ابتكر باحثون طريقة جديدة للكشف عن سرطان البروستات باستخدام عينات البول، ويتوقع أن يقلل هذا النهج بشكل كبير من الحاجة إلى الخزعات والتي غالبا ما تكون مؤلمة.

وشارك في الابتكار مركز جونز هوبكنز كيميل للسرطان، ومستشفى جونز هوبكنز للأطفال في الولايات المتحدة ومؤسسات أخرى، ونشرت نتائجهم في مجلة إي بيو ميدسن (EBioMedicine) في 3 سمبتمبر/أيلول الحالي، وكتب عنها موقع يوريك أليرت.

يعتبر سرطان البروستات أحد الأسباب الرئيسية للوفاة بين الرجال في الولايات المتحدة، ويكتشف عادة من خلال فحوصات الدم لقياس مستوى مستضد البروستات النوعي (prostate-specific antigen)، وهو بروتين تنتجه الأنسجة السرطانية وغير السرطانية في البروستات.

يعتبر مستوى مستضد البروستات النوعي لدى معظم الرجال الذي يزيد عن 4.0 نانوغرام لكل مليلتر غير طبيعي، وقد يوصي بإجراء خزعة من البروستات، حيث تؤخذ عينات متعددة من الأنسجة باستخدام إبر دقيقة.

ويعتبر اختبار مستضد البروستات النوعي غير دقيق جدا، مما يعني أن خزعات البروستات غالبا ما تكون ضرورية لتأكيد تشخيص السرطان، كما يقول الدكتور رانجان بيريرا، الباحث الرئيسي في الدراسة ومدير مركز بيولوجيا الحمض النووي الريبي في مستشفى جونز هوبكنز للأطفال في سانت بطرسبرغ، فلوريدا، وأستاذ علم الأورام وجراحة الأعصاب في كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز.

ويضيف بيريرا أنه في كثير من الحالات، تكون نتائج هذه الخزعات سلبية، وقد تسبب مضاعفات غير مقصودة.

كما يمكن أن تؤدي اختبارات مستضد البروستات النوعي إلى علاج غير ضروري لسرطانات البروستات التي من غير المرجح أن تنمو وتنتشر خلال فترة زمنية قصيرة.

الفحص الجديد

من بين 815 جينا خاصا بالبروستات تم تحديدها في البول من الرجال المصابين بسرطان البروستات، أعطى الباحثون الأولوية لأهم 50 جينا، ثم أهم 9 جينات، ومن هناك اختاروا أهم 3 جينات لمزيد من التحليل.

إعلان

حدد الباحثون مجموعة مكونة من 3 مؤشرات حيوية جينية هي "تي تي سي 3″ (TTC3) و"إتش 4 سي 5″ (H4C5) و"إي بي سي إيه إم" (EPCAM) تكشف بدقة عن وجود سرطان البروستات وذلك من خلال تحليل عينات بول من مرضى سرطان البروستات قبل وبعد جراحة استئصال البروستات، وكذلك من أفراد أصحاء.

يلعب تي تي سي 3 دورا في الانقسام الخلوي غير المتماثل في الخلايا السرطانية، ويلعب إتش 4 سي 5 دورا في تعديل بنية الكروماتين (مجموعة من الحمض النووي والبروتينات الموجودة في الخلايا)، ويعبر عن البروتين إي بي سي إيه إم  (جزيء التصاق الخلايا الظهارية) بشكل مفرط في العديد من سرطانات الإنسان التي تنشأ في الأنسجة الظهارية التي تبطن سطح الأعضاء والهياكل في جميع أنحاء الجسم.

وكانت هذه المؤشرات الحيوية موجودة لدى المرضى قبل الجراحة، لكنها كانت شبه غائبة بعد الجراحة، مما يؤكد أنها نشأت في أنسجة البروستات.

يقول بيريرا "تقدم هذه المجموعة الجديدة من المؤشرات الحيوية اختبارا تشخيصيا واعدا وحساسا ومحددا وغير جراحي لسرطان البروستات. وتتمتع بالقدرة على الكشف الدقيق عن سرطان البروستات، وتقليل الخزعات غير الضرورية، وتحسين دقة التشخيص لدى المرضى الذين تكون مستويات مستضد البروستات النوعي لديهم سلبية، وتشكل أساسا لكل من الاختبارات التشخيصية المطورة مخبريا وفي المختبر".

وجد الباحثون أن هذه المجموعة من الجينات قادرة على الكشف عن سرطان البروستات حتى عندما يكون مستوى مستضد البروستات النوعي ضمن المعدل الطبيعي، ويمكنها التمييز بين سرطان البروستات وحالات مثل التهاب البروستات وتضخم البروستات الحميد.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات عن سرطان البروستات جونز هوبکنز

إقرأ أيضاً:

برحيلك يا أبا ماجد انكسر شِلمان الغنجة

 

 

د. محمد العريمي **

 

في مساءٍ صوريٍّ حزين، أرخى البحر صمته، ومالت السفن الخشبية في خور البطح، كأنها تنصت إلى غياب أحد ربابنتها الكبار.

رحل الشيخ سالم بن سعيد آل فنه العريمي أبو ماجد، الحكيم والمناضل، كما يرحل الكبار العظام الذين يصنعون أثرهم بصمت، ويغادرون بصمت، تاركين وراءهم موانئ كثيرة من الذكريات لا تُنسى، ولا ينساها التاريخ.

برحيله، كأن شِلمان الغنجة الصوريّة – ذلك الشِلمان الصلب الذي يشدّ جسد السفينة ويحفظ توازنها – قد انكسر. انكسر فينا وفي مدينته التي أحبَّها، صور، تلك المدينة الفينيقية التي حملت في أمواجها ملامح شخصيته: صلابة البحر، وعمق الموج، وهدوء الشاطئ ساعة الغروب في الصط.

رجلٌ من ملح البحر ومجد التّاريخ

كان أبو ماجد رجلًا قد شرب من ملوحة البحر، فصارت في طباعه الصلابة، ومن أمواجه العاتية تأصَّلت في روحه المبادئ الراسخة.

يشبه مدينته في عنادها وصبرها وكبريائها وشموخها ووفائها، وفي سعيها الدائم نحو الأفق، نحو المجهول الجميل خلف البحار والمحيطات.

كان السياسيَّ بالفطرة، والعسكريَّ بالتنشئة، تشبَّع بفكر القومية العربية خارج حدود الوطن، فامتلأ وعيه بروح الأمَّة وهمَّها الكبير. حمل في وجدانه مبادئ الكرامة والحرّية والوحدة، وحلم التحرّر من الاستعمار البغيض الذي جثم على صدر الأمة لعقود طويلة.

هُناك، في بغداد ودمشق والقاهرة، وُلد حلمُه وتفتَّحت بصيرته على الفكرة والنضال من أجل قضايا الأوطان والأمة، وفي مقدّمتها القضية الفلسطينيّة التي لم تكن بالنسبة إليه بعيدة، بل كانت نبضاً في القلب، وخاطرةً لا تفارق وجدانه.

حدَّثني أحد القادة الفلسطينيين في القاهرة ذات يومٍ أنه شارك أبا ماجد حمل السلاح في جبال الشام خلال ستينات القرن الماضي، لقضيةٍ آمن بها حتى النخاع.

الغربة والسّجن إلى حضن الوطن

عاد الكبير من غربةٍ طويلةٍ مُشبعةٍ بالنضال، ومن سجنٍ سياسيٍّ في وطنه امتدَّ سنواتٍ طوالًا في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، إلى بيته وأسرته في صور، صلباً كما عرفناه، مؤمناً بأن الانتماء ليس شعاراً يُرفع في المجالس وأمام السَّلاطين، بل ممارسة تُعاش بالعطاء والتّضحية من أجل الوطن وأهله.

كان يحمل في داخله صرامة الجندي وهدوء القائد، مؤمناً على الدوام بأن خدمة الوطن ليست واجباً يُؤدَّى مرة، بل عمرٌ يُنذر بأكمله للوطن وثراه المقدَّس.

كان ثابتاً على المبدأ، واضحاً في الموقف، نقيَّ السريرة، صادقَ الكلمة، عاش مؤمناً بأن الأوطان لا تُبنى إلا بالصّدق والوفاء والإخلاص، وبأن الرجال الحقيقيين يُعرَفون في وقت الشدائد لا في زمن المغانم.

سالم سعيد.. وجهه نحو الأفق

في المجالس، كان أبو ماجد يشبه البَدَن الصوريَّ في هيبته حين يمخر عباب البحر، وفي صلابة ألواحه الخُلاسية اللون، وحبالها المزركشة باللون البُنّي، كزوالي مدينته العتيقة.

كان حديثه كالبحر، عميقاً في معانيه، متدرّجاً في أمواجه، يحمل بين سطوره دروس التجربة وحكمة السنين الطويلة في الغربة والتشرّد والنّضال.

حدثتني أمي وخالاتي عنه مِراراً؛ كان وجهه دائماً نحو البعيد، نحو الضوء والمستقبل، كأنَّ البحر كُلَّما امتد أمامه، فتح له طريقاً جديداً للحلم والعطاء.

انكسار الشِلمان وبقاء الذكرى

برحيلك يا أبا ماجد، انكسر شِلمان الغنجة الصوريّة التي أسهمتَ في حضورها وإرسائها بجوار بيت جَدِّك وجدِّ أمي، ومجلس العفية العام الذي شيدتَه. تلك الغنجة التي جلبتَها مع رفاقك الأوفياء من سواحل اليمن، لتكون رمزاً خالداً لمدينتك ومعشوقتك الأبدية.

كنتَ أحد أعمدتها، وروحاً من أرواحها. وبرحيلك اليوم، يا أخيَر الرجال الكبار، مالت الغنجة بانكسار شِلمانها الرئيس، وصار خور البطح أكثر صمتاً . غير أن ذكراك ستبقى الشراع الذي يُبقيها مُتَّزنةً في وجه الرياح.

الوداع الأخير يا خَيْر الرّجال

رحمك الله يا أبا ماجد، كنتَ من طينة الرِّجال الأوفياء المناضلين الذين لم يُغْرِهم الثراء، ولا هزَّتهم الملايين، بل زادتهم تواضعاً وتمسّكاً بالأرض والناس والوطن.

ظللتَ يا أبا الرجال، حتى آخر أيامك، وفيًّا لعُمان التي أحببتَ، ولصور التي عشقتَ، نقيَّ القلب، كريمَ الخُلق، صادقَ الكلمة.

غادرتنا يوم الجمعية المُباركة جسدًا، يا سيّدي، لكنك باقٍ في الوجدان، وفي ذاكرة المدينة العتيقة، باقٍ في قلب الوطن الأمّ الحانية التي لا تنسى أبناءها الذين صاغوا ملامح مجدها بالعمل الوطني المخلص، وبالتضحيات الجِسام.

سلامٌ عليك يا أبا الرجال، يوم جئت إلى الحياة، ويوم رحلتَ عنها، ويوم نلقاك في دار الخلود بإذن الله.

إنا لله وإنا إليه راجعون.

** رئيس مجلس إدارة جمعية الصحفيين العُمانية

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • دواء جديد لعلاج فرط الأوكسالات في الكلى
  • ما حكم لبس السلاسل الفضة للرجال؟.. أمين الإفتاء يُجيب
  • إنطلاق المبادرة الرئاسية للكشف عن أمراض سوء التغذية في مدارس قنا
  • طريقة استخراج بطاقة تموين جديدة.. الشروط والأوراق
  • كاتب بريطاني يحذر: قمع مظاهرات دعم فلسطين يهدد الديمقراطية
  • صحتك حياة أسرتك.. المنوفية تطلق أكبر حملة توعوية للكشف المبكر عن سرطان الثدي
  • كيف يؤثر نمط الحياة الصحي بشكل إيجابي على مرضى سرطان البروستاتا
  • برحيلك يا أبا ماجد انكسر شِلمان الغنجة
  • فحص بسيط يكشف عن الإصابة بالخرف قبل عقود من ظهور الأعراض
  • افتتاح عيادة متخصصة للكشف عن السرطان في تاجوراء