د. خالد بن علي الخوالدي

استمعت إلى كلمة المجاهد الصابر المحتسب أبي عبيدة. استمعت ودموع العين تذرف دمًا على ما وصلنا إليه من ذلة وخنوع وخوف وهلع وجزع من كيان مغتصب صهيوني لعين، لدرجة أن ملياري مسلم لا يستطيعون تحريك ساكن، وصاروا يتفرجون على موت وجوع أطفال غزة، والأدهى والأمر أن هناك عربا ومسلمين يشمتون ويتمنون موت الجميع في غزة.

حديث القائد العسكري لكتائب القسام أبي عبيدة عن أطفال يتضورون جوعا لم يحرك نخوتهم ولم يهز ضميرهم الإنساني قبل الإسلامي على الأقل، وتابعت للأسف ردود فعل مَن يصفون أنفسهم بالمسلمين، يحملون حماسَ هذا الوزر، ولا أقول إلا حسبي الله ونعم الوكيل عليهم.

يا جماعة الخير لا تسمعوا لمثل هؤلاء المرجفين والمتخاذلين والمحسوبين على العرب المتصهينين، وفكروا جماعاتٍ وأفرادًا في سبل دعم غزة الجريحة، بدءًا بالدعم المالي العاجل للجهات الرسمية المعتمدة في سلطنة عُمان؛ فكل ساعة تمر قد تكون الفارقة بين الحياة والموت لأطفال غزة، ركزوا على تكثيف حملات التوعية، فكثيرون لا يدركون حجم الكارثة، انشروا قصص المعاناة الحقيقية، وشاركوا مقاطع الفيديو الموثوقة ليزيد الوعي ويحفز الناس على التحرك.

كما أن موضوع المقاطعة والاستمرار فيها، وعدم الاستماع إلى المثبطين وأصحاب القلوب الضعيفة والمنادين بعدم جدواها بحجج واهية، هو أحد السبل الناجحة لكسر ظهر المتعاونين مع الكيان الصهيوني والداعمين له، وضربة اقتصادية موجعة لهم، ففي عام 2024 أعلنت بعض الشركات الكبرى خسائر فادحة بسبب حملات المقاطعة العالمية، فكل منتج نرفض شراءه يعني خسارة مالية للعدو، مما يضعف قدرته على تمويل الحرب.

إن المقاطعة تذكر العالم بأن الاحتلال لا يستحق أي دعم، وأن المستهلكين يمتلكون قوة تغيير حقيقية. كما إنها تدعم البدائل المحلية وتشجع المنتجات العربية والإسلامية، وتقلل الاعتماد على الغرب.

إنني من خلال هذا المنبر أدعو كل العمانيين إلى مواصلة الدعم لإخوانهم في غزة الجريحة، ونحن نفخر بالوقفة المشرفة لحكومتنا وشعبنا العُماني في دعم فلسطين، سواء بالتبرعات المالية عبر الجهات الرسمية أو الضغط الدبلوماسي وآخرها إعلان مقاطعة الكيان، وحتى بالوقفات الشعبية السلمية التي هتفت لفلسطين، فقد أثبت العُمانيون أن الأمة لا تزال بخير.

ولا يمكن أن ننسى صوتا كصوت سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام لبلادنا الغالية، الذي لم يتردد في كشف جرائم الاحتلال ودعوة الأمة إلى الوحدة والجهاد. وعلى كل عالم وخطيب وسياسي أن يقتدي بالشيخ أحمد الخليلي، فلا سكوت عن الدماء ولا خوف من لومة لائم، فالكلمة الحق سلاح، وعلينا ألا نتوقف عن الدعاء والرد على كل سفيه.

 

الوقت ليس في صالح غزة، بل في صالح آلة الحرب الصهيونية التي تحاول كسر إرادة الشعب الفلسطيني. لكننا كأمة نملك أدوات التغيير فبالمال ننقذ الأرواح، وبالمقاطعة نضرب اقتصاد العدو وبالكلمة نفضح الجرائم وبالمواقف السياسية نزيد عزلته الدولية. علينا ألا نقف صامتين.

ودُمتم ودامت عُمان بخير.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الشرق الأوسط بعد أوهام الردع.. حين تُدار الحروب بدل أن تُمنع

لم يعد الردع في الشرق الأوسط مفهومًا يمنع الحرب، كما بشّرت به النظريات العسكرية الكلاسيكية، بل تحوّل إلى أداة لإدارة الصراع والتحكم في إيقاعه، فالإقليم الذي عاش عقودًا على وهم “الحرب الشاملة” و”السلام الدائم”، دخل مرحلة أكثر تعقيدًا وخطورة، حيث لا حرب تنتهي، ولا سلام يُستكمل، بل توتر دائم يُعاد إنتاجه بجرعات محسوبة.

في الماضي، كان الردع يقوم على معادلة واضحة: كلفة الحرب أعلى من مكاسبها، ما يدفع الأطراف إلى تجنبها، أما اليوم، فقد انهارت هذه المعادلة، لأن طبيعة الفاعلين تغيّرت، ولم تعد الصراعات حكرًا على دول ذات جيوش نظامية وحدود واضحة، بل باتت تُدار عبر محاور، وتنظيمات، وأذرع غير مباشرة، لا تخضع لمنطق الخسارة التقليدي، ولا تحاسب بالمعايير نفسها.

من هنا، انتقل الشرق الأوسط من مرحلة منع الحرب إلى مرحلة إدارتها، الضربات العسكرية المحدودة، والاغتيالات، والاشتباكات الحدودية، لم تعد مقدمات لمعركة فاصلة، بل رسائل سياسية مضبوطة السقف، تُستخدم لإعادة ضبط التوازنات، واختبار الخطوط الحمراء، وإرسال الإشارات المتبادلة بين الخصوم، دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة لا يريدها أحد، لكنها تظل ممكنة في أي لحظة.

في هذا السياق، أعادت إسرائيل صياغة مفهوم الردع لديها، متجاوزة فكرة الردع الثابت القائم على التفوق العسكري الكاسح، إلى ما يمكن تسميته بـ«الردع المتحرك». هذا النموذج يقوم على المبادرة الدائمة، والضربات الاستباقية، والاختراقات الاستخباراتية، بهدف منع الخصم من بناء قوة ردع مستقرة، لا بهدف حسم الصراع نهائيًا. الردع هنا ليس حالة استقرار، بل حالة حركة مستمرة، تُبقي الخصم في دائرة الإنهاك والقلق الدائم.

في المقابل، يعتمد المحور الآخر، وعلى رأسه إيران وحلفاؤها، على نموذج ردع غير مباشر، قائم على توزيع ساحات الاشتباك، وربط أي تصعيد بجبهات متعددة. هذا الردع لا يسعى إلى مواجهة شاملة، بل إلى رفع كلفة القرار العسكري لدى الخصم، وتحويل أي حرب محتملة إلى أزمة إقليمية واسعة يصعب التحكم في مآلاتها. إنها معادلة ردع تقوم على التعقيد لا على التفوق.

أما الدول العربية، فتجد نفسها عالقة بين نموذجين من الردع لا تملك التحكم فيهما. فلا هي قادرة على بناء ردع مستقل يحمي مصالحها، ولا هي قادرة على النأي بنفسها عن ارتدادات الصراع. وبهذا، تتحول من فاعل إقليمي إلى ساحة مفتوحة للتأثر، سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، في معادلات تُدار خارج إرادتها.

الأخطر في هذه المرحلة ليس احتمال اندلاع حرب كبرى، بل الاعتياد على الصراع ذاته. حين تصبح الضربات العسكرية خبرًا عابرًا، والأزمات حالة يومية، يفقد المجتمع حساسيته تجاه العنف، ويتحوّل التوتر إلى وضع طبيعي، لا استثناءً. هنا لا يُهزم الإقليم عسكريًا فقط، بل يُستنزف نفسيًا وسياسيًا، ويُفرغ من أي قدرة على إنتاج مشروع استقرار حقيقي.

ما يجري اليوم ليس سلامًا، بل استقرار زائف، ولا هو حرب شاملة، بل صراع مُدار على فوهة بركان. شرق أوسط تُدار فيه الأزمات بدل أن تُحل، وتُؤجَّل فيه الانفجارات بدل أن تُمنع، في انتظار لحظة اختلال كبرى قد تعيد رسم المشهد بالكامل، بثمن قد يكون أفدح مما يتصوره الجميع.. .!!

كاتب وباحث في الجيوسياسية

اقرأ أيضاًوقفة.. الاهتمام بتطوير الرياضة عنوان تقدم الأمم

بعد الاعتذار.. الأعلى للإعلام يحفظ الشكوى المقدمة ضد خالد طلعت

مقالات مشابهة

  • جرائم الاحتلال في فلسطين تغذي "موجات انتقامية" وسط عجز دولي عن محاسبة "مجرمي الحرب"
  • الشرق الأوسط بعد أوهام الردع.. حين تُدار الحروب بدل أن تُمنع
  • رسائل تهديد للأكاديميين في إسرائيل والموساد توصي بالتخفي
  • المرحلة الثانية من خطة ترامب في غزة.. ترقب فلسطيني وعرقلة إسرائيلية
  • ممنوعون من زيارة بيت لحم.. استعدادات مسيحية خجولة لأعياد الميلاد في غزة
  • حروب الشيطنة إنقاذ لسمعة الكيان الصهيوني
  • الدارالبيضاء تطوي صفحة بودريقة بإقالته من جميع مهامه الإنتدابية
  • ألمانيا تستدعي السفير الروسي.. ما القصة؟
  • مستوطنون يدخلون قطاع غزة أمام أنظار جيش الاحتلال
  • إصابة 7 أشخاص في هجوم أوكراني بمسيرات على مقاطعة روسية