لجريدة عمان:
2025-08-05@20:09:47 GMT

شهدت أهوالا في غزة تحاول إسرائيل طمسها الآن

تاريخ النشر: 5th, August 2025 GMT

ترجمة: أحمد شافعي

تختنق غزة منذ اثنين وعشرين شهرا، فلم تسنح لها مهلة للتنفس إلا حين رضخت القوات الإسرائيلية للضغط السياسي المبذول ممن يعلو نفوذهم على القانون الدولي نفسه. وبعد شهور من القصف المتصل والتهجير القسري والحرمان، بلغ عقاب إسرائيل الجماعي لشعب غزة حدا من الدمار لم يبلغ مثيلا له من قبل.

ولقد شاركت في تنسيق الجهود الإنسانية في غزة منذ أكتوبر 2023 وحتى الآن.

فما دخل غزة من مساعدات منقذة للحياة لم يكن إلا الاستثناء لا القاعدة. وبعد مرور أكثر من عام على إصدار محكمة العدل الدولية أمرا لإسرائيل بـ«اتخاذ شتى ما في سلطتها من الإجراءات» للحيلولة دون أفعال الإبادة الجماعية، وبرغم جميع التحذيرات، فإننا لا نزال نشهد التجويع وعدم كفاية المياه وأزمة الوضع الصحي وتداعي نظام الرعاية الطبية على خلفية عنف مستمر يفضي إلى مصرع عشرات من الفلسطينيين ومنهم أطفال على نحو يومي.

وفي ظل عجزنا عن تغيير هذا كله، فإننا معشر العاملين في الإغاثة الإنسانية قد لجأنا إلى استعمال أصواتنا ـ بجانب الصحفيين الفلسطينيين الذين يخاطرون بكل شيء ـ لوصف الظروف غير الإنسانية المريعة في غزة. والجهر بالكلام، مثلما أفعل الآن، في مواجهة المعاناة المقصودة والممكن تجنبها، يمثل بعضا من دورنا في تعزيز احترام القانون الدولي.

ولكن لذلك ثمنا. فبعد أن عقدت مؤتمرا صحفيا في غزة في الثاني والعشرين من يونيو وصفت فيه كيف كان الأطفال الجياع يتعرضون لإطلاق النار وهم يحاولون الحصول على الطعام ـ في سياق ما وصفته بـ«خلق ظروف للقتل» ـ أعلن وزير الشؤون الخارجية في منشور على موقع إكس أنه لن يتم تجديد تأشيرتي. وأعقب الممثل الدائم لإسرائيل في الأمم المتحدة بقوله في مجلس الأمن إن من المتوقع أن أغادر بحلول التاسع والعشرين من يوليو.

هذا الإخراس جزء من نمط أوسع. إذ تواجه المنظمات الدولية غير الحكومية شروطا متزايدة التقييد من أجل تسجيلها، ومن ضمنها بنود تحظر بعض الانتقادات المعينة لإسرائيل. والمنظمات غير الحكومية الفلسطينية المستمرة ـ برغم العراقيل ـ في إنقاذ حياة الناس يوميا باتت محرومة من الموارد التي تحتاج إليها للعمل. ووكالات الأمم المتحدة لا تحصل إلا على تأشيرات لستة أشهر أو ثلاثة أو شهر واحد بناء على تقدير لـ«الجيد، والسيئ، والقبيح»، ويتزايد هذا التضييق. كما تم استهداف وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) بالتشريعات، وبات عاملوها الدوليون ممنوعين من الدخول وتتعرض أعمالها تدريجيا للاختناق.

ولا يمكن أن تمحو هذه الأعمال الانتقامية الواقع الذي شهدتُه يوما بعد يوم لا في غزة وحدها وإنما في الضفة الغربية أيضا. فقد يبدو ما رأيته هناك مختلفا عما يجري في غزة، لكن الهدف واحد، وهو قطع التواصل الجغرافي وإرغام الفلسطينيين على العيش في جيوب دائمة التقلص. فالفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون يوميا للإكراه والحصار: إذ يُكرههم عنف المستوطنين وأعمال الهدم على الخروج من مناطقهم التي تتوسع فيها المستوطنات، وتحاصرهم شبكة قيود مفروضة على حركتهم داخل مناطق سكنية متفرقة تجري فيها عمليات عسكرية متزايدة.

وغزة أيضا تتجزأ. فسكانها البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة يحشرون الآن في محض 12% من أرض القطاع. ولا أنسى أنني تلقيت نداء مرعبا في الثالث عشر من أكتوبر 2023 يعلن تهجيرا قسريا لكامل شمال غزة. ومنذ ذلك الفصل الافتتاحي الوحشي، تم تهجير غزة كلها تقريبا، وليس مرة واحدة إنما مرات متكررة، دون ما يكفي من المأوى أو الغذاء أو الأمن. ولقد رأيت بعيني ما يبدو أنه تفكيك ممنهج لأسباب بقاء الحياة الفلسطينية. ويندرج في دورنا تنسيق العمليات الإنسانية، ولذلك فقد قمت وزملائي بالمساعدة في نقل المرضى من أجنحة العناية المركزة المظلمة المليئة بالقطط في المستشفيات المدمرة التي سيطرت عليها القوات الإسرائيلية، فقام آخر من بقي من العاملين الذين شهدوا تسريح زملائهم بدفنهم في الفناء.

قمنا كذلك بالكشف عن مقابر جماعية في أفنية مستشفيات أخرى قصدتها الأسر للبحث وسط الجثث المبعثرة عساهم يتعرفون على أحبائهم الذين تم تجريدهم من كل شيء قبل قتلهم أو إخفائهم. وتشاجرنا مع الجنود الذين يحاولون بالقوة إخراج مريض مصاب في نخاعه الشوكي من سيارة إسعاف عند إجلائها من المستشفى. واستعدنا جثث عمال إغاثة قتلتهم هجمات طائرات مسيرة ونيران دبابة وهم يحاولون توصيل المساعدات، وجمعنا جثث عائلات عمال في منظمات غير حكومية تعرضوا للقتل في مواقع تعترف القوات الإسرائيلية بأنها مواقع «إنسانية».

رأينا أفرادا في أطقم طبية بأزيائهم الرسمية مقتولين ومدفونين تحت حطام سيارات إسعاف دمرتها القوات الإسرائيلية. وملاجئ مزدحمة بالمهجرين تعرضت للقصف، والآباء متشبثين بأطفالهم الجرحى أو الموتى. وجثثا لا حصر لها في الشوارع تأكلها الكلاب. وبشرا ينادون من تحت الأنقاض، فيحرمون من غوث المسعفين إلى أن تنقطع أنفاسهم. وأطفالا يتلاشون بسبب سوء التغذية بينما المساعدات تشق طريقها وسط عقبات لا حصر لها.

وتتهمنا السلطات الإسرائيلية بأننا المشكلة. يقولون إننا لا نقوم بتسلم البضائع في المعابر. وليس الأمر تقصيرا منا عن العمل، ولكننا نعاق عنه. ففي الأسبوع الماضي كنت ضمن قافلة متجهة إلى معبر كرم أبو سالم من داخل غزة. ورافقتنا شاحنات خاوية عبر منطقة شديدة الازدحام، وذلك طريق شديد التعقيد يمكن اجتنابه بسهولة لكنه الطريق الذي فرضته القوات الإسرائيلية. وعندما اصطفت الشاحنات في نقطة انتظار، وجاء أخيرا الضوء الأخضر من القوات الإسرائيلية بالتحرك إلى المعبر، تحرك معنا آلاف من اليائسين، راجين أن ترجع الشاحنات بالطعام. وفيما مضينا نتقدم ببطء شديد، تعلق الناس في الشاحنات إلى أن رأينا أول ميت على جانب الطريق، مصابا في ظهره بطلقات من جهة القوات الإسرائيلية. وعند المعبر، كانت البوابة مغلقة. وانتظرنا نحو ساعتين ليفتحها جندي.

احتاجت القافلة خمس عشرة ساعة لتكتمل. وحدث مع قوافل أخرى أن أخرت القوات الإسرائيلية الشحنات العائدة بينما تجمعت الحشود وتعرض اليائسون للقتل وهم ينتظرون وصول الشاحنات. تعرضت بعض بضائعنا للنهب من عصابات مسلحة تعمل تحت أعين القوات الإسرائيلية. وخلال وقف إطلاق النار، كنا ننظم عمل العديد من القوافل في اليوم الواحد. أما الآن، ففوضى وقتل وإعاقة للعمل، وهذا هو السائد. وبرغم أن المساعدات ضرورية، لكنها لن تكون أبدا العلاج للندرة المقصودة المرتبة.

لقد كانت محكمة العدل الدولية واضحة. فهي في تدابيرها المؤقتة الملزمة لم تأمر إسرائيل فقط بمنع الأفعال المحظورة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، وإنما أمرتها أيضا بتمكين الخدمات الأساسية اللازمة فورا والمساعدات الإنسانية، بما في ذلك زيادة عدد المعابر. وفي رأي استشاري منفصل لم تدع محكمة العدل الدولية مجالا للشك: إن احتلال إسرائيل المستمر لغزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية غير قانوني بموجب القانون الدولي. وغزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية أجزاء مختلفة من الصورة نفسها. ما يجري ليس بالأمر المعقد. ولا المحتوم. إنما هو نتيجة خيارات سياسية عمدية للذين أوجدوا هذه الظروف وللذين يساعدونهم. ولقد كان ينبغي منذ أمد بعيد إنهاء الاحتلال. ولقد ضعفت مصداقية النظام التعددي بسبب ازدواجية المعايير والحصانة. ولا يمكن أن يكون القانون الدولي أداة اختيارية، بل يجب أن يبقى أداة حماية فعالة للجميع.

غزة غارقة الآن بالفعل تحت القنابل، والتجويع، والحصار المستمر الخانق الذي يضيق أسباب النجاة. وكل تأخير في تنفيذ القواعد الأساسية المقصود بها حماية الحياة البشرية إنما هو يد أخرى تضغط على غزة إلى أسفل بينما تكافح للصعود إلى السطح كي تلتقط أنفاسها.

جوناثان ويتال رئيس مكتب (مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية) في المناطق الفلسطينية المحتلة. وهذا المقال مكتوب بصفته الشخصية.

عن الجارديان البريطانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القوات الإسرائیلیة القانون الدولی الأمم المتحدة فی غزة

إقرأ أيضاً:

قائد عسكري بريطاني يواجه أسئلة محرجة عن التجسس على غزة لصالح إسرائيل

واجه قائد القوات الجوية البريطانية المارشال ريتش نايتون أسئلة محرجة عن قيام قواته بطلعات جوية تجسسية لصالح إسرائيل فوق غزة رغم حرب الإبادة التي تشنها على القطاع منذ أكتوبر/تشرين الأول 2003.

ونشر موقع "ديكلاسيفايد يو كيه" مقطعا مصورا يظهر الصحفي فيل ميلر وهو يوجّه لنايتون أسئلة حول غزة على هامش مؤتمر عسكري في لندن، لكن الأخير تجنب بغضب الرد عليها ثم غادر المكان مسرعا.

وأظهر المقطع أحد مرافقي قائد القوات الجوية وهو يدفع ميلر، وطلب الأخير منه التوقف عن دفعه، مؤكدا أن لديه الحق في إلقاء الأسئلة على القائد العسكري.

وسأل الصحفي نايتون عن الاستمرار في تقاسم المعلومات مع الجيش الإسرائيلي في ظل حرب الإبادة التي يشنها على غزة، والتعاون مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في حين أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرة اعتقال ضده بتهمة ارتكاب جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية في القطاع، لكن نايتون استمر في السير نحو السيارة التي ستقله بعيدا رافضا الرد على الأسئلة.

وأشار ميلر إلى أن الطلعات الجوية البريطانية استمرت خلال الأشهر الـ18 الماضية بشكل يومي تقريبا.

View this post on Instagram

A post shared by Declassified UK (@declassifieduk)

كما أشار إلى أن بريطانيا تبرر هذه الطلعات بجمع معلومات عن الأسرى المحتجزين في غزة، لكنه أوضح أن تلك الطلعات لم تسمح بالعثور على أي من المحتجزين، وأن المرة الوحيدة التي تم تحرير عدد منهم كان الثمن قتل مئات الفلسطينيين.

وقال ميلر تعليقا على تصرف نايتون إنه لو كان واثقا من أن تقاسم المعلومات مع إسرائيل لا يجعل بريطانيا شريكا في الإبادة الجارية بغزة لكان رد على الأسئلة التي تطرح عليه بهذا الشأن.

وذكر "موقع ديكلاسيفايد يو كيه" أنه في الوقت الذي غادر فيه قائد القوات الجوية البريطانية على متن سارة مسرعة، انتشرت أنباء تفيد بأن نظيره الإسرائيلي، اللواء تومر بار، قد هبط في قاعدة بريز نورتون التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني في أوكسفوردشاير لحضور عرض جوي قريب في اليوم التالي.

إعلان

وأشار الموقع إلى أن بار مسؤول أيضا عن القصف الجوي الإسرائيلي لغزة الذي دمر القطاع وأسفر عن مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

مقالات مشابهة

  • أمميون: “إسرائيل” تستخدم الإغاثة الإنسانية غطاءً لتحقيق أجندات عسكرية وجيوسياسية
  • الصليب الأحمر: "إسرائيل" تمنعنا من الوصول للمعتقلين الفلسطينيين
  • الصليب الأحمر: إسرائيل تمنعنا من الوصول للمعتقلين الفلسطينيين
  • عاجل | القوات المسلحة الأردنية تواصل إرسال المساعدات الإنسانية جواً إلى غزة
  • من بوابة رفح إلى قلوب الفلسطينيين.. مصر تزعج إسرائيل وتحبط حملات التشويه
  • مطالبة برلمانية عربية لاتينية لوقف حرب الإبادة والتجويع الإسرائيلية بحق الفلسطينيين
  • رفع علم إسرائيل بتظاهرات للدروز في السويداء ومقتل عنصر أمن في هجوم مسلح
  • عاجل.. وزير الخارجية: إسرائيل هي الوحيدة المسؤولة عن الكارثة الإنسانية بغزة
  • قائد عسكري بريطاني يواجه أسئلة محرجة عن التجسس على غزة لصالح إسرائيل