يشهد قطاع التعدين الأهلي أو التقليدي للذهب في السودان توسعاً ملحوظاً في ظل التحديات الاقتصادية والحرب الدائرة التي دفعت آلاف الشباب والعاطين عن العمل للانخراط في هذا المجال الذي يشكل حالياً 80% من إنتاج الذهب في البلاد، حيث تتركز الأنشطة في 6 ولايات رئيسية.

وبينما يسجل الإنتاج ارتفاعاً تجاوز 37 طناً في النصف الأول من العام، تحذر الجهات المختصة من تحديات تنظيمية وبيئية، وتبرز دعوات لتحويل القطاع إلى نموذج منظم يضمن عوائد أكبر للاقتصاد الوطني.

وقال مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية (الجهة الحكومية المسؤولة عن تنظيم قطاع التعدين في السودان، وتتبع مباشرة لوزارة المعادن) محمد طاهر عمر ، إن نشاط التعدين يتركز في 6 ولايات رئيسية هي الشمالية، نهر النيل، البحر الأحمر، كسلا، القضارف، والنيل الأزرق، إلى جانب مناطق شرقية من ولاية جنوب كردفان، التي وصفها بـ”الآمنة والواعدة للتعدين”.

وأضاف عمر لـ”الشرق”، إن الزيادة في أعداد المنخرطين بالتعدين جاءت نتيجة مباشرة للحرب، مؤكداً أن الحكومة بصدد التحول إلى نموذج تعدين منظم عبر إنشاء شركات صغيرة، وتشكيل تجمعات للأنشطة التعدينية في الولايات المنتجة، من شأنه أن يرفع الإنتاج ويقلل من الفوضى.

وبالرغم من الإنتاج المرتفع والذي بلغ أكثر من 37 طناً خلال النصف الأول من العام الجاري، بزيادة قدرها 5 أطنان عن الفترة نفسها من العام الماضي، يرى عمر أن الأرقام لا تزال أقل من الطموحات، مشيراً إلى أن فصل الخريف قد يؤدي إلى تراجع مؤقت في الإنتاج خلال النصف الثاني من العام.
تحديات التعدين تدفع نحو تنظيم القطاع

وأكد مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية، أن من أبرز التحديات التي تواجه التعدين التقليدي هي خضوع أسواق البيع للسلطات المحلية في الولايات، ما يعقّد عمليات الضبط والسيطرة، بالإضافة إلى المخاوف البيئية المرتبطة بالاستخدام العشوائي للمواد الكيميائية، وعلى رأسها “الزئبق”.

ولمواجهة هذه التحديات، أشار عمر إلى أن السلطات شرعت في تطبيق نظام المعلومات الجغرافية (GIS) لرصد وتتبع الأنشطة التعدينية غير النظامية، إلى جانب استقدام أجهزة حديثة للرصد والكشف، وتنفيذ برامج توعوية تستهدف العاملين في القطاع، بهدف تقليل الأضرار البيئية وحماية المجتمعات المحلية.

من جانبه، شدد الأكاديمي والخبير الاقتصادي د. محمد الناير على ضرورة اتخاذ قرارات جريئة لتحويل التعدين الأهلي إلى قطاع منظم، لما له من مردود اقتصادي أعلى على الدولة، نظراً لارتباطه المباشر بالقنوات الرسمية وعوائد التصدير.

وأضاف الناير لـ”الشرق”، أن الزيادة الكبيرة في أعداد المُعدنيين مؤشر يجب الوقوف عنده، مشيراً إلى أن الفائدة من التعدين الأهلي، رغم مساهمته في توفير النقد الأجنبي، لا ترقى إلى الفائدة الكاملة الممكنة في حال تنظيمه وتصديره عبر القنوات الرسمية للدولة.

وأوضح الناير، أن إنتاج الذهب يمكن أن يتجاوز 80 طناً بنهاية العام إذا استمر بنفس الوتيرة، لكنه حذر من خطر فقدان هذه الثروة عبر التهريب والفوضى، مشدداً على أهمية ضبط وجود الأجانب في مناطق التعدين، وإنشاء بورصة للذهب، وتفعيل دور مصفاة الخرطوم لتكرير الذهب محلياً.
دراسة: “الزئبق” يهدد الصحة العامة

وفي سياق متصل، أظهرت دراسة ميدانية أعدها باحثون من جامعات سودانية بالتعاون مع المجلس الأعلى للبيئة، واطلعت عليها “الشرق”، مستويات مقلقة من التلوث البيئي في مناطق التعدين التقليدي الواقعة بين مدينتي عطبرة وبربر بولاية نهر النيل، نتيجة الاستخدام المكثف لمادة الزئبق في عمليات استخلاص الذهب.

وأوضحت الدراسة التي استندت إلى تحاليل شاملة لعينات من التربة والمياه والنباتات، إلى جانب اختبارات بيولوجية للسكان، أن تركيزات الزئبق تجاوزت الحدود المسموح بها دولياً، لا سيما في مياه الشرب، وسُجلت مستويات مرتفعة لدى النساء والأطفال، رافقتها أعراض صحية مثل التسمم والحساسية.

وأوصى الباحثون باتخاذ تدابير عاجلة من بينها نقل مخلفات التعدين إلى مناطق معزولة، وحظر الأنشطة العشوائية قرب المناطق السكنية والزراعية، إضافة إلى تعزيز آليات الرقابة والتوعية لتفادي تفاقم الأزمة البيئية.

وسط ظروف قاسية وعوائد ضئيلة، يروي محمد يونس، أحد العاملين في التعدين التقليدي بولاية نهر النيل، لـ”الشرق”، تفاصيل تجربته بعد فقدان عمله نتيجة الحرب، قائلاً: “جئت مع المئات إلى مناطق التعدين بحثاً عن لقمة العيش.. نعمل لساعات طويلة في بيئة شاقة، لكن ما نحصل عليه لا يتجاوز 10% من العائد بعد اقتطاع تكاليف المعدات والنقل”.

وأضاف: “بعضنا يعمل لأشهر دون تحقيق أي مردود يذكر، وهناك من يخوض مغامرات محفوفة بالمخاطر في الصحراء بحثاً عن الذهب، ضمن رحلات تستمر لأشهر، دون أي شكل من أشكال الدعم أو الحماية”.

الشرق للأخبار

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: التعدین الأهلی من العام

إقرأ أيضاً:

اليابان: إيصال المساعدات للسودان يواجه تحديات بسبب الوضع الأمني

أشار ميزوتشي إلى أن الأطفال هم الأكثر تضررا من الحرب التي تسببت في نزوح آلاف الطلاب وحرمانهم من التعليم، مما يمثل تهديدا مباشرا لمستقبل البلاد..

التغيير: وكالات

قال القائم بأعمال سفير اليابان لدى السودان السفير كينتارو ميزوتشي إن بلاده تعمل مع العديد من المنظمات الدولية لتقديم الدعم الإنساني للشعب السوداني.

وأوضح عبر مقابلة تلفزيونية في وقت متأخر مساء أمس السبت أن اليابان قدمت دعما غذائيا عبر برنامج الأغذية العالمي بقيمة 8 ملايين دولار عام 2025.

وأوضح السفير ميزوتشي أن إيصال المساعدات يواجه تحديات بسبب الوضع الأمني، لكن التعاون مع المجتمع الدولي مستمر لضمان وصول الإغاثة إلى المناطق الأكثر تضررا.

وأشار ميزوتشي إلى أن الأطفال هم الأكثر تضررا من الحرب التي تسببت في نزوح آلاف الطلاب وحرمانهم من التعليم، مما يمثل تهديدا مباشرا لمستقبل البلاد، لافتا إلى أنه شارك خلال زيارته الأخيرة للسودان في برامج نفذتها منظمة اليونيسيف لدعم الأطفال والنساء المتأثرين بالنزاع، مؤكدا أن التعليم هو الأساس لأي نهضة مستقبلية.

وأوضح ميزوتشي أن اليابان تمول مشروعا لإعادة تأهيل 220 مدرسة دمرت خلال الحرب، لافتا إلى أن إعادة الطلاب لمقاعد الدراسة تمثل أولوية قصوى في الدعم الياباني للسودان خلال المرحلة الحالية.

وأوضح أن السودان يمتلك إمكانات كبيرة معطلة بفعل الحرب، مشيرا إلى أن اليابان لديها خبرات واسعة في مجالات الطاقة الشمسية والتنمية المستدامة يمكن توظيفها فور استعادة الاستقرار، كما أن اليابان ليست طرفا في الصراع، وأن الحل يجب أن يأتي عبر حوار سوداني سوداني يمهد لعودة التعاون الاقتصادي والتنمية.

حماية المدنيين

وأكد القائم بالأعمال الياباني أن المساعدات الحالية تهدف إلى حماية المدنيين والحفاظ على ما تبقى من مقومات الحياة تمهيداً لمرحلة إعادة الإعمار.

وتسببت الحرب في السودان في موجة غير مسبوقة من الانتهاكات الإنسانية، شملت النزوح الواسع، وانهيار الخدمات الأساسية، وتدهور الأمن الغذائي والصحي.

ويجد المدنيون أنفسهم محاصرين بين خطوط النار، بينما تتقلص قدرة المنظمات الإنسانية على الوصول إلى المناطق المتضررة بسبب القيود الأمنية وانهيار البنية التحتية.

هذا المشهد خلق واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في المنطقة خلال العقود الأخيرة، مع استمرار اتساع الفجوة بين الاحتياجات الضخمة والموارد المتاحة.

ويشهد السودانيون منذ اندلاع القتال منتصف أبريل 2023 سلسلة من الخسائر التي مست حياتهم اليومية بشكل مباشر، بدءًا من فقدان مصادر الدخل وتوقف سلاسل الإمداد، وصولًا إلى غياب التعليم وارتفاع مستويات الفقر. ومع استمرار النزاع واتساع رقعة العنف، تتضاعف معاناة الأسر، وتتحول الحياة إلى محاولة يومية للبقاء، فيما تغيب أي مؤشرات على حلول سياسية أو ميدانية قريبة تعيد الاستقرار للبلاد.

الوسومالدعم الإنساني للسودان السفير الياباني بالسودان السودان حرب الجيش والدعم السريع

مقالات مشابهة

  • أحمد عنيزان يُتوج بجائزة أفضل صانع محتوى اقتصادي في قمة آيكون للإعلام
  • برنامج الأغذية العالمي: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح إنسانية في العالم
  • صحيفة عبرية: تل أبيب تستغل أزمات مياه الشرق الأوسط من مصر إلى إيران لخلق فرص لشركاتها
  • خبير اقتصادي:(30) تريليون ديناراً العجز العام بسبب الفشل والفساد
  • خبير اقتصادي يوضح أسباب تراجع واردات القمح خلال 10 أشهر من العام الحالي
  • برنامج الأغذية العالمي يحذر: السودان على شفا كارثة إنسانية غير مسبوقة
  • برنامج الأغذية العالمي يحذر من كارثة إنسانية غير مسبوقة في السودان
  • برنامج الأغذية العالمي: السودان يواجه إحدى أسوأ أزمات الجوع في العالم
  • برنامج الأغذية العالمي: السودان في واحدة من أسوأ أزمات الجوع عالميًا
  • اليابان: إيصال المساعدات للسودان يواجه تحديات بسبب الوضع الأمني