تحت سماء بلدة حرّان الصافية بولاية شانلي أورفا جنوب تركيا، وحين يشتد لهيب الصيف وتلامس درجات الحرارة الـ50 درجة مئوية، تقف مجموعة فريدة من المنازل ذات القباب المخروطية.

هذه البيوت، التي تشبه خلايا نحل عملاقة من الطين والحجر، تعد ملاذا طبيعيا باردا يقي من حرارة الجو، تجسد عبقرية الإنسان في التكيف مع بيئته القاسية بوسائل بسيطة ومبتكرة.

تعتبر بلدة حرّان اليوم واحدة من أكثر المناطق جذبا للزوار في تركيا، والفضل في ذلك يعود إلى هذا الطراز المعماري الفريد الذي أصبح رمزا للبلدة وواجهة بارزة لتراثها الثقافي والتاريخي. ونظرا لقيمتها الاستثنائية، أُدرجت هذه المساكن على القائمة المؤقتة للتراث العالمي لمنظمة اليونسكو، ليس فقط لجمالها وتاريخها، بل لقدرتها المدهشة على توفير بيئة باردة في واحدة من أشد المناطق حرارة في البلاد.

وتشير الدراسات التاريخية إلى أن جذور هذا الطراز المعماري في حرّان تعود إلى أكثر من 200 عام، إذ يُرجح أن بدايات تشييده ترجع إلى القرن الـ18، واستمر استخدامه حتى بدايات القرن الـ20.

وعلى الرغم من أن السكان توقفوا عن بناء هذه المنازل مع ظهور مواد البناء الحديثة، إلا أن عددا منها ما زال قائما وشامخا حتى اليوم بفضل جهود الحماية والترميم، لتتحول إلى معلم متجذر في هوية المنطقة، يجذب السياح من مختلف أنحاء العالم.

آلية تبريد طبيعية

يكمن سر هذه المنازل في تصميمها الهندسي والمواد المستخدمة في بنائها. هذه البيوت، التي يقدَّر ارتفاعها بنحو 5 أمتار، بُنيت بعناية فائقة باستخدام الحجارة الكلسية المحلية من دون الحاجة إلى أي ملاط يربط بينها، وهو ما يعكس عبقرية البناء التقليدي. أما جدرانها الخارجية، فهي مغطاة بالطين لتوفير طبقة إضافية من العزل الحراري، بينما سُوّيت جدرانها الداخلية بخليط خاص ومدهش من بياض البيض والتراب والتبن وزيت الورد، وهو ما يمنحها القدرة على الحفاظ على توازن حراري طبيعي حتى في أقسى الظروف.

إعلان

ويكشف البروفيسور محمد أونال، رئيس قسم الآثار في جامعة حرّان ورئيس بعثة التنقيب في الموقع الأثري بالمنطقة، سر هذه البرودة المعمارية. ويوضح أونال في حوار مع الأناضول أن هذه المنازل تُعتبر من أبرد الأماكن في البلدة، مشيرا إلى أن اسم "حرّان" نفسه مشتق من كلمة "حرّ" في اللغة العربية، مما يعكس شهرة المنطقة بحرارتها منذ القدم.

ويضيف أن ارتفاع قباب المنازل المخروطية جعلها أشبه بآلية طبيعية للتبريد؛ إذ يتمدد الهواء الساخن داخل الغرف ويرتفع إلى الأعلى عبر فتحة صغيرة في القمة، لتبقى الأجزاء السفلية أبرد وأكثر ملاءمة للجلوس والعيش. يقول أونال: "درجة الحرارة حاليا في الداخل تتراوح بين 25 و30 درجة مئوية فقط، أي أننا نتحدث عن فرق في الحرارة مع الخارج يبلغ 15 درجة. وهذا الفارق ليس بسيطا، بل يعني أن الحياة تصبح ممكنة في الداخل رغم شدة الحرارة في الخارج".

ويوضح أن نحو 127 منزلا من هذا الطراز لا يزال قائما ومسجلا رسميا حتى اليوم، كجزء من جهود الدولة للحفاظ على هذا التراث الفريد.

منازل حرّان الطينية ذات القباب المخروطية تمثل تحفة معمارية فريدة (الأناضول)أجواء منعشة ودهشة الزوار

يمثل وجود هذه البيوت نعمة كبيرة للسكان المحليين والزائرين على حد سواء. يروي الزائر إبراهيم جليك، الذي جاء مع عائلته من ولاية قيصري، تجربته قائلا إن حرارة شانلي أورفا كانت خانقة بالنسبة لهم، لكن دخولهم منازل حرّان غيّر كل شيء.

يقول جليك: "سيارة العائلة سجلت درجة حرارة بلغت 48 مئوية، لكن بمجرد دخولنا إلى هذه المنازل شعرنا كأننا على قمة جبل أرجييس في قيصري. الجو في الداخل منعش إلى درجة مدهشة ويمنح الإنسان راحة لا توصف".

أما محيا سونماز، القادمة من ولاية قسطمونو شمال تركيا، فقد أعربت عن إعجابها الشديد بجمال البلدة، قائلة: "أكثر مكان وجدنا فيه برودة خلال زيارتنا لشانلي أورفا كان داخل هذه المنازل المخروطية. إنها تجربة لا تُنسى بكل المقاييس".

ولفتت سونماز إلى أن منازل حرّان المخروطية بقيت عبر التاريخ شاهدا حيا على عبقرية العمارة التقليدية، إذ تتجسد الحكمة القديمة في مواجهة الطبيعة القاسية بوسائل بسيطة وفعالة. واختتمت حديثها بالإشارة إلى أن هذه المنازل تحولت إلى معلم سياحي بارز يجمع بين التاريخ والثقافة والابتكار الإنساني الخالد.

رغم حرارة شانلي أورفا التي تتجاوز 50 درجة، تظل منازل حرّان باردة بفضل تصميمها الفريد (الأناضول) إعلان ارتفاع قباب المنازل المخروطية جعلها أشبه بآلية طبيعية للتبريد (الأناضول)على الرغم من أن السكان توقفوا عن بناء هذه المنازل مع ظهور مواد البناء الحديثة، إلا أن عددا منها ما زال قائما وشامخا (الأناضول)تعتبر بلدة حرّان اليوم واحدة من أكثر المناطق جذبا للزوار في تركيا (الأناضول)تشير الدراسات التاريخية إلى أن جذور هذا الطراز المعماري في حرّان تعود إلى أكثر من 200 عام (الأناضول)من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات أمكنة هذه المنازل هذا الطراز إلى أن

إقرأ أيضاً:

فن العمارة في الباحة.. حكاية الإنسان والمكان

من أعالي جبال السروات في منطقة الباحة، تتجلى ملامح العمارة السعودية بطرازٍ فريد يتناغم مع الطبيعة الجبلية، حيث تزخر المنطقة بإرثٍ معماري عريق يعكس حضارة الإنسان وارتباطه ببيئته، وتبرز معالمه في القرى المنتشرة على امتداد المنطقة.

وتتميز مباني الباحة القديمة بتصاميم تراعي الظروف البيئية كالتضاريس والمناخ، إلى جانب العوامل الاجتماعية المتمثلة في العادات والتقاليد العربية الأصيلة، ما أسهم في تكوين طرازٍ معماري خاص بالمنطقة، وتواصل مشاريع العمارة الحديثة في الباحة اليوم تطبيق مبادئ العمارة السعودية، تعزيزًا للهوية العمرانية وتحسينًا لجودة الحياة، انسجامًا مع مستهدفات رؤية المملكة 2030.

وجاءت منطقة الباحة ضمن المرحلة الثانية من تطبيق الموجهات التصميمية للعمارة السعودية، التي انطلقت مؤخرًا لتشمل المشاريع الحكومية الكبرى والمباني التجارية، وذلك ضمن خريطة العمارة السعودية التي أطلقها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس اللجنة العليا للموجهات التصميمية للعمارة السعودية – حفظه الله – في شهر مارس الماضي، متضمنةً 19 طرازًا معماريًا مستوحى من الخصائص الجغرافية والثقافية للمملكة.

ويوضح الأستاذ المشارك في العمارة وتقنية البناء بجامعة الباحة الدكتور عبدالله بن عبدالقادر هريدي، أن المنطقة تزخر بعدد كبير من المباني التراثية القادرة على الإسهام في وضع معايير واضحة للهوية المعمارية الخاصة بالباحة، مشيرًا إلى أن لهذه الهوية دورًا محوريًا في معالجة التشوه البصري، وتحسين كفاءة الطاقة، فضلًا عن تعزيز جاذبية المنطقة السياحية.

ويبين أن عمارة جبال السروات يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أنماط رئيسية هي: التقليدي، والانتقالي، والمعاصر، مستمدةً من مفردات معمارية مميزة كالحصون، والسلالم الخارجية، وعمود الزافر، ونهايات الواجهات، وأنماط الأبواب والنوافذ، مضيفًا أن إعادة صياغة هذه المفردات وفق اشتراطات البناء الحديثة تتيح تطوير مشاريع عمرانية متوافقة مع الهوية المحلية، وتحفّز المستثمرين والملاك على تبنّي هذه المعايير، خصوصًا في المحاور الرئيسة للمدينة.

ويؤكّد الدكتور هريدي أن الاعتماد على المفردات المعمارية التراثية يسهم في تحسين كفاءة الطاقة وتقليل استهلاكها، إلى جانب دعم الاقتصاد المحلي من خلال استخدام مواد البناء الطبيعية المتوفرة في المنطقة.

وحول أنماط البناء، يذكر المواطن محمد بن سالم الغامدي (73 عامًا)، الذي عمل في حرفة بناء المنازل بالحجر لعقود أن اختلاف المناخ والتضاريس بين سراة المنطقة وتهامتها أوجد تباينًا في أنماط البناء ومواد التشييد، فكانت كل بيئة تفرض طابعها الخاص في التصميم والمواد المستخدمة.

ويشير الغامدي إلى أن العمارة القديمة في الباحة امتازت باعتمادها الكامل على الطبيعة، إذ كانت المنازل تُبنى من الأحجار المحلية كصخور الجرانيت والبازلت المزينة بأحجار المرو، وتُسقف بأخشاب العرعر المغطاة بالطين، في انسجامٍ تام مع البيئة المحيطة.

ويُذكر أن الفن المعماري القديم في الباحة شهد في السنوات الأخيرة اهتمامًا متزايدًا من الأهالي، الذين بادروا إلى ترميم منازلهم التراثية وإحيائها، واستلهم كثير منهم الطراز القديم في بناء منازلهم واستراحاتهم الحديثة، باستخدام الأحجار والنقوش والزخارف المستوحاة من هوية المكان وتاريخه.

الباحةأخبار السعوديةجبال السرواتأخر أخبار السعوديةفن العمارةقد يعجبك أيضاًNo stories found.

مقالات مشابهة

  • بريطانيا.. أسراب الخنافس تغزو المنازل مع اقتراب الشتاء (فيديو)
  • فن العمارة في الباحة.. حكاية الإنسان والمكان
  • الاحتلال يقتحم قلنديا ويداهم منازل ويعتقل شابا
  • الاحتلال يقتحم الزاوية وقراوة بني حسان غربي سلفيت ويفتش منازل
  • غزة: الاحتلال يقصف النازحين ويواصل نسف المنازل
  • ركنة العين تسجل أقل درجة حرارة في الدولة
  • الاستحمام بالماء البارد في الصيف.. أضرار خطيرة على القلب
  • الصين تطلق اختبارات مفاعل نووي حراري جديد
  • من تحتمس إلى العصر الحديث .. عبقرية القيادة المصرية تتجدد عبر الأزمان
  • منطقة الظفرة تسجل أدنى درجة حرارة في الدولة