخ دولة الاحتلال، والضربة الكبيرة التي تعرضت لها المنشآت النووية، رغم صعوبة الجزم بما حصل لها على الواقع، ولكنها بالتأكيد تعرضت بالحد الأدنى لأضرار ستؤخر المشروع النووي لمدة زمنية ليست بالقصيرة.

وأخيرا، فإن المشهد النهائي للحرب كان عبارة عن ضربات محددة ومحسوبة من الولايات المتحدة وإيران، أخبرت كل منهما الأخرى قبلها عنها عبر تركيا، كما ذكر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في مقابلة تلفزية قبل أيام، بما يؤكد أن الجانبين لا يريدان حربا مفتوحة، فضلا عن أن كلا من إيران ودولة الاحتلال رغبتا في وقف الحرب عند هذه النقطة، بما يعني أن أيا منهما لم يتعرض لهزيمة واضحة أو يحقق نصرا جليا، وإنما كانت نتيجة المواجهة نقاطا لكل منهما إن جاز التعبير، وستختلف التقديرات بطبيعة الحال حول عددها وأثرها.

وعليه، في ما بعد الحرب، ستعكف كل من إيران ودولة الاحتلال على دراسة الحرب بشكل تفصيلي والسعي لاستدراك الأخطاء والثغرات التي أظهرتها خلالها؛ الخروق الأمنية والوضع الداخلي ومنظومة الحلفاء بالنسبة لإيران، ومعضلة الصواريخ الباليستية بالنسبة لدولة الاحتلال. وهو ما يعني في المقام الأول أن المواجهة الأخيرة لن تكون النهائية على الأغلب بين الجانبين، إذ أنها لم تحسم أيا من الملفات الخلافية بشكل نهائي، فضلا عن استمرار الحرب على غزة وفي المنطقة (سوريا ولبنان واليمن) بما يبقي فتيل التصعيد مشتعلا، وتزداد احتمالات المواجهات المستقبلية في حال تأكد أن الضرر الذي حل بالمشروع النووي الإيراني أقل مما يرضي "إسرائيل" وبالتالي الولايات المتحدة كذلك.

x.com/saidelhaj

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الحرب إيران الإسرائيلي النووية إيران إسرائيل النووي حرب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دولة الاحتلال فی المنطقة وقف الحرب أن إیران فضلا عن فی ذلک

إقرأ أيضاً:

فرصة قد تكون الأخيرة

وأخيرا وضعت حرب الإبادة والتجويع في غزة أوزارها بعد عامين كاملين لم تترك فيه عصابات نتنياهو وبن غفير وسموترتش الإرهابية جريمة حرب إلا واقترفتها، ولا جريمة ضد الإنسانية إلا قامت بها، أمام عالم يعاني من صمم وبلادة وفطرة منتكسة.

منذ أن أعلن راعي الإرهاب والتوحش في العالم دونالد ترامب عن وقف أبشع حروب العصر الحديث في غزة، لم تتوقف مشاهد الفرحة بين أهالي غزة، التي اكتظت بها شاشات التلفزيون خلال الأيام القليلة الماضية؛ تغمرهم السعادة وتتدفق من أعينهم نظرات الحنين إلى منازلهم رغم أنها تحولت إلى أكوام من التراب بفعل اليد الإجرامية للإرهاب الصهيوني.

ظهرت على شاشات التلفاز، بين أنقاض الديار وصور الدمار، هياكل إنسانية أنهكتها حرب التجويع الإجرامية؛ لكنها لم تستطع أن تغتال في تلك النفوس حب الوطن والانتماء والتشبث بالأمل، رغم اغتيال كافة أشكال الحياة. تلك المشاهد بحد ذاتها تمثل إعلانا حقيقيا بانتصار الشعب الفلسطيني في غزة على عدو يحمل نفسية إجرامية وقلوبا قاسية، وفطرة أشد فتكا من فطرة الحيوانات المفترسة.

بالتأكيد ستبقى آثار تلك الحرب محفورة في أذهان من تجرعوا قسوتها وتحملوا أثمانا لا يستطيع الإنسان أن يستوعبها؛ آثار لا تقوى عليها محاولات التأهيل النفسي المعمول بها أو خطط المعالجة المتعارف عليها بين الأطباء النفسيين. فالدمار الذي تخلفه مثل هذه الحروب العدوانية في النفس البشرية أعظم من الدمار الذي يلحق بالصروح المبنية مهما بلغ حجمها، فما أكثر خطط إعادة الإعمار التي تخفي معالم الدمار وتعيد للحياة ما تهدم من ديار.

إن انتهاء الحرب قد يغلق على ضحاياها حلقات الرعب ويفتح لهم بابا تتنفس من خلاله نفوسهم وتلتقط أنفاسها، وقضاء الوقت بلا قصف أو تفجيرات، ولكنّه أيضا سيفتح أبواب الوصول إلى الحقيقة الكاملة لحجم الجريمة والوقوف على الصورة الكاملة لما خلفته يد الإرهاب الصهيوني الآثمة في غزة. الآن تستطيع الأطقم الصحفية -أو بالأحرى من تبقى من الصحفيين بعد أن كانوا هدفا لتلك العصابات وحصدت منهم العشرات- التجول بين الركام وتوثيق أدق مما كان أثناء الحرب، وأظن أن ما سيُكشف أخطر بكثير مما شاهدناه على مدار عامين من الإبادة.

هذه الحرب لم تنته بمشهد صنعته حالة أخلاقية أو حاجة إنسانية، بل بمعادلة سياسية صنعها حامي تلك العصابات. ولست مع الخوض في تفاصيل مستنقع السياسة، لكنّي كإنسان قبل أن أكون مصريا أو عربيا أو حقوقيا؛ أجد أنه واجب على كل صاحب جهد وعزم موهوب للقضية الفلسطينية العادلة أن يستمر في بذل هذا الجهد بوعي متزايد؛ حتى يعود الحق إلى أصحابه ويُعاقب كل مجرمي الحرب، وتستمر حالة العزلة المفروضة على هذه الفئة الضالة والمنبوذة.

علينا أن نضع نصب أعيننا حالة التعري الكامل لهذا الكيان أمام الشعوب الغربية، واكتشافها أخيرا حقيقة هذا المجتمع وما يحكمه من سلوك حيواني ورفض لقيم الإنسانية، وتوحش عصاباته المسماة جيشا وأجهزة أمنية. هذه الصورة ساهمت في خلق حالة دعم غير مسبوقة للشعب الفلسطيني في البلدان الغربية. إن تكريس هذه الصورة وتعميق حالة التعاطف الغربي في حد ذاتها هدف مهم جدا لحسم الصراع واستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه.

أعتقد أننا أمام فرصة تاريخية لا يجب أن نفرط فيها؛ بترك الساحة خالية لإعادة فرض السردية الصهيونية أو اختطاف عقول وقلوب المجتمعات الغربية عبر تقديم الجاني كضحية والضحية مجرما. لذا علينا أن نستمر-كلٌ فيما يختص به ويجيده إعلاميا- في نشر الحقيقة والكشف عما أخفته آلة الحرب تحت القصف والتدمير. أما أهل القانون وحقوق الإنسان، فعليهم أن يواصلوا ملاحقة الجناة وفضح جرائمهم في كل المحافل الدولية.

علينا أن نولي اهتماما بالفعاليات التي تخاطب شعوبا أصبحت الآن مستعدة لسماعنا، بعد أن أزيلت من على أعينها غمامات الغدر والتدليس وتخلصت من جزء كبير من قيود ناعمة فرضتها أنظمة بلادها الساقطة أخلاقيا، والتي لم تتورّع يوما في دعم تلك العصابات وغسل يدها من دماء الأبرياء. هذه أنظمة لم تجد لنفسها مخرجا أمام شعوبها إلا التراجع -ولو على استحياء- عن الدعم المطلق لمجرمي الحرب في فلسطين.

قد يكون الدعم الحالي غير كافٍ لتحقيق ضغط حقيقي يدفع تلك الأنظمة إلى مواقف صارمة وفعالة ضد العصابات، لكن مع تكريس حالة التعاطف والدعم سينتج مستقبلا مواقف أشد حدة، وربما يصل الأمر إلى أن يبقى الكيان وحيدا بدون دعم غربي، أو ينتقل إلى مربع المواجهة مع هذا الدعم، حينها سيُختتم الفصل الأخير في قصتهم الإجرامية وتعود كل غريب إلى حيث أتى.

مقالات مشابهة

  • لافروف: روسيا تزود إيران بالمعدات التي تحتاجها وتعاوننا العسكري معها ضمن القانون الدولي
  • ترامب: إيران لو امتلكت السلاح النووي لما شعرت الدول العربية بالارتياح
  • مستشار خامنئي: “اليوم ثبت أن إيران كان ينبغي أن تمتلك قنبلة ذرية”
  • يائير لابيد: هذه الحرب انتهت.. وإسرائيل هنا لتبقى
  • هاشم: الرسالة التي أرادت إسرائيل إيصالها وصلت
  • "ترامب" يصل إسرائيل بالتزامن مع عملية تبادل الأسرى
  • ادعاءات تثير الجدل بعد وقف الحرب بين حماس وإسرائيل.. ما صحتها؟
  • فرصة قد تكون الأخيرة
  • إيران توضح موقفها من حديث ترامب عن تطبيع علاقتها مع إسرائيل
  • تقييم إسرائيلي: عودة المختطفين لا تعني تحقيق أهداف الحرب وحماس لم تُدمّر