أفريقيا تحظى بأهمية متزايدة لدى اليونسكو بعد تهميش طويل
تاريخ النشر: 9th, July 2025 GMT
هل باتت أفريقيا من المناطق المفضلة لدى اليونسكو؟ خلال ولايتيها على رأس المنظمة، سعت المديرة العامة أودري أزولاي إلى إيلاء أهمية كبرى للقارة التي تستحوذ على 9% من المواقع المُدرجة ضمن قائمة التراث العالمي، لكنها تُؤوي ما يقرب من ربع المواقع المُعرّضة للخطر.
تشكل المياه الفيروزية لأرخبيل بيجاغوس في غينيا بيساو وأشجار المانغروف ومحميات المحيط الحيوي الاستثنائية فيها، بالإضافة إلى غابات غولا تيواي في سيراليون، وهي ملاذ لأنواعٍ مُهدّدة بالانقراض مثل فيلة الغابات، نقاط جذب قد تُؤهّل بلدانها لدخول قائمة التراث العالمي.
ومن بين المواقع الأخرى الواقعة في جنوب الصحراء الكبرى، جبال ماندارا في الكاميرون وجبل مولانجي في ملاوي التي تدرس لجنة التراث العالمي في اليونسكو إدراجها على القائمة خلال اجتماع لها في باريس يستمر حتى الأحد.
منذ توليها منصبها عام 2018، "لم تجعل أودري أزولاي أفريقيا أولويتها فحسب، بل أصبحت القارة أيضا من أولويات اليونسكو العالمية. وقد بدأت تظهر نتائج إيجابية للغاية من هذا التوجه"، وفق رئيس مركز اليونسكو للتراث العالمي لازار إيلوندو أسومو.
وأشار الكاميروني الذي يُعدّ تعيينه في هذا المنصب الإستراتيجي رمزيا أيضا، إلى أن "إستراتيجية واضحة للغاية وُضعت"، لا سيما لإدراج الدول الأفريقية الإحدى عشرة التي لم تُدرج أي من مواقعها من ذي قبل على القائمة الشهيرة.
أما الميزانية المخصصة لأفريقيا، فقد زادت لتصل إلى أكثر من ربع إجمالي ميزانية المنظمة الأممية (27%) في عام 2025.
ومع ذلك، سيستغرق سدّ هذه الفجوة وقتا: فبينما ارتفع عدد المواقع المدرجة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من 93 إلى 108 مواقع في السنوات الأخيرة، لا تزال النسبة منخفضة مقارنة مع العدد الإجمالي للمواقع حول العالم والبالغ أكثر من 1200.
إعلانومع ذلك، فإن اتفاقية التراث العالمي بدأت قصتها من أفريقيا. ففي عام 1959، هُدِّد معبد الفرعون المصري رمسيس الثاني في أبو سمبل بالغرق تحت مياه النيل، مع بناء السد العالي في أسوان. ثم طلبت مصر والسودان مساعدة اليونسكو لحماية هذا المعلم.
وشملت أول التسجيلات عام 1978، مواقع أفريقية مثل جزيرة غوري في السنغال، رمز تجارة الرقيق، وكنائس لاليبيلا المنحوتة في الصخر الملقبة بـ"القدس الإثيوبية".
"رؤية أوروبية"
لكنّ دولا عدة من القارة لم توقّع بعد على اتفاقية عام 1972 التي وضعت شروط إدراج المواقع على قائمة التراث العالمي. وتتطلب الترشيحات وقتا وموارد، ما أدى إلى تراجع أفريقيا تدريجيا مقارنةً بالمناطق الأخرى.
يقول لازار إيلوندو أسومو "لم يكن قد مضى وقت طويل على حصول العديد من هذه الدول على استقلالها، وكانت التنمية تحظى بأولوية مقارنة مع حماية التراث".
في البداية، "ارتبط هذا المفهوم ارتباطا وثيقا برؤية أوروبية وغربية ترتبط بالآثار وبمنشآت مصنوعة من حجارة قديمة ثابتة"، على ما أوضح مدير المتنزهات الوطنية السنغالية الكولونيل إبراهيما غاي الذي أشرف على إدراج اثنين من هذه المتنزهات في قائمة التراث العالمي، لوكالة فرانس برس.
وفي محاولة لإعادة التوازن إلى الوضع، بدأت اليونسكو تُدمج بشكل متزايد ما يُسمى بالثقافات الحية التي كانت في السابق مُمثلة تمثيلا ناقصا للغاية. والآن، تجد المواقع المقدسة والمباني الترابية مكانها في قائمة التراث العالمي، نظرا لأهميتها الروحية أو الاجتماعية أو الرمزية.
وبدأت تظهر برامج تدريبية متخصصة لعلماء الآثار والمهندسين المعماريين ومعلمي التراث.
ويُحذّر إيلوندو أسومو من أن "تزايد النزاعات المسلحة، والاحترار المناخي، واستغلال موارد التعدين والنفط، تُشكّل تحديات قد تُعرّض المواقع الأفريقية للخطر".
ويقول "يجب النظر إلى التراث كوسيلة للمساهمة في التنمية، وهو ما تطمح إليه العديد من الدول بطبيعة الحال".
ينتظر أرخبيل بيجاغوس في غينيا بيساو إدراجه على قائمة اليونسكو منذ فترة طويلة، بعد فشل طلب أول عام 2012. وقد تطلب الأمر بحثا علميا مكثفا ودراسة متأنية للسكان المحليين لإعادة تقديم أنظمته البيئية الساحلية والبحرية إلى اليونسكو.
تُعدّ جزره التي تكتسب أهمية كبيرة لتكاثر السلاحف الخضراء وتشكل ممرّا للطيور المهاجرة، موطنا لمواقع مقدسة وتضم موارد أساسية للصيد الحرفي لسكانها.
وصرح عيسى ريغالا دي باروس، المدير العام لمعهد التنوع البيولوجي والمناطق المحمية في غينيا بيساو، لوكالة فرانس برس "تستند قواعدنا إلى قواعد المجتمعات المحلية التي كانت تحمي هذه المواقع".
وأضاف "نحن نؤيد السياحة، ولكن ليس تحت أي ظرف. لا مجال لإضفاء طابع فلكلوري على هذه الثقافة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قائمة التراث العالمی
إقرأ أيضاً:
مصر على رأس اليونسكو.. صفحة جديدة في مسيرة الثقافة العالمية
شهدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) فصلًا جديدًا في تاريخها، مع فوز الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار المصري الأسبق، بمنصب المدير العام للمنظمة، خلفًا لأودري أزولاي، في استحقاق دولي يعكس تقدير المجتمع الدولي لمكانة مصر الثقافية ودورها الريادي في حماية التراث الإنساني.
يُعدّ فوز العناني تتويجًا لمسيرة طويلة من العمل الأكاديمي والإداري والدبلوماسي، إذ يمتلك خبرة واسعة في مجالات الثقافة والتراث والآثار والسياحة، ويُعرف بجهوده في استعادة الآثار المصرية من الخارج، وتعزيز التعاون الدولي في مجالات حماية الهوية الحضارية.
وفي الانتخابات الأخيرة، تنافس على منصب المدير العام عدد من الشخصيات الدولية البارزة، من بينها مرشح فرنسا، ومرشحة بنغلاديش، ومرشح المكسيك، ومرشح من إفريقيا الجنوبية، إلى جانب الدكتور خالد العناني الذي حظي بدعم واسع من الدول العربية والأفريقية والآسيوية، لما يتمتع به من كفاءة علمية ورؤية متوازنة تجمع بين الخبرة الأكاديمية والقدرة الإدارية والدبلوماسية.
تأسست اليونسكو عام 1945، بهدف تعزيز السلام والأمن عبر التربية والعلم والثقافة، وتضم اليوم أكثر من 190 دولة عضوًا، وتعمل على دعم التعليم الشامل، وصون التراث العالمي، وتشجيع حرية التعبير والإبداع الثقافي.
ويرى مراقبون أن انتخاب العناني يمثل عودة قوية للدبلوماسية الثقافية المصرية إلى صدارة المشهد العالمي، ويعزز من حضور المنطقة العربية داخل أروقة المنظمة الدولية، خاصة في ظل التحديات التي تواجه العالم في مجالات التعليم والذكاء الاصطناعي وحماية الهوية الثقافية من الاندثار.
ويُتوقع أن يركز المدير العام الجديد في ولايته على تطوير آليات التعاون بين الدول الأعضاء، وتوسيع برامج حماية التراث المادي وغير المادي، مع دعم التحول الرقمي في مجالات التعليم والثقافة، بما يتماشى مع تطلعات الشعوب نحو التنمية المستدامة وبناء مجتمعات المعرفة.
وبينما تحتفي مصر والعالم العربي بهذا الإنجاز، يُجمع المراقبون على أن هذا الفوز ليس مجرد نجاح شخصي، بل انتصار لرسالة الثقافة العربية وقدرتها على المساهمة في صياغة مستقبل أكثر إشراقًا للإنسانية.
وفي نفس السياق أكد السفير عبد الله الرحبي أن هذا الاستحقاق الدولي الرفيع يجسّد الكفاءة ويُبرز الحضور العربي المشرّف على الساحة العالمية، مشيرًا إلى أن هذا الفوز التاريخي تحقق بفضل التضامن العربي ووحدة الصف والموقف، بما مكّن من استعادة موقع عربي في قمة هذه المؤسسة الدولية العريقة.
وقال السفير أمجد العضايله
"يأتي هذا الفوز التاريخي متزامنًا مع احتفالات الشعب المصري الشقيق بذكرى نصر السادس من أكتوبر، ذلك الحدث المجيد الذي جسّد معاني الانتصار والعزة والكرامة لمصر والعرب جميعًا".