انقلاب الغابون يعصف بنصف قرن من حكم عائلة بونغو
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
أعلنت مجموعة من كبار العسكريين في الجيش الغابوني يوم الأربعاء 30 أوت 2023 استلاءها على السلطة وإلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية، منهية حكم عائلة علي بونغو المتواصل منذ 55 سنة.
وقال قادة الانقلاب في خطابهم من داخل القصر الرئاسي إنهم يمثلون جميع قوات الأمن والدفاع في الغابون، وإن إقدامهم على تنحية بونغو ساعات بعد فوزه بولاية ثالثة ووضعه رهن الإقامة الجبرية رفقة عائلته غايته إنقاذ البلاد.
وتسارعت وتيرة الأحداث بعد إعلان فوز بونغو رسميا في الانتخابات الرئاسية، في الغابون الدولة الصغيرة الغنية بالنفط، بحصوله على 64,27% من الأصوات فجر الأربعاء، وسرعان ما ظهرت مجموعة تضم نحو 12 عسكريا عبر شاشة محطة "غابون 24" من القصر الرئاسي، أعلنت أن قوات الدفاع والأمن المجتمعة ضمن لجنة المرحلة الانتقالية وإعادة المؤسسات قرّرت الدفاع عن السلام من خلال إنهاء النظام القائم وإلغاء الانتخابات العامة ونتائجها.
وتقرّر إثر ذلك حلّ كل المؤسسات من حكومة ومجلس شيوخ وجمعية وطنية ومحكمة دستورية وإغلاق حدود البلاد حتى إشعار آخر.
من قاد الإنقلاب العسكري؟
الإنقلاب قادته عناصر من الحرس الجمهوري من المكلفين بحماية الرئاسة وجنود من الجيش وعناصر من الشرطة وأربعة ضباط كبار: اثنان من الحرس الجمهوري واثنان من الجيش.
وقد صرّح الجنرال بريس أوليغي نغيما، قائد الحرس الجمهوري أن علي بونغو أصبح رئيسا متقاعدًا ويتمتع بجميع حقوقه كمواطن.
الرئيس الغابوني يوجّه نداء استغاثة
ساعات بعد الانقلاب، انتشر مقطع فيديو للرئيس المُطاح به علي بونغو على موقع ''اكس''، وجّه من خلاله نداء استغاثة من مقرّ إقامته.
ودعا العالم إلى التحرك ضدّ من قاموا باعتقاله وإدخال البلاد في حالة من الفوضى، مشيرا إلى أنّ ابنه محتجز وزوجته مفقودة.
ردود أفعال دولية بعد الانقلاب
بعد البيان الأوّل الذي تلاه الضباط من القصر الرئاسي لإعلان إلغاء الانتخابات وحل مؤسسات الدولة وإغلاق حدود البلاد حتى إشعار آخر، تواترت ردود الأفعال الدولية.
ووصف مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي "جوزيب بوريل" ما يحدث في الغابون بـ''المشكلة الكبيرة لأوروبا واضطراب جديد سيؤثر على كلّ المنطقة''.
كما عبّر المتحدث باسم الحكومة الفرنسية عن إدانة بلده للانقلاب في الغابون، داعيا إلى احترام نتائج الانتخابات.
بدورها دعت الخارجية الإيطالية رعاياها إلى توخي الحذر، قائلة إنها تراقب التطورات.
أما الخارجية الصينية فقد شدّدت على ضرورة العودة إلى النظام الطبيعي فورا وضمان سلامة الرئيس علي بونغو.
أيضا عبرت موسكو عن قلقها بسبب الأحداث في الغابون، مشيرة إلى أنها تراقب الوضع عن كثب.
من هو الرئيس علي بونغو ؟
علي بونغو (64 سنة) رأس الغابون منذ 14 سنة.
تلقى تعليمه الجامعي في القانون في جامعة السوربون بفرنسا، كان شغوفا بالرياضة وبالموسيقى الكلاسيكية والجاز مما دفعه إلى إصدار ألبوم سنة 1977 بعنوان "A Brand New Man"
وبعد 4 سنوات من إصدار أغانيه، انتقل إلى السياسة وعاد إلى بلده وسط أفريقيا حيث تولى وزارة الخارجية إلى غاية 1989 ثم وزارة الدفاع طيلة 10 سنوات قبل أن يرث الحكم بعد وفاة والده عمر بونغو أونجيمبا سنة 2009 الذي قاد بدوره البلاد لأكثر من 41 عاما.
وفاز بونغو الإبن، مرشّح الحزب الديمقراطي الغابوني الحاكم، بولاية ثانية بعد انتخابات 2016 لتوجّه له اتهامات بتزوير النتائج.
هذه الاتهامات طفت على السطح مجددا في الانتخابات الأخيرة التي جرت يوم السبت 26 أوت 2023 وشملت ثلاثة اقتراعات رئاسية وتشريعية وبلدية في دورة واحدة، واعتبرت المعارضة أنّ "معسكر بونغو" تدخل في مراكز الاقتراع وغيّر النتائج خاصة أن الرئيس كان غائبا عن الساحة السياسية منذ 2018 بسبب جلطة دماغية تعرّض لها وتم التشكيك حتى في قدرته على إدارة البلاد.
وتلاحق الانتقادات عائلة بونغو التي تحكم الغابون منذ 55 سنة، سواء من المعارضة أو من المنظمات الحقوقية، لا سيما بعد قيام الشرطة الفرنسية بتحقيق استغرق 7 سنوات كشف امتلاك العائلة لعشرات العقارات والسيارات الفارهة في فرنسا.
موجة الانقلابات تجتاح القارة السمراء
خلال السنوات الثلاث الأخيرة، شهدة دول غرب افريقيا سبعة انقلابات آخرها في الغابون.
* النيجر: 26 جويلية 2023 قامت مجموعة من الحرس الرئاسي باحتجاز الرئيس محمد بازوم وأعلن قائد الحرس الرئاسي الجنرال عبد الرحمن تشياني نفسه قائدًا للمجلس العسكري الجديد. ويُعد هذا خامس انقلاب عسكري منذ حصول البلاد على استقلالها عام 1960.
* بوركينافاسو: انقلاب أوّل في الأسبوع الأخير من شهر جانفي 2022 في بوركينا فاسو بقيادة العقيد بول هنري زامبيا وتلاه انقلاب في غينيا بيساو في أكتوبر 2023.
* مالي: في أوت 2022 قام عناصر الجيش باعتقال الرئيس باه نداو، ورئيس الوزراء مختار أواني ووزير الدفاع سليمان دوكوري. أعلن عاصمي غوتا رئيس المجلس العسكري الذي قاد الانقلاب أن انتخابات جديدة ستُجرى. وهذا ثالث انقلاب في البلاد في عشر سنوات، بعد الانقلاب العسكري في عامي 2012 و2020.
* السودان: في أكتوبر 2021 انقلاب عسكري قام به الجيش ضد الحكومة المدنية. واعتُقل ما لا يقل عن خمسة من كبار الشخصيات في الحكومة السودانية، بمن فيهم رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك.
* غينيا: في سبتمبر 2021 هو انقلاب عسكري قامت به عناصر في وحدة المهام الخاصة في الجيش بقيادة مامادي دومبوي أسفر عن إلقاء القبض على رئيس غينيا ألفا كوندي بعد إطلاق نار في العاصمة الغينية كوناكري، تم إثره الحكومة ووقف العمل بالدستور وإغلاق حدود البلاد.
وتجتاح موجة الانقلابات القارة السمراء بسبب ما فسّره خبراء بضعف الاقتصاد والاضطرابات الأمنية إلى جانب غياب الديمقراطية وطول فترة الحكم.
ويبدو أن هذه الانقلابات غيرت من المشهد الإفريقي لكنها لم تأت في صالح فرنسا التي بدأت تفقد نفوذها الاقتصادي في القارة السمراء، ممّا سمح بفتح الباب أمام قوى أخرى أبرزها روسيا والصين.
ويبقى السؤال المطروح: هل ستقف موجة الانقلابات عند هذا الحدّ أم هناك دول أخرى مرشحة لتشهد انقلابات على أنظمة الحكم ؟
المصدر: موزاييك أف.أم
كلمات دلالية: فی الغابون علی بونغو انقلاب فی
إقرأ أيضاً:
سلطة الصورة في توثيق الإبادة
(1)
نُشر على وسائط التواصل الافتراضي (فيسبوك) هذا الخبر العادي اليومي المتكرر حدوثه في غزة: «عائلة السلطان من بيت لاهيا استشهدوا جميعهم، ولم يبق منهم أحد».
تُظهر الصورة لحظة حميمة لعائلة فلسطينية دافئة حول موقد نار صغير، في فناء بيتهم البسيط، رغم تواضع المكان، يبدو الدفء الإنساني حاضرا: وجوه باسمة، أجيال مختلفة (الجد، الأبناء، والأحفاد)، التفاف حول النار لا لمجرد الدفء الجسدي، بل للدلالة على الترابط. صورة تشبه الحياة اليومية العادية لأي عائلة، قبل أن تتحول إلى سجل موتى.
ماذا يعني أن تباد عائلة بأكملها؟ مَن يكتب سجلهم؟ من يذكر أسماءهم؟ مَن سيحكي قصتهم. إنه محو للذاكرة والنسب والتاريخ، وهو ما يجعلنا نعود مجددًا إلى فكرة أن الصورة وثيقة كالسجل، تصبح أداة مقاومة ضد النسيان والمحو. لكن ما يجعل الصورة مفجعة، هو معرفتنا بما حدث لاحقا: كل مَن في الصورة استُشهد. ما كانت لحظة للتوثيق العائلي، تحولت إلى صورة وداع جماعي أخير.
(2)
سوزان سونتاغ الكاتبة والناقدة الثقافية الأمريكية، لها كتابان مهمان تناقش فيهما وظيفة صور الحرب والموت وما تخلفه آلة المحو الضروس من معاناة. الكتابان هما: «حول الفوتوغرافيا - 1977م»، و«بالنظر إلى ألم الآخرين - 2003م».
تطرح سوزان بعض تأملاتها فتكتب: «نحنُ نُخَدَّر بالصور، لكنها لا تخلق بالضرورة فهمًا أعمق». هذا ما يحدث معنا على نحو من الأنحاء إزاء نشرنا لصور مختلفة عن الإبادة في غزة. إننا لا نقاوم النشر في وسائط التواصل المتاحة، تارة نشعر أننا يجب أن نفعل ذلك، أن نتحدث عنهم، أن نذكرهم، لأن سلطة عمياء تريد لنا أن ننساهم. وتارة نشاهد مئات الصور من ضحايا التجويع والتهجير، دون أن نفعل شيئا. الخطر هو أن تكرار نشر الصور يصنع بلادة أخلاقية.
(3)
في سياق السياسة الحيوية Biopolitics لدى ميشيل فوكو، تفضح صور الإبادة مدى فاعلية أن «الصور ليست مجرد تذكارات، إنها أدوات للسلطة». مقولة سونتاغ تربطنا بسلطة الصورة في توثيق الإبادة بما طرحه فوكو.
يشير مصطلح السياسة الحيوية بحسب جوديث ريفال (معجم ميشيل فوكو- ترجمة الزواوي بغوره-2018م) إلى ضبط ومراقبة حياة السكان بعدد من الإجراءات الانضباطية. في الحروب الحديثة، السلطة لا تمارس نفسها فقط على الحياة، بل على قرار من يَستحق أن يعيش، ومَن يُمكن أن يُترك ليموت.
وفق صورة «عائلة السلطان من بيت لاهيا»، تغدو الصورة جزءًا من الحقل السياسي للدول... تصبح مرآة لقرار الدولة أو النظام القاضي بإخراج فئة بشرية وحرمانهم من الحق في الحياة.
يُبين فوكو أن السياسة الحيوية «تُمثِل لحظة الانتقال من السياسة إلى الأخلاق». تكشف الصورة عن قوة القرار السياسي والعسكري الذي يُمارس، ويَفرض سلطته في قتل من استبعد من الحق في الحياة. أما في سياق الحرب والأخلاق، تشير ريفال إلى عبارة (كلاوزفيتز)؛ المشهورة: «الحرب استمرار للسياسة بوسائل أخرى»، فقَلَبَها ميشيل فوكو في سياق قطع العرب النفط على أوروبا عام 1973م بداعي الحرب على إسرائيل! إلى عبارة: «السياسة هي استمرار للحرب بوسائل أخرى».
(4)
صورة عائلة «السلطان من بيت لاهيا»، ستكون تذكارا سيستثمره المبدعون والرواة في الحكيّ عن بشاعة الساسة، وتحكّم رأس المال.
ستهتم السياسة الحيوية بإنتاج المعرفة القائمة على عدد الضحايا والمُصابين. إن استمرار الحرب يجعل استدامة عمل المؤسسات العسكرية والمصارف العالمية حيويا.
إن الحرب تقف وراء ميلاد الدّول (بولانفلييه)، ولا تقدر هذه التفكير في حالة الوجود في اللاحرب.
(5)
منذ بدء الحرب في غزة، ذكرت وزارة الصحة الفلسطينية، إن أكثر من 1200 عائلة أُبيدت بالكامل. لم ينجُ فردٌ واحد ليُكمل النَسب، أو ليحمل اللقب، أو ليوقّع في سجل الحضور اليومي للحياة. فكرة محو السجل العائلي من الوجود مرعبة. إن موت إنسان كنا نعرفه، نتأثر لغيابه، فما بالنا بفكرة غَلق القيد من السجل المدني دون ورثة. تحمل دفاتر العائلة، في ظاهرها، لغة بيروقراطية باردة: الاسم، تاريخ الميلاد، اسم الأم، رقم القيد. لكنها، في عمقها، سردية حياة كاملة: الاسم، الرقم المدني، مكان الميلاد، جهة الإصدار، التوقيع. يكوّن هذا فكرة عن امتداد العروق والأنساب في شجرة تضرب جذورها في الأرض، وتمتد أغصانها نحو المستقبل. حين تُباد عائلة فلسطينية بكاملها، لا يُمحى جسد فقط، بل تمحى سلالة، وشهادة ميلاد للغد.
في هذا السياق، تظهر أهمية مسرح الوثيقة السياسية؛ لون مسرحي مُهمل. لا يكتفي بالمخيلة الدرامية، بل يستنطق الوثائق الحقيقية: صور الشهداء، قوائم الأسماء، تقارير الطب الشرعي، شهادات الناجين، مقاطع الفيديو، السجلات الرسمية. لا يبتدع المسرح هنا حبكة، بل يُعيد ترتيب الفجائع بصريًا وسمعيًا، ليواجه الجمهور بحقائق مُجسّدة، محاكمًا البُنى السياسية والرمزية التي صنعت المجزرة وأخرى صمتت عن الإبادة.
في هذا السياق، أتذكر بعض الأمثلة التي وثقت المجازر وثائقيا: مسرحية The Investigation (التحقيق) لبيتر فايس، التي استندت إلى محاضر محكمة فرانكفورت التي حاكمت الضباط النازيين عن مجازر أوشفيتز. ومسرحية Ruined لين نوتيج، الولايات المتحدة التي وثقّت جرائم الاغتصاب الجماعي ضد النساء في الكونغو، بالاعتماد على شهادات حقيقية. ومسرحية «سبايا»، العراق/ألمانيا للمخرج أنس عبدالصمد، وتسرد مأساة الإيزيديات المختطفات من قبل داعش، معتمدة على شهادات حية.
إن تجربة المسرح التسجيلي أو المسرح الوثائقي Documentary Theatre العالمية من التجارب الأكثر نضجًا.
هناك عروض لفرقة Tricycle Theatre في المملكة المتحدة، استندت إلى مقابلات مع معتقلين ومحامين وأهاليهم، محولة الوثائق القانونية إلى دراما مكثفة تثير الرأي العام. وفي أمريكا اللاتينية، تميزت الأرجنتين بتجارب وثائقية مسرحية عن المفقودين خلال الحُكم العسكري، حيث استخدمت الأمهات في «ساحة مايو» المسرح كمنصة لرواية قصص أبنائهن، وعرض سجلات المفقودين حرفيًا، وقراءتها أمام الجمهور كفعل احتجاجي وطقسي معًا.
أريد الإشارة هنا، إلى تجربة الكاتبة مروة مهدي عبيدو، وتقديمها لفكرة «مسرح اللجوء»، و«فضفضة» وهو عبارة عن (ورش حَكي نسوي)، حيث يُسمع قصص نساء هاجرن بسبب الحروب، وعانين من أنواع مختلفة من الاضطهاد، في محاولة الاندماج في ألمانيا.
(6)
المسرح في فلسطين يواجه تحديا وجوديا كبيرا. إذ ليس عليه تقديم سردياته عن الحروب فقط، بل أن يوثق «الإبادة الجينية» التي تتعرض لها العائلات. أن يقف أمام سجل عائلة فارغة، ويمنع الصمت، ويجعل من الخشبة دفترًا جديدًا لتدوين الحياة. هناك تجارب مبدعة، مثل أعمال فرقة «عشتار» المسرحية التي اشتغلت على شهادات الأطفال، والشباب في المخيمات، ووثقت الحياة تحت الاحتلال من خلال حلقات عمل تشاركية. أيضًا، فرقة «الحرية» في جنين قدّمت عرضًا عنوانه «أوراق من جنين»، اعتمد على شهادات حقيقية من الانتفاضة الثانية، حيث تحوّل التسجيل الصوتي إلى مونولوج حي.
رغم حداثة تجربة «مسرح الوثيقة»، إلا أن هناك محاولات واعدة. بعض المخرجين العرب في العراق، ولبنان، والكويت، والبحرين، وعُمان، بدأوا في توظيف الوثيقة كشريك درامي، ليس فقط لتسجيل الشهادات، بل لطرح أسئلة سياسية وأخلاقية ووجودية.
في عُمان سأشير إلى تجربتي في كتابة عرض وإخراج «أبجدية البوح علياء» الذي قُدم في النادي الثقافي في 29 ديسمبر 2009م، بمناسبة القدس عاصمة للثقافة العربية، أدمجنا فيه بعض الوثائق، مع النص الدرامي، والفيديو.
فلتظل السجلات مفتوحة، ولتكن الخشبة كتابًا لا يُغلق.