المقرِّر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء لـ«الأسبوع»: إسرائيل تُجوِّع غزة «عمدًا»
تاريخ النشر: 7th, August 2025 GMT
- حكومة نتنياهو تتحمّل مسؤولية جنائية واضحة والشهادات والاستغاثات تؤكّد المجاعة
- إسرائيل كاشفت العالم بإبادة جماعية عندما حرمت المدنيين من الغذاء قبل 20 شهرًا
- وفاة أطفال فلسطينيين من الجوع مؤشّر لا لُبس فيه على دخول مرحلة المجاعة الفعلية
- تاريخيًّا نحن أمام واحدة من أسرع وأوسع الأزمات الغذائية والهدف استعماري
- ما يحدث كارثة من صنع الإنسان وإسرائيل تستخدم الحرمان الغذائي منذ 25 عامًا
- إسرائيل تُعرقل دخول الخبراء وتمنع البيانات والردّ الدولي مجرّد تصريحات
حذّر المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء، مايكل فخري، من «التدهور الكارثي للوضع الإنساني في قطاع غزة»، واصفًا، خلال حديث خاص لـ«الأسبوع»، من مقر إقامته في ولاية أوريجون الأمريكية، ما يجري في القطاع بأنه «أسرع وأكثر حملات التجويع شمولًا في التاريخ الحديث».
وقال إننا أمام «حالة مجاعة فعلية وممنهجة ناجمة عن أفعال بشرية متعمدة، وإن سياسة التجويع تُستخدم كسلاح ضد المدنيين الفلسطينيين»، محمّلًا إسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، «المسئولية القانونية الكاملة عن منع وصول الغذاء والمساعدات»، وسط «تقاعس المجتمع الدولي في وقف هذه الكارثة».
وطالب فخري بـ«فرض عقوبات فورية، ومرافقة إنسانية محمية دوليًا، لضمان الحد الأدنى من الكرامة والحياة للسكان المحاصرين»، وخلال حديثه الصادم، لم يترك مجالًا للَّبس: «إسرائيل أعلنت نيتها تجويع المدنيين، وتنفذ ذلك بدقة مروعة، عبر استخدام الجوع كسلاح حرب، سواء حرمان الأطفال من الحليب، إلى وفاة الرضّع جوعًا، ومن منع المساعدات إلى حصار كامل طال كل شيء».
أكبر من المجاعةوعن كيفية تصنيف الأمم المتحدة للوضع الحالي في غزة، وهل يشهد حالة مجاعة؟ أكد «فخري» أن الوضع بلغ مستوى «غير مسبوق من التدهور»، مشيرا إلى أن السلطات الإسرائيلية «أعلنت بشكل علني، في 9 أكتوبر 2023، نيتها تجويع السكان الفلسطينيين في القطاع، وهي سياسة باتت واضحة في تطبيقها الميداني، وبحلول ديسمبر ويناير، كانت مؤشرات الجوع قد شملت تقريبًا جميع السكان»، ما دفعه (إلى جانب خبراء آخرين في مجال حقوق الإنسان)، إلى الإعلان في يونيو أن غزة تشهد «مجاعة فعلية».
وحول تقييم شبكة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، باعتبارها الجهة الأعلى المعنية بتحديد مراحل انعدام الأمن الغذائي عالميا، يوضح فخري أن «إعلان المجاعة وفق معايير هذه الشبكة يستند إلى ثلاثة شروط يجب أن تتحقق مجتمعة، لكن الإشكالية الكبرى تكمن في أن هذه المعايير تعتمد على بيانات ميدانية دقيقة، وهي بيانات يصعب جدًا الحصول عليها في غزة في ظل رفض إسرائيل السماح بدخول خبراء مستقلين أو توفير معلومات موثوقة».
وبين أن هذا يجعل أي تقديرات تصدر عن الشبكة «أقل بكثير من الواقع الفعلي على الأرض»، ومن منظور حقوق الإنسان، يشير فخري إلى أن «الخبراء لا ينتظرون تحقق هذه المعايير الحرفية لإعلان المجاعة، بل يعتمدون على شهادات السكان أنفسهم، الذين يعرفون تمامًا متى يهددهم الجوع، ويشعرون بآثاره في حياتهم اليومية، ويرى أن المؤشر الحاسم دومًا هو وفاة الأطفال، لأنها تشير إلى انهيار تام في قدرة الأسر والمجتمع على توفير الحد الأدنى من الغذاء».
وأضاف أن «وفاة الأطفال بسبب الجوع أو سوء التغذية تمثل مأساة كان من الممكن منعها. وعندما يبدأ الأطفال بالموت، فإن ذلك يعني أن المجتمع بأسره يعيش انهيارًا بنيويًا في منظومته الاجتماعية والاقتصادية، وأن المجاعة قد وقعت بالفعل».
مسئولية جنائية واضحةوتفسيرا لوصفه الوضع في غزة بأنه «مجاعة من صنع الإنسان»، يرى المسئول الأممي رفيع المستوى، أن الوصف «لا يحمل أي غموض، بل يشير بشكل مباشر إلى وجود مسئولية جنائية واضحة عن هذه الكارثة، وأن إسرائيل لم تُخفِ نيتها، بل أعلنتها صراحة منذ بداية العدوان»، مستشهدًا بتصريح محدد لرئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، مطلع مارس 2024، بأنه «لن يُسمح بدخول أي طعام أو مياه أو مساعدات إنسانية إلى غزة».
وقال «فخري» إن هذا ما جرى تنفيذه حرفيًا، إذ أُغلقت المعابر بشكل كامل لمدة 78 يومًا، بين 2 مارس و19 مايو، ويشدد فخري على أن «سياسة تجويع السكان في غزة ليست طارئة أو عابرة، بل هي جزء من منهج طويل الأمد امتد لأكثر من 25 عامًا، قامت خلاله إسرائيل بفرض حصار ممنهج على القطاع، وبتأسيس نظام تجويع فعّال يبقي السكان في حالة جوع دائم».
وتابع: «أحيانًا كانت هذه السياسة تُنفذ عند الحد الأدنى لتفادي الإدانات الدولية، لكن في أوقات أخرى، كما هو الحال الآن، يتم تصعيدها لتتحول إلى أداة عقاب جماعي وضغط سياسي مباشر على المدنيين، ومن وجهة نظر القانون الدولي الإنساني، لا توجد أي مبررات، قانونية كانت أو أخلاقية، تسمح بتجويع المدنيين».
وقال فخري إن «نية المسئولين الإسرائيليين واضحة تمامًا، وإن ما يُمارس بحق الفلسطينيين في غزة يتم بشكل ممنهج وموثّق، وهو ما يرقى بوضوح إلى جريمة حرب، ولهذا السبب، لم يكن مفاجئًا بالنسبة له أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق كل من نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف جالانت».
وبيّن أن «المذكرات تضمّنت اتهامات بارتكاب جريمة حرب متمثلة في استخدام التجويع كسلاح ضد السكان المدنيين، وهذا القرار يشكّل سابقة قانونية مهمة في تاريخ المحكمة، حيث تُعدّ المرة الأولى التي تُصدر فيها المحكمة مذكرة توقيف بتهمة جريمة التجويع، ما يعكس فداحة الوضع في غزة، والطابع الممنهج والمتعمد للانتهاكات المرتكبة».
هندسة التجويع الممنهجوفيما يخص الحصار والتزامات إسرائيل كقوة احتلال، قال المسئول الأممي لـ«الأسبوع»، إن «إسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، تتحمل المسئولية القانونية الكاملة بموجب القانون الدولي لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين الفلسطينيين في غزة، بشكل آمن وفعّال، وبما يضمن حدًّا أدنى من الكرامة في ظل الاحتلال، لكن ما يحدث على الأرض عكس ذلك تمامًا، وبدلًا من الوفاء بهذه الالتزامات، تقوم إسرائيل بدور نشط في هندسة التجويع الممنهج لسكان القطاع، في انتهاك مباشر وصارخ لكافة القواعد الإنسانية».
ويشير فخري إلى أن الأخطر من هذا كله إعلان إسرائيل دوافعها علنًا، فالغرض النهائي من هذه السياسات، كما يوضح، هو الاحتلال الدائم ثم ضمّ قطاع غزة، وتُظهر التصريحات الإسرائيلية، بحسب فخري، أن الاستراتيجية تتعمد إضعاف السكان، ودفعهم إلى النزوح القسري، واستهدافهم بالقتل الجماعي، تمهيدًا لتفريغ القطاع وفرض الضم الكامل.
ويخلص إلى أن «سياسة التجويع هذه لا تمثل مجرد إخلال بالواجبات القانونية، بل إنها تمثّل جزءًا من مشروع استيطاني- سياسي أوسع، يرقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية وجريمة إبادة جماعية وفق ما ينص عليه القانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية».
سلبية العلم المسبقوعن تقيّم المسئول الأممي لموقف المجتمع الدولي من الإبادة والتجويع في غزة، يؤكد أن الأمم المتحدة وجميع الدول الأعضاء كانت على علم مسبق بنيّة إسرائيل ارتكاب إبادة جماعية وشنّ حملة تجويع ممنهجة ضد الفلسطينيين، منذ أكثر من عشرين شهرًا، ورغم هذا العلم، فإن ردّ الفعل الدولي، كما يقول، جاء متأخرًا جدًا، وظلّ محدودًا في نطاق التصريحات السياسية والإدانات اللفظية، دون اتخاذ خطوات حقيقية للضغط على إسرائيل من أجل وقف هذه السياسات.
ويشير فخري إلى أن ما شهده العالم خلال الأشهر العشرين أو الواحد والعشرين الماضية لم يتجاوز بعض التحركات الدبلوماسية المحدودة، باستثناء خطوة واحدة ذات أهمية حقيقية تمثلت في الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، ويشدد على أن ما يجب أن يحدث الآن، وبشكل فوري، هو فرض عقوبات سياسية واقتصادية شاملة على إسرائيل، عقوبات تترجم ميدانيًا إلى تبعات قانونية ودولية واضحة على سياساتها تجاه الشعب الفلسطيني، بدءًا من التجويع الممنهج وصولًا إلى الإبادة الجماعية.
وفي ضوء ما كشفه المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء، مايكل فخري، تتبدّى ملامح مأساة تتجاوز المجاعة بمفهومها التقليدي، لتدخل في نطاق الجرائم الدولية الكبرى، بما فيها جرائم الحرب والإبادة الجماعية، فما يجري في غزة ليس فقط كارثة إنسانية عابرة، بل سياسة ممنهجة ومعلنة، تُدار بوعي كامل من قبل قوة احتلال تجاه شعب محاصر ومنكوب.
وفي ظل صمتٍ دولي يصل حد التواطؤ، تبدو الحاجة ماسّة لتحرك فوري وحاسم من المجتمع الدولي، لا يكتفي بالإدانة، بل يترجم هذه الإدانة إلى أفعال ملموسة، تفرض المحاسبة وتضع حدًا لهذه الانتهاكات الجسيمة، فالصمت عن التجويع هو مشاركة فيه، والتقاعس عن وقف هذه السياسات هو تقويض لما تبقى من قيم العدالة والإنسانية في هذا العالم.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: فلسطين الأمم المتحدة جريمة حرب مايكل فخري فی غزة إلى أن
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة: المدنيين في دارفور وكردفان ما زالوا يواجهون عنفا متصاعدا وعشوائيا
الأمم المتحدة حثت على تكثيف الدعم الدولي لتصل المساعدات المنقذة للحياة إلى الذين هم في حاجة ماسة إليها في أنحاء السودان.
التغيير: وكالات
حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، من أن المدنيين في منطقتي دارفور وكردفان ما زالوا يواجهون عنفا “متصاعدا وعشوائيا”، وجدد دعوته لجميع أطراف النزاع في السودان إلى “وقف الهجمات على المدنيين فورا، والالتزام بالمبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني المتمثلة في التمييز والتناسب والاحتياط”.
وأشار نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق في المؤتمر الصحفي اليومي في نيويورك، إلى تفاصيل جديدة نقلا عن مصادر محلية تشير إلى ارتفاع كبير في عدد الضحايا المدنيين جراء الهجوم باستخدام طائرة مسيرة الذي استهدف بلدة كتيلا يوم الاثنين. وتقع كتيلا على بعد حوالي 150 كيلومترا جنوب غرب مدينة نيالا، في ولاية جنوب دارفور.
وقال حق إن الهجوم، الذي استهدف موقعا تحت سيطرة قوات الدعم السريع، “يؤكد الأثر المدمر لتكثيف الهجمات الجوية على المدنيين”.
كما تطرق أيضا إلى الوضع في ولاية جنوب كردفان، حيث تشير الهجمات باستخدام الطائرات المسيرة على العاصمة كادقلي ومحيطها، ومدينة الدلنج، إلى تدهور سريع في الوضع الأمني.
ووفقا للمنظمة الدولية للهجرة، نزح أكثر من 1300 شخص بين يومي الاثنين والأربعاء من هذا الأسبوع في أنحاء الولاية بسبب انعدام الأمن والتوترات بين المجتمعات المحلية، والذين فروا من قرى في مناطق كادقلي، وتلودي، والعباسية.
الوضع في الخرطومأما بالنسبة لولاية الخرطوم، فقال حق إن نتائج تقييم حديث أجرته إحدى المنظمات الشريكة للأمم المتحدة لأكثر من 1200 أسرة أشار إلى “انعدام حاد في الأمن الغذائي، ناجم عن ارتفاع الأسعار بنسبة تصل إلى 500% وانهيار سبل العيش على نطاق واسع”.
وأضاف: “تعتمد العديد من الأسر الآن على استعارة الطعام، أو تفويت وجبات الطعام، أو بيع ما تبقى لديها من ممتلكات للبقاء على قيد الحياة. ندعو مجددا إلى وصول المساعدات الإنسانية بشكل سريع وآمن ودون عوائق ومستدام إلى جميع أنحاء السودان”.
وقال حق إن الأمم المتحدة وشركاءها يعملون على توسيع نطاق المساعدات النقدية والقسائم، ويقدمون مدخلات زراعية طارئة ودعما للثروة الحيوانية لـ 64 ألف أسرة زراعية وعشرة آلاف أسرة من مربي الماشية، وحث المجتمع الدولي على تكثيف الدعم “حتى تصل المساعدات المنقذة للحياة إلى الأشخاص الذين هم في حاجة ماسة إليها في جميع أنحاء السودان”.
الوسومالأمم المتحدة الخرطوم الدعم السريغ السودان القوات المسلحة المجتمع الدولي الهجمات الجوية انعدام الأمن الغذائي دارفور كتيلا كردفان