قراءة في تبني الحكومة لإملاءات براك
تاريخ النشر: 9th, August 2025 GMT
لا أعتقد أنها مصادفة أن يختار مجلس الوزراء بالأكثرية العددية لأعضائه يوم السابع من آب يوماً لتبني المطالب الأمريكية شكلاً، والإسرائيلية فعلاً، لقرار الإنقضاض على سلاح المقاومة، فيما أرضنا ما زالت محتلة، والعدوان الصهيوني ما زال مستمراً ومخالفاً لاتفاق جرى بين الدولة اللبنانية والحكومتين الأمريكية والفرنسية قبل 8 أشهر، ولتبني أهداف برّاك الخطيرة في الإجهاز على المقاومة، فهو أي برّاك وأسياده يريدون أن يثأروا من لبنان المقاوم بعد هزيمة لحقت بالكيان الصهيوني عام 2006، حين ظن قادة هذا الكيان أن لبنان بعد الأجواء التي رافقت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري باتت مهيأة للانقضاض على الخيار الوطني الذي كان يمثله يومها الرئيس العماد اميل لحود.
ولا يشبه التسرع الحكومي اليوم في اتخاذ قرارات السابع من آب سوى التسرع في اتخاذ قرارات حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في 5 أيار 2007، وتسببت يومها بأحداث السابع من أيار وقادت آنذاك إلى اتفاق الدوحة الذي جاء بالرئيس ميشال سليمان رئيساً للجمهورية اللبنانية، وبحكومة تضم كل المكونات السياسية بعد اتفاق الدوحة.. ويتمنى اللبنانيون جميعاً أن لا يقود هذا التسرع الجديد إلى 7 أيار جديدة والتي تركت جرحاً عميقاً في العلاقات بين اللبنانيين..
قد يقول قائل: ولكن الحكومة كانت مضطرة لتبني المشروع الأمريكي لأن البديل هو المزيد من البطش الوحشي الصهيوني بلبنان الذي لم يتوقف رغم اتفاق 17 تشرين الثاني 2024، بل ما زال يواصل تصعيده مستفيداً من قرار حزب الله أن يترك للحكومة ووسائلها الدبلوماسية الدور بمعالجة العدوان المستمر، ومعتقداً، أي العدو الصهيوني، نتيجة تحليله الخاطىء أن الضربات القاسية التي تلقاها حزب الله ما بعد 17 أيلول 2024، لاسيّما بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وخليفته السيد هاشم صفي الدين، والمئات من قادة وكوادر ومقاتلي الحزب، كفيلة بأن تجعل من حزب الله أضعف من أن يواجه العدو بالكفاءة والبسالة التي كان يواجه بها العدوان الصهيوني..
إنها لحظات تاريخية يمر بها لبنان، وقد عاش لحظات مماثلة طيلة العقود الماضية، لكنه كان يخرج منها بوحدته ومقاومته وجيشه أقوى وأكثر حضوراً في اهتمامات دول المنطقة والعالم، ولا اعتقد أن حظه في الخروج منتصراً أمام هذه الضغوط سيكون مختلفاً عما كان عليه في ظروف سابقة.لكن السؤال يبقى، بغض النظر عن الموقف المبدئي المعترض على هذه القرارات التي كان يفترض أن تبدأ بوقف العدوان وانسحاب المحتل، وهو موقف الرئيس جوزف عون الذي كان رافضاً، منذ خطاب القسم إلى خطاب عيد الجيش، للخضوع للإملاءات الصهيونية: هو هل هناك إمكانية لصمود لبنان بوجه الضغط العسكري الإسرائيلي والضغط السياسي والاقتصادي الأمريكي، والتصعيد الداخلي من بعض الأطراف اللبنانية،أم أن لجوء هذه الأطراف إلى مغامرة عسكرية، كما كان الأمر في تموز 2006، وفي أيلول 2024، لن تكون نتيجته لصالح أعداء لبنان بأفضل من نتائج الاعتداءات السابقة بما فيها حرب عام 1978 التي أدت إلى القرار 425 والذي ما زالت تل أبيب، مدعومة من واشنطن ترفض الالتزام بكل مندرجاته، تماماً كما ترفض الالتزام بكامل مندرجات القرار 1701 الصادر في مثل هذه الأيام عام 2006.
طبعاً لا يستطيع أمثالي الحسم بنتائج مثل هكذا مجابهة، وإن كان أمثالي يعتقدون أن الخسائر الناتجة عن المواجهة مهما كانت كبيرة تبقى أقل من تلك الناتجه عن الاستسلام لمشيئة العدو الذي لا يخفي مطامعه في لبنان وسورية والأردن وصولاً إلى مصر والجزيرة العربية في وقت لاحق.
وعلى الرغم من أن التفوق الإعلامي لأصحاب هذا المشروع الصهيوني ـ الأمريكي واضح للعيان، لكن أمثالي ممن أمضوا حياتهم في الدفاع عن كل شبر من الأرض اللبنانية والعربية يعتقدون أن عدداً كبيراً من اللبنانيين غير مؤيد لخيار الرضوخ للمشيئة الصهيونية، وأنه آن الأوان لإجراء استفتاء شعبي واسع في لبنان حول أي الخيارين يختارهما اللبنانيون، خيار الصمود في مواجهة الضغوط على أنواعها، أم خيار الاستسلام الذي يخسر فيه اللبنانيون كل ما يملكونه من خبز وأمن وكرامة، كما كنا نردد في العقود السابقة.
إنها لحظات تاريخية يمر بها لبنان، وقد عاش لحظات مماثلة طيلة العقود الماضية، لكنه كان يخرج منها بوحدته ومقاومته وجيشه أقوى وأكثر حضوراً في اهتمامات دول المنطقة والعالم، ولا اعتقد أن حظه في الخروج منتصراً أمام هذه الضغوط سيكون مختلفاً عما كان عليه في ظروف سابقة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء سلاح اللبنانية حزب الله لبنان سلاح حزب الله سياسة رأي قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات صحافة مقالات رياضة سياسة رياضة صحافة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
من نزع السلاح إلى نزع السيادة .. الحكومة تُسلّم لبنان للاحتلال
في لحظة سياسية حرجة ومليئة بالتجاذبات الداخلية والإقليمية، أقدمت حكومة نواف سلام اللبنانية على خطوة مفصلية أثارت صدمة واسعة على الصعيد اللبناني والإقليمي، بإعلانها قرار نزع سلاح حزب الله، القوة التي طالما اعتُبرت الضمانة الوحيدة بوجه الاعتداءات الصهيونية المستمرة، والركيزة الأساسية في معادلة الردع التي فرضها لبنان على مدى عقدين من الزمن.
يمانيون / تقرير / طارق الحمامي
هذا القرار لا يمكن عزله عن البيئة الإقليمية المشحونة، حيث تتسارع مشاريع التطبيع، وتتكثف الضغوط الأميركية على محور المقاومة، في مقابل دعم غير محدود تقدمه واشنطن للعدو الإسرائيلي عسكريًا وسياسيًا، ما يُحول لبنان إلى الساحة الأضعف والأكثر عرضة للاختراق والانقضاض.
الخطوة الحكومية أثارت ردود فعل غاضبة أبرزها من حزب الله، الذي اعتبر القرار خيانة وطنية صريحة وانخراطًا مباشرًا في مؤامرة أميركية – صهيونية تستهدف تجريد لبنان من سلاحه المقاوم، تمهيدًا لتطويعه سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، وتحويله إلى دولة مكشوفة أمام العدو الإسرائيلي الذي لا يخفي طموحه التاريخي للهيمنة على الجغرافيا اللبنانية، والعبث بأمنها ومستقبلها.
يناقش هذا التقرير في محاوره المختلفة أبعاد القرار وتوقيته، وموقف حزب الله منه، لكونه جزءًا من مشروع خارجي أوسع، كما يطرح سؤالًا مصيريًا: ماذا لو نُزع سلاح المقاومة فعلًا؟ وما الذي ينتظر لبنان في ظل تهديدات إسرائيلية دائمة وغياب أي مظلة دولية حقيقية للحماية؟
خطيئة وطنية تُجرد لبنان من عناصر قوته
في بيان ناري، أعلن حزب الله أن الحكومة اللبنانية ارتكبت خطيئة كبرى بقرارها نزع سلاح المقاومة، مؤكدًا أن هذا القرار يُحقق للعدو الإسرائيلي ما عجزت عن تحقيقه عبر عدوانها على لبنان لسنوات، ويُضعف قدرة البلاد على الصمود في وجه المشروع الصهيوني – الأميركي.
الحزب وصف القرار بأنه مخالفة ميثاقية ودستورية واضحة، وضرب للبيان الوزاري الذي أقر بحق لبنان في المقاومة، مشددًا على أن رئيس الحكومة نواف سلام رضخ لإملاءات المبعوث الأميركي “براك”، ما يجعل من الحكومة أداة لتنفيذ مشروع خارجي يستهدف لبنان بالكامل.
وأكد حزب الله في بيانه أن ما قررته الحكومة هو جزء من استراتيجية الاستسلام، وإسقاط صريح لمقومات سيادة لبنان، مؤكداً أنه سيتعامل مع القرار كأنه غير موجود، ووجه رسالة حاسمة للدولة على ضرورة أن تعمل على تحرير جميع الأراضي اللبنانية المحتلة، لا على تفكيك عناصر القوة التي تردع الاحتلال.
القرار بين منطق الدولة ومنطق المقاومة
من جانبها، ترى الحكومة أن قرارها يأتي في إطار فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها، وحصرية السلاح بيد الجيش اللبناني، غير أن معارضي القرار من القوى الوطنية المناهظة للعدو الإسرائيلي، يعتبرون هذه المقاربة تجاهلًا للواقع الإقليمي والمعادلات القائمة منذ عقود، وتفريطًا في واحدة من أبرز أوراق القوة التي يمتلكها لبنان في وجه الأطماع الصهيونية.
ففي ظل توازن قوى غير متكافئ، وغياب ضمانات دولية حقيقية لردع الاعتداءات الإسرائيلية، يرى كثيرون أن نزع سلاح المقاومة لا يعزز السيادة بل يُقوضها، ويجعل لبنان مكشوفًا أمام تهديد دائم من كيان لا يعترف أصلًا بوجود لبنان كوطن مستقل.
القرار يُثبت تنفيذ الحكومة للإملاءات الأميركية – الصهيونية
يرى مراقبون أن هذا القرار لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي الأوسع، حيث تسعى الولايات المتحدة والعدو الإسرائيلي إلى تصفية محور المقاومة عبر ضغوط سياسية واقتصادية، وتطويق القوى المناهضة لمشروع التطبيع والسيطرة في المنطقة.
وبحسب وجهة نظر حزب الله، فإن ما جرى لا يُعد قرارًا سياديًا مستقلًا، بل هو حلقة من حلقات مؤامرة كبرى تُدار من واشنطن وتل أبيب، هدفها النهائي تفكيك بنية المقاومة في لبنان، وتحويل الدولة إلى كيان تابع خاضع للقرار الخارجي.
وتشير المعطيات إلى أن المبعوث الأميركي براك لعب دورًا حاسمًا في الضغط على الحكومة اللبنانية لتمرير القرار، مقابل وعود بدعم اقتصادي واستقرار مزعوم، ما يُثبت أن الدولة باتت جزءًا من مشروع استسلام سياسي – أمني يعرض لبنان بأكمله للخطر.
ماذا لو تم نزع السلاح؟ مصير لبنان بين فكي العدو الإسرائيلي والأمريكي
في حال تم تنفيذ القرار فعليًا وتجريد حزب الله من سلاحه، يُحذر مراقبون من أن لبنان سيدخل مرحلة من الهشاشة الأمنية والسياسية غير المسبوقة، فغياب السلاح المقاوم سيُفقد البلاد عنصر الردع الوحيد أمام عدو لطالما حاول النيل من لبنان، ليس فقط عبر الحروب، بل أيضًا عبر الاعتداءات الحدودية، والضغوط السياسية، والتدخلات في القرار السيادي.
وبدعم أميركي غير مشروط، ستتمكن إسرائيل من فرض وقائع جديدة على الأرض، سواء في ملف الحدود البحرية والبرية، أو في قضايا اللاجئين والتوطين، أو حتى في الصيغ السياسية المستقبلية للبنان وليس ما يحدث في سوريا ببعيد عن لبنان.
ويُخشى أن يؤدي غياب المقاومة إلى فتح الباب أمام محاولات تطبيع قسري مع العدو الإسرائيلي، تحت عناوين التطبيع التي نفذ العدو من خلالها إلى معظم الدول العربية والإسلامية مثل ،السلام الاقتصادي أو ضمان الاستقرار، ما يعني فعليًا نهاية الدور الوطني للبنان وتحوله إلى دولة تابعة ضمن محور المصالح الأميركية – الصهيونية في المنطقة.
قرار بلا إجماع ومصير وطن على المحك
قرار نزع سلاح حزب الله، رغم أنه اتخذ من داخل مؤسسات الدولة، يفتقر إلى الإجماع الوطني، ويطرح أسئلة مصيرية عن مستقبل لبنان وهويته ودوره في الصراع العربي – الإسرائيلي، فبين من يرى فيه محاولة لترسيخ الدولة، ومن يعتبره تفريطًا بمقومات الصمود، تبقى الحقيقة أن القرار جاء في لحظة ضعف اقتصادي وانقسام سياسي حاد، قد تجعل لبنان أكثر عرضة للابتزاز والهيمنة.
ويبقى الرهان على وعي اللبنانيين، ومتانة الموقف الوطني، وقدرة القوى الحية على منع تفكك البلاد وتحويلها إلى ساحة منزوعة الإرادة والسيادة.