ليس القصد من هذا العنوان التهوين من مقترح حل الدولتين الذي يحظى بتأييد دولي متزايد، وإنما القصد منه بيان طبيعة الكيان الصهيوني غير القابل للتعايش مع الآخر، لأن هذا الكيان مؤسَّس على معتقدات توراتية وتلمودية لا تعترف بحق الوجود لغير اليهود ممن يسمّون في الفكر التلمودي “الأغيار”، ولأن هذا الكيان ذو طبيعة استيطانية توسُّعية والدليل على ذلك أنه يفكر في عزِّ الحشد الدولي لحل الدولتين في احتلال غزة وضم الضفة الغربية، ولأن هذا الكيان لا يرضى بأي حل إلا حل التوطين اليهودي في أرض فلسطين وتهجير الفلسطينيين إلى الخارج أو جمعهم في رقعة جغرافية ضيقة بفلسطين، لا يملكون قرارهم، ومجرّدون من حقوقهم، ولا حق لهم في إدارة شؤونهم.
إن حل الدولتين في نظر من تبنّوه من المجتمع الدولي هو حل يفرضه الواقع، وهو في نظر المجموعة العربية حلٌّ لا ثاني له بسبب فشل كل الحلول بعد آخر مواجهة عربية إسرائيلية، والتي أعقبها تشتُّت غير مسبوق للتيار العربي وسقوط فكرة القضية الفلسطينية ذات الأبعاد القومية العربية.
إن حل الدولتين بالنظر إلى هذه المعطيات مغامرة دولية في ظل كيان صهيوني رافض لكل الحلول، ومتشبّث بفكرة أن أرض الميعاد لا تتسع لشعبين ورافض لأي دولة فلسطينية من أي فصيل، حمساوي أو فتحاوي أو غيره.
في عزّ الحشد الدولي لمقترح حل الدولتين، يكثف اليمينيان المتطرفان “بن غفير” و”سموتريتش” تصريحاتهما العنصرية وخرجاتهما الاستفزازية، ودعواتهما إلى إقامة مزيد من البؤر الاستيطانية باقتطاع مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية في خطوة غير مسبوقة بهذا الحجم وبهذا الإصرار الصهيوني على تجاهل السلطة الفلسطينية.
حل الدولتين فكرة قابلة للتحقيق بحسب المتحمسين لها والداعين إليها، وإذا جاريناهم وسلّمنا لهم بذلك جدلا، فإن ذلك لن يتحقق إلا بأخذ هذه الأمور بعين الاعتبار:
1- يجب أن تسبق عملية التفكير في حل الدولتين، العمل على وقف عمليات الاستيطان التي ازدادت وتيرتها مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة والتي طالت أجزاء من الضفة الغربية، فالاستيطان مانع من موانع حل الدولتين لتعارضه مع القانون الدولي ولكونه شكلا من أشكال الاحتلال الذي لا يتحقق معه أي حل.
لقد ضربت إسرائيل بقرارات مجلس الأمن بوقف الاستيطان عرض الحائط وبنت في المدة التي أعقبت الحرب الأخيرة مع غزة قبل عملية “طوفان الأقصى” عددا معتبرا من المستوطنات التي تشكل الدرع الأمامي لإسرائيل في مواجهة أي خطر محتمل من القوى المعادية حسب تعبير الإعلام الحربي الصهيوني. إن حل الدولتين لن يتحقق ولن يكتب له الصمود في حالة التحقق إذا لم تحل معضلة الاستيطان وإذا لم تتوقف الجهات الداعمة لإسرائيل على ضخّ المليارات في الخزينة الإسرائيلية لمساعدتها على تنفيذ مشاريعها الاستيطانية والتوسعية.
2- إن اختبار مدى قدرة المجتمع الدولي على تنفيذ فكرة حل الدولتين يكمن أولا وقبل أي شيء في قدرته على وقف الإبادة الجماعية ومسلسل التجويع ضد سكان غزة، ومن دون ذلك سيبقى حل الدولتين حبرا على ورق وفكرة نظرية بعيدة عن الواقع. كيف يمكن تصور نجاح حل الدولتين في ظل الإخفاق الدولي في وقف مسلسل الإبادة الجماعية، وفي ظل التمادي الصهيوني في تجاوز الهيئات الدولية والإمعان في فرض سياسة الأمر الواقع؟ إن المجتمع الدولي أمام اختبار صعب إذا تجاوزه فما بعده أهون، وإذا لم يتجاوزه فما بعده أصعب إن لم يكن ضربا من المستحيل غير القابل للتجسيد.
3- إن حل الدولتين سيكون بلا طعم ولا لون ولا رائحة إذا لم تتمكن الجنائية الدولية من تنفيذ قراراها بشأن نتنياهو، وإذا لم تنفَّذ إجراءات المنع من الدخول التي أصدرتها بعض الدول ضد بن غفير وسموتريتش بسبب تحريضهما على العنف ودعوتهما إلى احتلال غزة وفتح باب الهجرة الطوعية لسكانها لإفراغ غزة من الفلسطينيين وإحكام السيطرة عليها وإخضاعها للسلطة الإسرائيلية المطلقة.
4- إن حل الدولتين إذا كُتب له النجاح، سيصطدم لا محالة برفض إسرائيلي لأن التاريخ اليهودي يخبرنا بأن إسرائيل كيان مارق غير قابل للتعايش مع أي كيان آخر، وبالتالي سنعود ولو بعد مدة إلى نقطة الصفر. إن إسرائيل لن تقبل بحل الدولتين ولا بأي حل، ولن تقبل بدولة فلسطينية لا على حدود 4 جوان 1967 ولا على غيرها وستبقى كيانا عدوانيا ليس له قابلية للسلام ومصدرا للإرهاب مهما كان سقف الاتفاقات التي ستُبرم بينها وبين الدولة الفلسطينية المراد إقامتها على حدود 67.
هل التزمت إسرائيل بقرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر في 22 نوفمبر1967 بإقامة دولة فلسطينية على حدود 67؟ وهل إسرائيل مستعدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية التي يكرسها حل الدولتين؟ وهل هناك ضمانات دولية كافية لحماية الدولة الفلسطينية الناشئة ووقف عمليات الضم القسري للأراضي الفلسطينية؟
إن المجتمع الدولي -كما أسلفت- أمام امتحان صعب وربما مستحيل في ظل تعنُّت الكيان الصهيوني وإصراره على مواصلة مشاريع الضم والاستيطان في غزة والضفة الغربية. وهل التزمت إسرائيل بالبند الخاص بوضع المقدسات الإسلامية وبوضع القدس عموما؟
وهل ستوافق إسرائيل على حل الدولتين وتعترف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية؟ إن كل المؤشرات تدل على أن إسرائيل لن تلتزم بشيء من ذلك بل هناك فرضية قوية بأنها ستصعّد عدوانها ضد الدولة الناشئة، وعندها سيعود المجتمع الدولي إلى نقطة البداية، وفي نظري أنه لا حل إلا بزوال الاحتلال، وهو حلٌّ مشروع ولكن دونه عقبات كثيرة وإشكالات عميقة، علاوة على كونه متجاوزا تاريخيا في ظل الوضع الجديد الذي انتهى إليه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
من أهم التوصيات التي تضمّنتها مسودة مؤتمر حل الدولتين الذي عُقد في مقر الأمم المتحدة بنيويورك في 28 و29 جويلية 2025: الاتفاق على إجراءات جماعية لإنهاء الحرب في غزة، وإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، وإدانة جميع الهجمات ضد المدنيين، وحظر أخذ الرهائن، وإدانة هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023 وهجمات إسرائيل ضد المدنيين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش بسلام جنبا إلى جنب مع إسرائيل.
هل إسرائيل مستعدة لوقف حربها على غزة وفق ما يتناسب مع إرادة المجتمعين في مؤتمر نيويورك ووفق ما يتناسب قبل ذلك مع إرادة المجتمع الدولي، أم وفق ما يتناسب مع تصورها ومواقفها التي يتشبث بها نتنياهو وفريقه الأمني؟ وهل ستوقف إسرائيل استهداف المدنيين؟ وهل ستذعن إسرائيل لإرادة المجتمع الدولي وتقبل بحل الدولتين وتقبل بفكرة السلام أصلا؟ لا أظن أن إسرائيل ستلتزم بهذه التوصيات، وإن حدث ذلك فإنه سيكون أمرا فارقا أقرب إلى الإعجاز منه إلى الإنجاز.
إن حل الدولتين هو آخر ما تبقى في جعبة المجتمع الدولي وفي حالة إخفاقه فإنّ فلسطين ستكون في وضع لا تُحسد عليه، وضع أكثر عدوانية ودموية، وعندها ستزداد شوكة الكيان وسيصبح الإجماع الدولي في خبر كان.
الشروق الجزائرية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال مجلس الأمن الدولة الفلسطينية غزة الاحتلال مجلس الأمن الدولة الفلسطينية مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة من هنا وهناك صحافة صحافة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المجتمع الدولی إن حل الدولتین إذا لم
إقرأ أيضاً:
مصطفى بكري: الرئيس السيسي كشف عجز المجتمع الدولي عن وقف إبادة أهل غزة
أكد الإعلامي مصطفى بكري، عضو مجلس النواب، أن تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي حول الأوضاع في قطاع غزة تمثل واحدة من أقوى الرسائل التي يبعث بها الرئيس للمجتمع الدولي، قائلاً: «عندما يقول الرئيس إنه يجب أن يكون واضحا أن الحرب الدائرة لم تعد حربا لتحقيق أهداف سياسية أو إطلاق سراح الرهائن، وإنما هي تجاوزت أي منطق وأصبحت حربا للتجويع والإبادة الجماعية وتصفية القضية الفلسطينية، فعلينا أن نتوقف هنا، وندرك حقيقة أهداف العدو ومرمى ما يتم الآن على مدى 21 شهرا تم فيها إبادة وإصابة عشرات الآلاف من الفلسطينيين، تم تجويع الفلسطينيين، حتى الأمس 180 ماتوا جوعا في أرض غزة».
وأضاف بكري، خلال برنامج «حقائق وأسرار» المذاع على قناة «صدى البلد»: «عندما يقول الرئيس إن حياة الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة تستخدم كورقة سياسية للمساومة، فهنا يناشد الضمير الإنساني والمجتمع الدولي، لماذا تقفون متفرجين على ما يحدث في غزة؟ تساؤل مهم يطرحه الرئيس ليؤكد بذلك أن الحديث عن حقوق الإنسان هو كذب ووهم، وأن الكلام عن التعاطف مع قضية الشعب الفلسطيني هو أمر ليس له حقيقة على أرض الواقع، أنتم تقفون متفرجين وأنتم ترون إسرائيل تستخدم التجويع والإبادة كورقة للمساومة السياسية».
وتابع بكري: «عندما يتحدث الرئيس عن الدور المصري لإدخال المساعدات، فهو يكشف بالحقائق أن هناك خمسة منافذ تربط ما بين مصر وما بين غزة وبين الكيان الإسرائيلي، معبر واحد فقط هو معبر رفح الذي تتحكم فيه السلطات المصرية من الجانب المصري، وهذا المعبر لم يغلق على مدى السنوات الماضية قبل وبعد عملية طوفان الأقصى».
وأردف بكري: «خلال عشرين سنة كانت مصر تقدم المساعدات، وقبل ذلك بشكل مستمر إلى غزة، ليس أقل من 600 لـ 700 شاحنة يوميًا، وكانت مصر على مدى السنوات الماضية، على مدى 20 سنة، تسعى إلى التهدئة ووقف الاقتتال في قطاع غزة، لأن الرئيس، ولأن العالم، يدرك أن أي اقتتال سيدفع الغزاويون ثمنه وستدفع غزة ثمنه».
وأشار إلى أن «هذه هي الحرب الخامسة التي وقفت فيها مصر بدور فاعل وأجرت اتصالات مع كافة الأطراف المعنية، وفي كل مرة كان الرئيس يبعث برجال الدولة من جهاز المخابرات العامة إلى الداخل الإسرائيلي وإلى غزة وإلى رام الله، وكانت مصر تستقبل الوفود هنا في القاهرة في مبنى المخابرات العامة المصرية لتتوصل إلى وقف لإطلاق النار، وكثيرا ما نجحنا، وكثيرا ما أشاد قادة ورؤساء أمريكيين ومسؤولين بهذا الدور، وكان ذلك واضحا، ومنهم الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن».
ولفت عضو مجلس النواب إلى أن «مساعدة مصر الفلسطينيين ليس بمنطق المنحة ولكن كما قال الرئيس: هم أشقاؤنا، إذ إن أكثر من 70% من المساعدات دخلت من مصر ولا تزال، فعندما تحدث الرئيس عن الحملة الممنهجة التي نعرف من يقف وراءها ضد مصر إنما هو إفلاس على غير ذي حقيقة، إفلاس بغير ذي معنى، فهم يقولون إن معبر رفح مغلق وهم يعرفون الحقيقة، المعبر تم تدميره أربع مرات من الجانب الفلسطيني بواسطة إسرائيل التي احتلت المعابر من الناحية الأخرى والأرض من الناحية الأخرى ورفح وغيرها».
واستطرد بكري: «ما كان يمكن إدخال المساعدات في وجود القوات الإسرائيلية على المعبر من الناحية الأخرى، هذه حقيقة يعرفها الجميع، ولكن هذا لم يكن سببا في توقف مصر عن التواصل مع كافة الأطراف المعنية، تواصلنا مع الإدارات الأمريكية ومع إسرائيل وكانت هناك جهود تمت في قطر وغيرها، الهدف الأساسي هو إدخال المساعدات، الهدف الأساسي هو وقف حرب الإبادة، الهدف الأساسي هو إنهاء قضية تبادل الأسرى والرهائن».
وأردف بكري: «كما قال الرئيس، هناك أكثر من 5000 شاحنة موجودة الآن تنتظر الدخول، ومصر لا تتوقف في إدخال كميات كبيرة من هذه المساعدات، الرئيس نادى العالم كله ونادى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأقمنا مؤتمر القاهرة للسلام، وذهبنا إلى جدة، واتصلنا بالعالم كله، والقادة الأوروبيون جاءوا إلينا، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جاء إلينا واصطحبه الرئيس إلى غزة، ورأى بأم عينيه ما يحدث، وذهب إلى باريس معلنًا نيته في إقامة الدولة الفلسطينية، العالم كله يعرف ذلك، ولذلك هذا إفلاس من أصحاب الادعاءات والأكاذيب».
اقرأ أيضاًللفلسطينيين والصهاينة والعالم بأسره.. مصطفى بكري يكشف أخطر 9 رسائل في حديث الرئيس السيسي
مصطفى بكري يحذر من خطة إسرائيلية وشيكة لدفع سكان غزة باتجاه الحدود المصرية
«مصر لا تتدخل في شؤون أحد ».. مصطفى بكري: القضاء الإسباني أصدر حكما نهائيا بتسليم المقاول الهارب محمد علي