مكتبة الإسكندرية .. رمز المعرفة والبحث العلمي وتجسيد لرؤية مصر الثقافية
تاريخ النشر: 16th, October 2025 GMT
في السادس عشر من أكتوبر عام 2002، شهد العالم حدثا ثقافيا فارقا بافتتاح مكتبة الإسكندرية الجديدة في احتفال دولي ضخم؛ لتعود من جديد رمزا خالدا للمعرفة والبحث العلمي، بعد أن تلاشت أسطورتها القديمة منذ قرون، لم تكن مجرد مبنى حديث يحمل الاسم ذاته، بل جاءت لتجسد رؤية مصر الثقافية بأن تعود الإسكندرية منارة للعلم كما كانت في العصور القديمة، وأن تمتد رسالتها التنويرية لتصل إلى كل أنحاء العالم.
خلفية تاريخية: من المجد القديم إلى الحلم الجديد
تأسست المكتبة القديمة، المعروفة بـ "المكتبة الملكية" في أوائل القرن الثالث قبل الميلاد ، خلال فترة حكم بطليموس الثاني في مدينة الإسكندرية، وقد اشتهرت بجمع المخطوطات والكتب من مختلف أنحاء العالم القديم ، لتصبح أكبر مكتبات عصرها؛ إذ ضمت علوم الحضارتين الفرعونية والإغريقية ، اللتين اسهمتا في نشوء الحضارة الهلينستية، واحتوت على أكبر مجموعة من الكتب في العالم القديم ، قدر عددها آنذاك بنحو 700 ألف مجلد، من بينها أعمال هوميروس، ومكتبة أرسطو، ويعد احتراقها عام 48 قبل الميلاد ، حين أقدم يوليوس قيصر على حرق 101 سفينة كانت موجودة على شاطئ البحر المتوسط ، فامتدت النيران إلى المكتبة فدمرتها ، خسارة إنسانية ومعرفية يصعب تعويضها.
ورغم تعرض المكتبة لأضرار جسيمة عبر العصور، واختفاء معظم آثارها الأصلية ، ظل اسمها حاضرا كأسطورة في التاريخ الثقافي المصري والعالمي، وفي عام 1974 بدأت فكرة إحيائها تتبلور من جديد ، عندما طرحت جامعة الإسكندرية بالتعاون مع منظمة اليونسكو مشروعا عالميا لإحياء الذاكرة الثقافية للإنسانية ، وتم اختيار قطعة أرض مناسبة في المنطقة الساحلية لإقامة الصرح الجديد.
من الحلم إلى الواقع
تبرعت جامعة الإسكندرية بموقع مساحته 45,000 متر مربع، وفي 26 يونيو 1988 تم وضع حجر الأساس؛ لتنطلق مراحل التخطيط والبناء، وبدأ التنفيذ الفعلي عام 1995 ، واستغرق نحو سبع سنوات ، بتكلفة تجاوزت 220 مليون دولار ، بمشاركة مؤسسات عربية ودولية.
وفي 16 أكتوبر عام 2002، افتتحت المكتبة رسميا بحضور وفود من أكثر من سبعين دولة، لتبدأ فصلا جديدا من فصولها المضيئة.
التحفة المعمارية: تصميم يحاكي شروق المعرفة
جاء التصميم المعماري للمكتبة على هيئة قرص مائل يرمز لشروق الشمس، يبلغ قطره 160 مترا، ويصل ارتفاعه إلى 32 مترا، تعبيرا عن شروق الشمس كل صباح حاملة معها نور العلم، بينما يغوص في الأرض بعمق حوالي 12 مترا ،ويحيط المبنى حوض مائي عاكس من الجهة الأمامية يطل على البحر المتوسط وساحة خارجية مفتوحة واسعة، ويربطه جسر للمشاة بجامعة الإسكندرية ، وقد كسيت واجهته الخارجية بأحجار الجرانيت الرمادي منقوش عليها حروف من لغات العالم القديم والحديث، رمزا لوحدة الإنسانية في السعي نحو المعرفة.
تتألف المكتبة من أحد عشر طابقا، وتستوعب حاليا لما يصل إلى أربعة ملايين مجلد، وهو رقم قابل للزيادة إلى ثمانية ملايين مجلد مستقبلا باستخدام مساحة تخزين مدمجة، أما قاعة القراءة الرئيسية فتبلغ مساحتها 20,000 متر مربع وتتسع لألفي قارئ، وتعد الأكبر من نوعها عالميا، أكثر من نصف مساحة المكتبة، وهي مصممة على سبعة شرفات، بفضل إضاءتها غير المباشرة من خلال نوافذ سقفية عمودية متجهة نحو الشمال، لحماية الكتب والمخطوطات من أشعة الشمس المباشرة.
مكتبات متخصصة ومراكز بحثية
وتحتضن المكتبة سبع مكتبات متخصصة تشمل :"مكتبة المواد السمعية والبصرية، المكفوفين "طه حسين"، الأطفال، المواد الميكروفيلمية ، الكتب النادرة والمجموعات الخاصة ، قاعة الاطلاع على المخطوطات النادرة بعدة لغات منها العربية، التركية، والفارسية، ومكتبة الخرائط التي تضم أكثر من 7,000 خريطة تغطي العالم مع التركيز بشكل خاص على الإسكندرية ومصر والدول العربية ودول البحر الأبيض المتوسط ، إضافة إلى أكثر من 500 أطلس وعدد من الكرات الأرضية.
كما تضم عددا من المراكز البحثية أبرزها: مركز المخطوطات، مركز الدراسات الاستراتيجية، مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي ، مركز زاهي حواس للمصريات، مركز البحوث العلمية ،ومنتدى الحوار ، ويعرض داخل أروقة المكتبة أكثر من 13 معرضا للفنون التشكيلية، إلى جانب مركز للفنون يشمل المسرح والسينما وغيرها من الفعاليات الثقافية.
وتضم المكتبة أيضا أربعة متاحف : متحف الآثار، متحف السادات، متحف تاريخ العلوم، ومتحف المخطوطات والكتب النادرة الذي يحتوي على نحو 120 مخطوطة و60 كتابا نادرا بعضها يزيد عمره عن 1000 عام، من بينها نسخة أصلية من كتاب "وصف مصر" المطبوع في باريس عام 1821 بعد الحملة الفرنسية على مصر.
ويقع مركز علوم القبة السماوية ضمن هيكل هرمي مقلوب أسفل القبة، ويضم القبة السماوية ، متحف تاريخ العلوم، تكريما للعلماء الذين ساهموا في نشر المعرفة، وقاعة استكشاف تقع بجانب القبة تتيح للزوار التفاعل مع معارض علمية خاصة في مجالي الفيزياء والفلك.
تنوع لغوي وثقافي ثري
تقدم المكتبة مجموعة واسعة من الكتب بلغات متعددة، تشمل العربية، الإنجليزية، والفرنسية، إضافة إلى مختارات من لغات أوروبية أخرى مثل الألمانية، الإيطالية، والإسبانية، فضلاً عن لغات نادرة مثل الكريبولية، لغة هايتي، والزولو.
ومن أبرز مقتنيات المكتبة نسخة طبق الأصل للخريطة المجمعة التي قام بنشرها المجمع العلمي العراقي عام 1951، وخرائط كتاب "صورة الأرض" للشريف الإدريسي ، والتي رسمها لملك سيسيليا روجر الثاني عام 1154 م ، وكذلك نسخة طبق الأصل لخريطة طبوعرافية مخطوطة للخليج العربي وبلاد ما بين النهرين تعود إلى القرن السابع عشر .
إشعاع ثقافي وعالمي
منذ لحظة افتتاحها، تحولت مكتبة الإسكندرية إلى مركز عالمي للثقافة، تستضيف المؤتمرات الدولية، والمعارض الفنية، وتوفر منصات رقمية متطورة للباحثين ، وتؤدي دورا رائدا في الحفاظ على التراث العربي والمصري، وتعزيز الابتكار، ودعم البحث العلمي في مختلف المجالات، لتستمر مصر منارة للعلم كما كانت في عصور البطالمة والفراعنة.
ومع كل ذكرى لتأسيسها، يتجدد الإيمان بأن الاستثمار في الثقافة هو الطريق إلى النهضة، وأن صفحات التاريخ لا تكتب إلا بعقول تقرأ وتفكر وتبدع، فكما أشرقت شمس الحضارة من الإسكندرية قبل أكثر من ألفي عام، ها هي اليوم تشرق من جديد لتضيء طريق الأجيال القادمة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: العصور القديمة المكتبة الملكية أکثر من
إقرأ أيضاً:
وزير الصحة يبحث مع جامعة «شاريتيه» التعاون في مجالات التدريب الطبي والبحث العلمي والتحول الرقمي الصحي
عقد الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية ووزير الصحة والسكان، اجتماعًا مع البروفيسور الدكتور هيو ك. كرومر، الرئيس التنفيذي لجامعة شاريتيه - جامعة الطب في برلين (Charité – Universitätsmedizin Berlin)، إحدى أكبر الجامعات الطبية في أوروبا.
جاء هذا الاجتماع لبحث سبل تعزيز التعاون الثنائي في مجالات التعليم الطبي، والبحث العلمي، وتطوير قدرات الكوادر الصحية، ودعم التحول الرقمي في قطاع الصحة بمصر، وذلك على هامش فعاليات قمة الصحة العالمية 2025، المنعقدة في العاصمة الألمانية برلين خلال الفترة من 12 إلى 14 أكتوبر الجاري، تحت شعار «تحمل مسؤولية الصحة في عالم منقسم».
وأوضح الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة والسكان، أن الاجتماع تناول استعراض مجالات التعاون المقترحة بين الجانبين، والتي تضمنت برامج تدريبية متخصصة لبناء القدرات للأطباء والباحثين وفنيي المختبرات المصريين، إلى جانب برامج تبادل أكاديمي واستضافة أساتذة زائرين، وتنفيذ مشروعات بحثية مشتركة في مجالات علم الوراثة، والأمراض المعدية، والأورام، وعلوم الأعصاب، مع التعاون في التجارب السريرية وتبادل البيانات البحثية.
وأضاف «عبدالغفار» أن الجانبين بحثا الشراكة في مكافحة العدوى والصحة العامة، من خلال تطوير استراتيجيات لمواجهة مقاومة مضادات الميكروبات (AMR) وتعزيز جاهزية النظام الصحي لمواجهة الأوبئة، بالإضافة إلى التعاون في مجال الصحة الرقمية من خلال تبادل الخبرات في نظم السجلات الطبية الإلكترونية، والتطبيب عن بعد، والتشخيص المدعوم بالذكاء الاصطناعي، دعمًا لاستراتيجية التحول الرقمي في القطاع الصحي بمصر.
وتابع «عبدالغفار» أن اللقاء بحث إمكانية إنشاء مراكز تميز مشتركة في القاهرة والإسكندرية، تركز على مجالات الأورام، والاختبارات الجينية، وأمراض الأعصاب، وكذلك شراكات في التعليم الطبي لتطوير المناهج، وتنفيذ برامج أكاديمية مشتركة ومنح درجات مزدوجة بالتعاون مع الجامعات المصرية.
ولفت إلى أن الدكتور خالد عبدالغفار أكد خلال اللقاء أهمية المواءمة بين خبرة جامعة شاريتيه والاستراتيجيات الوطنية للصحة في مصر، مشيرًا إلى حرص الدولة المصرية على تعزيز التعاون الدولي في مجالات التعليم الطبي والبحث العلمي، بما ينعكس إيجابًا على جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين.