بيت العنكبوت.. لبنان يثبت عبارة شهيده الأسمى
تاريخ النشر: 14th, August 2025 GMT
عندما نصف «إسرائيل» بأنها «أوهن من بيت العنكبوت»، فليس ذلك من قبيل الشعارات العاطفية والتعبيرات الجوفاء، وإنما هو تعبير دقيق عن حقيقة عسكرية وسياسية تكشفها ممارسات هذا الكيان منذ نشأته حتّى اليوم، وكشفتها أكثر مع طوفان الأقصى الذي كاد يقضي على الكيان المجرم المحتل، لولا التدخل الأمريكي والدعم الغربي لحمايته وإنقاذه ليقف على قدميه من جديد.
إن الهزة الكبرى التي حصلت لهذا الكيان تجعله يترنح إلى اليوم، فرغم أن «إسرائيل» تمتلك أحدث الأسلحة وأكثرها فتكًا، من طائرات مقاتلة متطورة وأنظمة دفاع جوي متقدمة وصواريخ ذكية، وتستفيد من دعم غير محدود من أقوى دول العالم — أمريكا وأوروبا — إلا أن هذه الترسانة الضخمة لم تمنحها الثقة الكافية بالأمن المفقود، ولا بالردع الضائع، ولا تزال تشعر بالضعف والعجز والوهن. وكلما فكر قادتها المجرمون، ازدادوا إجرامًا وتوحشًا وصبّوا حمم تلك الأسلحة على كلّ شيء في غزّة لقتل النساء والأطفال، وما حرب التجويع الأخيرة إلا جزء من هذا التوحش، وتعبير عن ذلك الخوف الذي لم يبارح عقلية قادتها المنهزمين من الأعماق.
هذه الحقيقة تتجلى في اشتراط واحد من أقوى الجيوش في المنطقة، عدةً وعتادًا وتدريبًا وتسليحًا وتقنيةً، نقطة موضوع السلاح ونزعه في غزّة أو لبنان، وحتّى جنوب سورية، رغم الفرق الهائل في التسليح لصالح هذا الكيان الذي لا يقبل بوجود أي سلاح —مهما كان بسيطًا— في يد خصومه.
هناك حقيقة تقف خلف هذه الشروط؛ إذ لو كانت «إسرائيل» قوية حقًا بما يكفي لحماية نفسها وردع أعدائها، لما كان شغلها الشاغل هو نزع سلاح هؤلاء الأعداء، حتّى البسيط منه، كالأسلحة الفردية أو البنادق التقليدية مثل الكلاشينكوف. إن الكيان الذي يمتلك أسلحة نووية وترسانة متطورة، ومع ذلك يرتعد من رصاصة بندقية بسيطة، يكشف بنفسه عن هشاشته الداخلية وخوفه المزمن من زوال وجوده الذي يقوم أساسًا على القوّة وحدها لا على الحق أو الشرعية.
بحسب تقارير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، تخصص “إسرائيل” نحو 4.5 % من ناتجها المحلي الإجمالي للأنفاق العسكري، من بين أعلى النسب عالميًا. وتمتلك واحدة من أكثر القوات الجوية تقدمًا، بأسطول يضمّ طائرات F – 35 الحديثة، إضافة إلى منظومات دفاع جوي معقّدة مثل “القبة الحديدية” و”مقلاع داوود”. كما يُقدّر أن لديها مخزونًا نوويًا غير معلن يتراوح بين 80 و200 رأس نووي، بحسب مصادر غربية.
إلى جانب انعدام شرعية الوجود والحق في الأرض، فإن ضعف “إسرائيل” الحقيقي يكمن أيضًا في هشاشة كيانها من الداخل: مجتمع مفكك، تركيبة سكانية متنافرة، اقتصاد مرتهن للدعم الخارجي، واعتماد كامل على المظلة الغربية. لذلك، فهي تدرك جيدًا أن أي مقاومة شعبية، ولو كانت بسيطة، قادرة على زعزعة صورتها وإفشال مشروعها. إن بيت العنكبوت في ظاهره معقّد ومنسوج بدقة، لكنّه في حقيقته أضعف البيوت وأسرعها انهيارًا أمام هبّة ريح أو لمسة يد. وهكذا هي “إسرائيل” اليوم: ظاهرها قوة تكنولوجية وعسكرية هائلة، وجوهرها خوف دائم من بندقية مقاوم أو حجر طفل يلوّح بحقه في الأرض والحرية.
أمام لبنان، الذي يدّعي هذا العدوّ أنه حقق إنجازًا فيه —ولن نختلف هنا أنه قد حقق فعلًا إنجازًا باغتيال قادة حزب الله، وعلى رأسهم شهيد الأمة السيد نصر الله— فإن هذا الإنجاز لا يزال غير ذي مردود على الكيان من حيث الردع أو توفير الأمن على المدى القريب فضلًا عن المدى المتوسط والبعيد، حيث بقي هناك سلاح ومقاوم ومجاهد قادر على استخدامه ضدّ هذا العدوّ في أي وقت.
عندما وقف شهيد الإسلام والإنسانية السيد حسن نصر الله في قلب مدينة بنت جبيل على الحدود الجنوبية للبنان عام 2000م، ثمّ كرّرها بعد انتصار المقاومة في حرب تموز 2006م، مستشهدًا بالآية القرآنية: “مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ” (العنكبوت: 41)، كان يضع يده على جوهر المفارقة التي تُعرّي هذا الكيان: بيت عنكبوت متشابك الخيوط من الخارج، هشّ الأساس من الداخل. هذه العبارة، التي تحوّلت إلى شعار في الوعي الشعبي المقاوم، أصبحت لاحقًا عنوانًا لمفارقة القوّة الظاهرة والهشاشة البنيوية التي تحكم الكيان “الإسرائيلي” حتّى يومنا هذا.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
من هو رائد سعد الذي اغتالته إسرائيل بعد 35 عاما من المطاردة؟
غزة- أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي مساء اليوم السبت اغتيال رائد سعد القيادي في كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، باستهداف سيارة مدنية على الطريق الساحلي جنوب غرب مدينة غزة.
وزعم الاحتلال أن اغتيال سعد جاء ردا على خرق لاتفاق وقف إطلاق النار، بتفجير عبوة ناسفة في وقت سابق بقوة من الجيش الإسرائيلي داخل غزة، لكن القناة الـ 12 العبرية قالت إنه "تم استغلال الظروف المواتية لاغتياله دون أي علاقة بأي انتهاك للتهدئة".
وأطلق الجيش الإسرائيلي على عملية اغتيال سعد اسم "وجبة سريعة"، حيث سنحت له الفرصة لاغتيال الرجل الثاني حاليا في الجناح العسكري لحركة حماس، بعد القيادي عز الدين الحداد الذي يقود كتائب القسام.
وباغتيال رائد سعد تكون إسرائيل قد نجحت في الوصول إليه بعد أكثر من 35 عاما من المطاردة، تعرض خلالها للكثير من محاولات الاغتيال.
مسيرة قيادية
ولد رائد حسين سعد في الخامس عشر من أغسطس/آب عام 1972 في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، والتحق مبكرا بصفوف حركة حماس، وبدأ الاحتلال يطارده في بداية الانتفاضة الأولى التي اندلعت عام 1987.وعتقلته قوات الاحتلال أكثر من مرة.
حصل على درجة البكالوريوس في الشريعة من الجامعة الإسلامية أثناء وجوده في السجن عام 1993، حيث كان نشطا حينها في الكتلة الإسلامية الذراع الطلابي لحركة حماس، وحصل سعد على شهادة الماجستير في الشريعة من الجامعة نفسها عام 2008.
وبحسب المعلومات الخاصة التي حصلت عليها الجزيرة نت، التحق سعد بالعمل العسكري مبكرا، وعمل مع قدامى المطاردين من كتائب القسام أمثال سعد العرابيد، ويعتبر من أواخر جيل المطاردين في مرحلة انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000.
وتولى سعد منصب لواء غزة الشمالي في كتائب القسام عام 2007، وكان ممن أشرفوا على تأسيس وتأهيل القوة البحرية للكتائب في غزة.
إعلانوفي عام 2015 ترأس ركن العمليات، وكان عضوا ضمن مجلس عسكري مصغر مكون من قيادة كتائب القسام في قطاع غزة، إلى جانب القياديين محمد الضيف ومروان عيسى، وذلك في الفترة الواقعة بين عامي 2012 و 2021.
كيف تناول الإعلام الإسرائيلي عملية اغتيال رائد سعد في غزة؟.. التفاصيل مع مراسلة #الجزيرة فاطمة خمايسي#الأخبار pic.twitter.com/gLL2nMKLsc
— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) December 13, 2025
تقول إسرائيل إن سعد كان مسؤولًا عن الخطط العملياتية للحرب، حيث أشرف على خطوتين استراتيجيتين شكّلتا أساس الاستعداد التنفيذي لعملية طوفان الأقصى: الأولى إنشاء كتائب النخبة، والثانية إعداد خطة "سور أريحا"، الهادفة إلى حسم المعركة ضد فرقة غزة في الجيش الإسرائيلي.
وزعم الاحتلال -خلال الحرب الأخيرة على غزة- اعتقاله أثناء اقتحام مجمع الشفاء الطبي في مارس/آذار 2024، ونشر صورته حينها ضمن مجموعة ممن تم اعتقالهم، قبل أن يعترف بأنها وردت بالخطأ مما يشير إلى ضعف المعلومات الاستخبارية المتوفرة عنه لدى الاحتلال الإسرائيلي.
وتعرض سعد أيضا خلال الحرب لعدة محاولات اغتيال، كان أبرزها في شهر مايو/ أيار عام 2024، بقصف منطقة سكنية بمخيم الشاطئ، وعرض الجيش الإسرائيلي مكافأة مالية قيمتها 800 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي للوصول إليه بعد فشل اغتياله.
ونقلت إذاعة الجيش أن إسرائيل بحثت عن رائد سعد لفترة طويلة جدا، وسعت إلى اغتياله مرتان في الأسبوعين الماضيين، لكن الفرصة لم تكتمل، وبمجرد أن تم التعرف عليه مساء السبت وهو يستقل مركبة برفقة حراسه الشخصيين، نفذت الغارة على الفور.
واقع أمني جديدوأمام اغتيال إسرائيل الشخصية العسكرية الأبرز في المقاومة الفلسطينية منذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يعتقد الباحث في الشأن الأمني رامي أبو زبيدة أن "الاحتلال لا يتعامل مع التهدئة في قطاع غزة بوصفها حالة توقف عن الحرب، بل كمرحلة عملياتية مختلفة تُدار فيها المعركة بأدوات أقل ضجيجا وأكثر دقة".
وأوضح في حديثه للجزيرة نت أن الاغتيالات والاستهدافات الانتقائية التي نُفذت مؤخرا تكشف بوضوح أن الحرب لم تنتهِ، بل أُعيد تدويرها ضمن نمط جديد يقوم على الضرب المتقطع، وإدارة الصراع بدل حسمه.
ولفت إلى أن الاحتلال يحرص على اختلاق مبررات ميدانية لتسويق عدوانه باعتباره ردا دفاعيا، "غير أن هذا الخطاب لا يخرج عن كونه محاولة مكشوفة لإعادة تعريف مفهوم الخرق نفسه، بحيث يصبح أي حادث أمني أو اشتباك محدود أو اختلاق أحداث غير موجودة -في عمق سيطرته داخل الخط الأصفر- ذريعة كافية لتنفيذ عملية اغتيال".
ويرى أبو زبيدة أن الاحتلال يسعى لفرض معادلة جديدة قوامها "أن التهدئة لا تعني الأمان"، وأنه يحتفظ بحق الضرب متى شاء، ويسعى من خلال هذا السلوك إلى فرض قواعد اشتباك أحادية الجانب، تمنحه حرية العمل الجوي والاستخباراتي داخل القطاع دون التزامات سياسية أو قانونية.
وأشار إلى أن الضربات المحدودة لا تهدف فقط إلى إيقاع خسائر مباشرة، بل إلى الحفاظ على زمام المبادرة، ومنع المقاومة من الانتقال من مرحلة الصمود إلى مرحلة التعافي وإعادة التنظيم، وإبقاء البنية التنظيمية للمقاومة في حالة استنزاف دائم.
إعلانوفي البعد الأمني لفت أبو زبيدة إلى أن كثافة العمل الاستخباراتي تشير إلى أن الاحتلال يستغل فترة الهدوء لتحديث بنك أهدافه استعدادًا لجولات قادمة، وهو ما يفسر عدم تسريح وحدات سلاح الجو والطيران المسيّر، واستمرار عمل شعبة الاستخبارات العسكرية بكامل طاقتها.
ويعتقد الباحث في الشأن الأمني أن "السيناريو الأخطر يكمن في تطبيع هذا النمط من الاستباحة، بحيث تتحول الضربات الخاطفة إلى حالة دائمة، تُنفّذ على مدار الوقت، وإن كانت أقل كثافة من الحرب الشاملة، وهذا يعني عمليًا تكريس واقع أمني جديد في قطاع غزة، تُنتهك فيه التهدئة بشكل مستمر، ويُفتح الباب أمام نزيف دم متواصل بلا سقف زمني أو ضمانات حقيقية".