التعدين الأهلي في السودان.. كنز اقتصادي يواجه أزمات بيئية وتنظيمية
تاريخ النشر: 26th, July 2025 GMT
يشهد قطاع التعدين الأهلي أو التقليدي للذهب في السودان توسعاً ملحوظاً في ظل التحديات الاقتصادية والحرب الدائرة التي دفعت آلاف الشباب والعاطين عن العمل للانخراط في هذا المجال الذي يشكل حالياً 80% من إنتاج الذهب في البلاد، حيث تتركز الأنشطة في 6 ولايات رئيسية.
وبينما يسجل الإنتاج ارتفاعاً تجاوز 37 طناً في النصف الأول من العام، تحذر الجهات المختصة من تحديات تنظيمية وبيئية، وتبرز دعوات لتحويل القطاع إلى نموذج منظم يضمن عوائد أكبر للاقتصاد الوطني.
وقال مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية (الجهة الحكومية المسؤولة عن تنظيم قطاع التعدين في السودان، وتتبع مباشرة لوزارة المعادن) محمد طاهر عمر ، إن نشاط التعدين يتركز في 6 ولايات رئيسية هي الشمالية، نهر النيل، البحر الأحمر، كسلا، القضارف، والنيل الأزرق، إلى جانب مناطق شرقية من ولاية جنوب كردفان، التي وصفها بـ”الآمنة والواعدة للتعدين”.
وأضاف عمر لـ”الشرق”، إن الزيادة في أعداد المنخرطين بالتعدين جاءت نتيجة مباشرة للحرب، مؤكداً أن الحكومة بصدد التحول إلى نموذج تعدين منظم عبر إنشاء شركات صغيرة، وتشكيل تجمعات للأنشطة التعدينية في الولايات المنتجة، من شأنه أن يرفع الإنتاج ويقلل من الفوضى.
وبالرغم من الإنتاج المرتفع والذي بلغ أكثر من 37 طناً خلال النصف الأول من العام الجاري، بزيادة قدرها 5 أطنان عن الفترة نفسها من العام الماضي، يرى عمر أن الأرقام لا تزال أقل من الطموحات، مشيراً إلى أن فصل الخريف قد يؤدي إلى تراجع مؤقت في الإنتاج خلال النصف الثاني من العام.
تحديات التعدين تدفع نحو تنظيم القطاع
وأكد مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية، أن من أبرز التحديات التي تواجه التعدين التقليدي هي خضوع أسواق البيع للسلطات المحلية في الولايات، ما يعقّد عمليات الضبط والسيطرة، بالإضافة إلى المخاوف البيئية المرتبطة بالاستخدام العشوائي للمواد الكيميائية، وعلى رأسها “الزئبق”.
ولمواجهة هذه التحديات، أشار عمر إلى أن السلطات شرعت في تطبيق نظام المعلومات الجغرافية (GIS) لرصد وتتبع الأنشطة التعدينية غير النظامية، إلى جانب استقدام أجهزة حديثة للرصد والكشف، وتنفيذ برامج توعوية تستهدف العاملين في القطاع، بهدف تقليل الأضرار البيئية وحماية المجتمعات المحلية.
من جانبه، شدد الأكاديمي والخبير الاقتصادي د. محمد الناير على ضرورة اتخاذ قرارات جريئة لتحويل التعدين الأهلي إلى قطاع منظم، لما له من مردود اقتصادي أعلى على الدولة، نظراً لارتباطه المباشر بالقنوات الرسمية وعوائد التصدير.
وأضاف الناير لـ”الشرق”، أن الزيادة الكبيرة في أعداد المُعدنيين مؤشر يجب الوقوف عنده، مشيراً إلى أن الفائدة من التعدين الأهلي، رغم مساهمته في توفير النقد الأجنبي، لا ترقى إلى الفائدة الكاملة الممكنة في حال تنظيمه وتصديره عبر القنوات الرسمية للدولة.
وأوضح الناير، أن إنتاج الذهب يمكن أن يتجاوز 80 طناً بنهاية العام إذا استمر بنفس الوتيرة، لكنه حذر من خطر فقدان هذه الثروة عبر التهريب والفوضى، مشدداً على أهمية ضبط وجود الأجانب في مناطق التعدين، وإنشاء بورصة للذهب، وتفعيل دور مصفاة الخرطوم لتكرير الذهب محلياً.
دراسة: “الزئبق” يهدد الصحة العامة
وفي سياق متصل، أظهرت دراسة ميدانية أعدها باحثون من جامعات سودانية بالتعاون مع المجلس الأعلى للبيئة، واطلعت عليها “الشرق”، مستويات مقلقة من التلوث البيئي في مناطق التعدين التقليدي الواقعة بين مدينتي عطبرة وبربر بولاية نهر النيل، نتيجة الاستخدام المكثف لمادة الزئبق في عمليات استخلاص الذهب.
وأوضحت الدراسة التي استندت إلى تحاليل شاملة لعينات من التربة والمياه والنباتات، إلى جانب اختبارات بيولوجية للسكان، أن تركيزات الزئبق تجاوزت الحدود المسموح بها دولياً، لا سيما في مياه الشرب، وسُجلت مستويات مرتفعة لدى النساء والأطفال، رافقتها أعراض صحية مثل التسمم والحساسية.
وأوصى الباحثون باتخاذ تدابير عاجلة من بينها نقل مخلفات التعدين إلى مناطق معزولة، وحظر الأنشطة العشوائية قرب المناطق السكنية والزراعية، إضافة إلى تعزيز آليات الرقابة والتوعية لتفادي تفاقم الأزمة البيئية.
وسط ظروف قاسية وعوائد ضئيلة، يروي محمد يونس، أحد العاملين في التعدين التقليدي بولاية نهر النيل، لـ”الشرق”، تفاصيل تجربته بعد فقدان عمله نتيجة الحرب، قائلاً: “جئت مع المئات إلى مناطق التعدين بحثاً عن لقمة العيش.. نعمل لساعات طويلة في بيئة شاقة، لكن ما نحصل عليه لا يتجاوز 10% من العائد بعد اقتطاع تكاليف المعدات والنقل”.
وأضاف: “بعضنا يعمل لأشهر دون تحقيق أي مردود يذكر، وهناك من يخوض مغامرات محفوفة بالمخاطر في الصحراء بحثاً عن الذهب، ضمن رحلات تستمر لأشهر، دون أي شكل من أشكال الدعم أو الحماية”.
الشرق للأخبار
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: التعدین الأهلی من العام
إقرأ أيضاً:
البنك الدولي يرفع توقعاته لنمو اقتصادات الشرق الأوسط إلى 2.8% في 2025
رفع البنك الدولي توقعاته للنمو في المنطقة التي تشمل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان لعام 2025، إلا أنه قلصها للعام المقبل، وأرجع تعديل التوقعات إلى الصراعات وانخفاض إنتاج النفط في إيران وليبيا.
وقال البنك، ومقره واشنطن، إنه يتوقع الآن أن يبلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي في اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان 2.8% هذا العام، ارتفاعا من توقعات النمو التي نشرها في أبريل/نيسان عند 2.6%.
وعزا ذلك إلى تحسن النشاط الاقتصادي في دول الخليج عقب الإلغاءات التدريجية الأسرع من المتوقع لتخفيضات إنتاج النفط فضلا عن نمو القطاع غير النفطي.
وأضاف البنك في تقريره الصادر اليوم الثلاثاء: "شهدت التوقعات تحسنا كذلك في الدول المستوردة للنفط مدفوعا بزيادة الاستهلاك والاستثمار الخاص إلى جانب تعافي قطاعي الزراعة والسياحة".
ومع ذلك، كشف التقرير أن من المتوقع أن تواجه الدول النامية المصدرة للنفط تباطؤا ملحوظا نتيجة الاضطرابات الناجمة عن الصراعات والتخفيضات في إنتاج النفط.
وبالنسبة لاقتصاد إيران، من المتوقع أن يسجل انكماشا بنسبة 1.7% هذا العام يليه انكماش أكبر بنسبة 2.8% في العام المقبل، في تحول كبير عن توقعات البنك الدولي في أبريل/نيسان التي رجحت نمو الاقتصاد الإيراني بنسبة 0.7% في 2026.
وقال البنك إن هذا "يعكس انكماشا في كل من صادرات النفط والنشاط غير النفطي في ظل تشديد العقوبات بما في ذلك إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة والاضطرابات التي أعقبت الصراع في يونيو/حزيران".
وأعادت الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول فرض حظر على الأسلحة وعقوبات أخرى على إيران بسبب برنامجها النووي، وكانت القوى الأوروبية وراء تلك الخطوة التي حذرت طهران من أنها ستثير ردا قاسيا.
جاءت هذه القيود بعد أشهر من قصف شنته إسرائيل والولايات المتحدة على مواقع نووية إيرانية.
إعلانوتأثرت المنطقة بأكملها بتداعيات الحروب في سوريا واليمن ولبنان والضفة الغربية وغزة وأفغانستان، التي أدت إلى أزمات إنسانية ونزوح جماعي وحالات انكماش اقتصادي حاد.
وأشار التقرير إلى أن "الدول المجاورة تعاني أيضا من تداعيات غير مباشرة للصراع تشمل اضطرابات اقتصادية وتدفقات اللاجئين وتفاقم حالة انعدام الأمن".
أفريقياوفي شأن أفريقيا، توقع البنك الدولي أن يتضاعف حجم القوى العاملة في القارة تقريبا بحلول عام 2050، وتحتاج القارة بشدة إلى خلق فرص عمل واسعة النطاق لتلبية احتياجات الشباب الذين أشعلت إحباطاتهم بالفعل احتجاجات جيل زد.
ووجد التقييم النصف السنوي الذي يجريه البنك الدولي لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أن المنطقة أثبتت مرونة أكبر من المتوقع، متوقعا زيادة في النمو الاقتصادي إلى 3.8% هذا العام من 3.5% في عام 2024.
مع ذلك، سينضم أكثر من 600 مليون شخص إلى سكان سن العمل خلال السنوات الـ25 المقبلة، وذلك ما يجعله أكبر وأسرع تحول ديمغرافي في تاريخ العالم الحديث، وهذا يعني أن على أفريقيا إيجاد نموذج نمو جديد لتوفير فرص عمل عالية الجودة على نطاق واسع، وفق البنك الدولي.
وقال كبير اقتصاديي البنك لمنطقة أفريقيا، أندرو دابالين، إن "من الصعب تصور عواقب عدم حل هذه المشكلات.. من المؤكد أنها ستكون مزعزعة للاستقرار، وقد بدأنا نرى بوادر ذلك"، مستشهدا بالمظاهرات الأخيرة في مدغشقر وكينيا ونيجيريا.
خرج آلاف الشباب إلى شوارع مدغشقر قبل أكثر من أسبوع للتعبير عن إحباطهم من نقص الوظائف والفساد الحكومي، وانضموا إلى احتجاجات الجيل "زد" التي اندلعت في المغرب وأماكن أخرى وسط شعور بالإحباط تجاه النخب الكبيرة السن.
ويقدر البنك الدولي أن 24% فقط من فرص العمل في المنطقة تصنف كوظائف مدفوعة الأجر، مما يجبر معظم العمال الجدد على العمل في وظائف غير رسمية منخفضة الأجر، الأمر الذي يؤجج غضب الشباب الذين يشعرون بأنهم عالقون في براثن الفقر.
وتواجه أفريقيا قيودا جسيمة، بما في ذلك 23 دولة تعاني من ضائقة ديون أو معرضة لخطرها الشديد هذا العام في أعقاب جائحة كوفيد-19. وهذا يمثل ما يقرب من نصف القارة، ارتفاعا من 8 دول في عام 2014.
أشار البنك إلى أن حركات الاحتجاج "التي يغذيها ضعف خلق فرص العمل، وارتفاع تكاليف المعيشة، وفجوات الخدمات، والخلافات حول الإجراءات الضريبية، يمكن أن تُعيق عملية الدمج، وتُؤخر الإصلاحات، وتستنزف الإيرادات، وتُعقّد إدارة الديون".
ومع ذلك، قال دابالين إن متظاهري الجيل زد في معظمهم "لا يسعون إلى هدم بلدانهم. ثمة مطالبة كبيرة من الشباب بتحسين الحوكمة".
جنوب آسياخفض البنك الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي في جنوب آسيا بنحو 1%، في الوقت الذي تلقي فيه الرسوم الجمركية الأميركية العقابية على الهند، أكبر اقتصاد في المنطقة، بظلالها على هذه التوقعات.
وفي تقريره الصادر يوم الثلاثاء، توقع البنك، ومقره واشنطن، أن يتباطأ نمو جنوب آسيا إلى 5.8% في عام 2026، منخفضا من 6.6% هذا العام، وهو تباطؤ أشد مما كان متوقعا سابقا.
وأوضح البنك أن توقعات النمو لعام 2026 هي الأدنى في المنطقة منذ 25 عاما، باستثناء فترات الركود العالمي أو الانكماش الاقتصادي.
إعلانوقال نائب رئيس البنك الدولي لجنوب آسيا، يوهانس زوت، في بيان، إن جنوب آسيا "تتمتع بإمكانات اقتصادية هائلة، ولا تزال أسرع مناطق العالم نموا. لكن على الدول أن تُعالج مخاطر النمو بشكل استباقي".
يأتي هذا التوقع للمنطقة في الوقت الذي من المتوقع أن يتعرض فيه النمو في الهند وجزر المالديف ونيبال لضغوط العام المقبل، مدفوعا بضعف آفاق التصدير في أعقاب الإجراءات التجارية التي اتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتزايد ضغوط النقد الأجنبي، والاضطرابات الاجتماعية على التوالي.
وفي حين يُتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للهند بنسبة 6.5% في السنة المالية المنتهية في مارس/آذار -وهو أقل من توقعات بنك الاحتياطي الهندي البالغة 6.8%- فقد خُفِّضت توقعات السنة المالية المقبلة بنسبة 0.2% إلى 6.3%.
وفرض ترامب رسوما جمركية بنسبة 50% على الصادرات الهندية إلى الولايات المتحدة لمعاقبة نيودلهي على حواجزها التجارية ومشترياتها من النفط الروسي، وتغطي هذه الرسوم أكثر من 3 أرباع البضائع المشحونة إلى الولايات المتحدة -أكبر سوق للهند- مما يُلحق الضرر بالصناعات الكثيفة العمالة مثل المنسوجات والمجوهرات.