عباس المسكري

المنفعة العامة ليست أرقامًا في دفاتر؛ بل هي كفوف ممتدة من قلوب الموظفين، تضع لقمة في يد الجائع، وتضيء شمعة في بيتٍ أطفأته البطالة، في عالمنا اليوم؛ حيث تتزايد التحديات الاقتصادية وتتقلب الأسواق، تبقى المنفعة العامة بمثابة الضوء الذي لا ينطفئ، علامة على تلاحم المجتمع وتكاتفه في مواجهة المحن، وهي ليست مجرد دعم مادي؛ بل رسالة إنسانية تقول إننا لا نترك أحدًا خلفنا، مهما اشتدت الظروف.

هي المظلة التي احتمى تحتها المسرَّح من العمل حين باغتته عاصفة الفقد، وهي اليد التي أمسكت بيده قائلة: "لن تمشي وحدك" حين تفقد الوظيفة، لا تفقد معها الحياة والكرامة؛ فالمنفعة تأتي لتكون دعامة النفس، وعزوة العائلة، وحبل النجاة الذي يشد به الإنسان ليعيد ترتيب أوراقه ويبدأ من جديد.

لكن، كيف تُطوى هذه المظلة فجأة؟ كيف يُترك أبٌ يحمل هموم البيت وأعباء الحياة، وهو يكافح يوميًا ليؤمن لأسرته لقمة العيش وأمان المعيشة؟ ولا يمكننا أن نغفل أن العام الدراسي على الأبواب، وأنتم تعلمون مستلزمات العودة للمدارس وتكاليفها التي تزيد العبء على كاهل الفرد، وأطفاله بعيونهم البريئة ينتظرون التجهيزات التي تمنحهم فرصة لبداية جديدة. وفي هذا المشهد الواقعي، لا يمكن فصل الإنسان عن واقعه، فكل يوم تمر فيه هذه الأسر بلا دعم، يزيد الخوف ويكبر القلق؛ فالاحتياجات لا تقتصر على الطعام والملبس؛ بل تمتد إلى التعليم والرعاية الصحية، وكل ما يشكل أساسًا لحياة كريمة ومستقبل أفضل لأبنائنا.

إن استمرارية دعم المنفعة العامة ليست مجرد مسألة إنسانية وحسب؛ بل هي استثمار في تماسك المجتمع وأمنه الاجتماعي؛ فعندما يشعر كل فرد أنه جزء من نسيج متماسك لا يتركه وحيدًا في محنته، ينمو لديه شعور بالانتماء والمسؤولية تجاه مجتمعه، وهذا التضامن يقلل من مخاطر التفكك الاجتماعي، ويحد من الظواهر السلبية التي تنجم عن الفقر والبطالة، مثل الجريمة والاضطرابات، لذا الحفاظ على هذه المنفعة هو حماية للجميع، لأنها تدافع عن كرامة الإنسان وتبني جسور الأمل للمستقبل.

الدعم المقدم عبر المنفعة العامة يتجاوز مجرد توفير المال؛ فهو يُعيد للإنسان كرامته التي قد تتلاشى تحت وطأة الفقد والحاجة، وحين يشعر الإنسان بأنه مدعوم، تتجدد ثقته بنفسه وبقدراته، وينطلق لاستعادة دوره في المجتمع، لذلك ليس هذا الدعم هبة فحسب، بل هو وقود يعيد إشعال الحلم والطموح في النفوس.

المنفعة العامة ليست عبئًا على المجتمع؛ بل هي تعبير حيّ عن قيمنا الإنسانية والاجتماعية التي تربينا عليها، وإنها مسؤولية مشتركة يتحملها كل موظف، لتكون شبكة أمان لكل فرد يمر بظرف عصيب، وفي ظل التحديات الاقتصادية الحالية، أصبح استمرار هذا الدعم ضرورة وطنية لا غنى عنها للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والتنمية المُستدامة.

إنَّ هذه المنفعة وُجدت لتكون جسرًا فوق نهر الشدة، حتى يعبر كل من وقع فيه إلى بر الأمان، وقطعها في منتصف الطريق، يعني أن نتركه وسط التيار، يتشبث بالأمل وحده.

كلنا رجاء وأمل أن يقول سيد عُمان، الأب الحنون، كلمته… فكلمته التي تروي أبناءه العطشى، الذين يترقبون خيوط شمسه، لتدفئ قلوبهم وتملأ بيوتهم بالسكينة، وتعيد للمنفعة روحها قبل أن يطرق العام الدراسي أبوابهم وهم بين قلق الحاجة وانتظار الفرج.

لنكن يدًا واحدة، ونحيي روح التكافل التي هي شريان مجتمعنا، فإعادة المنفعة ليست خيارًا؛ بل واجب إنساني نتحمل مسؤوليته جميعًا، نبني به غدًا أفضل لأبنائنا وأسرنا، في وجه التحديات، ليكون التضامن والتآزر هما سلاحنا الحقيقي، فلا نترك أحدًا يواجه الحياة وحده.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

معهد التخطيط القومي يعقد برنامج خدمة مجتمع حولاستراتيجية مصر 2030 ومبادرة بداية لبناء الإنسان

نظم مركز التخطيط الاجتماعي والثقافي بمعهد التخطيط القومي برنامج خدمة المجتمع حول "استراتيجية مصر 2030 ومبادرة بداية لبناء الإنسان"، لعدد من طلاب كليتي الإعلام بنين وبنات – جامعة الأزهر الشريف، وذلك على مدار يومي 7، 8 ديسمبر 2025.، وذلك بمشاركة أ.د. مجدة إمام مديرة المركز، وأ.د. زينات طبالة، وأ.د. عزة الفندري، ود. أحمد ممدوح إسماعيل.

التخطيط القومي يعقد سمينار بعنوان تطور السياسات والإستراتيجيات السكانية المصرية وتأثيراتها الاقتصاديةمعهد التخطيط القومي يناقش مشروع تنمية الساحل الشمالي الغربي ضمن سيمنار الثلاثاءالتعاون بين المعهد والجامعات والمؤسسات الأخرى

وفى هذا الإطار أوضح الأستاذ الدكتور أشرف صلاح الدين نائب رئيس المعهد للتدريب والاستشارات وخدمة المجتمع أن أنشطة خدمة المجتمع تأتي في ضوء التعاون بين المعهد والجامعات والمؤسسات الأخرى، في مجالات التدريب والتثقيف والتوعية وتنمية القدرات ورفع كفاءة الأفراد والمؤسسات، بما يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وقد تضمن البرنامج عددًا من المحاضرات التي قدّمها خبراء المعهد حول مكونات التعليم والثقافة والصحة في استراتيجية مصر 2030، وكذلك التعرف على مبادرة بداية لبناء الإنسان المصري، إلى جانب التعريف بتاريخ المعهد العريق في مجال التخطيط القومي والتنمية المستدامة، واختتم البرنامج بجولة للطلاب في المعهد شملت زيارة مكتبة المعهد والاستوديو وصالة الجيم.

طباعة شارك مركز التخطيط الاجتماعي التخطيط الاجتماعي والثقافي معهد التخطيط القومي برنامج خدمة المجتمع

مقالات مشابهة

  • الحاجة لـنظرية جديدة للمجتمع المدني العربي
  • معهد التخطيط القومي يعقد برنامج خدمة مجتمع حولاستراتيجية مصر 2030 ومبادرة بداية لبناء الإنسان
  • “قداسة البابا “: من الأسرة يخرج القديسون وهي التي تحفظ المجتمع بترسيخ القيم الإنسانية لدى أعضائها
  • أفضل طرق لتدفئة الأطفال في برد الشتاء
  • منسقية النازحين تطالب المجتمع الدولي بإجراءات فورية لحماية المدنيين
  • سعيد عبد الحافظ: العمل الحقوقي في مصر يشهد مرحلة تعاون غير مسبوق مع مؤسسات الدولة
  • قيادي بالعدل: المشاركة في الانتخابات اختبار حقيقي لقدرة المجتمع على حماية اختياره الحر
  • النائب محمد رزق: حماية حقوق الإنسان مسؤولية جماعية وركيزة لبناء مجتمع عادل
  • في يومها العالمي.. الشباب المصري: حقوق الإنسان تمثل أساسا لاستقرار المجتمع وتقدمه
  • نص مرافعة النيابة العامة في قضية هتك عرض أطفال بمدرسة بالإسكندرية