ذهب الفيلسوف اليوناني أرسطو (ت 322 ق.م) إلى أن أهم العلوم لا يتمثل في الطب ولا في الهندسة ولا في الحساب، بل في السياسة، فيقول: «الخير يتبع العلم الأعلى، بل العلم الأساسي أكثر من جميع العلوم، وهذا هو على التحقيق علم السياسة». وهو يعلل ذلك بأن علم السياسة هو الذي «يعيّن ما هي العلوم الضرورية لحياة الممالك، وما هي التي يجب على أهل الوطن أن يتعلموها، وإلى أي حد ينبغي أن يعلموها»، وإلى «أنه هو الذي يستخدم جميع العلوم العملية الأخرى، وأنه هو الذي يأمر باسم القانون بماذا ينبغي أن يفعل وماذا ينبغي أن يترك.
وفي السياسة الخارجية، تختلف توجهات الدول الاستراتيجية تبعا لتجربتها التاريخية ومنظومتها الأخلاقية، وفقا لمقولة المفكر الأمريكي صمويل هنتجتون (ت 2008): «سياسات الدول تعكس حضاراتها»، فهناك دول منكفئة على ذاتها، تتبنى سياسات انعزالية، وترى أن أولويتها هي حماية حدودها ومصالحها الداخلية دون التدخل في القضايا الدولية، وهو نهج ظهر جليا في سياسة الولايات المتحدة قديما وحديثا تحت شعار «أمريكا أولا»، في المقابل، هناك دول منفتحة على غيرها، تؤمن بالتعاون الدولي والتكامل الإقليمي، وتبني سياستها على التعددية وتبادل المصالح، كما هو حال السويد وكندا، وهناك دول تسعى إلى التمدد والتوسع، إما لأسباب أيديولوجية أو اقتصادية أو استراتيجية، كما هو الحال مع روسيا والكيان الصهيوني، وهناك دول تسعى إلى التأثير الثقافي والفكري دون سيطرة مباشرة، كما تفعل بريطانيا من خلال البي بي سي، وتفعل قطر من خلال قناة الجزيرة، وفقا لما يسميه أنطونيو غرامشي (ت 1937) «الهيمنة الثقافية».
لقد اختارت عُمان في الزمن السابق على النهضة التي قادها السلطان قابوس بن سعيد (ت 2020) خيار الانكفاء، حيث كانت مدفوعة إلى ذلك بسبب حركات الانفصال في الداخل والتمرد على الأطراف، الأمر الذي جعل المحيط العربي لأسباب إيديولوجية أحيانا ومصلحية في أحايين أخرى أن يتموضع في الصف المناهض للدولة المركزية في مسقط، إلا أن الأمر بعد النهضة انقلب تماما، فقد صارت عُمان عام 1971 عضوا في هيئة الأمم المتحدة وعضوا في جامعة الدول العربية.
بيد أن انكشاف عُمان الجديدة على العالم جعلها تدرك كم هو غارق في الاستقطابات السامة، فالدول العربية كانت تتصارع بين مشروعين قومي تقوده مصر وملكي تقوده السعودية، وكل أصحاب مشروع يتنافسون داخل أيديولوجياتهم الضيقة، فالدول ذات المشروع القومي تتصارع بين خطاب عروبي يقوده حزب البعث العراقي، وبين خطاب يساري راديكالي يقوده حزب البعث السوري، والدول الملكية بالرغم من انسجامها الظاهر لا يمكنها إخفاء تنافسها للقيادة السياسية والاقتصادية سواء أكان بين دول مجلس التعاون مع الأردن والمغرب أو بين دول الخليج بعضها البعض، الأمر الذي تجلى في أزمة حصار قطر عام 2017.
في خضم هذه التجاذبات الحادة اختار السلطان قابوس منهجا مستقلا يحاول النأي بعمان عن آثارها السلبية، لكن دون انعزالية مفرطة تسدل ستائر حديدية بين المجتمع العماني وجيرانه، وهو ينتصب على مبدأ دعم التعاون الخليجي والعربي، والحياد الإيجابي في الصراعات الدولية، وقد تجلى هذا المبدأ في اللقاءات الماراثونية التي عقدت في مسقط بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، والتي تكللت باتفاق البرنامج النووي الإيراني عام 2015، الذي ألغاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عام 2018، كما تجلى في المفاوضات الأمريكية الإيرانية في مسقط في أبريل من هذا العام 2025 التي دعا إليها ترامب ذاته الذي انقلب على الاتفاق السابق، وقد أغرى نجاح دبلوماسية «الحياد الإيجابي» دولا خليجية أخرى للقيام بذات الدور، حيث شهدت الدوحة عدة مفاوضات لحل مشاكل جيوسياسية دولية، أهمها قضية حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، كما استضافت المملكة العربية السعودية مفاوضات بين أمريكا وروسيا للحوار حول الحرب في أوكرانيا.
إن مصطلح «الحياد الإيجابي» ليس جديدا في الساحة الدولية، فقد ظهر أولا في نهاية خمسينيات القرن الماضي في مقولات المفكر الهندي والزعيم جواهر لال نهرو (ت 1964)، القائل: «الحياد ليس السلبية... بل نطلق عليه الحياد الإيجابي»، وقد كان نهرو أحد القادة المؤسسين لما عرف بحركة «عدم الانحياز» التي دعا إليها زعماء الهند ويوغسلافيا ومصر وإندونيسيا وغانا، وقد دعا هؤلاء لاجتماع حاشد في بلجراد عام 1961 حضرته 25 دولة من بينها عدة دول عربية، ثم انضمت إلى عضويتها 120 دولة إلى أن سقط الاتحاد السوفييتي، حيث تحول العالم من حالة عدم الانحياز إلى حالة خضوع تام لمعسكر الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر نفسها بلا منازع زعيمة العالم.
لم تمارس دول عدم الانحياز شعار «الحياد الإيجابي» الذي رفعته، فأغلبها كان يخوض صراعات إقليمية، أو كانت متحالفة ضمنيا مع قوى عالمية كبرى، حتى الهند التي كان يرأسها غاندي المسالم ونهرو الفيلسوف، تحولت في العقد الأخير إلى دولة دينية متطرفة تدعو إلى إبادة المسلمين، وتدعم الإبادة الصهيونية للفلسطينيين. الدولة الوحيدة التي مارست مضمون «الحياد الإيجابي» دون أن تدعيه هي سويسرا التي كانت محطة للقاءات بين الدول المتنازعة، وممثلة للمصالح الدولية بين الدول المتصارعة، وقد اكتسبت سويسرا احتراما دوليا لحيادها الذي حمته عدة عوامل، أهمها موقعها الجغرافي الجبلي الوعر الذي يجعل غزوها شبه مستحيل، إضافة إلى تسليحها الدفاعي المستمر واستعدادها العسكري الدائم، والأهم هو افتقارها إلى الموارد الطبيعية التي يطمع فيها الغزاة.
بيد أن نجاح التجربة السويسرية لا يعني بالضرورة نجاح التجارب الأخرى، فالبشر كما يرى الحسن بن الهيثم (ت 430هـ) ميالون بطبعهم إلى الشر، حيث يقول: «الغالب على طبيعة الإنسان الشر». ويبرر ابن الهيثم مقولته تلك بأن «الناس مطبوعون على الأخلاق الرديئة، منقادون للشهوات الدنيئة، وكذلك وقع الافتقار إلى الشرائع والسُنَنِ، والسياسات المحمودة، وعظم الانتفاع بالملوك الحَسَني السيرة، ليردعوا الظالم عن ظلمه، ويمنعوا الغاصب عن غصبه، ويعاقبوا الفاجر على فجوره، ويقمعوا الجائر حتى يعود إلى الاعتدال في جميع أموره»، فالإنسان وفقا لابن الهيثم بين ظالم ومظلوم لولا القانون والسلطة القادرة على إنفاذه، وما يجري على الإنسان يجري على المجتمعات والدول.
إن الشر المتأصل في البشر والدول على مذهب ابن الهيثم، يجعلهم أقل تقديرا لأهل الرحمة والسلام، وأكثر مهابة لأهل القسوة والخصام، وليس غريبا أن نجد الأشرار المتصارعين يتحدون في حربهم ضد الأخيار، يحكي الكاتب اللبناني الكبير جبران خليل جبران (ت 1931) قصة طريفة حول أربع ضفادع اجتمعن على قرمة حطب على حافة نهر، فجاءت موجة هوجاء واختطفت القرمة فحملتها المياه، وسارت بها مع مجرى النهر، فقالت الضفدعة الأولى: «يا لها من قرمة عجيبة غريبة، تأملن أيتها الرفيقات كيف تسير مثل سائر الأحياء»، فأجابتها الثانية «إن هذه القرمة لا تمشى ولا تتحرك أيتها الصديقة، وهي ليست عجيبة غريبة كما توهمتِ، ولكن مياه النهر المنحدرة بطبيعتها إلى البحر تحمل هذه القرمة معها». فقالت الثالثة: «لا لعمري فقد أخطأتما أيتها الرفيقتان في خيالكما الغريب، فإن القرمة لا تتحرك والنهر أيضا لا يتحرك مثلها، وإنما الحقيقة أن فكرنا هو المتحرك فينا وهو الذي يقودنا إلى الاعتقاد بحركة الأجسام الجامدة»، فتناظرت الضفادع الثلاث في ما هو المتحرك بالحقيقة، وحمى وطيس الجدال، وعلا الصراخ بينهن ولم يقررن على رأي واحد، ثم التفتن إلى الضفدعة الرابعة، التي كانت إلى تلك الساعة هادئة صامتة تصغي إليهن بانتباه شديد، وسألنها رأيها في الموضوع؟ فقالت لهن: «كلُكن محقات أيتها الرفيقات، ولا واحدة منكن على ضلال، فإن الحركة كائنة في القرمة وفي النهر وفي فكرنا في وقت واحد». فلم يرق لهن ذلك الكلام، لأن كل واحدة منهن كانت تعتقد أنها وحدها المصيبة وأن رفيقاتها لفي ضلال مبين، وما أغرب ما حدث بعد ذلك، فإن الضفادع الثلاث تسالمن بعد العداء، وتجمعنَ فرمينَ بالضفدعة الرابعة من على القرمة إلى النهر.
إن تسالم المتخاصمين مع بعضهم لا يعني بالضرورة احترامهم لصاحب الموقف المحايد، ولا يدل على تقديرهم لذي الرأي الجامع، وما أصاب ضفدعة جبران المحايدة يمكن أن يصيب الدول التي لا تملك القوة التي تردع ذوي النوايا التوسعية، فإن كانت سويسرا الفقيرة الموارد والمحمية جغرافيا وعسكريا من طغيان جيرانها الأشرار، فإن حال بلجيكا كان بالضد من ذلك، فمع أن بروكسل قد ضمنت استقلالها وفقا لمعاهدة لندن عام 1839 التي نصت على حيادها الدائم بموافقة القوى الأوروبية الكبرى (بريطانيا، وفرنسا، وبروسيا، والنمسا، وروسيا)، لكن ما أن قامت الحرب العالمية الأولى حتى غزتها ألمانيا عام 1914، وكذلك فعلت عام 1940 مع بداية الحرب العالمية الثانية.
إن الهجوم الإيراني على قاعدة العديد في الدوحة مساء 23 يونيو من هذا العام 2025، بتوافق الأعداء الأمريكان والإيرانيين، بحسب تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أقر بأن أمريكا وإيران قد حددا ساعة الهجوم على الدوحة ومقداره، وهجوم المليشيات المدعومة إيرانيا لمنصات النفط السعودية في بقيق عام 2019 مع عدم تصدي المضادات الجوية الأمريكية في المنطقة لها، ليؤكد بأن دول الخليج خاصة تلك الغنية بالموارد، والمفتقرة إلى أدوات الحماية الجغرافية والعسكرية هي أكثر عرضة لمصير ضفدعة جبران الرابعة، وأن «الحياد الإيجابي» على بريق شعاره لا يمكن تبنيه في عالم الضفادع المتعصبة التي لا يهمها سوى مصالحها، ولا تحترم سوى أمثالها من الأقوياء المتغطرسين، وأن تضحية هذه الضفادع الشريرة بدول الخليج المحايدة الوديعة ليس مجرد احتمال بل هو استراتيجية تتبعها إيران وأمريكا على السواء، وعلى دول الخليج إن كانت عازمة على تبني خط الحياد الإيجابي العماني أن تتبنى خط الإعداد الدفاعي السويسري، كما ينبغي عليها جميعا -بما فيهم عمان- أن تكون على حذر حين تمارس دبلوماسية «الحياد الإيجابي» مع دول لا تحترم سوى منطق القوة والجبروت.
زكريا بن خليفة المحرمي كاتب وطبيب عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الحیاد الإیجابی دول الخلیج هو الذی
إقرأ أيضاً:
ما الذي يعنيه لنا التغير الديموغرافي؟
طالعتنا بعض الإحصاءات الرسمية بمؤشرات أولية لانخفاض أعداد المواليد الجدد في سلطنة عُمان، حيث أظهرت النشرة الإحصائية الشهرية الصادرة عن الوطني للإحصاء والمعلومات انخفاضًا بنسبة 0.8% في مجمل أعداد المواليد الأحياء المسجلين حتى نهاية يونيو 2025 مقارنة بشهر يونيو من العام 2024. ومن قبله أفادت إحصاءات المركز بتراجع في أعداد المواليد الجدد في سلطنة عمان في عام 2024 مقارنة بعام 2023 بانخفاض قدره نحو 2.2%. ولا شك أن القراءة الديموغرافية المنهجية تقتضي تفصيلًا أكثر لهذه النسب والأرقام من ناحية، وقياسها عبر فترات طويلة أوسع، وتتبع كافة المؤشرات الديموغرافية الأخرى المتصلة بها من نسب خصوبة، ومن هجرات عمالية، ومن أعداد للزيجات والطلاقات الجديدة، ومن مؤشرات صحية مرتبطة بالحالة الإنجابية، إلا أن هذه المؤشرات كفيلة على الأقل كمدخل أن تعطينا مؤشرًا (أوليًا) لمناقشة قضية محتملة من قضايا التحول الاجتماعي الرئيسية في المجتمع العُماني.
التحول الديموغرافي في ذاته لا يمكن أن يخرج من قائمة الـ (5 – 10) تحولات كبرى عالمية Mega-trends تؤثر بطريقة هيكلية على مستقبل المجتمعات سواء في حالة نموها الاقتصادي، أو استقرارها الاجتماعي، أو قدرتها على استدامة الإنتاجية، أو وفاء دولها بالالتزامات تجاه الأجيال بما في ذلك نظم التقاعد والحياة الاجتماعية. تشير دراسة موسعة أجرتها شركة McKinsey & Company حول مسائل التغير الديموغرافي في العالم (طبقًا لتصنيف الاقتصادات العالمية) إلى مجموعة من الحقائق الملفتة، لعل من أهمها أن كبار السن سيشكلون ربع الاستهلاك العالمي بحلول عام ٢٠٥٠، وفي هذه الحالة قد تحتاج أنظمة التقاعد في بعض الاقتصادات الكبرى إلى توجيه ما يصل إلى 50% من دخل العمل لتمويل زيادة بمقدار مرة ونصف في الفجوة بين إجمالي استهلاك كبار السن ودخلهم، ومن النتائج التي تشير لها الدراسة أن الشباب قد يرثون نموًا اقتصاديًا أقل، ويتحملون تكلفة زيادة عدد المتقاعدين، بينما يتآكل التدفق التقليدي للثروة بين الأجيال.
هذه النتائج قد تختلف من سياق إلى آخر حسب طبيعة المرحلة الديموغرافية التي يمر فيها المجتمع، ولكننا نتحدث اليوم عن حالة اشتباك عالمي لا يمكن فيها عزل نتائج الحالة الديموغرافية لاقتصاد ما عن بقية الاقتصادات الأخرى، فمعادلة العرض والطلب وقضايا الاستهلاك العالمي ترتبط بشكل أصيل بطبيعة التركيب الديموغرافي للمجتمعات، ولذا يشار دائمًا في سياق التوقعات العالمية إلى أن القارة الإفريقية ستتحول إلى أكبر سوق لـ (الاستهلاك العالمي الشاب) لأنها وفقًا لتوقعات الأمم المتحدة، «ستضيف 1.3 مليار نسمة إلى سكان العالم بحلول 2050، أي أكثر من نصف النمو السكاني العالمي». وسيكون ذلك مدفوعًا لديها بموجات تحضر عالية وطلب متزايد على التقانة وأشكال الإنتاجية الناشئة.
أين نقف في سلطنة عُمان من حالة التحول الديموغرافي؟ بربط المؤشرات المتعددة في هذا السياق تتموضع سلطنة عُمان بين مرحلتين تاريخيتين في الانتقال الديموغرافي وهي (المرحلتان الثانية والثالثة)، ولتبسيط ملامح هذا التموضع فإنه يتسم بانخفاض (نسبي) مستمر في معدلات الخصوبة الكلية، قد يكون غير متسارع ولكنه يتصف بالاستمرارية، إلى جانب تباطؤ (نسبي) في أعداد المواليد الجدد، بالإضافة إلى عدم استقرار في أعداد الوفيات، هذه المرحلة قد تمهد للدخول للمرحلة الثالثة التي تتسم بوضوح ما يُعرف بـ (النافذة الديموغرافية)، وبداية وضوح التغيرات في الهيكل العمري وتأثيرها على تركيب المجتمع. هذه المرحلة هي مرحلة (السياسات الاستباقية) بامتياز، فكلما استطاعت الدول في هذه المرحلة إدارة عملية التحول عبر سياسات سكانية وديموغرافية واضحة، استطاعت تحييد الآثار العكسية لهذه المرحلة على استقرارها الاجتماعي ونموها الاقتصادي وديمومة مواردها. ما الذي يجب أن ننتبه إليه في سياق المجتمع في عُمان نتيجة هذا التحول؟ والإجابة ثلاث تداعيات مهمة: تناقص قوة العمل المحلية على المدى البعيد (10 - 15) عامًا، التأثير على الاستهلاك في السوق نتيجة شيخوخة السكان وضعف الطلب العام، الضغط على استدامة نظم الحماية الاجتماعية ومهددات استدامة مصادر تمويلها الأساسية (الاشتراكات).
ولذا تصبح السياسات المطلوبة خلال المرحلة الحالية في تقديرنا خمس أساسية: السياسات الموجهة لتشجيع تكوين الأسرة وحماية الطفولة بما يضمن استدامة معدلات المواليد عند حدود معقولة وطبيعية بالنسبة للتغير الديموغرافي في المجتمع، وكذلك إعادة تشكيل السوق المحلية لتكون مهيئة لأنماط الطلب المتغيرة ولأنماط الاستهلاك المتغيرة، بما في ذلك وجود خدمات ومنتجات تتناسب مع فئة كبار السن، ومن السياسات المطلوبة كذلك تعديد مصادر تمويل أنظمة الحماية الاجتماعية وتعزيز استثمارات صناديقها لتكون أكثر استعدادًا لحالة من الضغط على مواردها بفعل تغيرات الهيكل العمري، إضافة إلى وجود سياسات تعليم و(تأهيل مهني) تهيئ قوة العمل الشابة الحالية للعمل في قطاعات إنتاجية مختلفة، ولقبول العمل في وظائف متعددة للمحافظة على دور قوة العمل المحلية في تحقيق النمو والإنتاج الاقتصادي، وتحييد الاعتماد الواسع على قوة العمل الأجنبية، ومن السياسات المطلوبة كذلك السياسات الصديقة للأسرة في محيط العمل والإنتاج والتي تتمحور حول تحقيق حياة متوازنة للمربين تساعدهم على الإيفاء بمتطلبات التنشئة الاجتماعية للأبناء من ناحية، ومتطلبات الإنتاج المهني من ناحية أخرى، وبما يضمن منظومة تنشئة متكاملة مدعومة من السياسات العامة على كافة المستويات.
إن نجاح السياسات السكانية يبقى مرهونًا بتوافر مجموعة متكاملة من المؤشرات مثل استقرار معدل الخصوبة الإجمالي على المستوى الوطني، وقياس معدلات مشاركة المرأة في العمل، ومستويات التحاق الأطفال ببرامج الطفولة المبكرة، والحد من نوعية المشكلات الأسرية الناجمة عن ظروف العمل غير المتوازنة، ومؤشرات الاستفادة من الحوافز الأسرية مثل إجازة الأبوة، إضافة إلى المؤشرات التعليمية للأبناء في مراحل التعليم المختلفة.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان