كشفت دراسة حديثة أن فوائد التمارين الرياضية تتجاوز تحسين اللياقة البدنية والصحة العقلية، إذ يمكن أن تسهم أيضاً في إعادة تنظيم ميكروبيوم الأمعاء، ما يؤكد الدور الحيوي للجهاز الهضمي في الصحة العامة.
. أسباب تساهم في صعوبة النوم مع تقدم العمر
الدراسة التي أجرتها جامعة إديث كوان الأسترالية، ونشرت في دورية International Society of Sports Nutrition، أوضحت أن شدة التمارين وكثافتها تؤثر مباشرة على تركيبة الميكروبات داخل الأمعاء. وبيّنت الباحثة برونوين تشارلزون أن الرياضيين يتميزون بتنوع ميكروبي أكبر، إضافة إلى ارتفاع مستويات الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة التي ترتبط بتحسين بطانة الأمعاء وتقليل الالتهابات.
أُجريت الدراسة على 23 لاعب تجديف محترف، حيث تمت مقارنة التغيرات بين فترتي التدريب المكثف قبل بطولة وطنية، وفترات الراحة ذات الحمل المنخفض. وأظهرت النتائج أن التدريب المكثف رفع مستويات بعض المركبات المفيدة مثل الزبدات من 64 إلى 105 مليمول/لتر، والبروبيونات من 91 إلى 121 مليمول/لتر، ما انعكس على تعزيز الهضم وزيادة نشاط الأمعاء.
كما تبيّن أن التمارين المكثفة ترفع مستويات اللاكتات الناتجة عن العضلات، والتي تصل إلى الأمعاء ليستهلكها بعض الميكروبات، محولة إياها إلى أحماض دهنية قصيرة السلسلة. هذه الأحماض تساعد على ضبط درجة الحموضة وتعزز نمو بكتيريا نافعة، ما يدعم بدوره صحة الجهاز الهضمي.
في المقابل، لوحظ أن فترات الراحة التي انخفض فيها مستوى التدريب ترافقت مع تراجع في جودة النظام الغذائي للمشاركين، حيث قلّ استهلاك الفواكه والخضراوات، وزاد الاعتماد على الأطعمة الجاهزة. وقد انعكس ذلك على تباطؤ عملية الهضم، وانخفاض مستويات الأحماض الدهنية القصيرة، وتراجع وفرة البكتيريا المفيدة.
وبذلك توضح الدراسة أن النشاط البدني المكثف لا يقتصر على بناء العضلات أو تحسين اللياقة، بل يمتد أثره ليعيد تشكيل بيئة الأمعاء ويعزز توازنها الحيوي، وهو ما يشكل عاملاً أساسياً في دعم الصحة العامة والوقاية من الأمراض.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أبرز أخبار الرياضة أحكام الإسلام
إقرأ أيضاً:
معادلة السلام الغائبة
«السلام» أكثر الكلمات تداولا في خطاب السياسة منذ عام 1945، وأكثر ما يفتقده العالم اليوم. تآكلت دلالة الكلمة مع مرور الزمن، من وعود ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى سنوات ما بعد الحرب الباردة، لأن ما رُفع من شعارات لم يتحوّل إلى ترتيبات قابلة للعيش. لم يكن السلام الذي بشّر به السياسيون طهارة أخلاقية بقدر ما كان محاولة لترتيب المصالح وضبط القوة؛ ومع ذلك كان ضروريا في عالم خرج مُنهكا من حربين عالميتين لم تُبقيا سوى التفوق في صناعة أدوات الموت.
لم يطرح الفلاسفة السلام بوصفه طقسا فوق التاريخ. في الشرق والغرب، على السواء، قُدِّم السلام باعتباره غاية أخلاقية تُترجم بلغة المصلحة المنظّمة؛ تقييد القوة بالقواعد والأنظمة والقضاة، وبتحويل الخصومة إلى منافسة مقبولة، وربط الالتزام الأخلاقي بحوافز مادية ورمزية. لكن الهوّة بين المثال وواقع السياسة بقيت واسعة كلّما انفصل سؤالا القوة والشرعية، من يملك أدوات التنفيذ؟ ومن يمنح القبول الذي يحوّل الإذعان إلى قبول مستدام؟ عند هذا الانفصال الكبير تتوالد المآسي الإنسانية، حروب تبدأ بسهولة وبقرارات فردية أحيانا وتتعثّر عند لحظة السِّلم.
وتؤكد تجارب القرن العشرين ذلك بشكل واضح جدا. عصبة الأمم امتلكت غايات سامية لكنها افتقدت أدوات التنفيذ؛ والأمم المتحدة ربطت الشرعية بواقع القوة في مجلس الأمن، فانتقل العالم من حلم الـ«سلام شامل» إلى «هندسة تعايش» أطول نَفَسا.
وفي محطات لاحقة، نجحت ترتيبات محدودة حين احترمت طبائع السياسة عبر ضبط التسلح، وإدارة الأزمات، وخفض التصعيد، ومسارات عدالة تدريجية تُبقي الضحية داخل المعادلة لا في هامشها.
لكن السلام الحقيقي لم يكن يوما بيان نوايا ولا توقيعا متعجّلا؛ هو معادلة دقيقة توازن يستطيع أن يَحُدّ من أطماع القوة، وشرعية تمنح كل طرف مكانا داخل النظام، وقواعد قابلة للقياس.
وبين الطهرانية التي تفترض أن نقاء النص يكفي، والواقعية الخشنة التي تزعم أن ميزان القوى وحده يمكن أن يصنع قبولا دائما، يمكن الحديث عن مسار ثالث يتمثل في الاعتراف المتبادل الذي يثبّت حدا أدنى غير قابل للمساومة يقدس حماية المدنيين، ويرفض التغيير الديموغرافي القسري، ويمنع أي مستوى من التجويع واستخدامه في الابتزاز السياسي، ثم مرحلة من مراحل بناء الثقة التي تأتي عبر خلق «تحالف مصالح» الذي يجعل نقض أي اتفاق أغلى كلفة من الالتزام به.
هنا تبدو مهمة السياسة لا تتمثل في أن عليها اختراع تعريف نقي للسلام.. إنما عليها هندسة ترتيبات قادرة على احترام منطق القوة، وتُدخل مطالبَ الكرامة إلى عمق الحساب لا إلى هوامشه.
عليها أن تصنع قواعد لسلام قابل للحياة، وقابل لأن يقاس لا أن يكتفى بتخيله فقط! سلام تغذيه المصالح المشتركة وكلما طال به الزمن أصبح أكثر قوة وصلابة.
وإذا لم يستطع هذا العالم الجمع بين التوازن والشرعية فسنبقى نستهلك كلمة السلام بينما تتسع الهوة بين النص وبين الواقع، وستواصل الشعوب الضعيفة التضحية بأبنائها وبمواردها وبمستقبلها.