جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-13@17:32:48 GMT

حين يُلام المجتهد

تاريخ النشر: 5th, July 2025 GMT

حين يُلام المجتهد

                  

خالد بن حمد الرواحي

ليس من السهل أن تُتَّهم بالتقصير، بينما تبذل جهدك كل يوم؛ أن تُقابَل محاولاتك الصامتة بالنقد، ويُغضّ الطرف عن اجتهادك، ثم تُحمَّل وحدك مسؤولية الإخفاق. كم من موظف جلس في مكتبه يراجع خطواته، يتساءل بصمت: ماذا فعلتُ خطأ؟ بينما جذور المشكلة لم تكن فيه، بل فيما حُرم منه من دعم وتوجيه.

وهذه ليست مجرد مشاعر عابرة أو حالات فردية معزولة؛ بل تؤكد مؤشرات عالمية أن القيادة كثيرًا ما تكون العامل الحاسم في أداء فرق العمل، وفي جودة ما يُنجَز من نتائج.

ووفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة جالوب (Gallup) ، وهي من أبرز المؤسسات العالمية المتخصصة في قياس مؤشرات بيئة العمل، فإن القيادات المباشرة مسؤولة عن نحو 70% من التفاوت في أداء الموظفين وتفاعلهم الوظيفي.
هذه النسبة تكشف أن الموظف لا يكون دائمًا سبب الإخفاق، بل كثيرًا ما يكون أسلوب القيادة هو العامل الأهم في النجاح أو الفشل.

في زوايا كثيرة من المؤسسات، تُلقى تهم "الضعف" و"التقصير" بسهولة. يُلام الموظف لأن الأرقام لم تكن كما يُراد لها أن تكون، أو لأن الإنجاز تأخّر قليلًا. لكن قلّ من يسأل: هل كان الهدف واضحًا؟ هل مُنِح الموظف ما يحتاجه؟ هل وُفّرت له بيئة تمكين حقيقية؟ هل تلقّى تغذية راجعة؟ هل كان خلفه قائد يوجّهه ويدعمه... أم تُرك ليواجه وحده؟

الناس لا تفشل لأنها لا تريد النجاح، بل كثيرًا ما تفشل لأنها تُوجَّه بطريقة خاطئة؛ لأن من يُفترض به أن يُنير الطريق لم يضع الخريطة، ولم يرافق المسير، ولم يقل: "أنا معك". الموظف لا يحتاج فقط إلى تعليمات، بل إلى فهم، وأمان وظيفي، وإحساس بأن جهوده محل تقدير وتوجيه.

أذكر أن موظفًا قال ذات مرة، بصوت خافت ومكسور:

"لم أطلب ترقية، ولا شكرًا... كنت فقط بحاجة إلى من يخبرني أنني أفعل شيئًا له قيمة."

كانت كلماته تختصر حكاية كثيرين يعملون في الظل، بينما تغيب عنهم ثقافة التحفيز، ويغيب عن قادتهم أبسط فنون التواصل الإنساني.

تخيّل مشهدًا بسيطًا: موظف يبدأ يومه بحماس صادق، لكنه لا يعرف إلى أين يتّجه. يعمل بصمت، بلا دعم أو وضوح في التوقعات، ثم يُحاسَب في نهاية الشهر على نتائج لم يُشرح له كيف يحققها، ولم يتلقَّ أي توجيه بشأنها منذ البداية. أيّ ظلمٍ إداريٍّ أكبر من هذا؟ وأيّ بيئة تلك التي تذبل فيها الطاقات بدلًا من أن تزدهر؟

ما سبق ليس استثناءً، بل يتكرّر بشكل يومي في بيئات عمل كثيرة، حيث تُترك الجهود تتآكل بصمت في ظل غياب الدعم والوضوح.

ضعف الأداء لا يأتي دومًا من كسل الموظف، بل من تراكم ظروف خذلته: أهداف غامضة، مهام لا تناسب قدراته، بيئة محبطة، وقيادة لا تراه إلا وقت المحاسبة.

القائد الحقيقي لا يختبئ خلف تقصير غيره، بل يقف في مقدّمة المراجعة، شجاعًا بما يكفي ليقول: "ربما قصّرتُ أنا أولًا". لا يبدأ بالمحاسبة، بل بالمصارحة. يسأل: هل وضعتُ أهدافًا واضحة؟ هل منحتُ الفريق بيئة عادلة وآمنة؟ هل بنيتُ ثقافة عمل تسمح لهم بالخطأ والتعلّم؟ هل كنتُ حاضرًا حين احتاجني أحدهم؟

لأن القيادة لا تبدأ بإصدار الأوامر، بل تبدأ بالقدرة على تحمّل الأثر الإنساني لكل قرار.

وهنا تبرز حقيقة يغفلها كثيرون: أن الفرق بين المدير والقائد لا يكمن في المنصب، بل في النهج. المدير يراقب المهام، يتابع النتائج، وينتظر التقارير. أما القائد، فهو من يصنع بيئة تُلهم الإنجاز، يرافق الفريق لا يراقبه، ويقول لهم باطمئنان: "أنا معكم، لن تُتركوا وحدكم".

ليس الموظف من يُحاسَب دائمًا... أحيانًا هو من خُذِل. وإن كنتَ اليوم تقود فريقًا، فاسأل نفسك بصراحة: هل أنا سبب في إلهامهم أم في إحباطهم؟ هل أخلق مناخًا يسمح لهم أن يُبدعوا، أم أضيّق عليهم المساحة؟
لأن الفريق، في نهاية الأمر، مرآة حقيقية لأسلوب من يقوده، لا مجرّد أرقام أو تقارير صامتة.

الأداء القوي لا يُبنى بالإجبار، ولا يُنتزع بالأوامر الجافة، بل يُبنى بالرؤية، وبالثقة، وبالقدرة على الإصغاء.
وما يحتاجه الموظفون اليوم ليس مزيدًا من التعليمات، بل مساحة آمنة يقولون فيها بثقة: نحن نفهم ما نفعله، ونعرف لماذا نفعله، ونشعر أن هناك من يقدّر ذلك.

فيا من تقود... قبل أن تسأل أحدهم: "لماذا لم تنجح؟"

جرّب أن تسأله بصوت أكثر إنسانية: "هل ساعدتُك كما يجب؟ هل كنتُ قائدًا كما تستحق؟"

لأن كثيرًا من الذين نراهم ضعفاء... لم تُتح لهم الفرصة الصحيحة، ولا القائد الصحيح.

 

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بيئة الشرقية تفحص 100 مشروع وتوافق على 8 مواقع لمحطات المحمول

شدد المهندس حازم الأشموني، محافظ الشرقية، على ضرورة الالتزام الكامل بعدم إصدار أي تراخيص لإنشاء المشروعات الغذائية أو الصناعية أو الطبية أو محطات تقوية شبكات المحمول إلا بعد التأكد من استيفاء جميع الاشتراطات البيئية والصحية المعتمدة.

 وأكد المحافظ على أهمية تنفيذ حملات تفتيشية دورية لضبط المخالفات واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حفاظاً على صحة وسلامة المواطنين، مشدداً على أن حماية البيئة وصحة المواطن تأتي في مقدمة أولويات المحافظة.

وتنفيذاً لتوجيهات المحافظ، أوضح المهندس ماهر الشناف، مدير إدارة شؤون البيئة بالديوان العام، أن فريق العمل بالإدارة قام على مدار شهر نوفمبر الماضي بتنفيذ مجموعة من المهام لضمان الالتزام بالمعايير البيئية والصحية. 

وشملت هذه المهام فحص مئة نموذج لتقييم الأثر البيئي لمشروعات جديدة، حيث تمت الموافقة على تسعة وتسعين مشروعاً بعد استيفاء جميع الاشتراطات المطلوبة، فيما تم تأجيل مشروع واحد لحين استكمال متطلبات الأمان البيئي والصحي.

كما قامت الإدارة بإعداد السجل البيئي لست منشآت، وإجراء القياسات البيئية اللازمة لها، وشملت هذه المنشآت مستشفيين وسوبر ماركت وثلاثة مخابز، وذلك للتأكد من تطبيق المعايير البيئية والصحية في جميع مراحل التشغيل.

 وأكد الشناف أن الإدارة حرصت كذلك على فحص شكاوى المواطنين البيئية، حيث تم دراسة ستة وسبعين شكوى، إضافة إلى التفتيش على أربع شركات تعمل في مجال المكافحة الحيوية للحشرات والقوارض لضمان الالتزام بالقوانين والمعايير البيئية المعمول بها.

وفي إطار تحسين خدمات الاتصالات والإنترنت بالمحافظة، قامت إدارة البيئة بمعاينة ثمانية مواقع جديدة لإنشاء محطات المحمول في نطاق مراكز بلبيس والقنايات والإبراهيمية والحسينية ومشتول السوق، وتمت الموافقة على هذه المواقع وإصدار التصاريح الابتدائية بعد التأكد من التزامها بالمعايير البيئية والصحية المتبعة.

 وأوضح الشناف أن البروتوكول الموقع بين وزارات الاتصالات والصحة والسكان والبيئة يشترط إنشاء الأبراج على أسطح خرسانية مطابقة للمواصفات، وأن تنشأ الأبراج على أسطح خرسانية آمنة، وألا تقل المسافة بين الأبراج وسور المدارس عن عشرين متراً بدءاً من مرحلة رياض الأطفال وحتى المرحلة الإعدادية، كما يمنع إقامة أي برج تقوية شبكة على سطح المستشفيات المتكاملة لحماية الأجهزة الطبية الحساسة ومنع أي تداخل كهرومغناطيسي.

وأكد محافظ الشرقية أن المحافظة ستواصل متابعة تنفيذ هذه الإجراءات، والعمل مع جميع الجهات المعنية لضمان تطبيق الاشتراطات البيئية والصحية بدقة، وتحسين جودة الحياة للمواطنين من خلال توفير بيئة آمنة وخدمات اتصالات عالية الجودة، مشيراً إلى أن هذه الجهود تعكس حرص الدولة والمحافظة على توازن التنمية مع حماية صحة الإنسان والبيئة.

مقالات مشابهة

  • بعد وداع يونامي.. الخارجية العراقية تؤكد على ضمان بيئة آمنة للطاقة
  • حضرت مبكرًا للعمل.. فكان جزاؤها الفصل النهائي
  • لمكافحة التحرش.. مجمع إعلام الإسكندرية ينظم ندوة "بيئة مدرسية آمنة"
  • لا للتحـ.رش..بيئة مدرسية آمنة.. ندوة توعوية بمجمع إعلام الإسكندرية
  • «لا للتحرش.. بيئة مدرسية آمنة» ندوة توعوية لمجمع إعلام الإسكندرية
  • محكمة مستأنف شمال القاهرة تلغي قرار نقل موظف وتلزم وزارة البترول بإعادته لوظيفته الأصلية
  • بيئة الشرقية تفحص 100 مشروع وتوافق على 8 مواقع لمحطات المحمول
  • «مستأنف شمال القاهرة» تلغي قرار نقل موظف وتلزم وزارة البترول بإعادته لوظيفته الأصلية
  • نجم الزمالك السابق: الفريق تأثر كثيرًا برحيل زيزو وإمام عاشور
  • وقف ترقية الموظفين في قانون الخدمة المدنية لتلك الحالات