صحيفة بريطانية: سوريا ساحة تنافس ثلاثي محتدم بين أميركا وروسيا والصين
تاريخ النشر: 6th, August 2025 GMT
بعد 14 عاما من حرب أهلية ضروس، تجد سوريا نفسها اليوم في قلب صراع جديد، لكنه ليس بين أطراف محلية هذه المرة، بل بين 3 قوى عظمى هي الولايات المتحدة وروسيا والصين، التي تتسابق جميعها على النفوذ في هذه الدولة التي تتعافى ببطء من خراب طالها ردحا من الزمن.
وفي حين تحاول الحكومة السورية الجديدة، التي تشكلت بعد 14 عاما من الحرب الأهلية الوحشية، لملمة شتات البلاد، تجد نفسها عالقة داخل مواجهة بين الشرق والغرب، بحسب مقال تحليلي في صحيفة (آي بيبر) البريطانية.
وأشار جورجيو كافيرو الرئيس التنفيذي لشركة "غالف ستيت أناليكتيكس" الاستشارية لتحليل المخاطر الجيوسياسية، ومقرها في واشنطن العاصمة، إلى أن سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024 شكّل نهاية لحقبة دامت عقودا، وأتاح فرصة نادرة لقوى دولية كانت لعقود خارج التأثير المباشر في سوريا.
وأمام هذا الفراغ، تسعى واشنطن وموسكو وبكين إلى فرض قواعد جديدة للنفوذ داخل سوريا الجديدة، التي باتت تُدار من قبل حكومة بقيادة أحمد الشرع، الزعيم السابق لهيئة تحرير الشام.
فرصة تاريخية لواشنطنظلت الولايات المتحدة، طيلة العقود الماضية، تحاول إدخال سوريا ضمن مجال نفوذها، دون نجاح. لكن واشنطن تجد نفسها اليوم -بحسب تحليل الصحيفة- أمام فرصة تاريخية لتحقيق هذا الهدف، مستفيدة من تحوّل القيادة الجديدة في دمشق، التي أعلنت انفتاحها على الغرب، وقطعت فعليا علاقاتها بالمحور الإيراني الروسي.
وقال كافيرو إن هذا التحول قلّص بشدة من نفوذ روسيا والصين في سوريا ما بعد الأسد، وهو ما تسعى الدول الغربية لاستغلاله عبر تعميق العلاقات مع دمشق.
وأعرب الكاتب عن اعتقاده بأن زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السعودية ولقاءه مع الشرع، وما أقدمت عليه واشنطن ودول أوروبية من رفع معظم العقوبات عن سوريا، لم تكن مجرد بادرة رمزية، بل إشارة إلى تأسيس علاقة جديدة محكومة بمصالح متبادلة، ولكنها غير متكافئة.
إعلانفدمشق التي تسعى إلى ترميم اقتصادها المنهار، تدرك أن بقاءها يعتمد جزئيا على دعم واشنطن، لكنها لا تريد الارتهان التام لها.
الخيار الوحيد للاستقراربيد أن مارينا كالكولي أستاذة العلاقات الدولية بجامعة ليدن في هولندا، صرحت لصحيفة "آي بيبر" بأن الشرع "دخل في نظام التبعية الأميركي" لأنه رأى أن ذلك هو "الخيار الوحيد للبقاء في الحكم وتحقيق الاستقرار لنظامه وبلده".
وأضافت: "من أجل ذلك، عليه إبقاء روسيا خارج سوريا، والتخلص من كل ما تبقى من الإرث الروسي، وبالطبع عدم السماح بأي نفوذ صيني".
موسكو تبحث عن موطئ قدموفقا للمقال التحليلي، تدرك روسيا أن خسارة الأسد لا تعني بالضرورة خروجها التام من سوريا، لكنها ضربة إستراتيجية موجعة. فوجودها العسكري، ولا سيما في قاعدة طرطوس البحرية، كان أساسا لتحركها في شرق المتوسط وشمال أفريقيا.
وتسعى موسكو حاليا إلى الحفاظ على الحد الأدنى من النفوذ عبر القنوات الدبلوماسية، بحسب كافيرو الذي أشار إلى أن لقاء وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بنظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو حمل في طياته رسائل مزدوجة، فمن جهة تريد سوريا أن تقف روسيا إلى جانبها، ومن جهة أخرى تحرص موسكو على الحفاظ على علاقتها مع دمشق، ولو بأشكال رمزية أو غير مباشرة.
الصين والفرص الاستثماريةلطالما قدمت الصين دعما غير عسكري للنظام السابق، وهو ما قد يعقّد علاقتها بدمشق. ومع ذلك، تسعى بكين إلى توسيع نفوذها في سوريا ما بعد حزب البعث.
ولما كانت سوريا بحاجة إلى مئات المليارات لإعادة الإعمار بعد 14 عاما من الحرب، فلن تكون في موقع يسمح لها برفض تمويل من الصين أو من دول أخرى تمتلك الموارد المالية، طبقا لمقال الصحيفة.
ولا يبدو أن دعم الصين وروسيا السابق للأسد قد أثار عداءً مفتوحا من القيادة الحالية، إذ تبدو دمشق منفتحة على التعامل مع أي دولة تسهم بشكل بنّاء في عملية إعادة الإعمار.
ومع أن درجة انخراط الصين في الشأن السوري لا تزال غير واضحة -كما يقول الكاتب- فإنها لا تقل طموحا عن منافستيها: أميركا وروسيا. ففرص الاستثمار الهائلة في إعادة إعمار سوريا تمثل دافعا أساسيا لبكين، التي تسعى إلى إدخال دمشق ضمن مبادرة "الحزام والطريق".
وتجلى هذا الاهتمام في اجتماعين رفيعي المستوى بين مسؤولين صينيين وسوريين في دمشق في 21 فبراير/شباط و26 مارس/آذار.
جورجيو كافيرو: دمشق التي تسعى إلى ترميم اقتصادها المنهار، تدرك أن بقاءها يعتمد جزئيا على دعم واشنطن، لكنها لا تريد الارتهان التام لها. السير على حبل مشدودرغم هذه التعقيدات، لا تبدو الحكومة السورية الحالية راغبة في الانجرار إلى صراع القوى العظمى أو أحلاف ثابتة أو خصومات حادة، كما ورد في تصريح السفير اللبناني السابق لدى كندا مسعود معلوف للصحيفة البريطانية.
ومن المرجح أن تظل دمشق منفتحة على أي جهة مستعدة للمساهمة في الإعمار، شرط ألا تفرض شروطا تمس جوهر السيادة السورية.
وختم كافيرو مقاله مشيرا إلى أن إعادة تموضع سوريا ما بعد الأسد، لا تُعد -في نهاية المطاف- إعلان ولاء بقدر ما هي محاولة مدروسة للبقاء، تسعى دمشق من خلالها الحفاظ على سيادتها "الهشة" في خضم التنافس المحتدم بين القوى العظمى.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات ترجمات
إقرأ أيضاً:
سوريا: اتفاق مبدئي على دمج «قسد» ضمن وزارة الدفاع
الحسكة (وكالات)
أخبار ذات صلةأعلن قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، التوصل إلى اتفاق مبدئي مع السلطات الانتقالية، حول آلية دمج قواته ضمن وزارتي الدفاع والداخلية، لافتاً إلى محادثات تجري حالياً بين الطرفين في دمشق.
ووقع عبدي والرئيس السوري أحمد الشرع اتفاقاً في 10 مارس، تضمّن بنوداً عدّة، على رأسها دمج المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في المؤسسات الوطنية بحلول نهاية العام، إلا أن تبايناً في وجهات النظر بين الطرفين حال دون إحراز تقدم في تطبيقه.
وعقد عبدي والشرع، الأسبوع الماضي، اجتماعاً في دمشق، بحضور المبعوث الأميركي إلى سوريا، توم باراك، وقائد القيادة الوسطى الأميركية في الشرق الأوسط «سنتكوم»، براد كوبر، في إطار مساعي واشنطن لدفع المحادثات قدماً.
وفي مقابلة داخل قاعدة عسكرية في مدينة الحسكة، قال عبدي أمس: «الجديد في مباحثاتنا الأخيرة في دمشق هو الإصرار المشترك والإرادة القوية للإسراع بتطبيق بنود» الاتفاق، مضيفاً: النقطة الأهم هي التوصل إلى تفاهم مبدئي فيما يتعلق بآلية دمج قوات سوريا الديمقراطية «قسد» وقوى الأمن الداخلي الكردية، في إطار وزارتي الدفاع والداخلية.
ووفق عبدي، يوجد حالياً، وفدان؛ عسكري وأمني من قواته في دمشق، لبحث آلية اندماجهما ضمن وزراتي الدفاع والداخلية.
وتضم قوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن التي بنتها الإدارة الذاتية تباعاً في مناطق نفوذها في شمال شرق سوريا قرابة 100 ألف عنصر.