Genie 3 من جوجل.. يفتح أبواباً جديدة في التعليم والألعاب والتصميم الافتراضي
تاريخ النشر: 6th, August 2025 GMT
في خضم السباق العالمي نحو تطوير ذكاء اصطناعي يتجاوز حدود التخصصات الضيقة، تبرز شركة"جوجل ديب مايند" مرة أخرى كلاعب رئيسي بإطلاقها نموذجها الثوري الجديد: Genie 3.
هذا النموذج لا يكتفي بمحاكاة البيئات أو توليد الفيديوهات، بل يُقدّم تجربة تفاعلية واقعية تُمكّن الوكلاء الذكيين من "العيش" داخل عوالم افتراضية، وفهمها، والتعلّم منها، كل ذلك انطلاقًا من وصف نصّي بسيط.
وبينما تتجه أنظار العالم نحو الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، يأتي Genie 3 ليكون خطوة حاسمة نحو تحقيق هذا الهدف، حيث يجمع بين الفهم، والتفاعل، والابتكار الذاتي ضمن بيئة ديناميكية ومفتوحة.
في هذا المقال، نستعرض أبرز قدرات Genie 3، ومميزاته مقارنة بالإصدارات السابقة، والفرص الكبيرة التي يفتحها في التعليم، والألعاب، والتقنيات المستقبلية.
اقرأ أيضاً...مراقبة أفكار الذكاء الاصطناعي.. خطوة جديدة لفهم "العقل" الرقمي
شركة"جوجل ديب مايند"، التابعة لشركة جوجل، كشفت عن نموذجها الجديد Genie 3، وهو من نماذج "العالم التفاعلي". ويعد أحدث نموذج أساسي لمحاكاة العالم، يُمكن استخدامه لتدريب وكلاء الذكاء الاصطناعي متعددي الأغراض..
وتصف "ديب مايند" هذا الابتكار بأنه خطوة محورية نحو تحقيق الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، أي الذكاء الذي يحاكي القدرات البشرية الشاملة.
قال شلومي فروختر، مدير الأبحاث في "ديب مايند"، إن "Genie 3" هو أول نموذج عالم تفاعلي لحظي للأغراض العامة، له تطبيقات واعدة في مجالات التعليم، والألعاب، وتصميم النماذج الأولية للأفكار الإبداعية، لكن القدرة الحقيقية للنموذج ستتجلى في تدريب وكلاء الذكاء الاصطناعي على مهام عامة، وهو ما اعتبره خطوة أساسية للوصول إلى الذكاء العام الاصطناعي. بحسب موقع "تك كرانش" المتخصص في أخبار التكنولوجيا.
وأكد مدير الأبحاث في "ديب مايند" أن "Genie 3" هو أول نموذج عالمي تفاعلي يعمل في الزمن الحقيقي. لقد تجاوز النماذج الضيقة السابقة، ولا يقتصر على بيئة واحدة، بل يمكنه توليد عوالم واقعية وخيالية وكل ما بينهما".
قدرات توليد الفيديو والبيئات
باستخدام طلب نصي بسيط، يُمكن لـ"Genie 3" توليد عدة دقائق من بيئات تفاعلية ثلاثية الأبعاد بدقة 720 بكسل بمعدل 24 إطارًا في الثانية، وهي قفزة كبيرة من 10 ثوانٍ إلى 20 ثانية كان يُمكن لـ "Genie 2" إنتاجها.توليد أحداث ديناميكية داخل العالم اعتمادًا على تغييرات بسيطة في النصوص المدخلة.
كما يمكنه الاحتفاظ بالذاكرة البصرية لما سبق توليده، مما يجعل المحاكاة أكثر اتساقًا وواقعية، بالرغم من أن هذه القدرة لم تُبرمج بشكل مباشر.
ويتميز النموذج أيضاً بقدرة على إنشاء أحداث عالمية يمكن التحكم بها عبر المدخلات النصية، أي إمكانية تغيير العالم المُنشأ بالفعل باستخدام طلب نصي.
التطبيقات المحتملة
يشير الباحثون إلى أن Genie 3 يُمكن استخدامه في التعليم التفاعلي، من خلال محاكاة مفاهيم معقدة داخل بيئات افتراضية. وأيضاً في الألعاب، لتصميم عوالم متكاملة بناءً على أوصاف نصية فقط.
كما يمكن استخدامه في تصميم النماذج الأولية الإبداعية (Prototyping) في مجالات مثل الفنون، التصميم، أو التدريب المهني.
ما هو الذكاء الاصطناعي العام (AGI)؟
الذكاء الاصطناعي العام (AGI) هو نوع متقدّم من الذكاء الاصطناعي يتمتّع بقدرة شبيهة بالبشر على الفهم والتعلّم والتكيّف وحل المشكلات عبر مختلف المجالات دون أن يكون مقيّدًا بمهمة محددة.
وعلى عكس الذكاء الاصطناعي التقليدي (الذي يُبرمج لأداء مهام محددة مثل الترجمة أو التوصية)، فإن AGI يستطيع نقل المعرفة بين السياقات، واتخاذ قرارات مستقلة، والتعامل مع مواقف جديدة غير مسبوقة — تمامًا كما يفعل الإنسان.
يُعدّ الوصول إلى AGI الحلم الأكبر في أبحاث الذكاء الاصطناعي، إذ يمكن أن يُحدث ثورة في جميع القطاعات من التعليم إلى الطب والاقتصاد.
دور Genie 3 في الوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام
من جانبه أشار جاك باركر-هولدر، الباحث في فريق "الانفتاح المستمر، بـ"ديب مايند" إلى أن نماذج العالم هي المفتاح الحقيقي للوصول إلى AGI، خاصة عندما يتعلق الأمر بالوكلاء المجسَّدين، الذين يتطلبون محاكاة دقيقة للعالم الحقيقي".
يشكّل Genie 3 نقلة نوعية في عالم الذكاء الاصطناعي، حيث ينتقل بالمفاهيم من مجرد نماذج تحليلية إلى عوالم افتراضية تفاعلية وقابلة للتعلّم والتكيّف. ومن خلال قدرته على محاكاة البيئات الواقعية والخيالية بدقة واتساق، فإنه يفتح آفاقاً جديدة أمام التعليم، الترفيه، والتدريب على المهام المعقّدة.
لكن الأهم من ذلك، أن Genie 3 يُعتبر حجر الأساس في رحلة البشرية نحو الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، حيث يمكن للوكلاء الذكيين أن يتعلّموا ويتصرفوا داخل بيئات قريبة من الواقع من دون تدخل بشري مباشر.
لمياء الصديق (أبوظبي)
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: التعليم شركة جوجل الذكاء الاصطناعي جوجل الألعاب الإلكترونية الذکاء الاصطناعی العام دیب مایند
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي وعصر الفراغ القادم
مؤيد الزعبي
عندما يصبح الذكاء الاصطناعي هو المهيمن والمحرك الأساسي للاقتصاد، ومع تحوّل اقتصادنا تدريجيًا إلى اقتصاد بلا بشر، سنصل في نهاية المطاف إلى عصر من الفراغ، فراغ لا يشبه البطالة التي عرفناها سابقًا، بل هو فراغ وجودي، حيث لا دور نؤديه ولا حاجة لنا في عجلة الإنتاج بعد أن كنا منهمكين في اللهاث اليومي بين العمل والمسؤوليات، سيصبح الوقت متاحًا بشكل ممل، أكثر مما يُحتمل، وفي خضم هذا التغيّر العميق تُطرح أسئلة جوهرية: ما الذي يعطي حياتنا المعنى إذا لم نعد ننتج؟ ماذا سيحدث للعلاقات الاجتماعية عندما تُنتزع الحاجة للعمل الجماعي؟ وما هو مصير الطبيعة البشرية التي تشكّلت عبر آلاف السنين في بيئة من التحدي والبقاء والكدّ والتعب؟
عزيزي القارئ بعد هذه المقدمة يبرز الآن السؤال الأهم هل الفراغ الوجودي: نعمة أم لعنة؟ لطالما حلمنا نحن البشر بزمن لا نضطر فيه للعمل لنكسب قوت يومنا، لكن لم نكن نتصور أن ذلك قد يتحقق على يد "عقل" غير بشري وأقصد هنا الذكاء الاصطناعي أو حتى الروبوتات، ومع تحقق هذا الحلم يتضح أنه أقرب إلى كابوس وجودي، صحيح أنه في عصر الذكاء الاصطناعي سنتحرر نحن البشر من عبء الوظيفة، لكن هذا سيفقدنا الإحساس بالقيمة الذاتية المرتبطة بالعطاء والإنجاز.
في هذا السيناريو سيصبح الفراغ قاتلًا ليس لأنه مجرد وقت زائد، بل لأنه وقت بلا معنى، وبلا غاية، فالفراغ ليس فقط غياب العمل، بل غياب الحاجة إلينا وحين يشعر الإنسان بأنه غير "مطلوب"، يبدأ بالانحدار في شعور باللاجدوى، وقد يتحول هذا الشعور إلى قلق أو اكتئاب أو حتى إلى موجات من العنف الذاتي أو الاجتماعي، هل أنت متخيل كيف سيكون الفراغ قاتلًا ومرعبًا.
إذا أردنا أن نفهم الأمر بشكل أدق فعلينا أن نتفق بأن العمل بالنسبة لنا سواء وظيفة أو ريادة أعمال أو حتى حرفة لم يكن فقط مصدر دخل، بل كان أيضًا نسيجًا اجتماعيًا يربط بين الناس، علاقات وصداقات تنشأ في مواقع العمل وتصبح أنت جزءا من عائلة أو مجتمع أكبر تتشارك معهم تقريبًا نفس الظروف، وتتعاون معهم وتبني ثقة، وحتى تحديات العمل ومشقته تُشعرك بأن هناك تحديا وإنجازا، وفي غياب ذلك تتعرض العلاقات الاجتماعية للتآكل، وسنصبح نعاني الوحدة والفراغ القاتل.
الأمر أوسع وأعقد من بيئة العمل، فعندما يعتمد كل فرد على آلاته الذكية لتلبية حاجاته، سيقل الاحتكاك البشري، تخيّل مجتمعًا غارقًا أفراده في عزلة افتراضية، يتحدثون إلى مساعدات رقمية أكثر مما يتحدثون إلى بعضهم البعض، يشكون همومهم ومشاكلهم لبرمجيات لا تحس ولا تعقل، وبالنسبة لي لا أستبعد أن يصبح "الذكاء الاجتماعي" مهارة نادرة قد تكون فريدة في مجتمع يعاني ويعيش العزل كعادة جماعية لا مهرب منها.
الطبيعة البشرية مبنية على التطور من خلال التحدي، فمنذ أن كنا صيادين وجامعي ثمار في عصورنا الحجرية والجليدية شكلت الحاجة دافعًا للنمو والتطور، وحتى في العصور الحديثة فالمنافسة والمعاناة كانتا وقودًا للإبداع والاختراع، وبالتالي في عصر يزال فيه التحدي، ويقل فيه الضغط تتآكل هذه الطبيعة، ويصبح الإنسان لا دافع له لا للتطور ولا للتطوير وبالتالي الفراغ الذي نحلم فيه سيكون كابوسًا لا يمكن التعايش معه.
ربما تساءلت في سطور سابقة عن سؤال مهم، ولكن الآن أتساءل تساؤلًا فلسفيًا، هل نستطيع نحن البشر التكيّف مع عالم بلا حاجة وبلا ألم وبلا نقص، أم أننا سنعيد خلق المعاناة لأننا لا نستطيع العيش دونها؟ وما أخاف منه حقيقة أن تظهر أنماط جديدة من "التحديات المصطنعة" مثل الألعاب الافتراضية أو الرحلات الفضائية أو حتى خلق معاناة بوسائل تقنية خداعة، وتبقى ما هي إلا محاولات للهرب من الواقع الجديد: واقع بلا ضرورة حقيقة محفزة، صحيح أن المعاناة صعبة وأن العمل فيه مشقة، ولكن الفراغ أصعب من كل هذا، ومهما حاولنا خداع أنفسنا إلا أن طبيعتنا البشرية ستعاني وستجعلنا نعاني حال غيابها.
قد يقول قائل بأنه لن يكون أمامنا إلا خيار واحد؛ إعادة تعريف الإنسان، فالبعض يرى أنه لم يعد الإنسان ذلك الكائن المنتج، بل عليه أن يصبح كائنًا مُتأملًا، مبدعًا، ولكن أنا شخصيًا ضد هذا التوجه، فذلك سيتطلب تحولات ثقافية وفلسفية عميقة لا يمكن المراهنة عليها خصوصًا وأن الذكاء الاصطناعي سيتوفق علينا في الإبداع والتأمل، وبالتالي لن يكون لنا مكان في ذلك حتى، ولذلك نحن فعلًا أمام معضلة أنصاف الحلول بها كارثة.
الحديث عن عصر ما بعد العمل ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة واقعية علينا الاستعداد لها، فالذكاء الاصطناعي لن يسلبنا فقط وظائفنا، بل سيفرض علينا مراجعة تعريفنا لذواتنا، فهل نكون حين لا نعمل، وهل نستطيع أن نحب، ونتفاعل، وننتمي في غياب الحاجة؟ أشك في ذلك، عزيزي القارئ، ما يبدو في الظاهر تحررًا، قد يكون أعظم اختبار لإنسانيتنا عندما يصبح الفراغ سمًّا قاتلا يهدد وجودنا، ولا تسألني عن الحل فالحل قد يكون صعبًا، ولكن ما هو مهم أن نبني ذكاء اصطناعيا هدفه الأساسي دمج البشر لا إقصاؤهم حينها ربما يكون الفراغ مساحة إضافية لحياتنا نشكل من خلالها توازنًا لعلاقاتنا ولإبداعاتنا، بدلًا من جعل الفراغ قاتلًا لإنسانيتنا وهادمًا لبشريتنا.
رابط مختصر