كيف يقرأ الذكاء الاصطناعي أنشطتك من ساعتك الذكية؟
تاريخ النشر: 15th, August 2025 GMT
طوّر باحثون في جامعة ولاية واشنطن (WSU) خوارزمية حاسوبية مدعومة ببيانات ضخمة من الساعات الذكية للتعرف على مختلف أنشطة الحياة اليومية، من المهام المهنية إلى الأنشطة المنزلية والترفيهية.
وفي السابق، كان استخدام هذه الأجهزة يقتصر على رصد الحركات البسيطة مثل المشي أو الجلوس في بيئات مخبرية مضبوطة.
نُشرت الدراسة في مجلة IEEE لعلم المعلوماتية الطبية والصحية الحيوية، وحققت دقة بلغت 78%، ما يعزز إمكانات تحسين تقييم الصحة الإدراكية، ودعم إعادة التأهيل، وإدارة الأمراض، وتسريع التعافي بعد العمليات، بحسب موقع "ميديكال إكسبريس".
وقالت ديان كوك، أستاذة الجامعة والمشرفة على البحث: "لتحديد ما إذا كان الشخص بحاجة إلى رعاية، يجب معرفة مدى قدرته على أداء الأنشطة الأساسية مثل تناول الطعام، إدارة الأموال، أو قضاء المهام اليومية، فهذه مهارات جوهرية للاستقلالية".
- انظر أيضاً: كيف ينقذ الذكاء الاصطناعي الملايين من التسمم الغذائي؟
تحديات التقييم
يمثل تقييم قدرة المرضى أو كبار السن على إدارة حياتهم اليومية أحد أكبر تحديات الرعاية الصحية، إذ يحتاج الأطباء إلى بيانات شاملة عن القدرة على أداء الأنشطة الوظيفية والسلوكيات الموجهة نحو هدف.
كما أن جمع هذه المعلومات مثل دفع الفواتير أو الطهي أو التسوق، عملية معقدة ومتغيرة، سواء تم في العيادات أو عبر الأجهزة الذكية.
وأضافت كوك: "انخفاض الوعي بالحالة الإدراكية والبدنية مع التقدم في العمر تحدٍّ كبير، ووجود وسيلة آلية لرصد الحالة سيساعد على التدخل المبكر، والحفاظ على الصحة والاستقلالية، ويمهد لتطبيقات متقدمة في الصحة الرقمية والذكاء الاصطناعي".
- اقرأ أيضاً: ابتكار أداة ذكاء اصطناعي لعلاج أحد أخطر أمراض العيون
جمع البيانات
جمع باحثو "WSU" بيانات النشاط على مدى سنوات عبر دراسات عدة. وذكرت كوك: "كلما أجرينا دراسة تجمع بيانات من الساعات الذكية، أضفنا سؤالاً في تطبيق جمع البيانات يطلب من المشاركين تحديد النشاط الذي يقومون به في تلك اللحظة، وهكذا حصلنا على عدد كبير من المشاركين من دراسات متعددة، ثم بدأنا نختبر قدرتنا على التعرف على الأنشطة".
وشارك 503 شخصاً في هذه الدراسات خلال ثماني سنوات، وطُلب منهم في أوقات عشوائية على مدار اليوم اختيار نشاطهم من قائمة تضم 12 فئة، مثل إنجاز المهام اليومية، النوم، السفر، العمل، تناول الطعام، الاختلاط الاجتماعي، أو الاسترخاء.
كما اختبر الفريق عدة أساليب ذكاء اصطناعي لقياس القدرة على التعميم بين مختلف المشاركين.
- طالع أيضاً: الذكاء الاصطناعي يسلّح جهاز المناعة بـ"صواريخ" لمهاجمة الخلايا السرطانية
نموذج واعد
أنشأ الباحثون قاعدة بيانات تضم أكثر من 32 مليون نقطة معنونة، لكل منها دقيقة واحدة من النشاط، ودربوا نموذج ذكاء اصطناعي للتنبؤ بالنشاط الوظيفي بدقة بلغت 77.7%.
وأوضحت كوك: "التعرف على النشاط خطوة أساسية لفهم أنماط السلوك والتغيرات فيها، ويمكن استخدامه لتقدير مؤشرات الصحة مثل الإدراك والاستقلالية".
ويأمل فريق البحث في توظيف النموذج مستقبلاً في مجالات مثل أتمتة التشخيصات الطبية ودراسة الروابط بين السلوك والصحة والجينات والبيئة، مع إتاحة البيانات، بعد إزالة المعلومات التعريفية، للباحثين الآخرين للاستفادة منها.
أمجد الأمين (أبوظبي) أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الصحة الرقمية الرعاية الصحية الأبحاث العلمية الأجهزة الذكية الأبحاث الطبية الذكاء الاصطناعي الخدمات الذكية الساعات الذكية التطبيقات الذكية ذکاء اصطناعی
إقرأ أيضاً:
د. محمد بشاري يكتب: الإفتاء في زمن الذكاء الاصطناعي
لم يكن المؤتمر العاشر للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم مجرد تظاهرة علمية روتينية، بل كان انعطافة حقيقية في مسار الفكر الإفتائي المعاصر، إذ جمع بين أهل الفقه ومهندسي التقنية وصناع القرار، ليبحثوا في سؤال لم يعد مؤجلًا: كيف يمكن لمؤسسات الإفتاء أن تظل وفيّة لمرجعيتها الشرعية، وهي تخوض غمار عصر تتسارع فيه خوارزميات الذكاء الاصطناعي، وتعيد تشكيل طرق المعرفة ووسائطها؟
في قلب هذه الفعالية برزت “وثيقة القاهرة حول الذكاء الاصطناعي والإفتاء” باعتبارها أهم مخرجات المؤتمر وأبرز تعبير عن الوعي الاستباقي الذي بدأ يتشكل في العقل الإفتائي العالمي. الوثيقة لا تكتفي بتحديد موقف فقهي من التقنية، بل تؤسس لرؤية مقاصدية متكاملة، تتجاوز الانفعال الظرفي إلى رسم خطوط منهجية لضبط العلاقة بين الإنسان والآلة في ميدان الفتوى.
هذه الوثيقة تنطلق من مبدأ راسخ: أن الإفتاء فعل إنساني مركب لا ينفصل عن ملكات العقل الفقهي، ولا يجوز إسناده إلى البرمجيات استقلالًا، لأن الاجتهاد يتطلب إدراك المقاصد، وفهم السياقات، واستحضار المآلات، وهي عناصر لا تتوافر في المعالجة الآلية مهما بلغت من التطور. لكنها، في الوقت ذاته، لا تدعو إلى الانغلاق أو رفض التقنية جملة، بل تفتح الباب أمام توظيفها كأدوات مساندة للمفتي، شريطة أن تكون خاضعة لضوابط معرفية وأخلاقية واضحة.
من أبرز ما شددت عليه الوثيقة ضرورة بناء أخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي في الإفتاء، وذلك عبر لجان رقابة علمية مستقلة، تمنع تسلل الفوضى أو التلاعب بالبيانات، وتحول دون خضوع الفتوى لهيمنة مصادر غير منقحة أو موجهة أيديولوجيًا. كما حذرت من مخاطر الاعتماد على قواعد بيانات مفتوحة مجهولة المصدر، لما يترتب على ذلك من تحريف المعاني الشرعية أو إسقاط الأحكام في غير مواضعها.
على المستوى الأصولي، اعتمدت الوثيقة على جملة من القواعد الكبرى مثل “اعتبار المآل” و”سد الذرائع وفتحها” و”الوسائل لها حكم المقاصد”، لتؤكد أن إدخال التقنية في الإفتاء لا يمكن أن ينفصل عن فقه الضوابط والحدود. وهي بهذا تضع حدًا لتوجهين متقابلين: توجه الانبهار الذي يلهث وراء التقنية دون ضوابط، وتوجه الرفض المطلق الذي يحكم عليها بالفساد قبل النظر في إمكان توظيفها الرشيد.
ولعل البعد الاستراتيجي في هذه الوثيقة يكمن في دعوتها إلى إعادة صياغة مناهج إعداد المفتين، بحيث تتضمن تدريبًا على أدوات التحليل الرقمي وفهم منطق عمل النظم الذكية، لا بهدف تحويل الفقيه إلى مبرمج، بل لتمكينه من توجيه التقنية ومساءلتها بدل الانقياد لنتائجها الجاهزة. كما طرحت فكرة التعاون الدولي بين دور الإفتاء لتوحيد المعايير والمصطلحات في ظل بيئة رقمية عابرة للحدود، وهو ما يفتح الباب أمام “حوكمة عالمية للفتوى” قادرة على مواجهة التحديات المشتركة.
بهذا التصور، يصبح الإفتاء في زمن الذكاء الاصطناعي مجالًا لإعادة هندسة العلاقة بين المرجعية الشرعية والوسائط التقنية، حيث يظل الإنسان هو صاحب القرار الاجتهادي، بينما تعمل الآلة كامتداد لأدواته، لا كبديل عنه. وإذا ما تحولت هذه الوثيقة من نصٍّ إرشادي إلى إطار إلزامي داخل المؤسسات الفقهية، فإنها قد تؤسس لمرحلة جديدة تحفظ للفتوى أصالتها، وتضمن في الوقت ذاته انفتاحها على أدوات العصر.
إن التحدي الأكبر اليوم ليس في إدخال الذكاء الاصطناعي إلى منظومة الإفتاء، بل في ضمان أن يكون دخوله مضبوطًا برؤية مقاصدية، تحفظ الإنسان من الاستلاب، والمجتمع من الفوضى الرقمية، والشريعة من التفريغ من معناها. وهذا ما جعل وثيقة القاهرة لا تُقرأ فقط كأحد مخرجات مؤتمر، بل كبوصلة فكرية توجه الإفتاء نحو مستقبل متوازن، تتكامل فيه الحكمة مع التقنية، والمرجعية مع الابتكار، في خدمة مقاصد الشريعة وحاجات الإنسان المعاصر.