تضرب ولا تبالي.. قبة حرارية تحاصر أوروبا وموجة حر قياسية
تاريخ النشر: 14th, August 2025 GMT
تعيش دول العالم موجة حر غير مسبوقة ومن بينها القارة الأوروبية التي تتعرض لموجلت خانقة غير مسبوقة، تسببت، في اندلاع حرائق واسعة النطاق، خاصة في شبه الجزيرة الإيبيرية، ما دفع آلاف السكان إلى إخلاء منازلهم وسط تحذيرات من استمرار الظروف المناخية القاسية حتى مطلع الأسبوع المقبل.
إسبانيا في قلب الأزمةفي إسبانيا، التي سجلت عشرات الحرائق متفاوتة الشدة، أعلنت السلطات وفاة شخصين خلال 24 ساعة، أحدهما لقي حتفه في حريق اجتاح بلدة تريس كانتوس شمال مدريد وأتى على أكثر من 1500 هكتار، والآخر قضى أثناء محاولته إخماد حريق في منطقة ليون شمال غرب البلاد.
كما أُصيب آخرون بجروح متفاوتة الخطورة.
وتم نشر نحو ألف جندي من وحدة الطوارئ العسكرية للمشاركة في عمليات الإطفاء والإجلاء، حيث اضطر أكثر من ستة آلاف شخص إلى المبيت خارج منازلهم قبل أن يتمكن معظمهم من العودة بعد تحسن الأوضاع.
وفي الأندلس، جرى إنقاذ مناطق سكنية سياحية من كارثة محققة بعد اندلاع حريق قرب طريفة مساء الاثنين، في عملية وصفتها السلطات بأنها تمت "في وقت قياسي".
كما شهدت مناطق في قشتالة وليون، بما في ذلك الموقع الطبيعي "لاس ميدولاس" المدرج على قائمة التراث العالمي لليونسكو، عمليات إجلاء واسعة، بينما أوقفت الشرطة رجلاً يشتبه في إشعاله حريقاً أتى على 2200 هكتار في مقاطعة أفيلا.
البرتغال واليونان تستغيثانفي البرتغال، تواصل فرق الإطفاء المكونة من 700 عنصر، مدعومة بوسائل جوية ومتطوعين من السكان، مكافحة حريق خطير في منطقة ترانكوسو وسط البلاد.
أما اليونان، فقد طلبت دعماً من الاتحاد الأوروبي لمواجهة أكثر من 100 حريق، من أبرزها حريق في جزيرة زاكينثوس السياحية وأجزاء من البيلوبونيز، ما استدعى إخلاء نحو 20 قرية.
إيطاليا وفرنسا تحت الإنذار الأحمرفي إيطاليا، تفرض أعلى مستوى من التحذير في 11 مدينة كبرى بينها روما وميلانو وتورينو، بينما أعلنت فرنسا حالة التأهب لموجة حر حمراء في عدة مناطق، بعد سيطرتها على حريق هائل جنوب البلاد أتى على 16 ألف هكتار.
قبة حرارية وتغير مناخيويرى خبراء الأرصاد أن هذه الموجة ناتجة عن "قبة حرارية" مستقرة فوق أوروبا، وأن التغير المناخي يسهم في زيادة تكرار موجات الحر وشدتها.
وتشير بيانات وكالة البيئة البريطانية إلى أن نصف القارة، خصوصاً دول حوض المتوسط، يعاني من الجفاف منذ أشهر، فيما سجلت انجلترا النصف الأول من العام الأكثر جفافاً منذ 1976.
البلقان في مرمى النيرانفي جنوب شرق أوروبا، تستمر 14 بؤرة حريق نشطة في ألبانيا، بينما تكافح كرواتيا ومونتينيغرو حرائق خطيرة، أسفرت عن مقتل جندي وإصابة آخرين، في حين سجلت كوسوفو في يوليو الماضي أعلى درجة حرارة بتاريخها بلغت 42.4 مئوية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: موجة حر غير مسبوقة الإنذار الأحمر قبة حرارية تغير مناخي التغير المناخي موجات الحر قبة حراریة موجة حر
إقرأ أيضاً:
عامان من العدوان على غزة.. صدمة اقتصادية غير مسبوقة تضرب الكيان الصهيوني
الثورة / يحيى الربيعي
يشكل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023م، وما تبعه من توسع لنطاق المواجهة إلى الجبهة الشمالية، محطة فارقة في المشهدين السياسي والاقتصادي، مخلفاً آثاراً عميقة تتجاوز الجانب الإنساني إلى إحداث تغييرات ملموسة في المؤشرات الاقتصادية في سلطات الاحتلال. فعلى الرغم من حالة الاستقرار الظاهري التي كان يتمتع بها الاقتصاد «الإسرائيلي» قبل اندلاع المواجهات، إلا أن طول أمد المواجهة واتساع نطاق العمليات العسكرية أثرا بشكل بالغ على قطاعات حيوية، مما يفرض تحديات وجودية على قدرة هذا الاقتصاد على الصمود والتكيف.
ويهدف هذا التقرير إلى تقديم تحليل دقيق للتداعيات الاقتصادية قصيرة وطويلة الأمد لهذا العدوان، معتمداً على البيانات الرسمية الصادرة عن مكتب الإحصاء المركزي للكيان الإسرائيلي (CBS)، وبنك الكيان، بالإضافة إلى تقارير المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي ووكالات التصنيف الائتماني العالمية.
تضاعف التكلفة الاقتصادية
يتسم العدوان على غزة الراهنة بجملة من الخصائص الاستثنائية التي رفعت سقف التوقعات للتكاليف الاقتصادية إلى مستويات غير مسبوقة، لا سيما وأن قرار العدوان اتخذ في وقت كان فيه الاقتصاد الإسرائيلي يعاني من حالة عدم استقرار بسبب الانقسامات السياسية الحادة داخلياً خلال العام السابق، بالإضافة إلى تأثيرات التدهور الاقتصادي العالمي وارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة.
وتسببت التطورات الميدانية منذ أكتوبر 2023م في صدمة مباشرة لمؤشرات الأداء الاقتصادي الكلي، عكستها الأرقام الرسمية في زيادة غير اعتيادية في الإنفاق العسكري وعجز الموازنة، حيث شهدت ميزانية وزارة حرب الاحتلال قفزة غير مسبوقة. فبعد أن بلغت حوالي 60 مليار شيكل في عام 2023م، ارتفعت في عام 2024م إلى حوالي 99 مليار شيكل، مع توقع أن تصل إلى 109.8 مليار شيكل (نحو 30 مليار دولار) في موازنة 2025م، وهي الأعلى تاريخياً. هذا التضاعف شبه الكامل في الإنفاق الدفاعي، وتخصيص 9 مليارات شيكل لجنود الاحتياط، يؤشر إلى تحول جذري في العقيدة العسكرية نحو الجاهزية المستمرة، مما يضع ضغطاً هائلاً على القطاعات المدنية.
وأسهم هذا الإنفاق المتسارع في تفاقم عجز الموازنة، الذي سجل 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023م بعد فائض في العام السابق، وارتفع إلى 6.9% في عام 2024م. وقد اضطرت حكومة الاحتلال إلى رفع الميزانية الإجمالية لعام 2024م بمقدار 69 مليار شيكل لتصل إلى 585 مليار شيكل، ما دفعها لتبني إجراءات تقشفية قاسية تشمل خفض ميزانيات جميع الوزارات ورفع ضريبة القيمة المضافة من 17% إلى 18% في عام 2025م، مما يعكس ترسيخاً لـ «اقتصاد الحرب» على حساب التنمية والاستقرار الاجتماعي.
تضخم الدين العام
ارتفع الدين العام الإسرائيلي خلال عام 2024م بنسبة 17.9% (أي ما يعادل 202 مليار شيكل)، ليبلغ إجماليه 1.33 تريليون شيكل (380.64 مليار دولار) وفقاً لصحيفة «غلوبس» الإسرائيلية. وصعدت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 6.4 نقاط مئوية، لتصل إلى 67.9% بنهاية عام 2024م، بعد أن كانت 61.5% في نهاية 2023م.
هذا التدهور دفع وكالات التصنيف الائتماني العالمية، مثل موديز، إلى خفض التصنيف الائتماني للكيان الإسرائيلي عدة مرات، محذرةً من ضعف مؤسساته وعدم الانضباط المالي في أعقاب الحرب، مما أثار مخاوف من أن تجد سلطات الاحتلال صعوبة في سداد جزء من ديونها مستقبلاً.
وخلافاً للتوقعات الكلاسيكية لانهيار العملة في زمن الحروب، أظهر الشيكل الإسرائيلي استقراراً لافتاً، مسجلاً متوسط سعر صرف 3.70 شيكل للدولار في عام 2024، مع توقعات بالتراجع إلى 3.40 شيكل للدولار في عام 2025م. ويُفسر هذا الأداء الاستثنائي بـ الدعم الخارجي الواسع، خصوصاً من الولايات المتحدة، الذي يتجسد في معظمها مساعدات عسكرية تُصرف بالدولار، مما يعزز ميزان المدفوعات ويزيد احتياطيات النقد الأجنبي لدى «بنك إسرائيل». و»سندات إسرائيل» (Israel Bonds)، التي جمعت عبرها سلطات الاحتلال أكثر من 48 مليار دولار من مستثمرين عالميين منذ عام 1951م، ما يربط أسواق رأس المال الغربية هيكلياً بالاقتصاد الإسرائيلي.
القطاعات الحيوية في مهب الصراع
تعرضت قطاعات اقتصادية رئيسية كانت تشكل محركات النمو لأضرار بالغة ومباشرة، جاء في المرتبة الأولى انحسار «قاطرة» التكنولوجيا (الهاي-تك)، إذ يُعد قطاع التكنولوجيا العالية المحرك الرئيسي للنمو، حيث يشكل 20% من الناتج المحلي الإجمالي ويساهم بحوالي 53% من إجمالي الصادرات في عام 2023م.
إلا أن التعبئة المكثفة لجنود الاحتياط الذين يشكلون أكثر من 20% من العاملين في هذا القطاع، أدت إلى انخفاض تعبئة رأس المال للشركات الناشئة بنسبة 55%. بالإضافة إلى انخفاض حاد في حجم الاستثمار، حيث تراجع رأس المال الاستثماري من حوالي 28 مليار دولار في عام 2022م إلى 8 مليارات دولار في عام 2023م.
ناهيك عن تراجع السمعة وثقة المستثمرين الأجانب في الشركات الإسرائيلية بسبب الحرب، مما دفع بعض الشركات الناشئة إلى تسريح موظفين إسرائيليين واستبدالهم بعمالة أجنبية للحفاظ على وتيرة العمل.
وسجل قطاع السياحة، الذي يساهم بحوالي 3% من الناتج المحلي الإجمالي، انهياراً مريعاً، ففي تراجع غير مسبوق في أعداد السياح، انخفض عدد السياح الوافدين بنسبة تزيد عن 90% منذ بداية الحرب. ففي أكتوبر 2023م، سجل العدد انخفاضاً بنسبة 76% سنوياً، وتفاقم التراجع ليصل إلى نحو 80% في ديسمبر من العام نفسه، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2022م. وتجاوزت الخسائر المباشرة وغير المباشرة في القطاع 12 مليار شيكل (3.4 مليار دولار).
خلاصة القول:
يشكل الدعم المستمر من الولايات المتحدة، وقوة قطاع التكنولوجيا التاريخية، عوامل منع قديمة تحول دون انهيار اقتصادي كامل في المدى القصير. فالكيان الإسرائيلي لا يزال أحد أكبر متلقي المساعدات الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، والتي قُدّرت بنحو 154.8 مليار دولار حتى عام 2022م.
ومع ذلك، أدت التداعيات المباشرة وغير المباشرة للحرب، وفي مقدمتها آثار الحصار البحري الذي فرضته القوات المسلحة اليمنية على السفن الإسرائيلية وتلك المتعاملة معها في البحر الأحمر على التجارة الخارجية، إلى تحميل الاقتصاد الإسرائيلي عبئاً مالياً أثقل مما واجهه في المراحل الأولى للصراع.
لقد كشفت الحرب عن هشاشة البنية الاقتصادية التي كانت تبدو مستقرة ظاهرياً، ودفعها إلى منطقة مجهولة. فمؤشرات الخطر واضحة: عجز موازنة متصاعد، وديون عامة آخذة في التضخم، وتراجع حاد في قطاعي السياحة والتكنولوجيا، وهروب للاستثمارات الأجنبية، وتآكل في السمعة الدولية والتصنيف الائتماني. هذه العوامل مجتمعة تهدد بتراجع مستدام لمستوى المعيشة وقدرة الاقتصاد على النمو على المدى الطويل، وهو ما أكده صندوق النقد الدولي بتخفيض توقعاته لنمو الاقتصاد الإسرائيلي لعامي 2024 و2025م.