عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا ندوة يوم الثلاثاء 26 أغسطس/آب 2025، تحت عنوان "الحصار والمجاعة في الفاشر وجرائم المرتزقة في السودان"، بهدف تسليط الضوء على الأزمة الإنسانية المستمرة في دارفور، مع التركيز على حصار الفاشر من قبل قوات الدعم السريع وارتكاب جرائم الحرب بحق المدنيين.

جمعت الندوة خبراء ودبلوماسيين دوليين من ذوي الخبرة في الملف السوداني، من بينهم: السفير الأمريكي السابق تيموثي مايكل كارني، والسفير النرويجي السابق لدى السودان إندري ستيانسن، وعائشة البصري الباحثة في المركز العربي للأبحاث، وليني كينزلي من برنامج الأغذية العالمي، وأداما غاي، وباتسون ماليسا، ومارتن بلوت محرر الشؤون الأفريقية السابق في بي بي سي.



الأبعاد الإنسانية للحصار

أكد المتحدثون أن حصار الفاشر أدى إلى فقدان المواد الغذائية والطبية والوقود، وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، مما تسبب في انتشار الجوع على نطاق واسع، خاصة في مخيمات النازحين مثل مخيم زمزم، حيث يعتمد السكان على قشور الفول السوداني كغذاء بديل. وأشارت كينزلي إلى تعرض قوافل الإغاثة للهجمات المتكررة، ما أدى إلى مقتل العديد من العاملين في المجال الإنساني وتدمير شاحنات محملة بالمساعدات.

ناقشت الندوة الاتهامات الموجهة للحكومة السودانية بدعم الإمارات للمرتزقة الأجانب، بما في ذلك الكولومبيون، للقتال إلى جانب قوات الدعم السريع، ما عزز من قدرة ميليشيات حميدتي على ارتكاب الجرائم ضد المدنيين. وأكد كارني وستيانسن أن هذه التدخلات الخارجية فاقمت الأزمة الإنسانية وجعلت الحل السياسي أكثر تعقيدًا، ودعا المشاركون إلى مساءلة جميع الجهات الفاعلة داخليًا وخارجيًا.

أكدت البصري وماليسا وبلوت أن الأزمة في السودان ليست مجرد نزاع محلي، بل تعكس صراع مصالح إقليمي ودولي، حيث تلقت القوات المسلحة دعمًا من دول مثل مصر وإيران وتركيا، بينما دعمت قوات الدعم السريع الإمارات وليبيا وشبكات في منطقة الساحل، بالإضافة إلى تورط مجموعات مثل فاغنر الروسية في نهب الذهب لتمويل الحروب في الخارج. وأشارت البصري إلى أن محاولات الوساطة مثل محادثات جدة ومؤتمر لندن فشلت في تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، نتيجة الانقسامات بين القوى الإقليمية والدولية.

ضرورة التدخل الدولي العاجل

شدّد المتحدثون على أن الحل لا يمكن أن يقتصر على الجهود المحلية أو الإقليمية فقط، بل يتطلب تدخلًا دوليًا فاعلًا، يشمل: رفع الحصار عن الفاشر فورًا وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، تفعيل آليات الأمم المتحدة للتحقيق في الجرائم والمساءلة الدولية، ممارسة ضغط دبلوماسي وسياسي على الجهات الإقليمية والدولية الراعية للصراع، لضمان وقف التدخلات العسكرية والمالية، دعم عملية سياسية شاملة تؤدي إلى انتقال ديمقراطي وسلمي، مع إشراك المجتمع المدني والجهات الأفريقية الفاعلة.

وخلص المشاركون إلى أن السودان يواجه تحديًا مزدوجًا: الأزمة الإنسانية والمجاعة، والصراع السياسي المدعوم إقليميًا ودوليًا. وأكدوا أن حماية المدنيين ومحاسبة مرتكبي الجرائم، ووقف استخدام الغذاء كسلاح، هما حجر الزاوية لأي حل مستدام. وفي النهاية، شدد المتحدثون على أن الشعب السوداني لم يستسلم، ويجب على المجتمع الدولي أن لا يفقد الأمل في حماية المدنيين وإنقاذ السودان من الانهيار الكامل.

واندلعت الحرب الأخيرة في السودان في 15 أبريل 2023 بعد هجوم قوات الدعم السريع على عدة قواعد عسكرية ومطار الخرطوم الدولي، مما أدى إلى مواجهات عنيفة مع الجيش السوداني في الخرطوم ومدن أخرى. حاولت الوساطات الإقليمية والدولية، مثل اتفاق جدة لوقف إطلاق النار في مايو 2023، احتواء الصراع، إلا أن القتال توسع خلال يونيو ويوليو ليشمل مناطق مثل الأبيض ودارفور، مع استمرار اتهامات كل طرف للأخر بتلقي دعم خارجي.

طوال الفترة بين أغسطس 2023 ومارس 2024 تدهور الوضع الإنساني بشكل كبير، مع فشل محاولات وقف إطلاق النار التي قادتها جهات دولية في إبريل 2024. منذ ذلك الحين وحتى أغسطس 2025، استمرت المعارك، وتفاقمت أزمة النزوح واللاجئين، ما أظهر تعقيدات الصراع وتعدد الأطراف المتورطة داخليًا وخارجيًا، ما يجعل الحل النهائي للأزمة رهينًا بتعاون دولي وإقليمي مكثف.


المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية السودان خبراء مواجهات السودان امن خبراء مواجهات المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قوات الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

النفط يُحمى.. والشعب السوداني يترك للمجهول!

ابراهيم هباني

في السودان لا يحتاج المرء الى جهد كبير ليفهم ما الذي يجعل الاطراف المتحاربة تتفق بسرعة، وما الذي يجعلها تختلف حتى اخر مدى.

يكفي النظر الى ما جرى في هجليج، وما جرى قبله في الفاشر وبابنوسة، ليتضح ان اولويات الحرب لا علاقة لها بحياة الناس، بل بما فوق الارض وتحتها.

في هجليج، انسحب الجيش السوداني الى جنوب السودان، ودخلت قوات الدعم السريع الحقل بلا مقاومة كبيرة، ثم ظهر رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت ليؤمن المنشاة الحيوية التي يعتمد عليها اقتصاد بلاده.

ولم يحتج الامر الى جولات تفاوض او بيانات مطولة. اتفاق سريع، وترتيبات واضحة، وهدوء مفاجئ. السبب بسيط: الحقل شريان لبلدين، وله وزن في حسابات دولية تتابع النفط اكثر مما تتابع الحرب.

لكن الصورة تختلف تماما عندما نعود الى الفاشر. المدينة عاشت اكثر من خمسمئة يوم تحت الحصار. 500 يوم من الجوع والانهيار، بلا انسحاب من هذا الطرف او ذاك، وبلا موافقة على مبادرة لتجنيبها الحرب. سقطت الفاشر لانها ليست هجليج. لا تملك بئرا، ولا انبوبا، ولا محطة معالجة. ولذلك بقيت خارج الحسابات.

وبابنوسة قصة اخرى من النوع نفسه. المدينة ظلت لما يقارب 680 يوما بين حصار واشتباكات وانقطاع، ثم سقطت نهائيا.

وخلال ذلك نزح منها ما لا يقل عن 45 الف شخص. ومع ذلك لم تعلن وساطة عاجلة، ولا ترتيبات لحماية المدنيين، ولا ما يشبه العجلة التي رأيناها في هجليج الغنية بالنفط!

بابنوسة، مثل الفاشر، لا تضخ نفطا، ولذلك لم تجد اهتماما كبيرا.

دولة جنوب السودان تحركت في هجليج لانها تعرف ان بقاءها الاقتصادي مرتبط بانبوب يمر عبر السودان.

والصين تراقب لان مصالحها القديمة في القطاع تجعل استقرار الحقول مسألة مهمة.

اما الاطراف السودانية، فاستجابت بسرعة نادرة عندما تعلق الامر بالبرميل، بينما بقيت المدن تنتظر نصيبا من العقل، او نصيبا من الرحمة.

المعادلة واضحة. عندما يهدد النفط، تبرم الترتيبات خلال ساعات. وعندما يهدد الناس، لا يحدث شيء. هجليج اخليت لانها مربحة. الفاشر وبابنوسة تركتا لان كلفتهما بشرية فقط.

والمؤسف ان هذا ليس تحليلا بقدر ما هو وصف مباشر لما حدث. برميل النفط حظي بحماية طارئة، بينما المدن السودانية حظيت بالصمت.

وفي نهاية المشهد، يبقى الشعب السوداني وحيدا، يواجه مصيره بلا وساطة تحميه، وبلا اتفاق ينقذه، وبلا جهة تضع حياته في اولوياتها.

هذه هي الحكاية، بلا تجميل. النفط يوقع له اتفاق سريع. الشعب ينتظر اتفاقا لم يأت بعد.

الوسومإبراهيم هباني

مقالات مشابهة

  • معاناة بلا نهاية.. الشعب السوداني يعيش أعمق أزمة إنسانية
  • النفط يُحمى.. والشعب السوداني يترك للمجهول!
  • الدعم السريع تحتجز آلاف المدنيين في الفاشر بينهم نساء وأطفال
  • فرض عقوبات على قادة الدعم السريع السوداني
  • مصرع مواطن سوداني بنيران الدعم السريع في كردفان
  • الجيش السوداني يُدمر ارتكازات ومعدات عسكرية للدعم السريع
  • مسيرة لقوات الدعم السريع تستهدف حي طيبة شرقي مدينة الأبيض السودانية
  • بسبب القتل في الفاشر.. بريطانيا تفرض عقوبات على قادة في الدعم السريع
  • هل قتلت قوات الدعم السريع الصحفي السوداني معمر إبراهيم؟
  • WP: الفاشر تعيش كارثة إنسانية وصمت العالم يفتح الباب لأسوأ مأساة في السودان