بيروت بين مطرقتين.. ما الذي يجري خلف الكواليس في ملف سلاح حزب الله؟
تاريخ النشر: 20th, November 2025 GMT
يتعرّض الجيش اللبناني الذي كلّفته الحكومة نزع سلاح حزب الله، لضغوط إسرائيلية وأميركية متزايدة، أطاحت بزيارة كانت مقررة لقائده إلى واشنطن هذا الأسبوع، وفق ما أفاد مصدر عسكري وكالة فرانس برس.
ومنذ سريان وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة أميركية، وأنهى في 25 نوفمبر حربا استمرت لعام بين حزب الله وإسرائيل، عزز الجيش انتشاره في الجنوب حيث بات عديده حاليا يتجاوز 9 آلاف عنصر.
وشرع منذ سبتمبر في تفكيك بنى الحزب العسكرية من منطقة جنوب نهر الليطاني، الواقعة على مسافة حوالي 30 كيلومترا من الحدود مع إسرائيل، تطبيقا لخطة أقرتها الحكومة.
ونصت المرحلة الأولى من الخطة على نزع السلاح من المنطقة الحدودية بغضون 3 أشهر تنتهي مع نهاية العام الحالي.
وقال المصدر العسكري الذي تحفّظ عن ذكر اسمه: "نحن ملتزمون بالخطة ضمن الجدول الزمني المصدق عليه في مجلس الوزراء والذي يعرفه الأميركيون والأطراف المعنية كافة".
وأضاف: "ما يطلبونه اليوم هو نزع سلاح حزب الله من كل لبنان قبل نهاية العام، وهذا أمر مستحيل"، مبديا خشيته من أن تمهّد "الضغوط الأميركية والاسرائيلية الممنهجة لحصول تصعيد في الضربات".
سلاح حزب الله
وتتهم إسرائيل، التي تواصل شنّ ضربات دامية، السلطات اللبنانية بـ"المماطلة" في سحب سلاح الحزب، الذي يرفض بالمطلق تجريده من سلاحه.
ورغم جمعه السلاح وتفكيكه بنى تحتية للحزب وأنفاق، يجد الجيش اللبناني نفسه عاجزا عن تلبية مطالب من بينها تفتيش المنازل في كل قرية، وسط نقص في العتيد والعتاد وخشية من مواجهات مع المجتمعات المحلية.
وشهد هذا الأسبوع التوتر الأبرز بين الجيش اللبناني والولايات المتحدة، التي تعدّ أبرز داعميه، بعد تبلّغ قائد الجيش رودولف هيكل إلغاء مواعيد لقاءات مع مسؤولين سياسيين وعسكريين كانت مبرمجة ضمن زيارة مقررة الى واشنطن الثلاثاء.
ودفع ذلك هيكل إلى إلغاء زيارته، قبل ساعات من موعد سفره، وفق المصدر.
وجاء ذلك إثر اعتراض أعضاء في مجلس الشيوخ، بينهم السناتور الجمهوري ليندساي غراهام، على مضمون بيان أصدره الجيش، الأحد، وصف فيه إسرائيل "بالعدو"، في معرض تنديده بإطلاق قوات إسرائيلية النار على عناصر من قوة الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل).
وفي منشور على إكس، الثلاثاء، كتب غراهام الذي كان مقررا أن يلتقي هيكل، "من الواضح أن قائد الجيش اللبناني، بسبب إشارة الى إسرائيل على أنها العدو، وبسبب جهوده الضعيفة أو شبه المعدومة لنزع سلاح حزب الله، يشكل انتكاسة كبيرة للجهود الرامية الى دفع لبنان إلى الأمام".
وأضاف: "هذا المزيج يجعل من الجيش اللبناني استثمارا غير مُجد للولايات المتحدة".
وفي موازاة ضغط واشنطن لتجريد حزب الله من سلاحه، تحض السلطات اللبنانية كذلك على تجفيف مصادر تمويله من داعمته إيران.
"صفر سلاح"
ويتهم لبنان إسرائيل بخرق اتفاق وقف إطلاق النار، عبر مواصلة تنفيذ ضربات وإبقاء قوات داخل أراضيه، في حين تتهم الدولة العبرية حزب الله بالعمل على ترميم قدراته العسكرية. وتستهدف عناصره وبنى عسكرية تابعة له بضربات دامية.
وقال مسؤول في الجيش الإسرائيلي لمكتب فرانس برس في القدس إن لجنة مراقبة وقف إطلاق النار تعمل "لكن ليس بالسرعة التي نرغب بها، ولا في الأماكن التي نرغب بها".
وأضاف "نرى كيف يُعيد حزب الله بناء نفسه.. ولن نسمح بتنامي هذا النوع من التهديدات في منطقتنا. لن يحدث هذا".
ورغم الضربات الهائلة التي نفذتها إسرائيل، منذ فتح حزب الله جبهة ضدها انطلاقا من جنوب لبنان، غداة اندلاع الحرب في قطاع غزة، لا يزال حزب الله الذي خرج ضعيفا من الحرب يحتفظ بجزء من ترسانته وقدراته الصاروخية.
ويقول المسؤول الإسرائيلي: "عندما أنهينا الحرب، كنا نعلم أنه تبقى لديهم ما بين 20 و30 بالمئة من قدراتهم النارية"، مضيفا "لا يمكن أبدا تحقيق الصفر. هذا مستحيل".
ويشرح: "لتحقيق الصفر، يجب أن نفتش كل منزل في لبنان، وهو ما نتوقعه من الجيش اللبناني، لأننا لا نستطيع فعل ذلك بأنفسنا".
المصدر: قناة اليمن اليوم
كلمات دلالية: الجیش اللبنانی سلاح حزب الله
إقرأ أيضاً:
الإصرار على نزع سلاح حزب الله يجرّ لبنان للخطر
ترجمة: بدر بن خميس الظفري
يبدو أنّ نقاشًا داخليًا قد بدأ يتبلور داخل الدوائر السياسية الأميركية بشأن استراتيجية واشنطن تجاه لبنان. ففي مقابلة حديثة وجه المستشار الرئاسي الأمريكي السابق آموس هوكستين انتقادات غير مباشرة لما وصفه بالمبالغة التي تبديها إدارة ترامب في التركيز على نزع سلاح حزب الله.
وقال هوكستين: «علينا أن نكون واقعيين بشأن ما يمكن تحقيقه. أفضل وسيلة لمواجهة الحزب ليست التركيز حصريًا على نزع سلاحه، بل اتباع مسارين متوازيين: تنمية الاقتصاد لجذب الاستثمار، ودعم الجيش اللبناني». وحذّر الدبلوماسي السابق في إدارة بايدن من أنّ الضغط المفرط على الدولة اللبنانية لدفعها نحو نزع سلاح حزب الله قد يشعل حربًا أهلية. كما دعا المجتمع الدولي إلى دعم جهود إعادة الإعمار في لبنان.
جاءت تصريحات هوكستين بعد أن وصف السفير الأمريكي لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا توم باراك لبنان بأنها «دولة فاشلة» لعدم نزع سلاح حزب الله واصفًا الطبقة السياسية اللبنانية بـ«الديناصورات».
وتتجاوز تصريحات هوكستين خلفيات الانقسام الحزبي؛ إذ تصدر عن شخصية مطّلعة على اللاعبين الأساسيين.
فالرجل هو عضو سابق في الجيش الإسرائيلي، وكان مسؤول إدارة بايدن الأول عن ملف لبنان، وصاحب الدور البارز في إنجاز اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وهو اتفاق حاز موافقة حزب الله.
وفي هذا السياق قد تُقرأ تصريحات هوكستين كتحذير من أن هوس إدارة ترامب بالتعجيل في نزع سلاح حزب الله هو التهديد الحقيقي الذي قد يدفع لبنان إلى التحوّل فعليًا إلى دولة فاشلة؛ فلبنان يصنَّف اليوم «دولة ضعيفة»، أمّا المنهج المعتمد حاليًا فقد يفتح الباب أمام فوضى شاملة.
في المقابل، أصدر حزب الله بيانًا أعلن فيه رفضه القاطع لأي مفاوضات لبنانية - إسرائيلية. لكن البيان -الذي أعقب تصريحًا للرئيس جوزيف عون يعتبر فيه أن المفاوضات مع إسرائيل هي الخيار الوحيد لإنهاء الأعمال العدائية- لا يُعدّ رفضًا مطلقًا للحوار.
فقد أوضح أحد مسؤولي الحزب خلال لقائه مجموعة من الباحثين والصحفيين أنّ المقصود هو رفض «المفاوضات السياسية» تحديدًا في حين أنّ «اللقاءات غير السياسية» قد تكون مقبولة. كما شدد المسؤول على ضرورة وضوح الهدف النهائي لأي حوار.
الأهم من ذلك أنّ بيان الحزب أشار إلى بند في اتفاق وقف إطلاق النار الصادر في نوفمبر 2024 يمنع الفصائل المسلحة في لبنان من تنفيذ عمليات ضد إسرائيل في رد واضح على الاتهامات الإسرائيلية بأن الحزب قد يشن هجمات مستقبلية عبر الحدود.
وقد كرر الشيخ نعيم قاسم هذا الموقف في خطاب متلفز الأسبوع الجاري؛ فبينما حذر من أنّ الحزب سيضطر إلى التحرك إذا واصلت إسرائيل اعتداءاتها أكد في الوقت نفسه أن الحزب لا يسعى إلى بدء الهجوم.
ومع هذه المقاربة البراجماتية سيكون من الحكمة أن تأخذ إدارة ترامب بنصيحة هوكستين، وأن تُظهر مرونة أكبر في مسألة نزع السلاح إلى جانب الضغط على إسرائيل لوقف هجماتها المتواصلة على لبنان والتي تصاعدت بشكل ملحوظ خلال الأيام الأخيرة.
إن اعتماد هذه المقاربة سيزيد من فرص التوصل إلى نوع من «السلام البارد» الدائم عبر مفاوضات برعاية أمريكية، وهو إنجاز سيعزز مكانة إدارة ترامب في المنطقة، لا سيما بالنظر إلى حالة العداء التاريخي بين لبنان وإسرائيل. وقد يوازي هذا الإنجاز في أهميته أحد أهداف ترامب الأخرى، وهو التطبيع بين السعودية وإسرائيل رغم أن الطرفان لم يشهدا يومًا نزاعًا مباشرًا.
كما أن «السلام البارد» يخدم مصالح واشنطن الأوسع؛ فالولايات المتحدة تبني مجمعًا ضخمًا لسفارتها في بيروت سيكون ثاني أكبر سفارة لها في العالم بعد سفارة بغداد ما يعكس الأهمية المستقبلية للبنان في استراتيجيات واشنطن الإقليمية.
في المقابل، فإن تحوّل لبنان إلى دولة فاشلة غارقة في حرب أهلية، وهو سيناريو قد يدفع به الإصرار الأمريكي على نزع سلاح حزب الله بسرعة سيقوّض خطط واشنطن المستقبلية، ويضيف فصلًا آخر إلى سجلها السيئ في خلق الدول الفاشلة في العراق وأفغانستان وليبيا وغيرها، كما سيؤثر هذا السيناريو على إرث الرئيس ترامب، خصوصًا فيما يتعلق بملف «تنظيم الدولة» (داعش).
فالتنظيم الذي يعزز وجوده في الدول المنهارة يمنح أهمية خاصة لمنطقة الشام، وقد أثبت ذلك بمحاولاته المتكررة للعودة في العراق وسوريا. وفوضى لبنان ستكون فرصة ذهبية للتنظيم لإيجاد موطئ قدم قوي يخدم أهدافه الإقليمية.
على ضوء ذلك، من المنطقي تمامًا أن تنأى واشنطن بنفسها عن المقاربة الإسرائيلية التي تتمسك حصريًا بنزع سلاح حزب الله.
فبينما قد تجد إسرائيل مصلحة في دولة لبنانية منهارة غارقة في صراع داخلي بحجة التوسع الأمني أو الإقليمي فإن هذا السيناريو لا يخدم المصالح الأمريكية، ولا إرث ترامب الشخصي.
علي رزق محلّل سياسي وأمني مقيم في بيروت
الترجمة عن ميدل إيست آي