عامان على حرب غزة .. مظاهرات عالمية ورفض متصاعد لإسرائيل
تاريخ النشر: 6th, October 2025 GMT
بدأت إسرائيل حربها على قطاع غزة مدعومة بغطاء سياسي غربي واسع، وبتعاطف دولي غير مسبوق عقب الهجوم المفاجئ الذي شنته حركة "حماس" على مواقع عسكرية وبلدات إسرائيلية في السابع من أكتوبر، وهو الهجوم الذي وصفته تل أبيب بأنه "الأسوأ في تاريخها".
غير أن هذا التعاطف الذي أضاءت لأجله معالم عالمية بألوان العلم الإسرائيلي، تراجع تدريجيًا مع اتساع رقعة الدمار والمآسي الإنسانية في القطاع، حتى وجدت إسرائيل نفسها بعد عامين في عزلة غير مسبوقة، تواجه انتقادات ومقاطعة دولية شاملة.
في الأسابيع الأولى للحرب، اعتُبرت العمليات العسكرية الإسرائيلية "دفاعًا عن النفس"، لكن مع تصاعد مشاهد القصف العشوائي وتدمير الأحياء السكنية ومقتل عشرات آلاف المدنيين، معظمهم من الأطفال والنساء، تغيّر المزاج العالمي. غمرت منصات التواصل الاجتماعي مقاطع الفيديو التي تُظهر الجوع والموت والدمار، ما دفع الرأي العام الدولي للتحول من الدعم إلى الإدانة.
وسعت إسرائيل لتبرير ممارساتها بالادعاء أنها تحذر المدنيين قبل القصف وتنفي وجود مجاعة في غزة، رغم التقارير الأممية التي أكدت العكس. كما ساهمت مقاطع مصوّرة نشرها جنود إسرائيليون من داخل القطاع، تُظهر عمليات تدمير واسعة لأحياء كاملة "انتقامًا لمقتل جنود"، في صدمة الرأي العام الدولي، خاصة حين نُشرت لقطات لجنود يحتفلون بتدمير منازل فلسطينية في مناسبات شخصية.
تصريحات قادة اليمين تلهب الرأي العام العالميتصاعدت موجة الغضب الدولي إثر تصريحات وزراء في الحكومة الإسرائيلية اليمينية، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، الذين دعوا صراحة إلى احتلال غزة وإعادة الاستيطان فيها وتهجير سكانها. عبارات من قبيل "لا أبرياء في غزة" و"لنلقِ عليهم القنبلة النووية" أثارت صدمة دولية، واعتُبرت دليلاً على أن الحرب فقدت مبرراتها الدفاعية وتحولت إلى حرب إبادة.
كذلك، لعبت تصريحات المعارضة الإسرائيلية دورًا في كشف البعد السياسي الداخلي للحرب، إذ اتهم قادتها حكومة بنيامين نتنياهو بإدامة القتال لإطالة عمرها السياسي، ما عزز القناعة الدولية بأن استمرار الحرب يخدم أهدافًا سياسية لا أمنية.
مظاهرات عالمية ورفض متصاعدتدفقت المظاهرات في القارات الخمس، من الجامعات الأمريكية إلى شوارع باريس ولندن وروما، مرورًا بأمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا وأستراليا، حيث خرج الملايين مطالبين بوقف الحرب. كما خرجت مظاهرات داخل إسرائيل نفسها، تقودها عائلات الرهائن، تطالب بإنهاء القتال والتوصل إلى اتفاق يعيد أبناءهم أحياء.
هذه الموجة العالمية من التضامن مع غزة مثّلت أحد أقوى التحولات في الرأي العام منذ عقود، وأظهرت أن إسرائيل لم تعد قادرة على تبرير أفعالها أمام العالم.
الداخل الإسرائيلي يعترف بتراجع المكانة الدوليةأظهر استطلاع لمعهد الديمقراطية في جامعة تل أبيب أن 73% من الإسرائيليين يعتقدون أن مكانة دولتهم على الساحة الدولية اليوم أسوأ مما كانت عليه قبل الحرب، فيما يرى 66% أن الوقت قد حان لإنهاء الحرب في غزة.
صحيفة "هآرتس" لخصت الوضع بقولها إن إسرائيل "تفقد شرعيتها تدريجيًا وتوضع ضمن مجموعة الدول المنبوذة"، مشيرة إلى أن المقاطعة تأخذ أشكالاً متعددة، من العقوبات على المستوطنين إلى حظر دخول الوزراء، ورفض العمال في الموانئ تحميل السفن الإسرائيلية، وحظر المنتجات الزراعية الإسرائيلية في سلاسل المتاجر الكبرى، وانسحاب صناديق الاستثمار من الشركات الإسرائيلية والأمريكية الداعمة للحرب.
حتى قطاع التكنولوجيا الذي طالما كان مصدر فخر لإسرائيل، بدأ يشعر بالضغط، إذ تفكر شركات ناشئة عدة في نقل مقارها إلى دول أخرى لتفادي الضرر المتنامي لصورتها.
انهيار سياسي واستراتيجيمن جانبه، كتب الصحفي بن درور يميني في "يديعوت أحرونوت" أن إسرائيل تواجه "انهيارًا سياسيًا واستراتيجيًا" رغم قوتها العسكرية، مضيفًا أن المقاطعة الاقتصادية بدأت تؤثر على الصادرات والواردات، وأن الافتراض القائل بأن الضغط العسكري سيؤدي إلى تنازلات فلسطينية ثبت فشله.
وأوضح يميني أن الضغط الدولي المتزايد، المدفوع بالصور والمآسي، "دفع إسرائيل من الانهيار إلى حافة الانهيار التام"، معتبرًا أن اتفاق وقف القتال الأخير، حتى لو مؤقتًا، أنقذ إسرائيل من السقوط الكامل.
وأشار إلى أن إسرائيل، رغم تفوقها العسكري، "كسبت المعركة وخسرت الحرب"، إذ تآكلت إنجازاتها الاستراتيجية ضد إيران وحزب الله بسبب الضرر الهائل الذي لحق بمكانتها الدولية، مشددًا على أن "العزلة المتنامية قد تتحول قريبًا إلى أزمة وجودية ما لم تغيّر إسرائيل نهجها جذريًا".
وبعد عامين من الحرب، وجدت إسرائيل نفسها وحيدة في مواجهة غضب شعوب العالم ومقاطعة اقتصادية وسياسية متصاعدة، بعدما فقدت ما تبقى من رصيد التعاطف الدولي. وبينما تحاول الحكومة تبرير استمرار الحرب، يرى محللون إسرائيليون وغربيون أن تل أبيب اليوم تخوض معركتها الأصعب: استعادة شرعيتها المفقودة في عالم لم يعد يصدّق روايتها.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: غزة قطاع غزة إسرائيل الرأی العام
إقرأ أيضاً:
عامان على هجوم 7 أكتوبر.. اليوم الذي غيّر وجه المنطقة
على وقع مفاوضاتٍ توصف بـ"الحاسمة" في شرم الشيخ بمصر، يسترجع الفلسطينيون والإسرائيليون على حدٍّ سواء ذكرى السابع من أكتوبر، كيومٍ غيّر مجرى حياتهم، فيما لا يزال الغموض يكتنف ما إذا كانت الأيام القليلة المقبلة ستكتب نهاية لحربٍ ضروسٍ لا تزال تزداد اشتعالًا منذ عامين. اعلان
تنظّم عائلات الضحايا والأسرى في إسرائيل، اليوم الثلاثاء، حفلًا تذكاريًا تكريمًا لأرواح من قضَوا في مثل هذا اليوم، وللمطالبة بإعادة بقية الأسرى لدى حماس، في وقتٍ تتعمّق فيه الخلافات مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يُحمّله كثيرون مسؤولية الفشل في التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يُعيد أبناءهم و"يوقف شلال الدم"، كما يقولون.
هجوم حماسقبل عامين، اقتحم آلاف المسلحين الفلسطينيين، على نحوٍ مباغت، قواعد عسكرية وبلدات إسرائيلية وفعالياتٍ ترفيهية، في هجومٍ أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص، وأسر 251 آخرين، أُفرج عن معظمهم لاحقًا في هدنٍ مؤقتة، فيما لا يزال 48 رهينة داخل غزة، يُعتقد أن نحو 20 منهم على قيد الحياة.
غضب شعبي على نتنياهو وعزلة دوليةتبعات هذا اليوم كانت عميقة بالنسبة للإسرائيليين، إذ هزّت المؤسسة العسكرية التي فتحت أكثر من تحقيقٍ في فشلها الاستخباراتي بتوقّع الهجوم، ما أدّى إلى سلسلة من الإقالات والاستقالات في صفوف كبار القادة، من بينهم وزير الدفاع الأسبق يوآف غالانت، ورئيس الأركان هيرتسي هاليفي، ورئيس الشاباك رونين بار، وغيرهم بعد إقرارهم بالمسؤولية.
ومع تمسّك حماس برفض تسليم الأسرى إلا وفق شروطها، ورفع نتنياهو سقف مطالبه بالتوازي، تصاعدت النقمة الشعبية والمعارضة السياسية ضد حكومته، التي اتُّهمت بإطالة أمد الحرب لدوافع سياسية.
كما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في نوفمبر 2024 مذكرة اعتقال بحق نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، فيما تراجع التأييد الدولي لتل أبيب على خلفية ما وُصف بانتهاكاتٍ إنسانية في غزة، واستخدام المجاعة كسلاح ضد المدنيين، ما أدخل إسرائيل في عزلةٍ دولية، وأدّى إلى تدهور علاقاتها مع دولٍ عدة، بينها كندا، وفرنسا، وبريطانيا، وأستراليا وغيرها.
المجتمع الإسرائيلييوم الإثنين، كشفت وزارة الجيش الإسرائيلية أن عدد قتلى الجيش والأجهزة الأمنية منذ السابع من أكتوبر بلغ 1150، من بينهم 1035 جنديًا، وتشمل هذه الأرقام قتلى الهجوم الأول والحروب في غزة ولبنان والضفة الغربية.
كما نقلت القناة 12 العبرية عن مؤسسة التأمين أن نحو 80 ألف إسرائيلي صُنِّفوا كمصابين في "أعمال عدائية" منذ ذلك اليوم، فيما يعاني نحو 30 ألفًا منهم من اضطراباتٍ نفسية.
ومع فتح أكثر من جبهة، تحمّل الاقتصاد الإسرائيلي أعباءً ثقيلة، إذ تراجع قطاع السياحة وارتفع معدّل الهجرة بنسبة 14%.
Related الناجون يجتمعون في تل أبيب لتكريم ضحايا هجوم حماس على مهرجان نوفاقبل أشهر من هجوم حماس في السابع من أكتوبر.. الشاباك حذر نتنياهو من "حرب وشيكة"الجيش الإسرائيلي ينشر نتائج تحقيقه حول أحداث 7 أكتوبر في موشاف ياخيني: قواتنا تأخرت بعد هجوم حماس ماذا عن غزة؟أما بالنسبة للفلسطينيين، فكان السابع من أكتوبر نقطة انطلاقٍ لحملةٍ عسكرية غير مسبوقة، لا من حيث الوتيرة ولا من حيث المدى الزمني، إذ سُوّيت مدنٌ وبلداتٌ بأكملها بالأرض، ودخل السكان في دوامةٍ مرعبة من النزوح، وسط انهيار شبه كامل للنظام الصحي مع خروج 21 مستشفى عن الخدمة، وإغلاقٍ للمعابر، ومنعٍ لإدخال المساعدات الإنسانية.
وقد وصلت أعداد القتلى الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر إلى 67,160 قتيلًا و 169,679، بحسب وزارة الصحة في القطاع.
وأعلنت الأمم المتحدة، للمرة الأولى في الشرق الأوسط، رصد مجاعة في القطاع في أغسطس/ آب الماضي، في وقتٍ بدأت تبرز فيه مخططاتٌ يعتبرها الفلسطينيون تهديدًا وجوديًا، مثل التهجير الكامل لسكان غزة وتحويلها إلى منطقةٍ سياحية، كما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد اقترح، أو حتى ضمّ القطاع إلى الأراضي التي تحتلها إسرائيل، ما يقوّض أي إمكانية لبناء دولةٍ فلسطينية مستقبلًا.
رغم أن المنطقة دخلت في مثل هذا اليوم قبل عامين مرحلة "الطوفان" — كما أطلقت حماس على عمليتها — فإن مراقبين يرون أن المرحلة لم تتبلور بعد، لما حملته العملية من تداعياتٍ جذرية على دول الجوار والتوازنات الإقليمية في الشرق الأوسط، إذ أدّى الهجوم إلى انخراط جماعاتٍ عدّة في المواجهة، منها حزب الله في لبنان، والحوثيون في اليمن، والجمهورية الإسلامية الإيرانية لاحقًا.
وقد تمكنت إسرائيل، بدعمٍ أمريكي، من تحييد أبرز قيادات "محور المقاومة" الذين اعتبرتهم تهديدًا مباشرًا، من بينهم قادة في حماس مثل محمد الضيف، وإسماعيل هنية، ويحيى السنوار — الذي قُتل في عمليةٍ بخان يونس — إضافةً إلى الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله، وخليفته هاشم صفي الدين، فضلًا عن قادةٍ في الحرس الثوري الإيراني، وعددٍ من العلماء النوويين، خلال مواجهةٍ مع طهران استمرت 12 يومًا في يونيو الماضي.
أما ميدانيًا، فقد أدّت الحرب المباشرة مع لبنان في أيلول/ سبتمبر الماضي إلى تراجع القدرات العسكرية لحزب الله، بينما شنّ معارضون هجومًا مباغتًا على سوريا أسفر عن سقوط نظام بشار الأسد، الحليف الاستراتيجي والمورد الأساسي للسلاح، كما سيطرت إسرائيل على خمس نقاطٍ على الأقل في جنوب لبنان، وبدأت عمليةً عسكرية في الضفة الغربية المحتلة، وفرضت سيطرتها على أكثر من 75% من قطاع غزة، واستهدفت، بالتعاون مع واشنطن، المنشآت النووية الإيرانية.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة