حرب الإبادة في غزة والتشكيك في وقوعها
تاريخ النشر: 15th, August 2025 GMT
ما زال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، يتجنب وصف ما يجري في غزة بأنه حرب إبادة جماعية. وفي كل مرة نثير الموضوع على ضوء حجم الجرائم التي تتكشف يوما بعد يوم، خاصة ضحايا التجويع الذي زاد عددهم حتى كتابة هذا المقال عن 222 شخصا من بينهم 104 أطفال، يأتي الجواب المكرر بأن الذي يقرر ما إذا كان ما يجري في غزة حرب إبادة أم لا هو، جهة قضائية مؤهلة لذلك مثل محكمة العدل الدولية.
وقد اختبأ معظم كبار الموظفين الدوليين وراء موقف الأمين العام هذا، وراحوا يرددون المقولة نفسها، إنهم غير مؤهلين لإصدار موقف قانوني في وصف ما يجري في غزة أهو إبادة أم لا. محكمة العدل الدولية منحت إسرائيل سنة إضافية لتقديم حجتها رفضا لوصف ما يجري في غزة بأنه حرب إبادة.
فرانشيسكا ألبانيزي مقررة حقوق الإنسان المختصة بالأرض الفلسطينية المحتلة، تحدت هذا الموقف النمطي، وأعلنت بكل جرأة وصلابة أن ما يجري في غزة «حرب إبادة جماعية كاملة الأركان».
ولكن ألبانيزي تتمتع بحرية أكبر من غيرها، لأنها ليست موظفة رسمية بالمنظمة الدولية، بل مقررة خاصة تعمل بصفتها خبيرة معينة من مجلس حقوق الإنسان في هذا الموقع، دون راتب شهري. أما الشخص الثاني الذي اقترب من تسمية ما يجري بأنه إبادة جماعية هو توم فليتشر منسق الشؤون الإنسانية والإغاثة الطارئة، في إحاطته يوم 13 مايو الماضي أمام مجلس الأمن. وقد تعرض لحملة شعواء ومطالبته بالاعتذار. وقدم المندوب الإسرائيلي داني دانون، شكوى رسمية ضده واتهمه بأنه استخدم هذا المصطلح دون دليل. وقال في رسالة الشكوى: «لقد كان تصريحاً غير لائق تماماً وغير مسؤول بالمرة، وحطم أي مفهوم للحياد. فليتشر لم يقدم إحاطة للمجلس، بل ألقى خطبة سياسية». ومنذ هذه الرسالة لم يكرر فليتشر استخدام المصطلح وكأنه تعلم الدرس.
هل ما يجري إبادة أم شيء آخر؟
بالعودة إلى تعريف مصطلح الإبادة نجد أنه يقوم على ركنين أساسيين: ارتكاب أفعال بقصد تدمير جماعة قومية أو عرقية أو دينية، كليا أو جزئيا، وتوفر النيّة لهذا التدمير، حسبما جاء في اتفاقية «منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها» لعام 1948. فالتدمير الكلي أو الجزئي يجب أن يكون متعمدا. فهل ما يجري في غزة إبادة أم شيء آخر؟
هناك مجتمع عادي أصلي في غزة يعيش على أرضه من آلاف السنين. وهذا المجتمع مكون من أسر وأفراد، فيه أطفال ونساء ورجال ومسنون. فيه الطلاب والمعلمون والمعلمات والمدارس والجامعات ودور الحضانة، والمستشفيات والعيادات، والأسواق والتجار، والحكومة المحلية من رؤساء بلديات وشرطة وقوات أمن وعمال زراعة وصناعات محلية وعمال بناء ونظافة، وصيادون ورياضيون وكتاب وشعراء.
وفي هذا المجتمع صحافة ومحطات تلفزيونية، وناشطو مواقع تواصل اجتماعي، ومراكز تدريب ومنظمات مجتمع مدني، ومراكز لمنظمات دولية وموظفون دوليون ومحليون، بلغ عددهم في وكالة واحدة هي «الأونروا» ثلاثة عشر ألف موظف. إنه نموذج لمجتمع ناشط وحيّ وناهض ومبدع ومنتج. فكيف تم استهداف هذا المجتمع المتكامل من جميع الأركان؟ ولنراجع كيف تجلت حرب الإبادة في بعض القطاعات فقط:
أعداد الضحايا: حسب مصادر وزارة الصحة وصل عدد الضحايا الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر 2023، إلى 61722 قتيلا و154525 جريحا. وأشارت الوزارة أيضا إلى أن عدد الضحايا بين من يحاولون الحصول على الإمدادات الغذائية قد ارتفع إلى 1859 قتيلا وأكثر من 13594 جريحا منذ 27 مايو 2025. هذا عدا المفقودين تحت الأنقاض والذين يقدر عددهم بنحو 40 ألفا. هذا يعني أن نحو 12 في المئة من سكان غزة قتلوا أو جرحوا. فهل هذا جزء من إبادة أم لا؟
– تدمير النظام التعليمي بكامله: استهدفت الحرب التي تشنها القوات الإسرائيلية جميع النظام التعليمي من مدارس وروضات ومعاهد عليا وثماني جامعات حديثة، وأخرجت 518 مدرسة عن الخدمة وحرمت 88 ألف طالب من الالتحاق بالجامعات، كما حرمت 39 ألف طالب من التقدم لامتحان الثانوية العامة (التوجيهي) فقط لعام 2025. أوقفت 640 ألف طفل في سن الدراسة المدرسية. فهل هذا جزء من الإبادة أم لا؟ وهل من شك في أنه متعمد؟
– تدمير النظام الصحي بشكل شبه كامل: هاجمتْ إسرائيل القطاع الصحي في غزة 664 مرة، حسب منظمة الصحة العالمية، بين قصفٍ جوي ومدفعي واقتحام الباحات وحرق الأقسام وتدميرها وتفجير المستشفيات. انهارت منظومة العمل الصحي في قطاع غزة بسبب هذه الهجمات بشكل شبه كامل، وأخرجت جميع مستشفيات غزة الـ36 عن الخدمة الكاملة أو الجزئية.
قتلت إسرائيل 1206 من عمال وزارة الصحة في غزة وجرحت الآلاف، الذين فقدوا القدرة على مزاولة عملهم. اعتقلت نحو 300 من القطاع الصحي منهم مديرو مستشفيات ورؤساء أقسام وأطباء متخصصون، مثل مدير مستشفى كمال عدوان حسام أبو صفية. ولا يُعرف مصير 33 آخرين، كما قتلت 125 طبيباً ونحو 300 ممرض و49 ضابط إسعاف و74 صيدلياً و9 أكاديميين في العلوم الطبية و66 طبيب أسنان و15 إخصائياً بصرياً و304 من إداريي المرافق الصحية والمستشفيات. فهل هذه الأرقام تشير إلى الإبادة المتعمدة أم لا؟
استهداف الصحافة: مع استهداف خيمة صحافيي الجزيرة يوم الأحد الماضي ومقتل ستة منهم من بينهم أنس الشريف ومحمد قريقع يرتفع إجمالي عدد الصحافيين والعاملين الإعلاميين الذين قُتلوا منذ 7 أكتوبر إلى 242. لقد قتلت إسرائيل من الصحافيين خلال 22 شهرا منذ بدء الحرب أكثر مما قُتل عالميا في الحربين العالميتين الأولى والثانية وحرب فيتنام مجتمعة. فهل هذا الاستهداف لكتم الصوت إبادة متعمدة أم لا؟
هذه ليست سوى الخطوة التالية من الخطة المدعومة من الولايات المتحدة لتفريغ غزة من جميع سكانها
– استهداف المنظمات الدولية: قتلت إسرائيل ما لا يقل عن 400 موظف وعامل في المنظمات الإنسانية، من بينهم نحو 220 من موظفي الأونروا. لقد أوقفت إسرائيل عمل الأونروا في الضفة الغربية، وأوقفت التعامل ومنح التأشيرات لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، ومنعت العديد من كبار موظفي الأمم المتحدة من دخول الأراضي المحتلة. وهاجمت مستودعات المنظمات الإنسانية جميعها، وأغلقت جميع المعابر وحددت عدد وكميات المواد التي تدخل غزة.
وأنشأت «مؤسسة غزة الإنسانية» التي أصبحت مصيدة لطالبي الغذاء، حيث قتل ما لا يقل عن 1239 حسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية. فهل هذا جزء من الإبادة أم لا.
لا يتسع المجال للحديث عن القطاعات الأخرى التي تشكل بنية المجتمع الفلسطيني من رياضيين وعمال زراعة وصيادين وعمال نظافة وشرطة وغير ذلك الكثير. ولأن إسرائيل عجزت عن تحقيق أهدافها الثلاثة المعلنة، قررت حكمة نتنياهو السيطرة العسكرية الكاملة على قطاع غزة، بدءا بالاستيلاء على مدينة غزة وإجلاء عشرات الآلاف من سكانها قسراً.
هذه ليست سوى الخطوة التالية من الخطة المدعومة من الولايات المتحدة، لتفريغ غزة من جميع سكانها، أو من غالبيتهم. وإذا لم يوافق الفلسطينيون على التهجير القسري أو الطوعي، فستتم إبادتهم. يومئذ قد يجرؤ الأمين العام وكبار موظفي المنظمة الدولية على أن يستخدموا مصطلح «الإبادة» بعد أن يكون الوقت قد تأخر كثيرا.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه غزة نتنياهو غزة نتنياهو الاحتلال شهداء ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات اقتصاد سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ما یجری فی غزة حرب إبادة فهل هذا
إقرأ أيضاً:
تحسين الأَسطل: إسرائيل تمارس حرب إبادة.. وعلى شعبنا سحب الذرائع من الاحتلال
أكد الدكتور تحسين الأَسطل، نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين، أن ما تشهده غزة منذ أكثر من عام ونصف هو حرب إبادة جماعية ممنهجة، تستهدف الإنسان الفلسطيني، ومقومات بقائه على أرضه، وليس فقط فصيلاً بعينه.
وأضاف، خلال مداخلة مع قناة "القاهرة الإخبارية"، أن الاحتلال الإسرائيلي يمارس عدوانًا شاملًا ضد المدنيين والبنية التحتية، ويقصف المستشفيات والمدارس ورياض الأطفال، في ظل دعم مطلق من الإدارة الأمريكية، التي توفّر لإسرائيل الحصانة السياسية والسلاح العسكري لارتكاب مزيد من الجرائم.
دعوة لحماس لتحمل مسؤولياتها الوطنية وتقديم مصلحة الشعبوأوضح الأَسطل أن على حركة حماس، في ظل هذا الظرف الاستثنائي، أن تتحمل مسؤولياتها الوطنية، وتُعلي مصلحة الشعب الفلسطيني فوق أي اعتبارات فصائلية، وأن تبادر إلى سحب الذرائع التي يستغلها الاحتلال لتبرير مواصلة عدوانه الوحشي على قطاع غزة.
وأشار إلى أن بنيامين نتنياهو كان من أوائل الداعمين لاستمرار سيطرة حماس على غزة، بل وصرّح علنًا خلال حملته الانتخابية الأخيرة بأن هذه السيطرة تصب في مصلحته السياسية، وتُستخدم كذريعة لعرقلة أي مسار نحو إقامة الدولة الفلسطينية.