الانفتاح السوداني العماني.. نظرة مستقبلية
تاريخ النشر: 4th, August 2025 GMT
د. طارق عشيري
في مقالنا السابق تطرقنا بشيء من التفصيل عن أهمية العمق الاستراتيجي للعلاقات السودانية العمانية وارتباط ذلك برؤية عمان ٢٠٤٠ ومدى نجاحها. وحتى تكتمل الصورة في هذا العمق لابد التطرق لكيفية تطبيق ذلك على أرض الواقع في ظل التحولات المتعددة والمتسارعة التي يشهدها العالم، يبرز الانفتاح العُماني على السودان كأحد المسارات الواعدة لتعزيز التعاون العربي–العربي في صورته الناضجة والمتوازنة.
ونسعى في هذا المقالة إلى مسارعة الخطوات العمانية تجاه السودان في هذا التوقيت البالغ الأهمية، إذ يعيش السودان ظروفاً استثنائية خلفتها الحرب وتداعياتها الإنسانية والاقتصادية. وفي وقتٍ يتراجع فيه الحضور العربي الفعّال، تبرز سلطنة عُمان كصوتٍ داعم للاستقرار، وكمصدر ثقة يُمكن للسودانيين التعويل عليه، دون خوف من تدخل أو استغلال.
فقد ظلت السلطنة منذ اندلاع الأزمة السودانية تلتزم بمواقف واضحة كالدعوة للحوار، إدانة العنف، واحترام سيادة السودان، مع التأكيد على أهمية الحلول السلمية السودانية–السودانية، بعيدًا عن أي أجندات خارجية.
لا نُريد أن يقتصر الانفتاح العُماني على الجانب السياسي فقط ، بل يمتد ليشمل ملفات التعاون الاقتصادي والاستثماري. فقد شهدت العلاقات التجارية بين البلدين نموًا ملحوظًا، خاصة في مجال الصادرات الزراعية والمنتجات الحيوانية السودانية. كما تم عقد منتديات أعمال بين رجال أعمال عمانيين وسودانيين لاستكشاف فرص الاستثمار المشترك في مجالات الزراعة، التعدين، والنقل البحري.
وتبرز هذه الشراكة كجزء من رؤية عمان 2040، التي تسعى للتوسع نحو أسواق إفريقيا، وتعزيز الأمن الغذائي الوطني عبر شراكات مع دول زراعية كالسودان.
ما يميز النموذج العُماني وهذا ما لمسته من الواقع والتجربة هو أنه لا يقوم على الإملاءات أو فرض الإرادات، بل على التعاون المتكافئ والمصالح المتبادلة. ومن هذا المنطلق، فإنَّ السودان، وهو يعيد ترتيب أولوياته بعد الحرب، يجد في السلطنة شريكًا يمكنه الوثوق به، لا سيما في الملفات الحساسة مثل إعادة الإعمار، بناء المؤسسات، وتأهيل البنية التحتية.
الانفتاح العُماني ليس وليد لحظة أو ظرف طارئ، بل هو امتداد لعلاقات تاريخية كانت دومًا هادئة ومتوازنة. ومع دخول البلدين مرحلة جديدة، تلوح في الأفق فرص حقيقية لبناء شراكة استراتيجية تُسهم في بناء السودان وذلك من خلال تطوير القطاعات الحيوية كالتعليم والصحة والطاقة وفتح أسواق جديدة أمام المستثمرين والكوادر من البلدين وعوامل النجاح متوفرة حيث حضور العديد من رجال الأعمال الذي التقيت بهم والعديد منهم لديهم دراسات جدوي في مختلف الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بين البلدين وكانت فترة الحرب فرصة سانحة إلى السلطنة لدراسة السوق العماني وحاجته من موارد السودان الهائلة ومدي فرص النجاح في ظل تحديات عديدة بمكن تجاوزها في ظل شراكة ذكية تعمل على انفتاح تجاري كبير بين البلدين.
انفتاح السلطنة على السودان ليس مجرد مبادرة دبلوماسية، بل خيار استراتيجي نابع من إدراكنا التام لمكانة السودان وأهميته في مستقبل المنطقة. وفي المقابل، يمثل هذا الانفتاح فرصة ذهبية للسودان ليخرج من عزلته، ويُعيد ترتيب أوراقه بعيدًا عن الضغوط والتجاذبات، مستفيدًا من شراكة ناضجة مع دولة توازن بين القيم والمصالح.
في ظل التحديات التي يمر بها السودان، يشكل الانفتاح الاقتصادي العُماني عليه فرصة نادرة لترسيخ شراكة استراتيجية قائمة على المصالح المتبادلة. فبينما يبحث السودان عن شركاء صادقين يساهمون في إعادة البناء وتحريك عجلة الاقتصاد، تسعى سلطنة عُمان إلى توسيع حضورها في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، بما يعزز أمنها الغذائي ويعمّق دورها الإقليمي. إن الاستثمار العُماني في السودان ليس مجرد خيار اقتصادي، بل رؤية استشرافية لبناء عمق استراتيجي جديد في قلب أفريقيا، يربط بين تاريخ مشترك ومستقبل واعد إذا توفرت الإرادة.
أكاديمي من السودان في عُمان
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً: