طعام الأزمات الصامت.. كيف أصبح الفطر غذاء البقاء في الكوارث والمجاعات؟
تاريخ النشر: 5th, August 2025 GMT
في أحلك لحظات التاريخ، حين تذبل المحاصيل، وتتفكك سلاسل الإمداد الغذائي، ويغدو الخبز ترفا بعيد المنال، يجد الإنسان نفسه مضطرا للعودة إلى ما تجود به الطبيعة بصمت وكرم.
الفطر، هذا الكائن لا يحتاج إلى ضوء الشمس أو تربة خصبة، ولا يتطلب آلات ضخمة أو تقنيات زراعية معقدة؛ يكفيه الظل والرطوبة وبعض البقايا النباتية ليمنح غذاء عالي القيمة.
تُعد غزة اليوم أحد أبرز الأمثلة على المجاعة المعاصرة الناتجة عن الحصار والاحتلال. لقد تسبب الحصار الإسرائيلي طويل الأمد، يرافقه القصف المتكرر، في تدمير البنية التحتية الزراعية ومنع دخول المواد الأساسية، بما فيها الغذاء والدواء. ووفقا لمنظمات إنسانية، مثل "أطباء بلا حدود"، فإن الوضع في غزة تجاوز حدود انعدام الأمن الغذائي إلى دخول مرحلة المجاعة القاتلة.
في هذا السياق، يصبح من الضروري البحث عن حلول ذكية وبديلة، تتجاوز الطرق الزراعية التقليدية. وهنا يبرز الفطر كمصدر غذائي يمكن الاعتماد عليه، ليس فقط لسد الجوع، بل لتوفير بروتين نباتي في ظل غياب اللحوم والألبان، التي أصبحت نادرة أو باهظة الثمن.
لماذا يعد الفطر غذاء مثاليا في حالات الطوارئ؟سهولة الزراعة في بيئات قاسيةلا يحتاج الفطر إلى تربة خصبة أو مساحات زراعية واسعة، بل يمكن زراعته في أماكن مظللة ورطبة كالأقبية أو المنازل أو الخيام باستخدام مواد بسيطة مثل القش، نشارة الخشب، أو بقايا الذرة والقمح. هذه الخصائص تجعله خيارا مثاليا في المناطق المتضررة أو المحاصرة مثل غزة، سوريا، أو الأرياف النائية في السودان، حيث تصعب زراعة المحاصيل التقليدية نتيجة تدمير البنية الزراعية أو نقص الموارد.
سرعة الإنتاجبعض أنواع الفطر، مثل فطر المحار، تتميز بسرعة نمو ملحوظة، إذ يمكن حصادها خلال فترة تتراوح بين أسبوعين و4 أسابيع فقط من الزراعة، مقارنة بمحاصيل الحبوب التي تحتاج إلى أشهر من الرعاية. هذه القدرة على الإنتاج السريع تجعلها خيارا مثاليا لتأمين الغذاء في حالات الطوارئ وسد النقص الغذائي بكفاءة وفي وقت وجيز.
قيمة غذائية مرتفعةيحتوي الفطر على نسبة عالية من البروتين (تصل إلى 30% في الفطر المجفف)، إضافة إلى فيتامينات ب المركبة مثل ب1 وب2 وب3 وب5، وعناصر حيوية مثل الحديد والزنك والسيلينيوم والبوتاسيوم. هذه المكونات ضرورية جدا خصوصا للأطفال والمسنين، الذين يعانون سريعا من سوء التغذية في حالات المجاعة.
قلة الموارد المطلوبةلا يحتاج الفطر إلى أسمدة كيميائية أو آلات زراعية، ويزرع بسهولة باستخدام نفايات عضوية مثل بقايا الذرة أو القمح، مع استهلاك محدود جدا للمياه. كما لا يتطلب مياها نقية، بل يمكن استخدام مياه الآبار المتاحة، ما يجعله مناسبا للظروف القاسية التي تندر فيها المياه الصالحة. هذا الإنتاج منخفض التكلفة يجعله خيارا مثاليا للمناطق التي تعاني من شح الموارد أو انهيار اقتصادي أو حصار تجاري.
سهولة التخزينيتميز الفطر بإمكانية تجفيفه بسهولة دون أن يفقد قيمته الغذائية، ما يتيح تخزينه لفترات طويلة دون الحاجة إلى تبريد أو وسائل حفظ معقدة. هذه الميزة تجعله مصدرا غذائيا احتياطيا مثاليا في حالات الطوارئ، خاصة خلال فترات الحصار أو انقطاع الإمدادات أو غياب الكهرباء والتبريد.
خلال حصار قاس استمر سنوات، وثّقت الأبحاث اعتماد سكان شرق البوسنة على الفطر البري كغذاء رئيسي للبقاء. وفي دراسة نُشرت عام 2009 في المجلة الأفريقية للطب التقليدي والتكميلي والبديل، جرى توثيق استخدام 15 نوعا من الفطر و5 أنواع من الطحالب، حيث كانت تُحضر كعصيدة أو تُطحن لتكون بديلًا لدقيق الخبز. هذه الموارد الطبيعية ساعدت العائلات على الصمود رغم انقطاع الإمدادات الغذائية المدعومة.
شتاء الجوع في هولندا (1944–1945)خلال الحرب العالمية الثانية، حين فرض الألمان حصارا قاسيا على مناطق عديدة من هولندا ما عرف لاحقا بشتاء الجوع الهولندي، استخدم السكان المحليون الفطر البري كوسيلة غذائية للبقاء. أظهرت دراسات نشرت في مجلة الإثنوبيولوجيا والطب العرقي عام2017 أن 3 أنواع على الأقل من الفطر كانت تستهلك في تلك الفترة، رغم محدودية المعرفة ومخاطر التسمم.
كيف يمكن لغزة الاستفادة من الفطر لمواجهة المجاعة؟في ظل الحصار الإسرائيلي الذي يمنع وصول الغذاء والدواء إلى غزة، تبرز زراعة الفطر كخيار عملي وسريع لتأمين الغذاء، نظرا لعدم حاجته إلى مساحات واسعة أو تربة خصبة، وإمكانية زراعته باستخدام مخلفات زراعية مثل قش القمح أو نشارة الخشب. ويُعد الفطر مصدرا غنيا بالبروتين عالي الجودة، ما يجعله بديلا فعّالا للحوم التي أصبحت نادرة.
تشير دراسة حديثة نُشرت عام 2024 في مجلة هيليون العلمية الأميركية إلى جدوى استخدام الفطر في البيئات منخفضة الموارد، مستشهدة بنجاح تجاربه في عدة مناطق أفريقية وآسيوية. كما توضح دراسة أخرى، نُشرت عام 2020 في مجلة أول لايف، أهمية الفطر كحل فعّال لتعزيز الأمن الغذائي، مؤكدة ضرورة دمجه ضمن إستراتيجيات الاستجابة السريعة للمجاعات، خاصة في المخيمات ومناطق النزوح، بفضل مرونته وسهولة تكثيف إنتاجه في ظروف الطوارئ.
رغم فوائد الفطر العديدة، فإن استهلاك الأنواع البرية دون معرفة دقيقة قد يؤدي إلى التسمم، بل والوفاة في بعض الحالات. توثق تقارير من البوسنة حالات تسمم نتجت عن قطف أنواع غير صالحة للأكل، بسبب تشابهها مع الأنواع المفيدة. ولهذا، تؤكد الدراسات على أهمية نشر الوعي والتدريب حول الزراعة الآمنة للفطر، وضرورة تمييز الأنواع السامة من المفيدة.
قد لا يبدو الفطر غذاء مدهشا في أيام الرخاء، لكنه يتحول إلى كنز حقيقي في لحظات الجوع. ومع استمرار الحصار في غزة، وتفاقم الكوارث المناخية حول العالم، ينبغي إدماج زراعة الفطر ضمن خطط الأمن الغذائي، سواء من قبل الحكومات أو المنظمات الإنسانية أو المجتمعات المحلية. فهو "طعام الأزمات الصامت"، الذي لا يحدث ضجيجا لكنه ينقذ أرواحا.
4-https://www.freepik.com/free-photo/parcment-with-nice-mushrooms_2611177.htm#fromView=search&page=1&position=26&uuid=7958b84e-5dfe-4080-9f64-1507478ab71b&query=A+bunch+of+mushrooms+that+are+in+plastic+bags
5-https://www.freepik.com/free-photo/man-traditional-blue-wool-sweater-with-ornaments-stands-camping-ground-mountains-holds-arms-pile-delicious-organic-fresh-natural-mushrooms-from-forest_11254019.htm#fromView=search&page=1&position=5&uuid=9e70c09d-9389-483c-833d-0756f43fc605&query=Close-up+of+man+holding+mushroom
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات الأمن الغذائی الفطر غذاء فی حالات
إقرأ أيضاً:
أبرز الانتقالات الصيفية التي شهدتها كرة القدم الأوروبية خلال 24 ساعة
شهدت الانتقالات الصيفية في القارة الأوروبية أمس، حراكًا واسعًا من الأندية لتدعيم صفوفها؛ استعدادًا للموسم القادم في مسابقات كرة القدم.
في إنجلترا، انتقل المهاجم الشاب "ويل رايت" إلى نادي "ليفربول" الإنجليزي قادمًا من فريق "سالفورد سيتي".
وفي ألمانيا، أعلن نادي "إينتراخت فرانكفورت" الألماني عن انتقال مدافعه البرازيلي "توتا" إلى نادي "الدحيل" القطري بعقد يمتد إلى نهاية الموسم المقبل.
وفي فرنسا، انضم لاعب الوسط التشيكي الدولي "بافيل شولك" إلى صفوف نادي "أولمبيك ليون" قادمًا من نادي "فيكتوريا بلزن".
وفي إسكتلندا، انضم لاعب الجناح الفنلندي الدولي "أوليفر انتمان" إلى صفوف نادي "جلاسكو رينجرز" قادمًا من نادي "جو أهيد إيجلز" الهولندي.
أوروباالدوريات الأوروبيةكرة القدمقد يعجبك أيضاًNo stories found.