إيكونوميست: نتنياهو يواصل المراوغة للبقاء في السلطة على حساب دماء غزة
تاريخ النشر: 29th, August 2025 GMT
نشرت مجلة "إيكونوميست" البريطانية تقريرًا مطولًا حول أداء رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال الحرب المستمرة على غزة، معتبرة أن تكتيكاته السياسية لا تهدف سوى إلى إطالة أمد بقائه في الحكم والفوز في الانتخابات المقبلة، حتى وإن كان الثمن كارثيًا على سكان غزة والأسرى الإسرائيليين.
فبعد ستة أشهر فقط من تعيينه، خالف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجديد، إيال زامير، علنًا سياسات حكومة نتنياهو.
خلق غياب استراتيجية واضحة من جانب الحكومة توترًا متصاعدًا بين المؤسسة العسكرية وحكومة نتنياهو. كما اعتبرت المجلة أن مراوغات نتنياهو بلغت مستويات غير مسبوقة في الأسابيع الأخيرة، الأمر الذي يفاقم معاناة سكان غزة ويهدد حياة الأسرى الإسرائيليين، بينما لا يحركه سوى هاجس الحفاظ على منصبه السياسي.
توضح "إيكونوميست" أن إنهاء الحرب قد يدفع حلفاء نتنياهو في اليمين المتطرف للتخلي عنه، بينما تضع معارضة الجيش عقبات أمام توسيع العمليات العسكرية بالسرعة التي يرغب بها. في تموز/يوليو الماضي، طلب نتنياهو من الجيش إعداد خطة لإنشاء معسكر اعتقال في جنوب غزة، يتم فيها تجميع سكان القطاع البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة، فيما تتولى القوات الإسرائيلية القضاء على حماس في بقية المناطق. لكن الجيش رفض الخطة باعتبارها غير عملية ما دفع نتنياهو لتقليصها نحو هدف أضيق يتركز على مدينة غزة، التي تضم نصف سكان القطاع تقريبًا.
وخلال أكثر من شهرين، منعت حكومة الاحتلال إدخال المساعدات إلى غزة، قبل أن تسمح لاحقًا بمرور كميات ضئيلة جدا عبر قنوات ملتوية، شملت مؤسسات إغاثة غير واضحة، وشركات خاصة، وحتى عصابات إجرامية. وذكرت المجلة أن مئات الغزيين لقوا حتفهم جوعًا أثناء محاولتهم الوصول إلى مراكز توزيع الغذاء، في وقت صنف فيه تقرير "التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي" أجزاء واسعة من غزة في مرحلة المجاعة، وهو ما ينكره الاحتلال الإسرائيلي.
على الصعيد الدبلوماسي، يواصل الاحتلال الإسرائيلي منذ أشهر محادثات غير مباشرة مع حماس، بوساطة مصر وقطر، حول اتفاق تبادل للأسرى يتضمن وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار. ورغم موافقة حماس على صيغة اتفاق جديد، فإن نتنياهو رفضها وأصر على شروط أكثر تشددًا، من بينها الإفراج عن جميع الأسرى وفرض وقف للحرب وفق الرؤية الإسرائيلية فقط. وبدت الحكومة غير مبالية بمصير عشرات آلاف القتلى من المدنيين الفلسطينيين الذين تجاوز عددهم 60 ألفًا، بحسب التقرير.
تضيف "إيكونوميست" أن إستراتيجية نتنياهو تقوم على ركيزتين: الإبقاء على تحالفه اليميني المتطرف، ومحاولة تسويق "نصر" عسكري في غزة لاستعادة ثقة الشارع الإسرائيلي. ورغم نجاحه حتى الآن في كسب دعم شركائه المتطرفين عبر استمرار الحرب وإبقاء حلم ضم غزة والضفة قائمًا، فإن الرأي العام الإسرائيلي انقلب ضده. ثلاثة أرباع الإسرائيليين يؤيدون صفقة تبادل للأسرى تتضمن إنهاء الحرب، فيما خرج مئات الآلاف إلى الشوارع للمطالبة بذلك.
ورغم ذلك، يواصل نتنياهو تجاهل هذه الأصوات، متمسكًا بخطاب الحرب. وتلفت المجلة إلى أن نتنياهو كان يعتقد أن عملياته العسكرية ضد حزب الله في لبنان، والحرب القصيرة مع إيران في حزيران/ يونيو الماضي، ستعزز صورته كقائد لا غنى عنه. إلا أن النتيجة جاءت عكسية؛ إذ كشفت المقارنة بين تلك الحملات السريعة و"المستنقع الدموي" في غزة أن حكومته فشلت في حسم المواجهة مع حماس، العدو الأضعف بكثير.
وبينما يقترب الاحتلال الإسرائيلي من انتخابات مقررة في تشرين الأول/ أكتوبر 2026، تشير استطلاعات الرأي إلى تراجع شعبية نتنياهو بشكل كبير، مع توقعات بخسارته. ومع ذلك، يراهن على إضعاف المعارضة المتشرذمة وتفككها لمنع تشكيل بديل سياسي متماسك.
وترى "إيكونوميست" أن هذه المناورات قد تفيده تكتيكيًا، لكنها محفوفة بالمخاطر الاستراتيجية، خاصة وأن الأولويات الإنسانية الملحة في غزة وظروف الأسرى ما زالت خارج حساباته. وتخلص المجلة إلى أن ما يميز نتنياهو، ليس براعة سياسية بقدر ما هو إصرار على تحويل بقاءه في الحكم إلى هدف أعلى من حياة عشرات آلاف المدنيين في غزة ومن مصير مواطنيه الأسرى، ما يجعل الاحتلال الإسرائيلي عالق في حرب استنزاف مكلفة سياسيًا وأخلاقيًا وعسكريًا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية نتنياهو غزة زامير غزة نتنياهو ابادة زامير عربات جدعون صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتلال الإسرائیلی فی غزة
إقرأ أيضاً:
نتنياهو: صفقة أشبه بالمعجزة!
أطلق الرئيس دونالد ترامب في الخامس من هذا الشهر ما عرف بوثيقة الأمن القومي الأمريكي التي جاءت في 29 صفحة حملت ما يشبه خريطة تصنيفية جديدة للعالم، اعتبرت الشرق الأوسط برمته مساحة استثمارية بحتة.
ترامب المصر على أنه قد فرض وقفاً فعلياً لإطلاق النار في غزة، رغم عدم وجود ما يفيد بذلك إطلاقاً، يصر أيضاً على الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطته المزعومة قبل نهاية الشهر الحالي، بحيث يعلن عن مجلسه المستحدث «للسلام» وقوة «الاستقرار» الدولية والمساهمين فيها، واستكمال ما تشمله تلك المرحلة من خطوات أخرى. استعجال ترامب بات ملحوظاً وكأنه بدأ يستشعر ضيق الوقت المتاح أمامه قبيل البدء بالتحضير للانتخابات النصفية الأمريكية المقبلة العام المقبل، واستماتته الملحوظة للبقاء في السلطة عبر دورة رئاسية ثانية ستحتاج لمعجزة ضخمة لتمريرها.
معجزة ترامب تتطلب منه الذهاب نحو انقلاب دستوري، ومنازلة قضائية كبيرة تسمحان له بالترشح، إضافة إلى حاجته الماراثونية لتطبيق وثيقة الأمن القومي الجديدة بما يشمل وضع الشرق الأوسط في مسار الاستثمار الذي يريده.
هكذا حال يستوجب الاستعجال الصاروخي في ترتيب أوضاع شريكه اللدود بنيامين نتنياهو الذي لا يستسيغه ترامب شخصياً، لكنه يرى فيه العنوان الوحيد القادر في إسرائيل وأمريكا على التأثير على أباطرة المال اليهود، ودفعهم نحو دعم نزوات ترامب الاستثمارية في الشرق الأوسط. لكن هذا الأمر يعني بالنسبة لترامب الحاجة الملحة لسرعة إطفاء نار الحرب، والحفاظ على نتنياهو في السلطة، عبر إقناعه باستكمال خطوات الحصول على العفو الرئاسي المنشود، بما يشمل الإقرار بالذنب والخروج من الحياة السياسية وهو ما يرفضه نتنياهو جملة وتفصيلا.
ترامب ورجالاته، رغم هذا الرفض، يقتربون من طرح صيغة، يبدو أن نتنياهو بدأ بالتفكير فيها.
وتقوم هذا الصيغة على دعوة نتنياهو لانتخابات عامة في إسرائيل يعقبها قبول الأخير بتنفيذ شروط العفو الباقية، وحصوله عليه، ثم الذهاب فوراً نحو ترشيح نفسه للانتخابات، مع الشروع بتغيير تحالفاته للتخلص من حلفائه اللدودين بن غفير وسموتريتش، اللذين لا يمكنهما ان يتقاطعا مع نزعة ترامب الاستثمارية، ورفض معظم دول الخليج التعامل معهما في حال بقائهما في السلطة وهو ما عبرت عنه قطر مؤخراً، بينما تستمر السعودية في رفضها للتطبيع من دون قيام دولة فلسطينية.
هذا الموقف يدعمه إصرار كلتا الدولتين على عدم دفع قرش واحد نحو إعادة الإعمار في غزة، دون التأكد من عدم اندلاع حرب جديدة، وهو ما يعني ضرورة تغيير الخريطة السياسية الإسرائيلية، وضمان سلام شامل في المنطقة قائم على استبعاد دعاة الحرب في إسرائيل وبشكل قاطع، ووقف مشروع التهجير واستئناف السلطة حسب المصادر السعودية لدورها في غزة.
لكن نتنياهو لا يرى الأمور بهذه السهولة ولا تجده يملك استعجال ترامب لكونه يعرف أن مغادرة الحياة السياسية، من ثم العودة عبر انتخابات مباشرة سوف لن تقنع جمهور المتربصين، خاصة أنهم يعتبرون أن نتنياهو سيخرج من الباب ليعاود القفز من النافذة، ولأنهم أيضاً يريدون فعلياً التخلص من نتنياهو بلا رجعة حتى لا يشكل لهم نداً لطالما خشوه، وثعلباً محترفاً قادراً على المناورة والعودة إلى الصدارة. خصوم نتنياهو لن يضيعوا فرصة الإطاحة به اليوم قبل الغد، خاصة وأنهم يعتبرون انضمامه لأي إئتلاف معهم لم يعد يشكل إضافة نوعية. ومع ذلك فإن توليفة متكاملة تضمن خروج المستوطنين من المشهد، والإطاحة بسموتريتش القابض على المال والتحكم به في دولة الاحتلال، ربما تجعل الأمر مقبولاً لدى بعض أركان المعارضة، خاصة إذا ما كانت مشفوعة بضغط وتعهدات كبيرة وملزمة من ترامب.
في المقابل فإن نتنياهو وبعقلية الذئب، يعود من جديد للمناورة، خاصة مع إبدائه بعض المرونة، التي يبدو أن ترامب قد طلبها منه، عبر الإعلان قبل أيام عن نيته تفكيك 14 بؤرة استيطانية واعتقال 70 مستوطناً، وحتى جاهزيته الوصول إلى سلام «ممكن» مع جيرانه الفلسطينيين. هذه اللغة غير المعتادة من نتنياهو، جعلت الجميع يتساءل عن «تغيير» كهذا في الموقف وأسبابه. العجب في مواقف ترامب سيبطله السبب في حال وصلنا إلى السيناريو أعلاه والذي سيكون بمثابة المعجزة الصعبة، فهل يشهد المشهد السياسي الإسرائيلي هكذا تطورات؟ ننتظر ونرى.
القدس العربي