بينما يعيش مئات الآلاف من سكان غزة تحت القصف وتهديد النزوح، نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي في 27 أغسطس/آب خريطة عبر منصة إكس، قال: "إنها تُظهر مناطق شاسعة وخالية في جنوب ووسط القطاع تصلح لإقامة مخيمات نزوح ومراكز إغاثة"، مؤكدا أن إخلاء مدينة غزة لا مفر منه، وأضاف أن الجيش بدأ بالفعل إدخال الخيام وتمهيد الأرض لمدّ خط مياه وإنشاء مجمعات لتوزيع المساعدات الإنسانية.

#عاجل ‼️بيان مهم إلى سكان قطاع غزة وتحديدًا في مدينة غزة وشمال القطاع بخصوص ما ينشر من إشاعات كاذبة بأنه لا يوجد مكان فارغ في جنوب القطاع لانتقال السكان
⭕️قبيل التحول إلى المرحلة التالية في الحرب أود أن أؤكد بأن هنالك مناطق شاسعة فارغة في جنوب القطاع كما هو الحال في مخيمات… pic.twitter.com/SfApZFZKYb

— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) August 27, 2025

 

لكن هل كانت تلك الرقع المظللة على الخريطة حقا أراضي خالية وجاهزة لاستقبال النازحين، أم أن الواقع على الأرض مختلف تماما؟ من هذا السؤال انطلق فريق التحقيقات في وكالة سند للتحقق بشبكة الجزيرة، فأجرى إرجاعا جغرافيا للخريطة وقارنها بصور أقمار اصطناعية حديثة، بحثا عن الحقيقة خلف الادعاء.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ما حقيقة غرق مطار مومباي وتوقف الملاحة إثر أمطار غزيرة بالهند؟list 2 of 2هل رفض الحرس الوطني الأميركي أوامر ترامب بالانتشار في شيكاغو؟end of list

أظهر التحليل أن الخريطة الإسرائيلية تضم 38 قطعة أرض فقط: 8 في محافظة خان يونس، و30 في دير البلح بمساحة إجمالية لا تتجاوز 7 كيلومترات مربعة، بينما سكان الشمال المهددين بالنزوح من شمال القطاع بمئات الآلاف.

خريطة الجيش الإسرائيلي مقارنة بالخريطة الأساسية (بلانت)

 

وعند مطابقة هذه الرقع مع أوامر الإخلاء التي أصدرها الجيش منذ استئناف عملياته العسكرية، تبين أن 29 قطعة من أصل 38 تقع داخل مناطق شملتها بالفعل إنذارات الإخلاء.

هنا يظهر التناقض الصارخ؛ كيف يمكن دعوة المدنيين للانتقال إلى مواقع يعتبرها الجيش نفسه مناطق غير آمنة ويطالب بإخلائها مسبقا؟

خرائط الجيش الإسرائيلي مقارنة بالخريطة الأساسية (بلانت-سند)

 

لكن الأهم أن هذه الرقع لم تكن كما صورها الاحتلال بأنها "مناطق شاسعة وخالية" جاهزة لاستيعاب النازحين، بل بدت متباينة في طبيعتها، بين ملكيات خاصة محاطة بالأسوار، ومكبات نفايات مكشوفة، وأحياء عمرانية مكتظة، فضلا عن مناطق تعج أصلا بخيام النازحين أو تستخدم في النشاط الزراعي.

إعلان

التحقيق أظهر أن غالبية هذه الرقع مشغولة بدرجات متفاوتة، ففي خان يونس مثلا، بدت أربع مناطق ممتلئة بالكامل وأربع أخرى مشغولة جزئيا، أما النصيرات، فإحدى الرقعتين فيها تكاد تكون ممتلئة تماما بينما الثانية مشغولة جزئيا، وفي مخيمَي البريج والمغازي، ظهرت منطقة واحدة مكتظة كليا، و4 مناطق أخرى مشغولة جزئيا.

المشهد لم يختلف كثيرا في الزوايدة حيث بدت رقعة واحدة ممتلئة بالكامل، في حين الست الباقية مشغولة بنسب متفاوتة، بينما في دير البلح بدت 3 مناطق ممتلئة تماما، والرقع الـ13 المتبقية مأهولة بدرجات متفاوتة.

وبحسب صور الأقمار الاصطناعية، تجاوزت نسب الإشغال في بعض هذه المواقع 80%، مما ينفي عمليا وصفها بأنها "أراض خالية" صالحة لاستيعاب نازحين جدد.

ولم يقتصر الأمر على الاكتظاظ السكاني، بل كشفت المطابقة البصرية أن كثيرا من الرقع التي ظللها الجيش الإسرائيلي باللون الأزرق هي في الحقيقة أراض مسورة تشير إلى ملكيات خاصة غير متاحة، وبعضها يحتوي على نشاط زراعي قائم، الأمر الذي يطرح علامات استفهام إضافية حول إمكانية تحويلها إلى مخيمات.

أراض مسورة وتحوي نشاطا زراعيا ضمن مناطق حددها الجيش في الزوايدة في 18 يوليو/تموز 2025 (خريطة الجيش الإسرائيلي/بلانت)

 

كما كشفت صور الأقمار الاصطناعية أن بعض الرقع التي وصفت بأنها "خالية" ليست سوى مكبات نفايات أو مواقع لتجميع الأنقاض، وهو ما يجعلها غير صالحة للسكن البشري الفوري، ولا يمكن أن تتحول بين ليلة وضحاها إلى أماكن لإقامة خيام أو مراكز إغاثة.

مكب نفايات غربي النصيرات ضمن مناطق النزوح، 18 يوليو/تموز 2025 (خريطة الجيش الإسرائيلي/بلانت)

 

وبينما ادعى جيش الاحتلال أن بعض الرقع تصلح لإقامة مخيمات نزوح، أظهرت المطابقة البصرية أنها في الحقيقة أحياء قائمة ومكتظة بالمباني، وهذه المناطق العمرانية المزدحمة لا تترك أي مجال لإقامة خيام جديدة أو إنشاء مرافق إغاثية، مما ينسف فكرة اعتبارها أراضي خالية.

منطقة مبنية بالكامل صُنفت منطقة نزوح (خريطة الجيش الإسرائيلي/بلانت)

 

وفي مواقع أخرى، لم تكن الرقع خالية كما روج لها، بل كشفت صور الأقمار الاصطناعية عن وجود خيام وملاجئ مؤقتة قائمة بالفعل، بمعنى أن المساحة التي أعلنت كمناطق نزوح جديدة هي في الأصل مأهولة بالنازحين، باستثناء بعض قمم الكثبان الرملية في مواصي خان يونس، وهي مناطق وعرة يستحيل عمليا تثبيت الخيام فوقها.

خيام النازحين في مواصي خان يونس 18 يوليو/تموز 2025. (بلانت)

 

كما اتضح أن بعض الرقع التي صنفت أراضي خالية تستخدم فعليا في النشاط الزراعي، وهذا يثير تساؤلا جوهريا: كيف يمكن وصف هذه الأراضي بأنها فارغة وهي في الواقع تشكل مصدرا نادرا للغذاء وسط مجاعة خانقة يعيشها القطاع؟ كما أن تحويلها إلى مخيمات نزوح لا يعني فقط حرمان السكان من ملاذ بديل، بل أيضا خسارة مساحات زراعية حيوية تمثل أحد مقومات البقاء القليلة المتبقية.

مناطق ذات نشاط زراعي في مواصي خان يونس 18 يوليو/تموز 2025. (بلانت)

 

ويخلص التحقيق إلى أن توصيف الجيش الإسرائيلي لما سماه "المناطق الخالية" يتجاهل الواقع على الأرض، فالمساحة الإجمالية التي لا تتجاوز 7 كيلومترات مربعة لا تصلح عمليا لإقامة خيام أو إنشاء مرافق أساسية للنازحين، إذ تتوزع بين أراض تحتاج إلى تهيئة هندسية وخدماتية معقدة، وأخرى غير متاحة أصلا بسبب الملكية الخاصة أو الاكتظاظ القائم فيها.

إعلان

وبذلك يتبين أن الخطاب العسكري عن "مساحات جاهزة" لم يكن سوى صورة على الورق، سرعان ما انهارت أمام التدقيق بالأقمار الاصطناعية ومعاينة الوضع الميداني.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات خریطة الجیش الإسرائیلی یولیو تموز 2025 خان یونس

إقرأ أيضاً:

مبادرة الاتحاد الإفريقي لاعتماد خريطة جديدة لإفريقيا.. ، ، !!

مدخل إلى القارة الجريحة

إفريقيا، التي وُصفت طويلًا بأنها "القارة السوداء"، لم تكن يومًا مظلمة إلا في عيون الطامعين. منذ مؤتمر برلين 1884 - 1885 قُسمت كما يُقسم الإرث بين ورثة بلا رحمة، ثم ورثتها أنظمة هشة تتأرجح بين الاستعمار القديم والهيمنة الجديدة.

اليوم، وبعد أكثر من نصف قرن على رحيل عبد الناصر ومعمر القذافي، وبعد تحولات مصر عقب اتفاقية كامب ديفيد، تجد إفريقيا نفسها أمام مفترق جديد: مبادرة الاتحاد الإفريقي لاعتماد خريطة جديدة للقارة. ليست مجرد خطوط على ورق، بل محاولة لرسم هوية ووعي جديدين، وربما استعادة مكانة ضائعة في النظام الدولي.

رحيل الزعماء وغياب المشروع

برحيل عبد الناصر عام 1970 فقدت القارة صوتًا كان يرى إفريقيا امتدادًا طبيعيًا لمصر وللعالم العربي. دعوته إلى منظمة الوحدة الإفريقية لم تكن خطوة سياسية فحسب، بل رؤية لربط المصير العربي بالإفريقي في مواجهة الاستعمار الجديد.

ثم جاء رحيل القذافي عام 2011 ليترك فراغًا آخر. الرجل الذي أنفق من خزائن ليبيا على مشروعات الوحدة الإفريقية، وحلم "الولايات المتحدة الإفريقية"، غاب وترك القارة عرضة للاختراقات.

منذ ذلك الوقت تراجعت جسور التواصل العربي - الإفريقي، ولم تبق سوى خيوط هشة. حتى جنوب إفريقيا، التي عاشت حقبة التمييز العنصري، وجدت نفسها في زمن ما أقرب إلى إسرائيل قبل أن تتغير المعادلة مع سقوط الأبارتهايد.

جنوب إفريقيا: من دولة منبوذة إلى صوت أخلاقي

المفارقة أن الدولة التي عانت من الفصل العنصري، هي اليوم الأكثر جرأة في مواجهة إسرائيل داخل مجلس الأمن، متهمة إياها بتطبيق نموذج أبارتهايد جديد على الشعب الفلسطيني.

جنوب إفريقيا لم تعد مجرد لاعب إقليمي، بل أصبحت ضميرًا عالميًا يذكّر بأن من تذوق مرارة العنصرية لا يقبل بتكرارها. في كل مداخلة دبلوماسية لوفودها بالأمم المتحدة، تحضر صورة مانديلا كرمز حيّ، كأن صوته لم ينقطع.

التوغل الإسرائيلي في القارة بعد كامب ديفيد

بتوقيع مصر اتفاقية السلام عام 1979 فقدت إفريقيا إحدى ركائزها في مواجهة المشروع الصهيوني. إسرائيل، التي كانت معزولة دبلوماسيًا بفضل الجبهة العربية - الإفريقية، وجدت الباب مفتوحًا للعودة.

في إثيوبيا: دعمت أنظمة متعاقبة، وتوغلت عبر ملف "الفلاشا" والتعاون العسكري.

في أوغندا وكينيا: قدمت نفسها كحليف أمني ضد الإرهاب، بخبرة استخباراتية واسعة.

في غرب إفريقيا: اخترقت عبر الزراعة والتكنولوجيا والماس.

في الساحل والصحراء: نشطت شركاتها الأمنية الخاصة تحت شعار "مكافحة الإرهاب".

إسرائيل فهمت أن القارة ليست مجرد أسواق ومناجم وسدود، بل أيضًا ساحة أصوات بالأمم المتحدة. ومن يملك القارة يملك كتلة تصويتية يمكن أن تشرعن أو تعزل.

الاتحاد الإفريقي وخريطة الهوية الجديدة

منذ تأسيس الاتحاد الإفريقي عام 2002 خلفًا لمنظمة الوحدة، تسعى القارة لإعادة إنتاج ذاتها. لكن مبادرة اعتماد خريطة جديدة تعكس أبعادًا أعمق:

الاعتراف بالحدود القائمة لتقليل النزاعات.

صياغة سردية إفريقية موحدة أمام العالم.

إعلان أن القارة لم تعد تابعًا، بل لاعبًا يجب أن يُحسب حسابه.

إنها ليست خرائط لكتب مدرسية، بل جغرافيا للذاكرة والهوية. فمن لا يرسم حدوده بيده، سيرسمها الآخرون له كما فعل الأوروبيون من قبل.

إفريقيا: جسد يبحث عن روح

-- التاريخ يكشف أن القارة كانت دومًا جسدًا ممزقًا يبحث عن روح موحدة. استعمار ونهب وتقسيم حدودي جعلها كمن يعيش في "غرفة مرايا" لا يرى صورته الحقيقية.

اليوم، مع مبادرة الخريطة، تقول إفريقيا: "هذه صورتي الحقيقية، لا كما رسمتموني."

لكن السؤال: هل تكفي الخريطة لإحياء الجسد دون مشروع اقتصادي وسياسي جامع؟

الجيوسياسة الجديدة: إفريقيا بين القوى الكبرى

إفريقيا اليوم مسرح للحرب الباردة الجديدة:

الصين عبر "الحزام والطريق" تستثمر في الموانئ والسكك الحديدية.

روسيا تعود عبر صفقات السلاح و"فاغنر".

أمريكا تحاول موازنة النفوذ الصيني والروسي عبر قواعد ومساعدات.

إسرائيل تسعى لرسوخ نفوذها في المياه والأمن والغذاء.

--مبادرة الخريطة إذن ليست جغرافيا فحسب، بل إعادة تعريف للذات وسط تنافس القوى الكبرى.

فلسطين وإفريقيا: ذاكرة مشتركة

-- في زمن عبد الناصر كانت إفريقيا ترى في فلسطين مرآتها: شعب يرزح تحت استعمار، ويسعى للتحرر. لكن مع التحولات الدولية تراجعت القضية في وعي الكثيرين.

اليوم يأتي صوت جنوب إفريقيا ليذكّر: فلسطين ليست قضية عرب فقط، بل اختبار إنساني عالمي. ومن هنا كان موقفها في مجلس الأمن إعلانًا للهوية أكثر من كونه سياسة خارجية.

--الخريطة كفلسفة وجود

الخريطة ليست خطوطًا، بل فلسفة وجود.حين ترسم إفريقيا خريطتها بنفسها، تعلن أنها لم تعد فراغًا في خرائط الآخرين. لكن التحدي يبقى: كيف تتحول الفلسفة إلى مشروع واقعي؟ اتحاد اقتصادي، تعاون أمني، موقف موحد تجاه الشرق الأوسط، وخاصة تجاه إسرائيل.

نحو صحوة إفريقية جديدة

مبادرة الاتحاد الإفريقي لاعتماد خريطة جديدة ليست قرارًا إداريًا، بل دعوة لإفريقيا أن تستعيد روحها بعد غياب زعمائها الكبار وبعد اختراقها من قوى الخارج.

قد تكون جنوب إفريقيا نموذجًا، حين واجهت إسرائيل في مجلس الأمن، بأن القارة قادرة أن تكون صوتًا أخلاقيًا لا يُشترى.

لكن يبقى السؤال: هل تستطيع إفريقيا أن تتحول من ساحة صراع إلى فاعل رئيسي؟ وهل ستكون الخريطة بداية وعي جديد أم مجرد شكل بلا مضمون؟

العلاقات العربية - الإفريقية: عودة إلى الجذور

-- المستقبل يفرض إعادة صياغة العلاقة العربية - الإفريقية على قاعدة المصالح المشتركة. الأمن المائي في نهر النيل، أمن البحر الأحمر، تجارة البحر المتوسط، والهجرة، كلها ملفات لا يمكن معالجتها إلا بشراكة صادقة.

على العرب أن يستعيدوا ما فقدوه بعد كامب ديفيد ورحيل عبد الناصر والقذافي، عبر مشروع حقيقي يعيد وصل ما انقطع. فإفريقيا ليست مجرد عمق جغرافي، بل عمق تاريخي وثقافي، وبدونها يبقى العالم العربي معزولًا في مواجهة التحديات الكبرى.. .!!

--- محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية ---

مقالات مشابهة

  • بوتين يكشف المساحة التي يسيطر عليها الجيش الروسي في أوكرانيا
  • أكد الحرص على إنجاح خطة ترمب.. عبدالعاطي: تركيز على آلية انسحاب الجيش الإسرائيلي
  • الجيش الإسرائيلي يعلن رصده قذيفة أطلقت من غزة
  • ارتفاع خام البصرة وسط تحقيق النفط مكاسب جديدة عالمياً
  • مبادرة الاتحاد الإفريقي لاعتماد خريطة جديدة لإفريقيا.. ، ، !!
  • 11 شهيدا بنيران الاحتلال الإسرائيلي في مناطق عدة بقطاع غزة منذ فجر اليوم
  • نزوح جديد في غزة.. عائلات تُقيم خياماً على شاطئ دير البلح هرباً من القصف
  • غزة بين جرائم العدو الإسرائيلي وآمال التهدئة .. ماذا بعد موافقة المقاومة على خطة ترامب؟
  • غزة تغرق بين أنقاضها.. هكذا دمر الاحتلال القطاع على مدار عامين كاملين (خريطة)
  • غزة: تحذير للنازحين من التوجه إلى مناطق تواجد الاحتلال الإسرائيلي