سلاح الحزب: وجه واحد.. وظلال عديدة
تاريخ النشر: 17th, August 2025 GMT
بعد فشل الحملة الفرنسية على مصر وخروجها على يد المقاومة سنة 1801م، قدّرت إنجلترا أن مصر تعيش فترة مهتزة، بعد مجيء محمد علي حاكما عام 1805م، وأن هذه الفترة قد تكون أنسب الأوقات لاحتلالها، وتثبيت قاعدة لها في الشرق، ومنع أي تحالف فرنسي/ عثماني. وبالفعل رتب الإنجليز كل أمورهم مع المماليك (محمد بك الألفي)، ولم يمر عامان على الحكم الجديد في مصر (1807م) إلا وكان الأسطول الإنجليزي على شواطئ الإسكندرية، واحتلها بسهولة تامة.
ورأت قيادة الحملة الاستيلاء على مدينة رشيد، للتحكم في الميناء الذي يؤمِّن مدخل النيل، لكن المقاومة الشعبية في المدينة بالتنسيق مع محافظ المدينة على بك السلانكي هزمتهم وأسرت عددا كبيرا من الجنود.
* * *
كان غريبا ولافتا حديث نتنياهو الأخير، عن تعلقه بمفهوم "إسرائيل الكبرى".. بل وحديثه للحريديم عن ضرورة وجودهم في الجيش لمنح الخلود للدولة اليهودية، رغم أن كل السياقات التاريخية والموضوعية تشير إلى أن أيا من هذه الأشياء لن يحدث، ولن يكون
فشلت الحملة الإنجليزية على مصر، كما فشلت الحملة الفرنسية قبلها.. بفضل المقاومة الشعبية ونداء المآذن: حي على الفلاح.. حي على الجهاد.
سيستقر محمد علي (ت: 1849م) في الحكم، وسيُحدث في البلاد تغييرا دراماتيكيا هائلا (اجتماعيا وسياسيا)، وسيكون من أبرز مظاهره "نزع السلاح" من الشعب، ليكون في يد الحكومة وحدها، ممثلة في الجيش والذي كان محمد علي قد بدأ في بنائه، برؤية ومعاونة فرنسية كاملة.
ما فشلت فيه إنجلترا سنة 1807م أمام المقاومة الشعبية، ستنجح فيه سنة 1882م أمام الجيش النظامي!! وستحتل مصر وتمكث فيها 70 سنة، ولم تخرج إلا بعد أن بدأت شمسها في المغيب، من إنهاك الحرب العالمية الثانية.
* * *
إنجلترا من أخطر بلدان الأرض قاطبة، وتنظر للأمور المتعلقة بمصالحها من كل الزوايا، كانت كذلك، ولا زالت كذلك.
وقبل خروجها من الشرق، قامت بعملية تسليم وتسلم بينها وبين ابنها الروحي والتاريخي، والصاعد جدا بعد الحرب العالمية الثانية (أمريكا)، كانت قد أعدت كل الأوراق في كل الملفات إعدادا جيدا؛ وأهمها على الإطلاق: الدولة الجديدة في قلب الشرق (الدولة الصهيونية)، التي ستخدم الغرب الحضاري، وستمنع أي تواصل بين الشام ومصر (قصة تفوق الشرق عبر كل العصور)، وتحويل السودان بفصله عن مصر إلى مسرح دائم للصراعات وتهديد دائم لاستقرار وأدى النيل، واستقرار وبقاء النظام السياسي "الثوري" على نحو عنيف، وبما لا يسمح بوجود أي قوة اجتماعية أو سياسية أو فكرية منظمة، وذات حضور شعبي..
وذلك كان ضروريا فيما يبدو لاستقرار الدولة الصهيونية، التي ستتعملق بالفعل على حساب النظام الثوري الجديد، بل وكل الأنظمة الثورية في المنطقة العربية.. ومتى؟؟ بعد 60 سنة من وعد وزير خارجية إنجلترا الشهير "بلفور" بوطن قومي لليهود، لتتخلص أوروبا تماما من هذا الصداع التاريخي المقرون بهذه الفئة من البشر.
المثير أننا نقترب من نهاية الستين الثانية منذ 1967م.. (2027م). وقد كثر الحديث عن هذا التاريخ، كتوقيت يشير إلى نهاية "الدولة الصهيونية"؛ أبرز مفاعيل احتلال إنجلترا لمصر سنة 1882م.
وأبرز من تحدثوا عن ذلك كان الشيخ أحمد ياسين (ت: 2004م) رحمه الله وفق نظرية تعاقب الأجيال، كل 40 عاما، ونتنياهو وإيهود باراك وفق "لعنة العقد الثامن".
* * *
لذلك كان غريبا ولافتا حديث نتنياهو الأخير، عن تعلقه بمفهوم "إسرائيل الكبرى".. بل وحديثه للحريديم عن ضرورة وجودهم في الجيش لمنح الخلود للدولة اليهودية، رغم أن كل السياقات التاريخية والموضوعية تشير إلى أن أيا من هذه الأشياء لن يحدث، ولن يكون.
وأهم شيء في حديث نتنياهو -من وجهة نظري- هو منح الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم (72 عاما)، التحدث بتلك القوة المعنوية والتفاوضية، عن أهمية الحضور الكامل للمقاومة بكامل الاستعداد والجهوزية.
وتوقيت حديث نتنياهو لا يخلو من طرافة الحقيقة، وأتصور أنه ضمن الأخطاء المتتالية التي تتسلط على الحكومة الصهيونية بشكل لا إرادي من 7 أكتوبر. وتسلط الإنسان على نفسه، حتى يهلكها أحد الوجوه المعتبرة لدهاء التاريخ، حتى أن الفيلسوف الهندي بيدبا صك لنا وصفا خطيرا للإنسان في بعض الأوقات: "عدو نفسه".. في كتابه الشهير كليلة ودمنة.
* * *
المقاومة الشعبية المسلحة لها حضورها الدائم في تاريخ الصراع بيننا وبين الغرب، بكل تنويعاته. فلا زال التاريخ يذكر البطل أحمد عبد العزيز (ت: 1948م) الذي استقال من الجيش المصري وهو برتبة قائمقام (عقيد)، ليقود المقاومة الفدائية في حرب 1948م.. وكان يرى بعقلية استراتيجية سابقة، أن الحل في المسألة الصهيونية هو المقاومة الشعبية المسلحة؛ لا الجيوش النظامية. ولا زال المصريون يتحدثون بكل فخر واعتزاز عن الشيخ حافظ سلامة (ت: 2021م) رحمه الله، وقيادته للمقاومة في السويس عام 1973م.
* * *
قاومة تاريخيا وميدانيا ومنطقيا، جزء من "الأمن القومي العربي"، إذا كان لا زال للمفهوم تماسكه وحضوره. ويجب النظر للموقف من هذه الزاوية، مبتعدين ما استطعنا عن المكايدات المذهبية والطائفية
"حزب الله" تكونت صورته الذهنية في الوعي العام، من خلال أسطورة "المقاومة" في الجنوب اللبناني، وهو ما منحه قوة سياسية واجتماعية واسعة، تحت قيادة ملهمة وقوية ممثلة في السيد حسن نصر الله (ت: 2024م) رحمه الله، لكن تدخل الحزب في "المسألة السورية" سحب الكثير من حضوره التاريخي عربيا وشعبيا، كحركة مقاومة، وعرّضه لاختراقات مخابراتية واسعة في الغابة السورية على مدار أكثر من عشر سنوات.
كل ذلك عادي في وارد الأخطاء التاريخية التي تتشابك أحيانا، ومن ذا الذي تصفو مشاربه..؟ ولن يُنسى له الموقف الداعم لغزة، من اليوم الأول لـ"طوفان الأقصى"..
* * *
لبنان بلد مليء بالحساسيات الطائفية المتحفزة، وقد صاغت فرنسا سنة 1920م خريطته السياسية (لبنان الكبير)، من أجل أن يكون كذلك دائما، وثقافة "العيش المشترك" تجمع الآن الجميع، بعد نار الحرب الأهلية في السبعينيات، لكن الأمر سيظل قابلا للتوتر، وأيضا قابلا للتعايش.
كل ذلك في جانب، والحفاظ على قوة "المقاومة" في الجنوب أمام تهديدات الدولة الصهيونية في جانب آخر..
المقاومة تاريخيا وميدانيا ومنطقيا، جزء من "الأمن القومي العربي"، إذا كان لا زال للمفهوم تماسكه وحضوره. ويجب النظر للموقف من هذه الزاوية، مبتعدين ما استطعنا عن المكايدات المذهبية والطائفية. وواقع اليوم يختلف كليا عن واقع الأمس.. وفي التجارب تحكيم ومعتبر كما يقولون.
x.com/helhamamy
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء المقاومة السلاح العربية نتنياهو حزب الله مقاومة نتنياهو سلاح حزب الله عرب قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدولة الصهیونیة المقاومة الشعبیة حدیث نتنیاهو من هذه لا زال
إقرأ أيضاً: