المسلة:
2025-07-26@13:30:08 GMT

الشرق الأوسط بين مشاريع التفكيك وإعادة التموضع

تاريخ النشر: 25th, July 2025 GMT

الشرق الأوسط بين مشاريع التفكيك وإعادة التموضع

25 يوليو، 2025

بغداد/المسلة: ناجي الغزي

يمر الشرق الأوسط اليوم بمرحلة إعادة تشكيل عميقة لا تُشبه أي مرحلة سابقة في تاريخه الحديث. نحن لا نشهد مجرد تنافس نفوذ بين قوى تقليدية وإقليمية، بل عملية إعادة هندسة شاملة للخرائط الجيوسياسية والبنى العسكرية والاصطفافات الاستراتيجية، تقودها الولايات المتحدة بغطاء خليجي وأدوات متعددة الوظائف، وعلى حساب مفاهيم السيادة والدولة الوطنية التي كانت تشكل ركائز النظام العربي لعقود.

أولاً: اختلال التحالفات الكلاسيكية

المؤشر الأبرز في المشهد الإقليمي اليوم يتمثل في اهتزاز التوازن التقليدي الذي حكم العلاقة بين مصر والسعودية لعقود. الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني إلى القاهرة، والتي وُوجهت باستياء خليجي مبطّن، كشفت عن مفارقة استراتيجية: بينما تحتج الرياض على أي تقارب مصري إيراني، فإنها – في الوقت ذاته – تقود طفرة في العلاقات التجارية والدبلوماسية مع طهران، في مسار تصالحي تتداخل فيه حسابات النفط والأمن والتهدئة اليمنية.
إن ما يبدو من تباعد مصري-خليجي ليس مجرد تباين في التكتيك، بل يعكس تصدعاً في الرؤية الاستراتيجية للمنطقة. القاهرة، التي طالما لعبت دوراً مركزياً في القضايا السورية والليبية والسودانية، تجد نفسها اليوم مُستبعدة من ملفات جوهرية، في الوقت الذي تتقاسم فيه الرياض وأبو ظبي و الدوحة وواشنطن وأنقرة النفوذ الميداني والسياسي في هذه الساحات.

ثانياً: سوريا كنموذج للتفكيك العسكري الممنهج

أخطر ما يُعاد إنتاجه اليوم هو المشروع الأميركي الناشئ في سوريا، والذي يقوده دونالد ترامب من موقعه في الولاية الثانية عبر أدوات جديدة، يتصدرها “الجيش السوري الجديد” بقيادة أحمد الشرع. هذا التكوين العسكري ليس فقط وليد التحالف مع المعارضة المسلحة أو الفصائل المحلية، بل يقوم على دمج مقاتلين أجانب من الشيشان والتركستان والروس والإيغور ضمن هيكل وظيفي عسكري عابر للهوية الوطنية.
إن هذا التحول يشير إلى انتقال المشروع الأميركي في سوريا من منطق “تغيير النظام” إلى “إعادة تشكيل الدولة”، ليس عبر المفاوضات أو إعادة الإعمار، بل من خلال خلق بديل عسكري – مرتزق، يقف على النقيض من الجيش السوري النظامي، ويملك ولاءه لمعادلات الخارج لا الداخل.
ما يثير القلق في هذا النموذج هو التشابه مع تجربة تأسيس إسرائيل وجيشها: الذي أعتمد على تجميع عناصر مهاجرة ومقاتلين متعددي الجنسيات في جيش عقائدي يخدم مشروعاً جيوسياسياً وظيفياً، يُعيد رسم الحدود ويقلب توازنات الردع الإقليمي. وهو ما قد يُمهّد لتعميم النموذج في ساحات هشّة مثل ليبيا أو السودان، حيث تسعى واشنطن وحلفاؤها إلى بناء قوى أمنية موازية للجيوش الرسمية.

ثالثاً: مصر خارج معادلة إنتاج القرار الإقليمي

الرفض المصري المتكرر لمقابلة الرئيس الأميركي، والتصريحات المصرية غير المسبوقة بحق المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، لا يمكن قراءتها إلا في إطار إدراك القاهرة المتزايد بأنها أصبحت خارج معادلة “إنتاج القرار” الإقليمي. فواشنطن تُدير هندسة المنطقة اليوم دون المرور عبر القاهرة، وتُعيد تأهيل معارضة سورية بديلة، وتدعم بنيات عسكرية موازية في دول الطوق، بينما تُفرغ الأمن الإقليمي من مضمونه العربي لصالح تحالفات “متعددة الجنسيات”.
في المقابل، يبدو أن مصر تحاول الآن انتهاج سياسة “التموضع المتقاطع”، عبر فتح خطوط مع طهران وموسكو، ليس بهدف خلق محور بديل، بل لمراكمة أوراق ضغط تسمح لها باستعادة بعض الوزن الاستراتيجي في ملفات كانت تقليدياً من اختصاصها.

رابعاً: الطاقة كسلاح سياسي

في موازاة ذلك، يبدو أن الخليج يتجه نحو عسكرة السوق النفطية، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، من خلال تصعيد إنتاجي يستهدف تقويض قدرة روسيا على تمويل حربها في أوكرانيا. السعودية التي لطالما دعمت توازن أسعار النفط، بدأت تنخرط في لعبة كسر العظم مع موسكو، مستغلة فائضها المالي والسياسي، في إطار صراع موازٍ للصراع العسكري في أوروبا.
هذا التكتيك ليس منعزلاً عن التحركات الأميركية في سوريا، حيث تسعى واشنطن أيضاً لتجفيف منابع النفط التي تموّل المحور الروسي-الإيراني، سواء في الحسكة أو دير الزور. وبينما تحاول موسكو التمسك بموقعها في المعادلة السورية، تدفعها واشنطن نحو إعادة تموضع قسري عبر الخنق الاقتصادي، والتطويق السياسي من الداخل السوري.

خامساً: المآلات الاستراتيجية وخيارات الردع والاحتواء

تُواجه القاهرة اليوم تحدياً وجودياً يتجاوز مسألة التهميش الدبلوماسي، إلى خطر التحول من “فاعل مؤسس” إلى “مراقب قلق”. فكلما توسعت المشاريع العسكرية البديلة – المدعومة من قطر وتركيا وأميركا – تقلّصت المساحة أمام الجيش المصري كمرجعية عربية للأمن. وكلما تطورت ديناميات “البديل الأمني الوظيفي” في سوريا وليبيا، ازدادت احتمالات توسيعه ليطال مناطق جوار مصر، خصوصاً السودان.
في هذا الإطار، يبقى الرد الاستراتيجي المصري مرهوناً بقدرتها على صياغة سياسة خارجية هجومية، لا دفاعية، قادرة على:
1. خلق تحالفات مرنة مع قوى دولية (مثل الصين والهند ) دون الانزلاق إلى محور مضاد.
2. إعادة تفعيل الدور المصري في المسارات السورية والسودانية عبر مبادرات مدنية ومخابراتية تتجاوز البعد التقليدي.
3. تعزيز القوة الناعمة والدبلوماسية الاقتصادية المصرية كمداخل لاستعادة التأثير في المشهد الإقليمي.
4. بناء سردية جديدة للأمن العربي ترتكز على الدولة الوطنية لا التكوينات الميليشياوية العابرة.
ومن الملاحظ أن الشرق الأوسط يُدار اليوم من خارج الخرائط الرسمية، ومن داخل غرف عمليات استراتيجية عابرة للحدود. وتبدو كل دولة في المنطقة أمام اختبار وجودي: إما أن تعيد تموضعها على أسس جديدة تحفظ سيادتها وعمقها الأمني، أو تذوب تدريجياً في لعبة المحاور، كمجرد ورقة في يد الكبار. في هذا السياق، لم يعد التهديد هو الحرب الشاملة، بل التفكيك البطيء الذي يبدأ من الجيش وينتهي بالدولة.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: الشرق الأوسط فی سوریا

إقرأ أيضاً:

نحو مواجهة مع إسرائيل؟.. تركيا تسعى للسيطرة على الشرق الأوسط

تناول تقرير لصحيفة "معاريف" العبرية، كشف تركيا الثلاثاء، عن أحدث وأقوى سلاح لديها حتى الآن، وهو صاروخ باليستي من إنتاج شركة روكيتسان يُدعى "طيفون".

وتحدثت تقارير مختلفة، يبلغ مدى الصاروخ ما بين 500 و800 كيلومتر، ومع المزيد من التطوير، سيصل أقصى مدى له إلى حوالي 1000 كيلومتر. ويتراوح طوله بين 6.5 و10 أمتار، ويتراوح وزنه بين 2300 و7200 كيلوغرام.

وأضافت الصحيفة، أن الصاروخ صمم بدقة عالية، وقادر على إصابة أهداف ضمن نطاق خمسة أمتار تقريبًا، بما في ذلك السفن الحربية. النظام الذي سيُطلق الصاروخ محمول، مما يسمح بنقله ونشره بسرعة، وهي ميزات تُحسّن من قدرته على الصمود في البيئات المعادية.

ويزعم محللون أمنيون أتراك أن صاروخ طيفون يفوق سرعته سرعة الصوت، ومقاوم للتشويش، ويصعب اعتراضه.

وكُشف النقاب عن الصاروخ اليوم في معرض IDEF، المعرض الدولي للصناعات الدفاعية الذي يُقام في تركيا سنويا منذ عام 1993.

ويُعدّ هذا المعرض أكبر معرض للصناعات الدفاعية في منطقة أوراسيا، وأحد المعارض الأربعة الرائدة عالميًا، ويشهد نموا متزايدا في عدد الدول والوفود والشركات المشاركة فيه.

ووفقا للتقارير، يستضيف المعرض هذا العام حوالي 900 شركة أجنبية من 103 دول مختلفة، بما في ذلك شركات دولية كبرى مثل إيرباص، ولوكهيد مارتن ، ورولز رويس، وغيرها، وحوالي 400 شركة تركية.



من اللافت بحسب الصحيفة، توقيت هذا المعرض، الذي بدأ اليوم ويستمر حتى 27 تموز/ يوليو، وتوقيت الكشف عن الصاروخ الباليستي، ففي وقت سابق من اليوم، وجّه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان انتقادات لاذعة لإسرائيل وأفعالها في سوريا.

وأوضحت "معاريف"، أن هذه ليست المرة الأولى التي تُعبر فيها تركيا عن تهديد حقيقي، ولكن يبدو أيضًا أنها حريصة على عدم تجاوز الخطوط الحمراء.

وبينت الصحيفة، أن "أنقرة ترى أي محاولة لتقسيم سوريا تهديدا، وستدرس التدخل. إن مصلحة نتنياهو تكمن في جر الشرق الأوسط إلى الفوضى، ونحن، دول المنطقة، لن نسمح بذلك. إسرائيل تنتهج سياسة تُضعف المنطقة وتُغرقها في الفوضى".

كما أُفيد أمس أن تركيا على وشك إبرام صفقة لشراء مقاتلة يوروفايتر تايفون الأوروبية ، بعد أن وصلت محادثاتها مع الولايات المتحدة لشراء مقاتلات إف-35 إلى طريق مسدود. وسيُعلن عن الصفقة أيضًا في معرض إسطنبول.

وقبل نحو أسبوعين، أفادت "معاريف"، أن الأتراك قلقون للغاية من احتمال تحقيق اليونان، وهي دولة مجاورة تشهد توترا شديدا مع تركيا، تفوقا جويا في المنطقة.

وهذا ما دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العمل مع إدارة ترامب لتطوير سلاح الجو التركي.

وختمت الصحيفة قائلة، "في الواقع، تبلغ المسافة بين تل أبيب وإسطنبول حوالي 1120 كيلومترا، وبين القدس وإسطنبول حوالي 1170 كيلومترا، ومع ذلك، تقع إسطنبول في شمال غرب تركيا، بينما تبعد عنها مدن أقرب، مثل أنطاليا، حوالي 660 كيلومترا فقط".

مقالات مشابهة

  • الخارجية الصينية: حل الدولتين السبيل الوحيد لإرساء السلام بالشرق الأوسط
  • الولايات المتحدة ترفض اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية
  • نحو مواجهة مع إسرائيل؟.. تركيا تسعى للسيطرة على الشرق الأوسط
  • واشنطن ترفض خطة ماكرون للاعتراف بدولة فلسطينية
  • ماكرون: فرنسا ستعترف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر
  • ملفا غزة وإيران يعقدان حسابات واشنطن في الشرق الأوسط
  • المدير الإقليمي للإيكاو عن منطقة الشرق الأوسط في حوار: الإقليم له تحديات خاصة وسلامة الطيران التجاري أولوية.. مصر لعبت دورا مهما في تأمين الحركة بالأحداث الأخيرة
  • رئيس الشرق الأوسط و أفريقيا لشركة Zoho :خير السعودية‬⁩ غير حياتي.. فيديو
  • خبير إسرائيلي: لا مصلحة لنا في التدخل بحرب داخلية درزية