محطات الصرف واحات جديدة تغير خريطة هجرة الطيور
تاريخ النشر: 6th, August 2025 GMT
تخيلوا لوهلة، أن ملايين الطيور المهاجرة التي تقطع آلاف الكيلومترات في رحلتها السنوية، توقفت فجأة عن التحليق في سماء مصر، هذا ليس كابوسا، بل هو سيناريو قد يلوح في الأفق مع التناقص المستمر للأراضي الرطبة، تلك الواحات الصغيرة التي تعدّ شريان الحياة لهذه الكائنات الجميلة، لكن وسط هذا المشهد المقلق، يبرز سؤال لم يكن أحد ليتوقعه: هل يمكن لمحطات معالجة مياه الصرف الصحي أن تكون هي المنقذ؟
حيرة بين الماء والطيورتأتينا الإجابة من دراسة بحثية فريدة من نوعها في مصر، أجراها فريق من جامعة Wageningen & Research، لتكشف عن علاقة غير متوقعة بين محطات المعالجة والطيور المهاجرة، ففي كل خريف وربيع، تمر هذه الطيور بمصر في طريقها بين أوروبا وأفريقيا، معتمدة على الأراضي الرطبة الطبيعية للراحة والتزود بالغذاء، لكن هذه الأراضي تتآكل وتختفي، مما يضع الطيور في مأزق حقيقي.
وهنا يأتي دور العلماء، الذين تساءلوا بذكاء: ما دام النقص في الأراضي الرطبة هو المشكلة، فلماذا لا تكون محطات معالجة مياه الصرف الصحي هي الحل البديل؟ أجرى الباحثون دراستهم على 25 محطة على طول نهر النيل، وقارنوا بين أنواع مختلفة من هذه المحطات، بدءًا من الأنظمة البسيطة وصولاً إلى التقنيات المتطورة.
الحلول البسيطة تجذب الحياة
كانت النتائج مفاجئة بكل المقاييس، فقد وجد الباحثون أن المحطات القديمة والأبسط في تصميمها، والتي تحتوي على أحواض مياه مفتوحة وبرك فائضة، كانت تجتذب عددًا أكبر بكثير من الطيور المهاجرة مقارنة بالمحطات الحديثة التي تعيد تدوير المياه بالكامل.
السبب بسيط ومنطقي، فالمياه المفتوحة في هذه المحطات تخلق بيئة خصبة للطحالب والكائنات الدقيقة التي تعد مصدر غذاء أساسي للطيور، أما المحطات الأكثر تطورًا، فبسبب كفاءتها العالية في إعادة تدوير كل قطرة ماء، تفتقر إلى هذه الأحواض المائية، وبالتالي لا يزورها سوى الطيور التي تعيش في المدن بشكل طبيعي.
معضلة التنمية المستدامةهذه النتيجة تضعنا أمام معضلة حقيقية، كما يقول الدكتور خالد نوبي، أحد المشاركين في البحث، فمن ناحية، هناك حاجة ملحة للمياه النظيفة في بلد مثل مصر، وتساعد التقنيات الحديثة في تدوير المياه لاستخدامها في الزراعة والشرب، وهذا يتوافق مع الهدف 6 من أهداف التنمية المستدامة (المياه النظيفة والنظافة الصحية).
لكن من ناحية أخرى، يأتي هذا التقدم التكنولوجي على حساب الموائل الحيوية للطيور، وهو ما يتعارض مع الهدف 15 (الحياة في البر)، فهل يجب علينا أن نختار بين توفير المياه وحماية التنوع البيولوجي؟
حلول تجمع بين توفير المياه وحماية التنوع البيولوجيلحسن الحظ، لا يجب أن يكون هذا الاختيار قاسيًا، يقترح الباحثون حلولًا ذكية يمكن أن توازن بين الهدفين، يمكن لصناع السياسات أن يضعوا في اعتبارهم الطبيعة عند تصميم محطات المعالجة الجديدة، من خلال:
ترك بعض الأحواض المائية المفتوحة في مناطق معينة لتكون محطات استراحة وتغذية للطيور.
السماح بوجود غطاء نباتي طبيعي حول المحطات لتوفير مأوى للطيور.
المراقبة المستمرة لجودة المياه لضمان أن هذه الأحواض لا تتحول إلى «فخاخ بيئية» خطيرة.
في نهاية المطاف، تعلمنا هذه الدراسة أن الإنسان والطبيعة يمكن أن يتعايشان بذكاء، فمعالجة المياه وحماية البيئة لا يجب أن يكونا على طرفي نقيض، بل يمكن دمجهما في نظام واحد، يخدم احتياجاتنا الإنسانية، ويحافظ في الوقت نفسه على دورة الحياة الطبيعية التي لا غنى عنها.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الطيور المهاجرة مهرجان الطيور المهاجرة حماية الطيور المهاجرة الطیور المهاجرة
إقرأ أيضاً:
موجات الحر وعصر غليان الدماغ.. كيف يهدد تغير المناخ الصحة؟
مع تزايد درجات الحرارة حول العالم، لا يقتصر تأثير التغير المناخي على البيئة فقط، بل يطال أعقد أعضاء الجسم البشري وهو الدماغ، إذ أظهرت الأبحاث أن موجات الحر المتكررة لا تؤثر على الصحة الجسدية فحسب، بل قد تضع قدراتنا الذهنية والنفسية في مهب الخطر.
أول نوبة وشرارة القلقفي عمر خمسة أشهر فقط، تعرض الرضيع جيك لأول نوبة صرع كبرى خلال موجة حر شديدة، حيث تيبس جسده وبدأ يرتعش بعنف، تزامناً مع ارتفاع شديد في درجة حرارته.
شُخصت حالة جيك بمتلازمة “درافيت”، اضطراب عصبي نادر يرتبط بالصرع، ويتفاقم بفعل الحرارة، ويصيب طفلاً من بين كل 15 ألف طفل.
تأثير المناخ على الدماغ حقائق علمية مقلقةيؤكد الدكتور سانجاي سيسوديا، أستاذ علم الأعصاب في كلية لندن الجامعية، أن تغير المناخ يفرض ضغوط متزايدة على الدماغ البشري.
وتشير الدراسات إلى أن اضطرابات مثل الصرع، والسكتات الدماغية، والتصلب اللويحي، وحتى الصداع النصفي، تتفاقم مع ارتفاع درجات الحرارة.
كما أن موجات الحر تؤثر على النوم، وتزيد من التوتر، والغضب، وحتى احتمالات السلوك العدواني.
موجات حر قاتلة فى أوروباوفي موجة الحر القاتلة التي ضربت أوروبا عام 2003، شكلت الوفيات الناجمة عن أسباب عصبية نحو 7% من إجمالي الوفيات الزائدة.
وفي بريطانيا، سجلت موجة الحر عام 2022 مؤشرات مشابهة.
الدماغ العضو الأكثر هشاشة أمام الحرارةعلى الرغم من أن درجة حرارة الدماغ لا تختلف كثيراً عن حرارة الجسم، إلا أن كونه العضو الأكثر استهلاكاً للطاقة يجعله أكثر عرضة لتوليد الحرارة ذاتياً أثناء التفكير والتفاعل وتلعب الأوعية الدموية دوراً محورياً في تبريد الدماغ.
غير أن بعض الأمراض العصبية، مثل التصلب المتعدد أو الفصام، تعيق آلية تنظيم الحرارة، مما يزيد من خطر التعرض للإجهاد الحراري، بل وقد تؤدي إلى الوفاة.
كما أن بعض الأدوية النفسية تقلل من قدرة الجسم على التعرق، ما يزيد من هشاشة المرضى في مواجهة الحرارة.
كبار السن والأطفال الفئات الأكثر هشاشةتشير البيانات إلى أن معدلات دخول المستشفيات والوفيات بين مرضى الخرف ترتفع خلال فترات الحر الشديد ويُعزى ذلك إلى ضعف قدرتهم على تنظيم حرارة الجسم، إلى جانب قصورهم الإدراكي، ما قد يمنعهم من اتخاذ خطوات بسيطة مثل شرب الماء أو البقاء في الظل.
أما الأطفال، فإنهم يواجهون خطراً من نوع آخر.
الحرارة وتهديد الحاجز الدموي الدماغيالأبحاث الحديثة تشير إلى أن الحرارة المرتفعة قد تضعف الحاجز الدموي الدماغي، ما يجعله أكثر عرضة لاختراق السموم والبكتيريا والفيروسات.
وقد تزداد خطورة هذا التهديد مع انتشار بعوض ناقل لأمراض عصبية مثل فيروس زيكا وحمى الضنك.
ويحذر العلماء من أن ارتفاع درجات الحرارة قد يؤدي إلى موجة من الاضطرابات العصبية التنكسية، بسبب تعرض الدماغ لضغوط حرارية متزايدة تؤثر على بنيته ووظائفه الحيوية.
عصر "غليان الدماغ" بدأ فعلياًمع تأكيد الأمم المتحدة أن يوليو 2023 كان الشهر الأشد حرارة في تاريخ الأرض، قال الأمين العام أنطونيو جوتيريش بلهجة تحذيرية: "لقد انتهى عصر الاحتباس الحراري.. وبدأ عصر الغليان العالمي".