شهدت تركيا، على مدار الأشهر الأخيرة، تحولات مهمة، يمكن حصرها في حدثين رئيسيين، أولهما؛ بدء إلقاء عناصر من حزب العمال الكردستاني أسلحتهم في شمال العراق، في 11 يوليو 2025، استجابةً للدعوة التاريخية التي أطلقها زعيم الحزب، عبدالله أوجلان، وثانيهما؛ تصعيد السلطات التركية ضغوطها على حزب الشعب الجمهوري المعارض، والمُستمرة منذ أواخر أكتوبر 2024، والحكم على رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، الموقوف منذ شهر مارس الماضي، في 16 يوليو الجاري، بالسجن لمدة سنة وثمانية أشهر بتهمة إهانة وتهديد المدعي العام لإسطنبول.

وهذان الحدثان لا يمكن فصلهما عن بعضهما بعضاً؛ إذ إنهما يندرجان في إطار مساعي الحكومة التركية لما يمكن وصفه بـ”إعادة هندسة” المشهد السياسي المُتشكّل في أعقاب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو 2023 والانتخابات البلدية في مارس 2024.

السلام مع الأكراد:

أُقيمت يوم 11 يوليو الجاري، في بلدة السليمانية بإقليم كردستان العراق، مراسم رمزية لبدء حزب العمال الكردستاني إلقاء السلاح؛ حيث ألقى نحو 30 رجلاً وامرأة من عناصر الحزب أسلحتهم عند مدخل كهف وتم إشعال النار فيها؛ وذلك في إشارة إلى بداية نهاية الصراع المُستمر مع الدولة التركية منذ ثمانينيات القرن الماضي، وخلف عشرات الآلاف من القتلى. وجاءت هذه الخطوة استجابة للدعوة التاريخية التي أطلقها زعيم الحزب، عبدالله أوجلان، من سجنه في جزيرة إيميرلي التركية، في فبراير الماضي، لحزب العمال الكردستاني بإلقاء السلاح وحل نفسه. وهي الدعوة التي كررها أوجلان، في 9 يوليو الجاري، في تسجيل مصور، هو الأول له منذ عام 1999، والذي أكد فيه “انتهاء الكفاح المسلح بشكل طوعي والانتقال إلى المرحلة القانونية والسياسة الديمقراطية”، مشيراً إلى ضرورة إنشاء آلية لإلقاء السلاح تُسهم في تحقيق تقدم في عملية حل التنظيم.

وقد جاء هذا التطور التاريخي عقب المبادرة التي أطلقها زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهشلي، حليف حزب العدالة والتنمية الحاكم، في أكتوبر 2024، للتصالح مع الأكراد؛ وذلك بدعوته زعيم حزب العمال الكردستاني، أوجلان، للتحدث في البرلمان وإعلان إنهاء وجود الحزب المحظور في تركيا، وترك السلاح. وهي المبادرة التي أيدها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، واعتبرها “فُرصة تاريخية” لإنهاء النزاع الذي تجدد بين تركيا وحزب العمال الكردستاني عقب انهيار عملية السلام عام 2015.

ضغوط على المعارضة:

بالتزامن مع مبادرة التصالح مع الأكراد، زادت الحكومة التركية، في أواخر أكتوبر 2024، ضغوطها على حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة. وحتى مطلع شهر يوليو الجاري، تم إلقاء القبض على أكثر من 500 من أعضاء وموظفي البلديات المنتمين للحزب، بينهم 14 رئيس بلدية؛ بتهم فساد. وتركزت التوقيفات في البلديات الكبرى التي يُديرها حزب الشعب الجمهوري، مثل إسطنبول، وأزمير، وأضنة، وأديامان، وأنطاليا. وكان إلقاء القبض على رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، المنافس الأبرز للرئيس أردوغان، في 19 مارس 2025، أحد أبرز هذه التوقيفات؛ وهو ما أجج احتجاجات في إسطنبول وعدة مدن تركية كانت الأكبر منذ عقد.

وجاء القبض على إمام أوغلو بعد يوم واحد من إلغاء جامعة إسطنبول شهادته الجامعية بسبب مخالفات، وذلك قبل أيام من اختياره مرشحاً عن حزب الشعب الجمهوري في انتخابات الرئاسة 2028؛ حيث تُعد الشهادة الجامعية شرطاً للترشح لهذه الانتخابات. وفي تحدٍّ للسلطات التركية، نظم حزب الشعب الجمهوري انتخابات رمزية، في 24 مارس الماضي، صوت فيها نحو 15 مليون شخص، منهم 13 مليوناً من خارج الحزب كإشارة تضامن مع إمام أوغلو، وأعلن الحزب في أعقابها رسمياً ترشيح أوغلو في انتخابات الرئاسة 2028، على الرغم من وجوده في السجن.

أهداف أردوغان:

ربما تسعى الحكومة التركية، من هذه الإجراءات، إلى “إعادة هندسة” المشهد السياسي الراهن الذي تمخض عن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو 2023؛ حيث حسم أردوغان هذه الانتخابات الرئاسية في الجولة الثانية، كما تراجع عدد المقاعد البرلمانية لحزب العدالة والتنمية، وهو ما تكرر في الانتخابات البلدية في مارس 2024؛ والتي تعرض فيها حزب العدالة والتنمية لأول هزيمة في تاريخه منذ وصوله إلى الحكم عام 2002، في مقابل تزايد شعبية حزب الشعب الجمهوري الذي حصل فيها على أعلى نسبة تصويت منذ عام 1977.

وقد تهدف عملية “إعادة الهندسة” إلى تعزيز فرص هيمنة الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية على الحكم، وذلك من خلال ما يلي:

1- تأمين المقاعد البرلمانية اللازمة لإعداد دستور جديد: عبّر الرئيس أردوغان، في أكثر من مناسبة، منذ عام 2021، عن رغبته في إعداد دستور جديد لتركيا بدلاً من الدستور الحالي الذي يصفه بـ”دستور الانقلابيين”؛ لأنه تم إعداده بعد الانقلاب العسكري عام 1980، بالرغم من خضوعه لـ18 تعديلاً منذ ذلك الوقت، كان 10 منها في عهد حكم حزب العدالة والتنمية. وأعاد أردوغان تأكيد هذه الرغبة، في 19 مايو الماضي، حين قال مخاطباً الشباب في أنقرة بمناسبة “يوم أتاتورك للشباب والرياضة”: “جميع رفاقنا يعملون حالياً على إعداد دستور جديد وسنواصل هذا العمل؛ لأن الدستور الحالي تم اعتماده عام 1982 ولم يعد يُلبي تحديات العصر الحديث”.

ويسعى أردوغان في الدستور الجديد إلى تغيير نظام انتخاب رئيس الجمهورية، بإلغاء شرط حصول المرشح على الأغلبية المطلقة (50%+1) حتى يفوز بالمنصب، والاكتفاء بفوزه بغالبية الأصوات؛ إذ يخشى حزب العدالة والتنمية من تكتل أحزاب المعارضة في المستقبل خلف مرشح رئاسي واحد في مواجهة مرشح الحزب الحاكم، مثلما فعلت المعارضة في انتخابات مايو 2023؛ ما قد يؤدي إلى خسارته منصب رئيس الجمهورية، الذي يُعد أهم منصب في تركيا منذ التحول إلى النظام الرئاسي.

بيد أن تمرير الدستور الجديد في البرلمان لعرضه على الاستفتاء الشعبي، يواجه تحدياً؛ إذ يُشترط، وفق المادة 175 من الدستور، تأييد ثلاثة أخماس إجمالي عدد أعضاء البرلمان (360 نائباً) لمشروع قانون تعديل الدستور لطرحه على الاستفتاء الشعبي؛ وهو ما يُشكل تحدياً أمام تحالف الشعب الحاكم (أحزاب العدالة والتنمية، والحركة القومية، وهدى بار)؛ حيث يبلغ عدد مقاعده في البرلمان 318 مقعداً؛ ما يفرض عليه الحصول على دعم أحزاب المعارضة التي تضع مجموعة من الشروط لدعم إعداد دستور جديد للبلاد، وعلى رأسها: العودة إلى النظام البرلماني القديم، والحفاظ على مبدأ علمانية الدولة، ورفض تعديل نسبة الفوز برئاسة الجمهورية.

وهنا يبرز أحد الأهداف الرئيسية من إعادة إحياء عملية السلام مع الأكراد؛ حيث يسعى الرئيس أردوغان لتأمين عدد المقاعد البرلمانية اللازمة لتعديل الدستور بالحصول على دعم حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، المؤيد للأكراد، الذي يمتلك 61 مقعداً في البرلمان، للدستور الجديد؛ ما يؤمن لأردوغان 379 مقعداً؛ وهو ما يتجاوز عدد المقاعد المطلوبة.

2- تهيئة البيئة القانونية لاحتمالية ترشح أردوغان لولاية رابعة: يشغل الرئيس أردوغان حالياً ولايته الأخيرة، وفق الدستور الذي يقصر مدد الرئاسة على ولايتين فقط، ومن المُفترض أن يترك الحكم بحلول عام 2028؛ لكن أردوغان ألمح للمرة الأولى لإمكانية ترشحه لولاية رئاسية رابعة، بعد فترة من التكهنات، خلال اجتماع لحزب العدالة والتنمية، في مدينة شانلي أورفا، في 11 يناير الماضي، حينما سأله المغني التركي الشهير إبراهيم تاتليس ما إذا كان يعتزم الترشح للرئاسة مرة أخرى، ليرد عليه أردوغان: “إذا كنت أنت مع ذلك، فأنا مع ذلك أيضاً”. ليعقبها بأيام تصريح المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية، عمر تشيليك، عقب اجتماع اللجنة التنفيذية للحزب برئاسة أردوغان، “بأن تمهيد الطريق أمام الرئيس للترشح لولاية رابعة على جدول أعمالنا”، مضيفاً: “بصفتنا داعمين لرئيسنا، سنفكر في صيغة لذلك”.

ولكي يتمكن الرئيس أردوغان من الترشح لولاية رابعة، هناك طريقتان: الأولى، نجاح عملية إعداد دستور جديد للبلاد؛ ومن ثم تصفير مدد الرئاسة ليترشح أردوغان وفق الدستور الجديد، كما حدث عقب التعديلات الدستورية عام 2017؛ حيث ترشح أردوغان وفق دستور 2017 لولايتين رئاسيتين جديدتين في 2018 و2023 بخلاف ولايته الأولى بين 2014 و2018. أما الطريقة الثانية، فهي تبكير موعد الانتخابات وتفعيل المادة 116 من الدستور، التي تنص على أنه “في حال اُتخذ قرار تجديد الانتخابات من قِبل الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا (البرلمان) خلال الولاية الثانية لرئيس الجمهورية، يجوز له الترشح للرئاسة مرة أخرى”؛ وهو ما قد يلجأ إليه حزب العدالة والتنمية في حال فشل إعداد دستور جديد.

3- منع حزب الشعب الجمهوري من خوض انتخابات الرئاسة 2028: ربما يكون هذا هو هدف الضغوط الحالية ضد الحزب المعارض، وذلك عبر حرمانه من كوادره الرئيسية والفاعلة في البلديات الكبرى وعلى رأسها إسطنبول، التي تُعد أكبر مدن تركيا من حيث عدد السكان وبمثابة عاصمتها الاقتصادية، وبما يُمكن حزب العدالة والتنمية من تمرير أجندته السياسية وتعزيز حظوظه في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

وربما يُعد سجن أكرم إمام أوغلو خطوة لتقليل فرص حزب الشعب الجمهوري في انتخابات الرئاسة المقررة عام 2028؛ حيث صعد نجم أوغلو في الساحة السياسية عقب نجاحه في الفوز برئاسة بلدية إسطنبول من حزب العدالة والتنمية عام 2019، وتزايدت شعبيته بصورة كبيرة عقب فوزه برئاسة بلدية إسطنبول للمرة الثانية على التوالي في انتخابات 2024، وبفارق أكبر عن انتخابات 2019، ليبدأ الحديث في عموم تركيا عن أنه قد يكون المرشح لخلافة الرئيس أردوغان، ويُشبه البعض المسيرة السياسية لإمام أوغلو بمسيرة أردوغان، الذي بدأ أيضاً مسيرته من إسطنبول. والجدير بالذكر أنه تم طرح اسم إمام أوغلو كمرشح رئاسي توافقي وبارز للمعارضة في مواجهة أردوغان، في انتخابات مايو 2023، لولا إصرار زعيم الشعب الجمهوري آنذاك، كمال كليجدار أوغلو، على الترشح.

4- حرمان المعارضة من ورقة الأكراد: منذ انهيار عملية السلام بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني عام 2015، اتجه الأكراد نحو التنسيق غير المُعلن مع أحزاب المعارضة، وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري، في الاستحقاقات الانتخابية، سواء رئاسية أم تشريعية أم بلدية؛ وهو ما مكّن الأخير من تحقيق نتائج إيجابية غير مسبوقة، وإلحاق الهزيمة بحزب العدالة والتنمية في بلديتي أنقرة وإسطنبول، لأول مرة منذ وصوله إلى الحكم عام 2002، ولمرتين متتاليتين في 2019 و2024؛ حيث سحب حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، المؤيد للأكراد، مرشحيه، وطالب ناخبيه بالتصويت بدلاً من ذلك لمرشحي الشعب الجمهوري. وقد جعل هذا الأمر البعض يُطلق على حزب الأكراد “صانع الملوك”؛ حيث إن موقفه يؤدي دوراً حاسماً في نتائج الانتخابات؛ وهو ما أدركه حزب العدالة والتنمية الذي يسعى الآن لتأمين أصوات الكتلة الكردية لصالحه وحرمان المعارضة منها.

في الختام، يمكن القول إن نجاح مسعى حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان لـ”إعادة هندسة” المشهد السياسي في تركيا، ربما يتوقف على نجاح عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني، وهي العملية التي تواجه عدة تحديات؛ أبرزها انعدام الثقة بين الجانبين، وعدم وضوح مدى استجابة قواعد الحزب الكردستاني كافة لدعوة أوجلان؛ إذ إن إنجاز هذا الملف يُعد خطوة مهمة لتأمين الصوت الكردي لصالح الأجندة السياسية لحزب العدالة والتنمية. أيضاً، يُعد موقف الشارع التركي عاملاً حاسماً في هذا الصدد، فمن المُحتمل تجدد الاحتجاجات مرة أخرى في ظل استمرار الضغوط على حزب الشعب الجمهوري المعارض، ومواجهة إمام أوغلو سلسلة من القضايا التي يفصل فيها القضاء.

” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”


المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: حزب العمال الکردستانی حزب العدالة والتنمیة حزب الشعب الجمهوری انتخابات الرئاسة الحکومة الترکیة أحزاب المعارضة الرئیس أردوغان بلدیة إسطنبول عملیة السلام یولیو الجاری فی البرلمان فی انتخابات مع الأکراد إمام أوغلو مایو 2023 على حزب الذی ی وهو ما

إقرأ أيضاً:

استهداف عناصر تأمين المساعدات.. سياسة الاحتلال لهندسة التجويع و"شيطنة" أي جهد مجتمعي

غزة - خاص صفا لا تزال قوات الاحتلال الإسرائيلي تتعمّد استهداف عناصر تأمين المساعدات التي تصل إلى قطاع غزة، في خطوة خطيرة تهدف إلى خلق بيئة من "الفوضى والنهب"، ولضرب أي محاولة للسيطرة المدنية على الوضع الإنساني المتدهور في القطاع. ومع استمرار حرب الإبادة الجماعية على القطاع، ارتكبت قوات الاحتلال مجازر بشعة بحق عناصر تأمين المساعدات، ما أدى لاستشهاد وإصابة المئات منهم. وتحوَّلت المساعدات الإنسانية، الّتي تمثِّل طوق نجاة لأهالي القطاع المحوّعين، إلى أداة قتل جماعي ومحطة استهداف لفرق تأمينها وحمايتها من النهب، في وقت تُسهل فيه سلطات الاحتلال سرقتها من قبل عصابات منظمة ومرتبطة بأجهزتها الأمنية. ومع تفاقم المجاعة، يواجه 2.4 مليون فلسطيني، غالبيتهم من الأطفال والنساء، خطر الموت جوعًا ومرضًا، بفعل استمرار الاحتلال في استخدام التجويع الجماعي كأداة ضمن جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة منذ 22 شهرًا. وبات أهالي القطاع يعيشون مرحلة المجاعة الكاملة (المرحلة الخامسة) والمجاعة الحادة (المرحلة الرابعة) حسب التصنيف الأممي، وفق تقارير موثقة صادرة عن برنامج الغذاء العالمي ومنظمة "الفاو". وحسب مؤسسات حكومية وحقوقية، فإن معظم شاحنات المساعدات التي دخلت غزة تعرضت للنهب والسطو ضمن فوضى أمنية مفتعلة، تتماشى مع سياسة "هندسة الفوضى والتجويع"، التي يسعى الاحتلال من خلالها لتفكيك المجتمع الفلسطيني وتجريده من مقومات البقاء. سياسة فوضوية مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة يقول إن الاحتلال يواصل استهداف عناصر التأمين في قطاع غزة بشكل متعمّد وممنهج، في إطار سياسة فوضوية هدفها تعطيل أي جهد فلسطيني رسمي أو مجتمعي يُسهم في تأمين قوافل المساعدات وضمان وصولها إلى مستحقيها. ويرى الثوابتة في حديث لوكالة "صفا"، أن هذا السلوك يعكس إصرار الاحتلال على تفكيك منظومة التنظيم الداخلي في القطاع وخلق بيئة فوضى ونهب، تمكّنه من الترويج لعدم وجود شريك فلسطيني موثوق للتعامل مع ملف الإغاثة، مما يخدم مخططاته بإعادة هندسة المشهد الإنساني بما يتوافق مع أجنداته الأمنية والسياسية. واستهداف عناصر التأمين، وفقًا للثوابتة، يُعد جريمة مكتملة الأركان وفق القانون الدولي الإنساني، لما له من تداعيات مباشرة على تعطيل توزيع المساعدات، وخلق حالة من الذعر والفوضى في صفوف المدنيين. ويضيف أن هذه الجريمة تأتي ضمن سياق أوسع من "الهندسة المقصودة للفوضى والتجويع" التي ينتهجها الاحتلال، لضرب أي محاولة للسيطرة المدنية على الوضع الإنساني، وإحلال عصابات النهب وعملائه مكان الجهات المسؤولة، بما يسهّل تمرير عمليات سرقة المساعدات وتشويه صورة المجتمع الفلسطيني. ويؤكد أن الاحتلال يستخدم العملاء واللصوص من أجل سرقة المساعدات والتعدي على حقوق الشعب الفلسطيني، في سلوك يعكس سياسة مركّبة ينتهجها لتجويع الفلسطينيين وتشويه و"شيطنة" أي جهد وطني مسؤول لتأمين الغذاء والدواء. ويوضح أن سلطات الاحتلال تعلن السماح بدخول مساعدات محدودة جدًا للقطاع، لكن في الواقع تسمح بمرورها عبر "مناطق حمراء" تُدار فيها عمليات النهب من قبل عصابات منظمة ومرتبطة بأجهزتها الأمنية". دعاية سياسية ووفقًا للثوابتة، فإن استهداف عناصر التأمين وتسهيل نشاط العصابات دليل واضح على رغبة الاحتلال في كسر أي بنية تنظيمية فلسطينية قادرة على إدارة الأزمة بشكل مسؤول وفعّال. ويتابع "ما يُطلق عليه الاحتلال (ممرات آمنة) ما هي إلا مناطق عسكرية مكشوفة تُستخدم كمصائد للفوضى والنهب". و"هذه الممرات تفتقر لأي ضمانات حقيقية أو إشراف دولي، وتتحول عمليًا إلى ساحات يتعرض فيها المدنيون والعاملون في المجال الإغاثي للاستهداف أو السرقة التي يرعاها وينظمها الاحتلال". يؤكد الثوابتة ويبين أن الهدف الأساسي منها ليس إنقاذ الوضع الإنساني، بل استخدام المساعدات كأداة دعاية سياسية، وإدارة مسرحية خداع للرأي العام العالمي، في حين تُترك غزة تغرق في الجوع والفوضى. ويحتاج القطاع يوميًا، إلى ما لا يقل عن 600 شاحنة إغاثة ووقود لتأمين الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية، في ظل انهيار شبه كامل للبنية التحتية واستمرار الحرب. ويحذر الثوابتة من ارتفاع معدلات الوفاة بسبب المجاعة وسوء التغذية في غزة، قائلًا: "هذه التحذيرات ليست مجرد تخوّفات، بل هي توصيف دقيق لحالة كارثية قائمة، لأنه وفق البيانات الطبية الرسمية، غزة دخلت فعليًا مرحلة متقدمة من المجاعة، وهي مرحلة كارثية". ويشير إلى أن آلاف الأطفال يعانون من الهزال الشديد، وسوء التغذية الحاد، والأمراض المصاحبة للجوع المزمن. وينبه إلى أن الموت الجماعي لم يعد احتمالًا، بل واقعًا يوميًا في بعض المناطق، والمسؤولية القانونية تقع بالكامل على الاحتلال الذي يتعمّد منع الغذاء والدواء عن السكان المدنيين. ويؤكد أن معدلات سوء التغذية الحاد وصلت إلى مستويات خطيرة جدًا، وبات الجوع يتهدد أكثر من 40,000 طفل دون سن العام الواحد. وبالتالي، فإن هؤلاء الأطفال يعانون من الهزال وسوء التغذية المزمن، وسط انهيار كامل في منظومة الرعاية الصحية ونقص حاد في حليب الأطفال والمكملات الغذائية. وفق الثوابتة جريمة كبرى ويقول: "نحن لا نُحذّر من مقتلة جماعية قادمة فحسب، بل نُسجّل بالفعل وقوعها بشكل متدرّج، ويزداد اتساعها يوميًا، حيث سجّلت مستشفيات القطاع وفاة 193 فلسطينيًا جراء الجوع وسوء التغذية، بينهم 96 طفلًا، مما يستدعي تدخلًا دوليًا عاجلًا لإنقاذ ما تبقّى من حياة". ويشدد على أن "إسرائيل" تسعى لإعادة تشكيل صورة الواقع الإنساني في غزة بما يخدم أهدافها الاستراتيجية، وذلك عبر الترويج الكاذب بأن المساعدات تصل، بينما تُدار على الأرض عملية منهجية لخلق بيئة فوضوية تُسقط الثقة في الجهات الفلسطينية وتُسلّم ملف الإغاثة إلى عناصر إجرامية. ويبين أن هذه الازدواجية تسعى لتحقيق ثلاثة أهداف هي: تبرئة الاحتلال أمام العالم، وتحميل الشعب الفلسطيني مسؤولية المجاعة، وتبرير استمرار الحصار كضرورة أمنية. ومن وجهة نظره، فإن الترويج الممنهج لدخول المساعدات هو جزء من "بروباغندا الخداع" التي تُخفي وراءها جريمة تجويع كبرى تُنفّذ بدمٍ بارد وعلى مرأى من العالم.

مقالات مشابهة

  • جبل الأكراد باللاذقية يستعيد نشاطه الزراعي مع عودة الأهالي للقرى المحررة
  • العدالة والتنمية يطلق لقاءات شعبية لشرح رؤية “تركيا بلا إرهاب”
  • استهداف عناصر تأمين المساعدات.. سياسة الاحتلال لهندسة التجويع و"شيطنة" أي جهد مجتمعي
  • من هو رئيس الأركان التركي الجديد؟
  • نجاة عبد الرحمن تكتب: تيك توك.. حين يتحوّل الترفيه إلى أداة لهندسة وعي الشعوب
  • أردوغان يعين سلجوق بيرقدار أوغلو رئيسا للأركان ويجري تغييرات بقيادة الجيش
  • محافظ الدقهلية: إقبال مشرف من المواطنين.. ومشاركة الشعب كانت الرد الأقوى
  • رئيس هيئة العدالة السورية: سنلاحق كل من أجرم بحق الشعب بمن فيهم حزب الله
  • اتجاهات مستقبلية