جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-06@09:22:06 GMT

حين يُلام المجتهد

تاريخ النشر: 5th, July 2025 GMT

حين يُلام المجتهد

                  

خالد بن حمد الرواحي

ليس من السهل أن تُتَّهم بالتقصير، بينما تبذل جهدك كل يوم؛ أن تُقابَل محاولاتك الصامتة بالنقد، ويُغضّ الطرف عن اجتهادك، ثم تُحمَّل وحدك مسؤولية الإخفاق. كم من موظف جلس في مكتبه يراجع خطواته، يتساءل بصمت: ماذا فعلتُ خطأ؟ بينما جذور المشكلة لم تكن فيه، بل فيما حُرم منه من دعم وتوجيه.

وهذه ليست مجرد مشاعر عابرة أو حالات فردية معزولة؛ بل تؤكد مؤشرات عالمية أن القيادة كثيرًا ما تكون العامل الحاسم في أداء فرق العمل، وفي جودة ما يُنجَز من نتائج.

ووفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة جالوب (Gallup) ، وهي من أبرز المؤسسات العالمية المتخصصة في قياس مؤشرات بيئة العمل، فإن القيادات المباشرة مسؤولة عن نحو 70% من التفاوت في أداء الموظفين وتفاعلهم الوظيفي.
هذه النسبة تكشف أن الموظف لا يكون دائمًا سبب الإخفاق، بل كثيرًا ما يكون أسلوب القيادة هو العامل الأهم في النجاح أو الفشل.

في زوايا كثيرة من المؤسسات، تُلقى تهم "الضعف" و"التقصير" بسهولة. يُلام الموظف لأن الأرقام لم تكن كما يُراد لها أن تكون، أو لأن الإنجاز تأخّر قليلًا. لكن قلّ من يسأل: هل كان الهدف واضحًا؟ هل مُنِح الموظف ما يحتاجه؟ هل وُفّرت له بيئة تمكين حقيقية؟ هل تلقّى تغذية راجعة؟ هل كان خلفه قائد يوجّهه ويدعمه... أم تُرك ليواجه وحده؟

الناس لا تفشل لأنها لا تريد النجاح، بل كثيرًا ما تفشل لأنها تُوجَّه بطريقة خاطئة؛ لأن من يُفترض به أن يُنير الطريق لم يضع الخريطة، ولم يرافق المسير، ولم يقل: "أنا معك". الموظف لا يحتاج فقط إلى تعليمات، بل إلى فهم، وأمان وظيفي، وإحساس بأن جهوده محل تقدير وتوجيه.

أذكر أن موظفًا قال ذات مرة، بصوت خافت ومكسور:

"لم أطلب ترقية، ولا شكرًا... كنت فقط بحاجة إلى من يخبرني أنني أفعل شيئًا له قيمة."

كانت كلماته تختصر حكاية كثيرين يعملون في الظل، بينما تغيب عنهم ثقافة التحفيز، ويغيب عن قادتهم أبسط فنون التواصل الإنساني.

تخيّل مشهدًا بسيطًا: موظف يبدأ يومه بحماس صادق، لكنه لا يعرف إلى أين يتّجه. يعمل بصمت، بلا دعم أو وضوح في التوقعات، ثم يُحاسَب في نهاية الشهر على نتائج لم يُشرح له كيف يحققها، ولم يتلقَّ أي توجيه بشأنها منذ البداية. أيّ ظلمٍ إداريٍّ أكبر من هذا؟ وأيّ بيئة تلك التي تذبل فيها الطاقات بدلًا من أن تزدهر؟

ما سبق ليس استثناءً، بل يتكرّر بشكل يومي في بيئات عمل كثيرة، حيث تُترك الجهود تتآكل بصمت في ظل غياب الدعم والوضوح.

ضعف الأداء لا يأتي دومًا من كسل الموظف، بل من تراكم ظروف خذلته: أهداف غامضة، مهام لا تناسب قدراته، بيئة محبطة، وقيادة لا تراه إلا وقت المحاسبة.

القائد الحقيقي لا يختبئ خلف تقصير غيره، بل يقف في مقدّمة المراجعة، شجاعًا بما يكفي ليقول: "ربما قصّرتُ أنا أولًا". لا يبدأ بالمحاسبة، بل بالمصارحة. يسأل: هل وضعتُ أهدافًا واضحة؟ هل منحتُ الفريق بيئة عادلة وآمنة؟ هل بنيتُ ثقافة عمل تسمح لهم بالخطأ والتعلّم؟ هل كنتُ حاضرًا حين احتاجني أحدهم؟

لأن القيادة لا تبدأ بإصدار الأوامر، بل تبدأ بالقدرة على تحمّل الأثر الإنساني لكل قرار.

وهنا تبرز حقيقة يغفلها كثيرون: أن الفرق بين المدير والقائد لا يكمن في المنصب، بل في النهج. المدير يراقب المهام، يتابع النتائج، وينتظر التقارير. أما القائد، فهو من يصنع بيئة تُلهم الإنجاز، يرافق الفريق لا يراقبه، ويقول لهم باطمئنان: "أنا معكم، لن تُتركوا وحدكم".

ليس الموظف من يُحاسَب دائمًا... أحيانًا هو من خُذِل. وإن كنتَ اليوم تقود فريقًا، فاسأل نفسك بصراحة: هل أنا سبب في إلهامهم أم في إحباطهم؟ هل أخلق مناخًا يسمح لهم أن يُبدعوا، أم أضيّق عليهم المساحة؟
لأن الفريق، في نهاية الأمر، مرآة حقيقية لأسلوب من يقوده، لا مجرّد أرقام أو تقارير صامتة.

الأداء القوي لا يُبنى بالإجبار، ولا يُنتزع بالأوامر الجافة، بل يُبنى بالرؤية، وبالثقة، وبالقدرة على الإصغاء.
وما يحتاجه الموظفون اليوم ليس مزيدًا من التعليمات، بل مساحة آمنة يقولون فيها بثقة: نحن نفهم ما نفعله، ونعرف لماذا نفعله، ونشعر أن هناك من يقدّر ذلك.

فيا من تقود... قبل أن تسأل أحدهم: "لماذا لم تنجح؟"

جرّب أن تسأله بصوت أكثر إنسانية: "هل ساعدتُك كما يجب؟ هل كنتُ قائدًا كما تستحق؟"

لأن كثيرًا من الذين نراهم ضعفاء... لم تُتح لهم الفرصة الصحيحة، ولا القائد الصحيح.

 

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

المنصات الرقمية تعزّز بيئة الأعمال وتزيد من ثقة المستثمرين

مسقط- العُمانية

مع تسارع وتيرة التطور التكنولوجي وتزايد أهمية الحلول الرقمية في دفع عجلة التنمية، أطلقت وزارةُ التجارة والصناعة وترويج الاستثمار العديد من المنصات الرقمية كأدوات محورية لتسهيل الإجراءات، وتبسيط الخدمات، وتمكين المستثمرين، ورفع جودة المنتجات الوطنية، وصولًا إلى تحفيز الابتكار ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

وتأتي في مقدمة هذه المنصات منصة "عُمان للأعمال" التي تقدم مجموعة واسعة من الخدمات الإلكترونية الموجهة لتحسين تجربة المستثمرين وأصحاب الأعمال في بيئة الأعمال العُمانية، وتشمل هذه الخدمات تسجيل وإلغاء السجلات التجارية، وإصدار شهادات المنشأ، واستخراج التراخيص، وإدارة الوكالات التجارية، وخدمات الملكية الفكرية، إلى جانب التصاريح التجارية، وتصفية الشركات، والبحث في قاعدة بيانات السجلات التجارية ضمن بيئة رقمية موحدة وسهلة الاستخدام تُسهم في تسريع الإجراءات وتعزيز كفاءة العمل.

وتتكامل منصة عُمان للأعمال مع 17 جهة حكومية وتتبادل البيانات مع 35 جهة حكومية إضافة إلى غرفة تجارة وصناعة عُمان، كما بلغ عدد الجهات التي فعّلت سجل الالتزام في المنصة 10 جهات حكومية لتقديم تجربة شاملة ومتكاملة في تعزيز بيئة الأعمال.

وبلغت نسبة الخدمات المُرقمنة نحو 76.5 بالمائة من إجمالي خدماتها، و89 بالمائة من الأنشطة التجارية رُخصت تلقائيًّا دون الحاجة إلى موافقات مسبقة، كما تم إصدار أكثر من 328 ألفًا و215 ترخيصًا تلقائيًّا منذ تدشين الخدمة في أبريل 2021م وحتى نهاية عام 2024م.

وتتيح منصة "استثمر في عُمان" الإلكترونية لزوارها إمكانية التعرف على البيئة الاستثمارية والحوافز والمناطق الصناعية والحرة والاقتصادية في سلطنة عُمان، إضافة إلى وجود قنوات اتصال متنوعة تُمكِّن الصالة من التفاعل مع المستثمرين وتلبية احتياجاتهم والرد على استفساراتهم، وتوفير قاعدة بيانات للمستثمرين المهتمين بالاستثمار في سلطنة عُمان في مختلف المجالات.

وشهدت المنصة منذ انطلاقها في فبراير 2023م وحتى يونيو 2025م، أداءً متناميًا يعكس فاعلية الجهود الوطنية في جذب الاستثمارات النوعية؛ إذ استقبلت المنصة 90 طلبًا استثماريًّا بإجمالي قيمة استثمارية بلغت 5.38 مليار ريال عُماني، وتم توطين 43 مشروعًا بقيمة 2.25 مليار ريال عُماني في قطاعات استراتيجية كالصناعة، والصحة، والأمن الغذائي، والطاقة المتجددة، وأسهمت فرق العمل المتخصصة في دعم هذا التوجه، حيث اعتمد فريق استهداف الشركات وتطوير الأعمال نهجًا قائمًا على تحليل البيانات لتحديد الأسواق ذات الأولوية.

وفيما يتعلق بدعم المنتج الوطني، تأتي منصة "صُنع في عُمان" إحدى المبادرات الاستراتيجية الداعمة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتسهم في تهيئة بيئة مواتية لنموّها واستدامتها، وتوفر المنصة للمؤسسات الحاصلة على شعار "صُنع في عُمان" فرصة عرض منتجاتها الوطنية أمام شريحة واسعة من المستهلكين في السوقين المحلي والدولي، ما يعزز زيادة الطلب على تلك المنتجات ورفع الطاقة الإنتاجية للمؤسسات، بما يستلزم توظيف كوادر إضافية في مجالات الإنتاج والإدارة والتسويق.

وتُعد "منصة معروف عُمان" أداة وطنية لتوثيق المتاجر الإلكترونية المرخصة في سلطنة عُمان وتعزيز موثوقيتها لدى المستهلكين، وتتيح لأصحاب المتاجر إمكانية تسجيل متاجرهم وربطها بسجلاتهم التجارية أو بسجلات العمل الحر، ما يكسب ثقة العملاء وزيادة قاعدة المتعاملين معهم، وقد أسهمت المنصة في زيادة عدد المتاجر المسجلة بنسبة 236.4 بالمائة.

وتعمل "منصة حزم" كأداة تنظيمية ورقمية متقدمة تسهم في رفع جودة المنتجات وتعزيز الابتكار في الأسواق العُمانية، على إدراج المنتجات التي تتطلب الحصول على شهادات المطابقة وتحديد جهات تقويم المطابقة المعتمدة، ما يُسهم بشكل مباشر في رفع مستوى جودة المنتجات المحلية وضمان مطابقتها للمواصفات القياسية، وتتيح للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة توسيع نطاق أعمالها بما يتوافق مع طبيعة المنتجات المدرجة، ويعزز فرص النمو والانتشار في الأسواق المحلية والإقليمية.

وحققت منصة مراكز سند للخدمات إقبالًا متزايدًا على إنجاز المعاملات ليصل عدد ما تم إنجازه عبر البوابة الإلكترونية للمراكز أكثر من 872 ألف معاملة وخدمة إلكترونية خلال عام 2024م، وبلغ عدد مراكز سند للخدمات حتى نهاية شهر يونيو 2025م نحو 920 مركزًا، تقدم حوالي 377 خدمة إلكترونية.

مقالات مشابهة

  • تعرف على الفرق بين اختصاصات النيابة العامة والنيابة الإدارية
  • المنصات الرقمية تعزّز بيئة الأعمال وتزيد من ثقة المستثمرين
  • لماذا سمي يوم عاشوراء بهذا الاسم وفضل صيامه وعلاقته باليهود؟ معلومات لا يعلمها كثير
  • عادات يومية تضعف قلبك بصمت.. احذر القيام بها
  • شريف إكرامي يشيد بـ شيكابالا: موهبة لن تتكرر كثيرًا والتاريخ سيتوقف عنده
  • الإلحاق بالخارج والحق في معاش التقاعد: أي علاقة؟
  • "سنفتقدكما كثيرًا".. كلوب ينعي جوتا وشقيقه بكلمات مؤثرة
  • طلاب الثانوية العامة فى أسوان : كثير من أسئلة الكيمياء كانت صعبة
  • عادات بسيطة قد تدمر صحتك بصمت.. و5 خطوات بسيطة تنقذك