عربي21:
2025-12-15@06:53:48 GMT

حرب إبادة غزة والنظام المصري الحائر

تاريخ النشر: 17th, August 2025 GMT

بين التعجب والغيظ، النقمة والغضب، تراوحت ردود الأفعال على خبر توقيع الدولة المصرية (أو النظام فسيانٌ كلاهما) صفقة لاستيراد الغاز الطبيعي من الكيان المحتل إزاء الطلبات المتزايدة وتراجع الإنتاج المحلي. قبل ذلك كان السيسي قد انتقد إسرائيل في سابقةٍ واصفاً الحرب بما هي بالفعل: إبادة.

في المقابل فإن إعلاميين كثيرين محسوبين على النظام (أو غير بعيدين عنه في أقل تقدير) لا يفعلون شيئاً تقريباً سوى الهجوم على حماس وتحميلها مسؤولية كل ذلك القتل والدمار، كأن هناك شيئاً في الدنيا من شأنه أن يبرر جرائم إسرائيل قرابة العامين، أو كأن تلك الحملة الممنهجة لتصفية سكان القطاع قتلاً وتهجيراً، ومن ثم قطع شوطٍ (لعله الأطول والأهم) على طريق تسوية القضية برمتها عن طريق إفناء المادة البشرية (في استعادةٍ لوصفة هتلر في تصفية «المسألة اليهودية»).



من الطبيعي أن يشعر البعض بالحيرة والبلبة إزاء ما قد يبدو للوهلة الأولى من تناقض، خاصةً في ظل يقينٍ بأن الموقفين، أو الخطابين، صادران عن المصدر نفسه، وبتوجيهاتٍ من «الضابط» نفسه.

أعترف بأنني شعرت بحيرةٍ مشابهة للوهلة الأولى، إلا أنني توصلت بعد تفكيرٍ إلى أن الحيرة، المبررة تماماً، والتضارب ليسا عارضين، وإنما يعبران عن حيرة النظام نفسه وتخبطه، أو السيسي تحديداً إذا شئنا الدقة. «من الذي يحكم مصر ويصدر هذه القرارات؟»، سؤالٌ مطروحٌ دائماً، لا يكاد يخبو إلا ليثور ويعلو بصورةٍ دورية لدى كل حماقةٍ فاقعة، أو انهيارٍ في سعر صرف العملة، أو ما شابه من انتكاسات. هو تعريضٌ أكثر منه سؤالا، واتهامٌ وإدانة أكثر منهما محاولةً للفهم، أو الاستيضاح، أو الرغبة في المعرفة الصادرة عن جهلٍ حقيقي، فالكل يعلم من الذي يحكم ويصدر القرارات المصيرية، ويختار المنحى والانحياز الاقتصادي منذ يوليو 52.

لا شك أن في مصر مؤسسات، وفي ما يخص الشأن الخارجي، فقد تمتعت دائماً بجهازٍ توفرت له كوادر على قدرٍ عالٍ من الكفاءة والمعرفة، كما تمتع الكثير منهم بحضورٍ لافت، فكانوا ذوي رؤيةٍ وشخصياتٍ آسرة (بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معها) والثابت أن أبحاثاً ودراساتٍ دائماً ما توفرت لصانع القرار من شأنها أن تشرح وتوضح، بما قد يمكنه ويفيده في الفهم، ومن ثم صنع القرار، هذا بالطبع ما توفرت الإرادة والقابلية للفهم والرغبة في اتخاذ القرار الأصوب، الذي من شأنه أن يصب في مصلحة البلد، مصر ومستقبل ساكنيها. وهنا تكمن المشكلة…

ففي ظل نظامٍ كالمصري حيث سلطات وصلاحيات الرئيس غير محدودة، وحيث يصبح بقاؤه بصورةٍ شخصية، ومن ثم النظام، الهدف الأسمى، فكثيراً ما تخطى الرئيس كل تلك التحليلات والرؤى والتوصيات، فاتخذ ما يراه هو مناسباً، او انصياعاً لإملاءات، أو «نصائح» الخارج. لقد شهدنا أمثلةً شهيرةً مدويةً لذلك، لعل أقربها إلى ذهني محمد إبراهيم كامل وإسماعيل حسني، اللذان استقالا من وزارة الخارجية حين اختلفا وافترق طريقهما عن السادات، إبان مباحثات السلام مع إسرائيل.

ربما كان الأمر أيضاً مختلفاً نوعياً آنذاك، كون عبد الناصر والسادات مسيسين حتى النخاع قبل أن يصلا إلى سدة الحكم، إلا أن الأمر تدهور مع من عقبهما من الضباط، الذين صاروا رؤساء بالتراتبية العسكرية، ومن ثم الصدفة، أو الانقلاب البليد.

لقد داهمت هذه الحرب السيسي، اقتحمته اقتحاماً، هو غير مستعدٍ لها بأي معنى من المعاني الأعمق من مجرد الجهوزية العسكرية، لمنع أعدادٍ من الفارين التي قد تحاول اقتحام الحدود، لا يخفى على أحد أنه لم يأتِ من خلفيةٍ سياسية، ويكفي أن تسمعه يتكلم لتدرك مدى محدودية مداركه وضحالة ثقافته. هو غير محيطٍ على الإطلاق بأبعاد هذه القضية ولا بمغزاها، لقد جاء السيسي إلى السلطة تعبيراً عن تحالف مصالح أهم أطرافه القوات المسلحة ممثلةً للدولة العميقة، وبعض دول الخليج التي مولته لتثبيت الحكم السلطوي في مصر ووأد جذوة الثورة.

منذ اليوم الأول عمل مخلصاً لتثبيت النظام وسحق كل مظاهر الحراك السياسي ببطشٍ لم تعرف له مصر سابقةً، مصحوباً بضجيجٍ ومشاريع ظاهرها الإلهاء وباطنها السمسرة والربح والريع الذي يصب في شركات القوات المسلحة.

لقد راهن منذ اليوم الأول على التحالف مع إسرائيل والتنسيق الأمني معها، بل في النظر إلى حماس كونها عدواً مشتركاً في فترةٍ من الفترات. لذا فحين اندلعت هذه الحرب أُسقط في يده بين الرغبة الغريزية للإبقاء على العلاقة المتميزة مع إسرائيل، على حساب الفلسطينيين حمايةً للذات (وفق تصوره القاصر) والضغط الرهيب الواقع عليه مع مشاهد الدمار وطوابير الأطفال الجوعى على أبواب مصر.

وفق كل الشواهد يتمنى لو أن الحرب لم تقع، ولم يوضع في هذا المأزق، لكن شعباً عربياً، على سلبيته، تبعث إسرائيل فيه الروح بما تشحنه من غضبٍ أسود إزاء بشاعة الإبادة والتطهير العرقي والإهانة بغطرسة القوة، وهذا يضغط عليه ليقوم بشيء مما يُتوقع من مصر. لعله يتمنى لو أن إسرائيل أنهت مهمتها سريعاً و»خلصته» (تشاركه في ذلك كثيرٌ من دول الخليج)، لكن ذلك لا يحدث، كما أن تهور وحماقة اليمين الإسرائيلي المتطرف يزيد المحنة سواداً والأمور تعقيداً، بما يصدرون من تصريحات تزعج بقدر ما توقظ وتخيف الجمهور المصري، كما أنني على يقين من أن السيسي، وإن لم يكن يسمع النصح من قبل، فإنه في شأن غزة والحرب لا بد أنه يُشار عليه من قبل أجهزة أمنه وجيشه، وأنه يستمع على الأقل، وفي عداد هؤلاء لا بد من وجود عقلاء وأذكياء.
ثوب مصر أكبر بكثير من السيسي
في الحقيقة، وبصياغةٍ أخرى، فإن السيسي، الرجل الضئيل، في مأزق بين مصالحه الشخصية ومصالح أفسال مشيخات الزمن الغابر، الذين علا نجمهم في زمن الهزيمة والانتكاس وانحسار مشروع النهضة والتحديث العربي (أياً كانت تحفظاتنا عليه) وبين ما تفرضه عليه استحقاقات التاريخ والجغرافيا النابعة والمتجذرة من وجود مصر وكيانها الضارب في عمق التاريخ وتربة هذه المنطقة – المفترق العالمي.

إن ثوب مصر أكبر بكثير من السيسي، ولئن كنت لا أرى سوى الديمقراطية والحريات مستقبلاً ومخرجاً، فإنني على يقين من احتياج مصر، بل وحقها لكل الاعتبارات، إلى قاماتٍ أكبر قادرة على الاضطلاع بمهامها ودورها التاريخيين.

لا أستطيع التنبؤ بما ستحمله الأيام المقبلة، إلا أنني للأسف لا أرى السيسي والدولة المصرية من ورائه سوى قابعين في خانة رد الفعل، حريصين ما استطاعوا على الحفاظ على العلاقة المتميزة والمحورية مع إسرائيل، مدفوعين دفعاً، رغماً عنهم وعن محاولاتهم، لإصدار أي تصريحاتٍ تصب في خانة الحق الفلسطيني.
غير أن عجلة التاريخ قد تحركت، وإنني أراهن على أن تضحيات الشعب الفلسطيني ودمه وجراحه ستغير مسار التاريخ، كما رؤي وأُريد لها.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه المصرية السيسي غزة مصر السيسي غزة الاحتلال مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة صحافة سياسة سياسة مقالات رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مع إسرائیل ومن ثم

إقرأ أيضاً:

مقاومة الجدار: قرار إقامة المستوطنات حرب إبادة للجغرافية الفلسطينية

قال رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الوزير مؤيد شعبان إن مصادقة ما يسمى بـ"كابينيت الاحتلال الإسرائيلي" على تسوية وإقامة 19 مستوطنة جديدة في أنحاء الضفة الغربية تعتبر خطوة أخرى في سباق إبادة الجغرافية الفلسطينية لصالح مشروع الاستيطان الاستيطاني، معتبرا أن هذا القرار بمثابة تصعيد خطير ويكشف عن النوايا الحقيقية لحكومة الاحتلال في تكريس نظام الضمّ والفصل العنصري والتهويد الكامل للأرض الفلسطينية.

وقال شعبان إن "هذه الخطوة تأتي ضمن سياسة ممنهجة تقودها حكومة المستوطنين بزعامة نتنياهو وسموتريتش، الرامية إلى شرعنة البؤر الاستيطانية وتحويلها إلى مستعمرات رسمية، بما يكرّس السيطرة الإسرائيلية الدائمة على الأراضي الفلسطينية".

وأضاف أن القرار يشكل تحديا صارخا للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن، وخاصة القرار 2334، ويدقّ ناقوس الخطر بشأن مستقبل الضفة الغربية التي تتعرض لعملية استعمار ممنهجة تستهدف اقتلاع الوجود الفلسطيني وتحويل المدن والقرى إلى جيوب معزولة ومحاصرة.

وبين شعبان أن هذا القرار جاء في سياق تصاعدي واضح للمشروع الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي، الذي يسير وفق خطة متكاملة تهدف إلى موضعة أكبر قدر ممكن من المستعمرات والتكتلات الاستعمارية في الجغرافية الفلسطينية بهدف الفصل الجغرافي وإخضاع الحياة الفلسطينية لمنطق الجنون الاستعماري، مؤكدا أن هذا الإعلان يضاف إلى سلسلة إعلانات كبيرة لحكومة الاحتلال في مسألة التقدم بجملة قرارات حول المستوطنات، ففي 23 آذار 2025، أعلن الاحتلال عن فصل 13 حيا استيطانياً عن مستوطنات كبرى واعتبارها مستعمرات مستقلة، في خطوة هدفت إلى منحها صلاحيات إدارية وأمنية منفصلة، وتوسيع مساحة السيطرة للمستعمرين في عمق الأرض الفلسطينية.

ثم أعقب ذلك في 29 أيار 2025 قرار آخر يقضي بتحويل 22 بؤرة استيطانية إلى مستوطنات

قائمة بذاتها، وهو ما شكّل آنذاك أخطر عملية "شرعنة" لمواقع استيطانية غير قانونية منذ عقود.

وبين أنه ومع مصادقة الكابينيت على إقامة وتسوية 19 مستوطنة جديدة، يتضح أن هذه القرارات ليست أحداثا منفصلة، بل محطات متتابعة في مشروع استعماري شامل يستهدف فرض واقع جديد على الأرض الفلسطينية يسبق أي حل سياسي محتمل، ويؤكد أن حكومة الاحتلال الحالية تعمل وفق رؤية استراتيجية تهدف إلى إنهاء إمكانية قيام دولة فلسطينية متصلة جغرافيا عبر توسيع المستعمرات وربطها بشبكات طرق استعمارية وأمنية تخدم فقط المستعمرين.

وأكد شعبان أن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، بالتعاون مع الجهات الرسمية والشعبية كافة، ستواصل العمل القانوني والدبلوماسي والميداني لفضح جرائم الاستعمار الإسرائيلي أمام المجتمع الدولي، داعيا إلى تحرك عاجل من الأمم المتحدة والدول الأطراف السامية في اتفاقيات جنيف لوقف هذا التمدد الخطير.

وشدد شعبان على أن الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه وحقه التاريخي فيها، ولن تُرهبَه مشاريع الاستعمار، مهما بلغت إجراءات الاحتلال من تطرف وعدوانية.

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين غزة: 12 ضحية وانهيار 13 منزلًا وأكثر من 27 ألف خيمة بسبب المنخفض الجوي داخلية غزة تصدر بياناً بشأن الأوضاع في القطاع خلال المنخفض جباليا النزلة: مخيمات غارقة وسيول تحاصر النازحين في كارثة إنسانية متفاقمة الأكثر قراءة استطلاع رأي: أغلبية إسرائيلية تؤيد العفو عن نتنياهو مستوطنون يقطعون خطوط ناقلة للمياه في الأغوار الشمالية يديعوت: نتنياهو يحاول إقناع ترمب أنه مضطهد لتكثيف جهود العفو عنه موعد قرعة كأس العالم 2026 بتوقيت الأردن والقنوات الناقلة عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • تلويح بعمل عسكري ضد إثيوبيا.. وزير الخارجية المصري يكذّب إسرائيل!
  • وزير الخارجية المصري يكذب إسرائيل
  • فجر السعيد: اهتمام الرئيس السيسي بعبلة كامل تقدير حقيقي للفن المصري
  • إسرائيل تصف الرئيس السيسي بأنه حجر عثرة ضد تهجير الفلسطينيين وتصفية القضية |فيديو
  • تايمز أوف إسرائيل: الرئيس السيسي لا يعتزم عقد لقاء مع نتنياهو
  • السيسي سيلتقي ترامب لبحث تعديل معاهدة السلام مع إسرائيل وطلب تدخل عاجل لحل الخلاف مع إثيوبيا
  • السيسي يطلب من ماكرون زيادة الضغط الدولي على إسرائيل لوقف انتهاكاتها
  • دلياني: إسرائيل تواصل إبادة أهالي غزة تحت غطاء وقف إطلاق النار
  • "مقاومة الجدار": قرار إقامة المستوطنات حرب إبادة للجغرافية الفلسطينية
  • مقاومة الجدار: قرار إقامة المستوطنات حرب إبادة للجغرافية الفلسطينية