جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-07@23:41:16 GMT

غزة تكشف كل شيء

تاريخ النشر: 22nd, July 2025 GMT

غزة تكشف كل شيء

أحمد الفقيه العجيلي

غزة ليست مجرد بقعة جغرافية ضاقت بأهلها، ولا أزمة طارئة يمكن تأجيلها حتى تنتهي نشرات الأخبار.. غزة الآن أصبحت امتحانًا مفتوحًا، تُرصَد فيه المواقف، وتُسجَّل فيه الملامح.

من الذي صمت؟ من الذي تكلّم؟ ومن الذي زاد الطين بلّة وهو يدّعي الحياد؟

نتابع المشهد، ونكاد نسمع سؤالًا في دواخلنا لا يهدأ: كيف يمكن أن يرى الإنسان كل هذا، ثم يبقى على حاله؟

طفل يُنتَشل من تحت الركام، يحمل شقيقه الأصغر وكأنه يحتضن وطنًا من الرماد.

أمٌّ تتلوى أمام الكاميرا: "لم يبقَ لي أحد".

ومع هذا، بعض الشاشات العربية تعرض برامج ترفيه، وبعض الأنظمة تتحدث عن "ضبط النفس"، وبعض المنظمات "قلقة كعادتها".

هل أصاب العمى الأبصار، أم أن العيون لم تعد تبصر إلا ما يُرضي السلطة ويُريح الضمير؟

لقد شاهدنا قممًا تُعقد، واجتماعات طارئة تُبَثّ، لكن لا أحد تجرأ على اتخاذ قرار يُربك المحتل.

كأن غزة تُذبح خارج التاريخ، كأن دماء أهلها لا تبلّل سجلات الأمم.

والأنكى من كل ذلك، أن البعض صار يبرر الصمت بتعقيدات المشهد، ويُلبس العجز عباءة الحكمة.

هنا نتذكر قول الله عز وجل: ﴿فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا ۚ أتريدون أن تهدوا من أضل الله ۖ ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلًا﴾ [النساء: 88]

أليس في هذا وصفٌ دقيقٌ لمن اختاروا أن ينحازوا للخذلان باسم الواقعية؟

من ضاعت بوصلتهم، فصاروا يرون في المقاومة تهديدًا، وفي العدوان "ردًّا مشروعًا"؟

لقد أُركسوا بما كسبت أيديهم، فانطفأ فيهم النور، وانعكست في قلوبهم المعايير.

ولا عجب، فقد نبّه النبي ﷺ منذ قرون إلى أن ترك الظالمين بلا ردع سيُغرق السفينة كلها:

"مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة... إن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا، وإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعًا". [رواه البخاري].

هل ما زلنا على ظهر السفينة، أم أننا في قاعها ونُقنِع أنفسنا أننا في أمان؟

ومع كل هذا الظلام، يخرج صوتٌ من تحت الحصار، لا يطلب الدعم بقدر ما يزرع المعنى.

خطاب أبو عبيدة لم يكن مجرد تصريح عسكري، بل كان خطابًا في وجه الغيبوبة: "سنواصل القتال، ولو تخلّى عنا الجميع، ولن تنكسر هذه الراية، حتى لو بقي من يرفعها طفل جريح في أحد الأنقاض".

متى كانت الكلمات التي تأتي من بين الأنقاض أصدق من خطب القصور؟

متى كان المحاصر هو من يوقظ النائمين في العواصم؟

غزة اليوم ليست بحاجة إلى بيانات التضامن، بل بحاجة إلى أن نُعيد النظر في أنفسنا:

ما معنى الكرامة؟ وما الذي تبقّى منّا حين نفقد الإحساس بالدم المسفوك ظلمًا؟

غزة ليست مجرد قضية سياسية، إنها اختبار للقلوب:

هل لا تزال حية؟ أم أنك تراها على الشاشة كأنها فيلم آخر لا يستحق التفاعل؟

في غزة، يكتب الأطفال وصيتهم على دفاتر المدرسة،

في غزة، يبكي الرجال في صمت، وتكبر الجنازات قبل أن تجف الدموع.

ومع ذلك، في مكانٍ ما... تُقام الحفلات، وتُدار الصفقات، وتُقمع الشعوب باسم "عدم التدخل".

أيّ عزاء يمكن أن نطلبه إن فشلنا في هذا الامتحان؟

وأيّ وجه سنقابل به الله، إن كانت دماء المظلومين تُراق، ونحن لا نحرك إلا أزرار هواتفنا؟

غزة ليست مجرد جغرافيا، إنها البوصلة…

من ضلّ عنها، ضلّت عنه كل القيم.

هي التي تفرز اليوم بين من يقف في صفّ الحق، ومن يكتفي بمشاهدة الظلم وكأن شيئًا لا يعنيه.

إن واجبنا اليوم لا يقتصر على الشجب والتنديد، بل على الفعل الحقيقي:

أن نكتب ونشهد ونُذكّر.

أن نحاصر الكذبة بالرواية الصحيحة.

أن نحمل هذه القضية على أكتافنا، لأنها تختبر ما بقي من ضمير في هذا العالم.

اليوم، تقف الأمة أمام مفترق طرق:

إمّا أن تكون في صفّ الحق مهما كلفها ذلك، أو تكون شاهد زور، وإن صلّت وصامت.

في زمن تزاحمت فيه الروايات، وتعمّد الإعلام إرباك العقول، بات الواجب اليوم ألّا نكتفي بالدعاء، بل نحرس الحقيقة.

التطبيع ليس فقط اتفاقًا سياسيًا، بل غزوًا ناعمًا للأذهان... يبدأ من تغيير اللغة، وينتهي بمحو القضية.

فيا من قرأت حتى هنا...

لا تبقَ صامتًا. شارك الكلمة، انشر الرواية، ولا تستصغر أثر موقفك.

فرب كلمة أحيت ضميرًا، ورب ضمير أحيا أمة.

 

وفي الختام…

اللهم لا تجعلنا من الخاذلين، ولا من الذين رأوا وسكتوا، وسمعوا ولم يتحركوا.

اللهم اجعلنا ممن تشهد لهم غزة، لا ممن تشهد عليهم.

غزة لا تكتب التاريخ بالحبر، بل بالدم والصبر... فاختر مكانك:

إمّا أن تكون شاهدًا لها… أو شاهد زور عليها.

"والله من وراء القصد"

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: من الذی

إقرأ أيضاً:

ما هو مسجد القبلتين الذي أمر خادم الحرمين بفتحه 24 ساعة؟

مئذنتان عاليتان لونهما أبيض بثوب المعتمرين والحجاج، يخرج منهما الأذان كل صلاة.. هنا مسجد القبلتين الذي يعلو ربوة من الحرة الغربية بالمدينة المنورة، أحد أهم المعالم الإسلامية والتاريخية المهمة ذات الارتباط الوثيق بسيرة الرسول المصطفى «صلى الله عليه وسلم».
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1600588014572-0'); }); ذلك المسجد الشامخ العريق بٌني على يد بني سواد بن غنم بن كعب في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في العام الثاني للهجرة النبوية المباركة، ونزل الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالتحول إلى قبلة الكعبة المشرفة بعد أن كانت القبلة هي بيت المقدس، وكان ذلك يوم 15 شعبان من العام الثاني للهجرة.
أخبار متعلقة الأرصاد: اعتدال الأجواء منتصف أكتوبر.. ولا تأثير للحالة المدارية "الأرصاد" ينبه من رياح شديدة على منطقة حائل حتى التاسعة مساءًفتح الأبواب 24 ساعة للصلاة
ووجّه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- اليوم الاثنين، بفتح مسجد القبلتين في المدينة المنورة على مدار (24) ساعة، تسهيلًا للمصلين من أداء الصلاة في جميع الأوقات.
موقع مسجد القبلتين ومكوناته
يقع مسجد القبلتين في المدينة المنورة، تحديدًا على طريق خالد بن الوليد، ويبعد قرابة أربعة كيلومترات عن المسجد النبوي الشريف.
شُيد المسجد في موقع مرتفع على إحدى هضاب حرة الوبرة، وكان يطلّ على جزء من وادي العقيق، أحد المعالم الطبيعية البارزة في المدينة.
تميز بناء المسجد في شكله القديم بتقسيمه إلى جزأين:
القسم الداخلي الذي يحتوي على محراب يتجه نحو الكعبة المشرفة، والقسم الخارجي الذي يضم محرابًا آخر يتجه نحو جهة الشام.
واستخدم في تشييد كلا القسمين الجير والحجارة المنحوتة، مما يعكس الطابع المعماري التقليدي الذي كان سائدًا في تلك الحقبة.
شطرا الصلاة
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزور أم بشر من بني سلمة معزيًا، فصنعت له طعامًا، وعند صلاة الظهر نهض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي، وبعد أن أتم ركعتين نزل عليه الوحي بالتحول إلى الكعبة المشرفة في الآية الكريمة "قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره".
ومنذ ذلك التاريخ عُرف المسجد باسم "مسجد القبلتين" لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى فيه شطر صلاته قِبل المسجد الأقصى، والشطر الآخر قبل المسجد الحرام.
عناية فائقة
وتوالت على مر التاريخ الإسلامي عمارة وتوسعة مسجد القبلتين، ويحظى المسجد في هذا العهد الزاهر، بالاهتمام الكبير والعناية الفائقة، فقد جُدِّدَ وعُمِّرَ وفق أحدث التقنيات والتصاميم الهندسية، مع إضفاء اللمسة الهندسية المعمارية ذات الطابع الإسلامي.
ترميمات وإصلاحات مسجد القبلتين
شهد المسجد عدة ترميمات وإصلاحات على مر التاريخ، من أشهرها التي أنجزها عمر بن عبدالعزيز عام 87هـ/706م، عندما اهتم بإصلاح وتجديد المساجد التي صلى بها النبي صلى الله عليه وسلم، ومرّ على المسجد نحو 800 عام دون تجديدات حتى جدده شاهين الجمالي عام 893هـ/1488م، وتوالت بعد ذلك التوسعات.
وكانت أول توسعة لمسجد القبلتين في العهد السعودي توسعة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود عام 1350هـ/1931م، عندما أمر بتجديد عمارة المسجد، وبناء سور حوله، ورفع مئذنة مخصصة له، ووسع مساحته لتصل إلى 425 م2.
وأعيد بناء المسجد في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود عام 1408هـ/1987م، ووصلت مساحته إلى نحو 3920م2،وشهد عدة إصلاحات وترميمات في عهدالملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود،إضافةً إلى التجديد والعناية التي مر بها في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.

مقالات مشابهة

  • 7 أكتوبر.. اليوم الذي أسقط أسطورة القوة وفضح زمن الخضوع
  • رئيس جامعة سوهاج جامعة سوهاج الأهلية:: «معامل الحاسب الآلي» ليست مجرد فصول بل منصات انطلاق نحو المستقبل
  • سيلينا غوميز تكشف تفاصيل مرض الذئبة الذي تعاني منه
  • عامان على هجوم 7 أكتوبر.. اليوم الذي غيّر وجه المنطقة
  • 7أكتوبر.. يوم فلسطين الذي حقق المستحيل بعد 77 عاماً
  • عن حرب أكتوبر.. أمين الفتوى: ليست مجرد نصر عسكري
  • ما هو مسجد القبلتين الذي أمر خادم الحرمين بفتحه 24 ساعة؟
  • محمد حميد الله.. العالم الذي عاش للإسلام في صمت ورحل في صمت
  • بيان جديد واعتذار من تاتش.. ما الذي جرى صباح اليوم؟
  • الأم ليست دائماً على حق..