لماذا يحذر الخبراء من خطة نتنياهو احتلال كامل لقطاع غزة؟
تاريخ النشر: 8th, August 2025 GMT
في خطوة تنذر بتصعيد خطير، وافق المجلس الوزاري الأمني في إسرائيل اليوم الجمعة على خطة لاحتلال كامل قطاع غزة، تبدأ بالسيطرة على مدينة غزة وترحيل سكانها قسرا، وسط تحذيرات خبراء من خطورة القرار بحسب صحف عالمية.
واستعرضت وسائل إعلام بريطانية وأميركية في تقارير لها ملامح خطة الاحتلال المرتقبة، وأبعادها الإنسانية والسياسية والعسكرية، وردود الفعل المتباينة حولها.
ونقلت صحيفة آي بيبر البريطانية عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن الخطة تشتمل على مبادئ لإنهاء الحرب وتقديم "مساعدات إنسانية" خارج مناطق القتال، وتسليم قطاع غزة إلى إدارة مدنية، دون نية إسرائيلية للبقاء كقوة حاكمة، على حد تعبير الصحيفة.
سيطرة تدريجيةوتبدأ الخطة بالسيطرة على مدينة غزة نفسها، وفق الصحيفة، وطرد سكانها بالقوة نحو الجنوب، وتحديدا إلى منطقة المواصي الساحلية، على أن تتولى الولايات المتحدة، -بحسب القناة 12- تقديم دعم "لوجبستي وإنساني" عبر بنية تحتية مدنية مؤقتة. وقدّر مراقبون أن السيطرة على المدينة والمناطق المركزية ستستغرق نحو 5 أشهر.
وبينما يروّج نتنياهو للخطة على أنها ضرورية لاجتثاث حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وضمان أمن إسرائيل، يؤكد خبراء ومراقبون -حسب آي بيبر- أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى موجة تهجير جديدة، وتفاقم أزمة المجاعة الحادة التي تضرب القطاع، فضلا عن تعريض حياة الأسرى المتبقين للخطر.
وبدورها نقلت صحيفة واشنطن بوست الأميركية عن مصادر مطلعة على تفاصيل اجتماع المجلس الوزاري، أنه من المتوقع أن تستغرق عملية إجلاء سكان مدينة غزة إلى مناطق بديلة نحو شهرين.
وقال الغزي آدم أحمد سالم (35 عاما) للصحيفة، وهو أب لـ3 أطفال عاد إلى مدينة غزة بعد نزوحه إلى الجنوب في بداية الحرب: "لا أفهم إلى أين يريدون أن يطردونا؟ غزة صغيرة جدا"، مضيفا أن الحياة بهذا الشكل "صعبة للغاية".
إعلانفي حين أشار محمد سعيد مرتجى، مريض سرطان يبلغ من العمر 52 عاما وأب لـ4 أبناء من مدينة غزة، إلى أنه "يتوقع الأسوأ من الخطة"، وأنه بدأ بالفعل الاستعدادات للانتقال قبل صدور الأمر الرسمي بالتهجير.
وأوضح الخبير العسكري أهرون برغمان من جامعة كينغز كوليدج لندن لصحيفة آي بيبر، أن الخطة ستؤدي إلى المزيد من التهجير، في ظل نزوح حوالي 90% من سكان غزة بالفعل، مضيفا أن أي احتلال كامل سيُعقّد إيصال المساعدات، مع تحويل القطاع إلى منطقة حرب.
وقال إن "الجيش مرهق تماما، من حيث المعدات والجنود. ولاحتلال الـ25% المتبقية من قطاع غزة، سيتطلب الأمر تعبئة قوات الاحتياط، وهم الآن في حالة إنهاك تام".
وأضاف أن في قطاع غزة الآن نحو 4 فرق عسكرية، بينما تحتاج إسرائيل لاحتلال القطاع بالكامل 6 فرق على الأقل.
ومن جهته، حذر روبرت غايست بينفولد -محاضر في الأمن الدولي بجامعة كينغز كوليدج لندن- من أن توسع الاحتلال سيفاقم المجاعة، في ظل تمركز 80% من سكان غزة في 20% فقط من المساحة، وهذا ينذر بارتفاع عدد الوفيات بسبب الجوع وسوء التغذية، حسب آي بيبر.
وأفادت الصحيفة البريطانية أن خبراء يحذرون من أن العملية قد تهدد حياة الأسرى الباقين، نظرا لاحتمال مقتلهم بنيران صديقة أو إعدامهم من قبل آسريهم حال اقتراب القوات الإسرائيلية.
كما تواجه الخطة معارضة من داخل الجيش الإسرائيلي نفسه، إذ يرى رئيس الأركان إيال زامير أن القوات مرهقة وتفتقر للعتاد والجنود اللازمين، ويتطلب تنفيذ الخطة تعبئة واسعة للاحتياط، وسط رفض شعبي متزايد لاستمرار الحرب.
ولكن يشير محللون -وفق تحليل آي بيبر- إلى أن متطرفين داخل الحكومة الإسرائيلية، على رأسهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، يدفعون باتجاه تحويل الاحتلال المؤقت إلى دائم، وتهجير الفلسطينيين من غزة لإفساح المجال لإعادة استيطانها من قبل الإسرائيليين.
وترى الباحثة بورجو أوزجيليك من المعهد الملكي للخدمات المتحدة -وهو مركز أبحاث متخصص في الدراسات الأمنية والدفاعية- أن الاحتلال الكامل سيشكل مرحلة قاتمة في الحرب، مع تداعيات إقليمية ودولية واسعة، وقد يفضي ذلك إلى تقويض فرص حل الدولتين نهائيا، حسب تقرير آي بيبر.
كما توقع برغمان أن تؤدي الخطوة إلى مزيد من العزلة الدولية لإسرائيل، وربما تدفع دولا مترددة نحو الاعتراف بدولة فلسطين، على غرار ما لوحت به بريطانيا.
وبدوره، يعتقد البروفيسور يوسي ميكلبرغ، الزميل في مركز تشاتام هاوس في لندن، أن الخطة الجديدة قد تمثل استهلالا لـ"أكثر نسخة تطرفا" من أهداف إسرائيل في الحرب على غزة، تحت تأثير القوميين المتطرفين.
خطة نتنياهو الجديدة قد تمثل استهلالا لأكثر نسخة تطرفا من أهداف إسرائيل في الحرب على غزة
بواسطة البروفيسور يوسي ميكلبرغ
ولفتت نيويورك تايمز في تقرير إلى أن القرار الإسرائيلي يأتي في ظل سخط عالمي متزايد من صور المجاعة والدمار في غزة، والسياسات الإسرائيلية المتعلقة بإيصال المساعدات.
ويقول مخلص المصري (34 عاما) للصحيفة، وقد أجبر على ترك منزله في شمال غزة: "يتحدثون عن احتلال مناطق مكتظة بالناس، إذا حدث ذلك، سيكون هناك قتل لا يمكن تقديره. الوضع سيكون أكثر خطورة مما يمكن لأي أحد تخيله".
إعلانوأضاف أن قصف مدرسة تحولت إلى ملجأ في خان يونس أسفر عن مقتل عدد من أقاربه، مشيرا إلى أن عائلته تعيش حالة من الرعب، ومن المتوقع أن تفاقم خطة نتنياهو هذه المعاناة في القطاع ككل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات ترجمات مدینة غزة قطاع غزة إلى أن
إقرأ أيضاً:
لماذا انقلب نتنياهو على مسار المفاوضات وأين يتجه في غزة؟
غزة- بينما كانت الأنظار تتجه نحو انفراجة محتملة في ملف تبادل الأسرى بعد أسابيع من المفاوضات المكثفة، فاجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية– الوسطاء بتراجعه في اللحظة الأخيرة، رافعا سقف التصعيد بالحديث عن احتلال قطاع غزة مجددا.
خطوة رآها مراقبون جزءا من سياسة المناورة المستمرة التي ينتهجها نتنياهو للهروب من الاستحقاقات الداخلية والضغط لتحصيل مزيد من التنازلات.
ورغم ترقّب اجتماع المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) مساء الخميس، فإن أغلب التقديرات ترجّح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يوظف الموقف التفاوضي لخدمة أهداف سياسية داخلية، مرتبطة بمصالحه الشخصية والانتخابية، ويستخدمها للمناورة حتى اللحظة الأخيرة عله يستطيع أن ينتزع المزيد من التنازلات من حركة حماس.
الهروب من المفاوضاتمن جانبه، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني وسام عفيفة -في حديثه للجزيرة نت- أن تراجع نتنياهو عن مفاوضات الصفقة التي قادها الوسطاء خلال الأسابيع الأخيرة يعود لجملة أسباب تتمثل في:
اعتبارات سياسية داخلية، تحقق لنتنياهو الهروب من المحاسبة لأنه يدرك أن إتمام صفقة قد يعيد المشهد إلى مربع طرح "ما بعد الحرب"، وهو ما يفتح عليه أبواب التحقيق ولجان الفشل، خصوصا في ظل تعاظم النقد الداخلي. الحفاظ على تماسك الائتلاف، لأن أي صفقة تُفسّر أنها تنازل لحماس قد تُفجّر الحكومة بفعل ضغط اليمين المتطرف، لذا فالتصعيد أسهل وأقل تكلفة سياسيا. تأجيل الاستحقاقات السياسية، لأن بقاء الحرب من دون حل يجمّد الدعوات لانتخابات مبكرة ويمنح نتنياهو الوقت لخلط الأوراق مجددا. اعتبارات أمنية وعسكرية، حيث يعتقد نتنياهو أن أي صفقة من دون إنجاز ميداني ملموس يحقق فيه "صورة نصر" تتمثل بإسقاط حكم حماس تُعد هزيمة، لذا يُفضّل الإبقاء على التصعيد بحثا عن ورقة قوة تُستخدم في التفاوض لاحقا. اعتبارات إستراتيجية وتكتيكية تشمل استخدام المفاوضات كغطاء، حيث كان نتنياهو يستخدمها أداة ضغط لتحصيل تنازلات، وما إن وصلت حماس إلى موقف ثابت من دون تراجع إضافي، توقف نتنياهو. ضرب الزخم الإيجابي بعدما شعر نتنياهو أن الوسطاء بدؤوا يتقاربون مع مقاربة فلسطينية قابلة للحياة، فانسحب حتى لا يُفرض عليه مسار تفاوضي جديد يُنهي الحرب تدريجيا. المناورة أمام إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ويندرج تحتها محاولة نتنياهو استثمار الدعم الأميركي الكبير له لتكريس وقائع ميدانية قبل أي تسوية مفروضة لاحقا من المجتمع الدولي. الضغط على حماس عبر التصعيد، لأن الهدف قد لا يكون الحرب الشاملة، بل جولة تضغط على الحركة وتعيدها إلى طاولة التفاوض بشروط إسرائيلية.من جانبه، يعتقد الباحث في الشأن الأمني والعسكري رامي أبو زبيدة -في حديث للجزيرة نت- أنه إذا أصرت حكومة الاحتلال على الذهاب نحو توسيع العمل العسكري في قطاع غزة فإن هناك 3 سيناريوهات متوقعة:
إعلان تقسيم القطاع وفرض واقع تهجيري من خلال فصل مدينة غزة وشمالها عن باقي المناطق بإنشاء "منطقة عازلة" ومخيمات نزوح بدعم أميركي غير معلن، مع تصعيد الضغوط الجوية لتشجيع النزوح جنوبا، مقابل تسهيلات إنسانية في الجنوب. اجتياح بري لمركز قطاع غزة يركّز على مدينة غزة والمخيمات الوسطى بهدف البحث عن الأسرى، لكنه يحمل مخاطر كبيرة على الجنود الإسرائيليين واحتمال وقوعهم في كمائن ومعارك استنزاف في بيئة معقدة. إستراتيجية التآكل البطيء عبر ضربات جوية متواصلة، وإنزالات ميدانية محدودة، وضغوط إنسانية وسياسية متزامنة تهدف إلى إنهاك المقاومة، من دون الانجرار إلى مواجهة واسعة.
ثقة الإسرائيليين تتآكل
وفي خضم التهديدات الإسرائيلية، استطلع معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي آراء الجمهور الإسرائيلي حول الأداء الأمني والسياسي في الحرب المستمرة منذ أكتوبر/تشرين أول 2023، حيث أظهر أن 61% منهم لا يعتقدون أن العمليات العسكرية في غزة ستعيد الأسرى، في حين يرى 25% من الجمهور فقط أن العمليات ستؤدي إلى هزيمة حماس وإعادة الأسرى، بينما يرى 52% منهم أن حكومة نتنياهو تعرقل التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى.
ونشرت منصة شؤون عسكرية قراءة لنتائج الاستطلاع قالت فيها إن مؤشرات الاستطلاع تنسف جوهر العقيدة العسكرية الإسرائيلية المبنية على فرض الوقائع بالقوة واستعادة الأسرى من دون تنازلات، كما أن المقاومة نجحت في تثبيت معادلة استنزاف فاعلة، تجعل أي حسم مستحيلا، وتعزّز من مركزية خيار المقاومة لدى الفلسطينيين.
وبحسب المنصة الإسرائيلية، فإن أي عملية عسكرية قادمة في غزة أو أي جبهة ستُقابل بسقف منخفض من التوقعات الشعبية، مما يقلّص حرية المناورة لدى الجيش، ويجعله عُرضة للضغط الشعبي والإعلامي في حال تكبّده خسائر من دون نتائج ملموسة.
وتشير المنصة إلى أن الجيش يفقد تدريجيا مكانته "المقدسة" في الوعي الإسرائيلي، وهذا يعيد النقاش حول قدرته على الحسم، ويعزز مناخا متزايدا من فقدان الثقة بالمنظومة الأمنية برمّتها، وسيتحول الانقسام الداخلي الإسرائيلي، والتشظي المجتمعي، إلى ساحة جديدة للصراع، وهو ما تراهن عليه المقاومة وتراكم عليه نتائج حرب الاستنزاف.