د. منال إمام تكتب: حين تكلمت مصر.. الدبلوماسية المصرية تكتب التاريخ قبيل العبور
تاريخ النشر: 7th, October 2025 GMT
في لحظةٍ فارقة من تاريخ الأمة، وقفت مصر، لا حاملةً سيفها فقط، بل شامخةً بحكمتها، ثابتةً بمواقفها، ناطقةً بصوت الحق في عالم اختنق بضجيج الزيف.
لم تكن الحرب، كما تخيّلها البعض، هروبًا من السياسة، بل كانت في جوهرها امتدادًا لدبلوماسية وطنية قاومت وحدها جمود القوى العظمى، وانحياز الغرب، وصمت العالم.
الحق حين يُمهَد له بالصبر.
بعد جولات متعددة من اللقاءات بين حافظ إسماعيل، مستشار الأمن القومي المصري، وهنري كيسنجر، مهندس السياسة الأمريكية، اتضحت الصورة كاملة أمام القيادة المصرية: أمريكا ليست وسيطًا نزيهًا، ولا راغبة في تحقيق السلام، بل هي درع سياسي لإسرائيل، وسدّ منيع أمام أي تسوية تعيد للعرب حقوقهم المغتصبة.
لكن مصر، التي لطالما خاضت معاركها بشرف، لم تيأس من ساحات السياسة.ذهبت إلى مجلس الأمن بدعم من حركة عدم الانحياز، تطالب بتفعيل القرار 242،تطالب فقط بما هو حق وعدل وقانون،لكن جاء الرد الأمريكي بفيتو سافر، كشف الأقنعة وأسقط ورقة التوت.
هنا، أدرك الرئيس أنور السادات أن المعركة باتت حتمية.لكنها لم تكن معركة حدود فقط، بل معركة كرامة.
لم تكن حربًا من أجل الحرب، بل حربًا من أجل السلام الحقيقي،ذلك السلام الذي لا يُمنح، بل يُنتزع، وتُكتب شروطه بمداد الشرف، لا بحبر المساومات.
جمع السادات بين الاستعداد العسكري المدروس والتحرك السياسي الذكي.وفي لحظة كان فيها العالم يتفرج على احتلال وقح، قدمت مصر نفسها كدولة تطالب بما هو مشروع، لا أكثر.
لم تكن مصر وحدها في تلك اللحظة.فقد استطاع الأداء السياسي المصري أن يُحرك الرأي العام الدولي، ويُعيد تعريف الصراع بعيدًا عن الرواية الصهيونية.
في إفريقيا، قطعت 22 دولة علاقاتها مع إسرائيل.في العالم العربي، أُعلن حظر النفط على الغرب، فارتبكت حسابات القوة.في أوروبا، بدأت ملامح التذمر من سياسة الاحتلال تظهر على السطح.أما الكتلة الشرقية، فقد دعمت مصر علنًا، سياسياً وعسكريًا.وداخل محافل الأمم المتحدة، تكلم مندوبو العالم بلغة أقرب للحق، بفضل خطاب مصري مدروس لا يتاجر بالدم، بل يُمهّد لعودة الأرض.كل ذلك، لم يكن وليد لحظة، بل ثمرة عمل دبلوماسي طويل، مرن، صبور، وشجاع، حرّكه إيمان عميق بعدالة القضية، وإرادة سياسية لا تعرف التراجع.
الرسالة التي غيّرت التاريخ: لم تكن رسائل مصر للعالم خطابات إنشائية أو شكاوى متكررة، بل كانت بيانات موقف، تقول للعالم:
"نحن نُمهّد للسلام، ونُمهّد للحرب في آنٍ واحد. نحن نُعطي فرصة للعقل، لكننا لا نُفرّط في الأرض."
هذا التوازن العبقري هو ما صنع الشرعية السياسية والعسكرية لحرب أكتوبر،وهو ما جعل من مصر، لا مجرد طرف في صراع، بل قائدًا لمرحلة عربية جديدة.
في الختام...لقد أثبتت مصر، من خلال هذه المرحلة الدقيقة، أن السياسة ليست انحناء، وأن الدبلوماسية لا تعني التنازل. وأن الكلمة إن خرجت من فم وطني، وكتبها عقل مخلص، قد تُغير من مصير أمة.
فلم تكن حرب أكتوبر لحظة عابرة، بل كانت تتويجًا لمرحلة من النضال السياسي الخالص،مرحلة كتبها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه...وفي مقدمتهم الرئيس السادات، وحافظ إسماعيل، وكل جندي حمل سلاحه بعد أن شحذه بالحق.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: حافظ إسماعيل الأمن القومي المصري هنري كيسنجر إسرائيل لم تکن
إقرأ أيضاً:
«أكتوبر انتصار غيّر التاريخ».. ندوة بالمجلس الأعلى للثقافة احتفالًا بذكرى العبور المجيد
نظم المجلس الأعلى للثقافة تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، وبإشراف الدكتور أشرف العزازي الأمين العام للمجلس ندوة بعنوان «أكتوبر انتصار غيّر التاريخ»، احتفالًا بذكرى انتصارات السادس من أكتوبر المجيدة وفي إطار مبادرة «وفرحت مصر».
وأكد الدكتور خلف الميري أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس، أن مصر مرّت بمحطات فارقة تغيّرت فيها كل الموازين، لكن العقيدة الوطنية ظلت ثابتة وظل الجيش المصري نموذجًا للانضباط والإيمان بتحقيق النصر أو الشهادة، محوِّلاً الهزيمة إلى انتصار واليأس إلى أمل.
وقال: «إن فهم التاريخ هو الوسيلة لبناء المستقبل، فرغم التحديات الاقتصادية والاجتماعية، فإن إرادة المصريين قادرة على عبور الأزمات بالوعي والعمل»، مشيرا إلى أن الحضارة المصرية ليست ماضيًا يُروى، بل أمجاد متجددة ومسؤولية مستمرة، وبناء المستقبل يتطلب تحكيم العقل والعمل والإصرار، تمامًا كما فعل الأجداد العظام.
ومن جانبه، أكد اللواء علي حفظي المسؤول عن فرق الاستطلاع التي كانت تعمل خلف خطوط الجيش الإسرائيلي داخل عمق سيناء في حرب 1973، أن أكتوبر ملحمة تلاحمت فيها القيادة السياسية مع الشعب والجيش على قلب رجل واحد، وذكّر بأن الحرب ما هي إلا وسيلة من وسائل السياسة، يتم اللجوء إليها عندما تفشل السياسة في تحقيق الأهداف، مشدداً على أن الحدود المصرية لم تتغير على مر الزمان، وليس هناك أغلى من الأرض لدى كل المصريين.
وبدوره، استعرض اللواء محمود متولي أحد أبطال القوات البحرية الذين شاركوا في نصر أكتوبر، دور القوات البحرية الكبير في تلك المرحلة، حيث استطاعت إحباط الهجوم على ميناء بورسعيد وتأمين ميناء الإسكندرية وأسر 6 ضفادع بشرية، وإغراق غواصة إسرائيلية وإحباط هجومهم، مشيدا بدور الصاعقة البحرية بقيادة العميد إسلام توفيق ضمن المجموعة 39 قتال بقيادة الشهيد إبراهيم الرفاعي، التي أذاقت العدو المرار بعمليات غير مسبوقة ساعدت على استعادة الثقة لدى أفراد الجيش المصري على وجه الخصوص، ولدى نفوس الشعب المصري بشكل عام.
اقرأ أيضاًالمجلس الأعلى للثقافة يعلن عن الدورة الثانية لبرنامج التدريب الصيفي للشباب
لجنة الشباب بالمجلس الأعلى للثقافة تطلق مسابقة «مصر بعيون شبابها»