نزع سلاح المقاومة.. غزة ليست بلفاست
تاريخ النشر: 18th, October 2025 GMT
بدأ رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر طرح رؤيته لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار في غزة، معلنا استعداد بلاده للقيام بدور قيادي في نزع سلاح حركة حماس، مستندا إلى خبرة بريطانيا في إقناع الجيش الجمهوري الأيرلندي بالتخلي عن سلاحه في أيرلندا الشمالية.
وأكد ستارمر أمام البرلمان أن نزع سلاح غزة خطوة حيوية لضمان استدامة الهدنة بين إسرائيل وحماس، مستشهدا بنجاح تجربة اتفاق الجمعة العظيمة عام 1998 الذي أنهى ثلاثة عقود من العنف الطائفي.
ورغم اعترافه بصعوبة المهمة، شدد ستارمر على أنها ضرورية لتحقيق سلام دائم، مشيرا إلى أن خبرة بلاده في "إخراج السلاح من المعادلة السياسية"، قد تكون نموذجا يحتذى به في الشرق الأوسط.
هذه المقارنة الجريئة أثارت جدلا واسعا حول مدى واقعية إسقاط تجربة أيرلندا الشمالية على صراع معقّد كالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
الدروس من تجربة أيرلندا الشماليةاستند نموذج ستارمر إلى تجربة أيرلندا الشمالية التي تُوجت باتفاق الجمعة العظيمة عام 1998، حيث اعترف الاتفاق بالطموحات المشروعة للجمهوريين والوحدويين، وأسس حكومة محلية لتقاسم السلطة.
شمل الاتفاق إصلاحات أمنية وسياسية، منها نزع سلاح الجماعات المسلحة بإشراف لجنة مستقلة برئاسة الجنرال الكندي جون دي تشاستيلين.
ورغم الإرادة السياسية، تعثرت عملية نزع السلاح بسبب انعدام الثقة، ولم يعلن الجيش الجمهوري الأيرلندي (IRA) إنهاء كفاحه المسلح إلا في 2005 (أي بعد 7 سنوات)، بعد خطوات لبناء الثقة ومراقبة دولية لمخازن الأسلحة. وافق (IRA) على وجود شخصيات دولية كمفتشين، وتم التحقق من التخلص الكامل من ترسانة ضخمة من الأسلحة.
الدور البريطاني كان جزءا من صفقة شاملة، حيث خفّضت لندن وجودها العسكري وأزالت الحواجز الأمنية، بالتوازي مع تخلي الجماعات المسلحة عن السلاح. كما قبلت التفاوض مع حزب شين فين، الجناح السياسي للجيش الجمهوري، بعد إدراك الأطراف أن الصراع لا يُحسم بالقوة.
إعلانهذا الإدراك، إلى جانب إنهاك المجتمعين الكاثوليكي والبروتستانتي من دوامة العنف، مهّد لحلول وسط تاريخية. هكذا تحقق نموذج لنزع السلاح ناجح نسبيا: سلّم المسلحون سلاحهم مقابل مكاسب سياسية وضمانات، وتحولت قوى كانت متمردة إلى أطراف في الحكم المحلي.
لكن هل يمكن استنساخ هذا النموذج في غزة؟ الإجابة تتطلب تحليلا دقيقا لثلاثة أبعاد جوهرية: البعد السياسي، الذي يتعلق بشرعية الأطراف واستعدادها للتفاوض؛ البعد القانوني، المرتبط بالإطار الذي ينظم عملية نزع السلاح؛ والبعد التقني/الأمني، الذي يشمل آليات التحقق وضمانات التنفيذ.
البعد السياسي: نزاع داخلي في بلفاست مقابل تحرر وطني في غزةمن الناحية السياسية، يختلف السياق جذريا بين أيرلندا الشمالية وغزة. فالصراع في أيرلندا كان داخليا ضمن السيادة البريطانية، بينما يمثل صراع غزة وفلسطين مواجهة تحررية ضد احتلال معترف به دوليا بصفته احتلالا.
اتفاق الجمعة العظيمة 1998 تضمن اعترافا سياسيا بالطرف المسلح، إذ أُشرك حزب شين فين في الحكم، وأُقرّ حق تقرير المصير. أما في الحالة الفلسطينية، فالدعوات لنزع سلاح حماس- كما يطرحها ستارمر وغيره – تأتي دون أي ضمانات سياسية أو إشراك للحركة في مستقبل غزة، بل مع توجه لإقصائها بالكامل، رغم أنها فازت بانتخابات 2006، وتدير القطاع منذ أكثر من 15 عاما.
في أيرلندا، ألقى الجيش الجمهوري سلاحه بعد ضمانات سياسية ومكاسب ملموسة، بينما يُطلب من حماس التخلي عن الحكم والسلاح دون مقابل، ما يجعل المقارنة مجتزأة. كذلك، تعاملت بريطانيا مع العنف دون حرب إبادة أو حصار، بينما ردّت إسرائيل على مقاومة حماس بحملة عسكرية مدمرة وحصار خانق، ما يعكس اختلافا جوهريا في إدارة الصراع.
كما أن البنية السياسية للصراعين مختلفة: ففي أيرلندا، كان هناك طرفان محليان واضحان توصلا إلى صيغة توافقية داخل كيان الحكم الذاتي.
أما في فلسطين، فالوضع أكثر تعقيدا، مع انقسام داخلي واحتلال خارجي، ما يجعل أي ترتيبات تخص غزة فقط – كنزع سلاح حماس مقابل إعمار- غير كافية لحل القضية الفلسطينية الأشمل. لذا، فإن استنساخ النموذج الأيرلندي دون معالجة الجذور السياسية للصراع الفلسطيني ينطوي على مخاطرة كبيرة.
البعد القانونييتجلى الفارق القانوني بين الجيش الجمهوري الأيرلندي (IRA) وحركة حماس في تعريف كل منهما ضمن الأطر القانونية المحلية والدولية. فقد تعاملت بريطانيا مع الجيش الجمهوري بوصفه تنظيما إرهابيا غير قانوني، حيث حوكم أفراده كمجرمين دون الاعتراف بهم كمقاتلين شرعيين، ولم تُقرّ بوجود نزاع مسلح رسمي في أيرلندا الشمالية.
وحتى خلال مفاوضات السلام، تمسكت بريطانيا بسيادتها القانونية واستخدمت آليات العفو والإفراج المشروط دون منح أي صفة "أسرى حرب". وقد جسّد اتفاق الجمعة العظيمة معادلة "العفو مقابل السلام"، إذ أُفرج عن سجناء الفصائل ضمن تسوية سياسية داخلية دون مساءلة قضائية أو تدخل دولي.
في المقابل، ترى حركة حماس نفسها حركة تحرر وطني تقاوم احتلالا أجنبيا، مستندة إلى مبادئ القانون الدولي الإنساني وقرارات الأمم المتحدة التي تعترف بحق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال في النضال لنيل حريتها، بما في ذلك الكفاح المسلح ضمن قيود إنسانية.
إعلانوقد وسّع البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977 نطاق النزاعات الدولية ليشمل حروب التحرر ضد الاحتلال والسيطرة الاستعمارية، وهو ما ينطبق على الحالة الفلسطينية. ورغم أن إسرائيل لم تصادق على البروتوكول، فإن دولة فلسطين انضمت إليه عام 1989، مما يمنح المقاومة الفلسطينية أساسا قانونيا دوليا.
كما أن حماس فازت بأغلبية مقاعد البرلمان الفلسطيني في انتخابات عام 2006، وتحظى بشعبية واسعة في الوسط الفلسطيني، ما يجعلها طرفا ذا شرعية سياسية واجتماعية، إضافة إلى كونها سلطة أمر واقع في غزة تتحمل مسؤوليات تجاه السكان بموجب القانون الإنساني الدولي.
أما في مسألة المحاسبة، فبينما طُويت صفحة النزاع في أيرلندا عبر العفو العام، يشهد النزاع الفلسطيني تحقيقا من المحكمة الجنائية الدولية في جرائم حرب محتملة تشمل جميع الأطراف، ما يجعل أي تسوية سياسية أكثر تعقيدا، إذ يخشى كل طرف من الملاحقة الدولية مستقبلا. وفي الوقت نفسه، تبقى إسرائيل قوة احتلال قانونيا رغم انسحابها من داخل غزة عام 2005؛ بسبب استمرار سيطرتها على المعابر والمجالين؛ الجوي والبحري، وفرضها الحصار.
وخلاصة القول: يمنح القانون الدولي حماس وضعا مغايرا عن (IRA)، إذ يعترف بحق الشعوب في مقاومة الاحتلال ضمن شروط محددة. لذلك، فإن أي مقاربة لنزع سلاح حماس يجب أن تُبنى على أسس قانونية عادلة تراعي واقع الاحتلال وحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم؛ لأن تجاهل هذه الخصوصية القانونية والسياسية سيجعل أي تسوية ناقصة.
البعد التقنيالبعد التقني-الأمني يبرز تباينا جوهريا بين تجربة نزع سلاح الـ(IRA) وحجم وتركيب ترسانة حماس، ويحدد مدى صعوبة تنفيذ عملية قابلة للتحقّق في غزة.
من حيث الترسانة، كان لدى الـ(IRA) مخزون محدود نسبيا تضمن بنادق خفيفة ومتفجرات (Semtex) وبعض القاذفات والذخائر المهربة، وكانت مخابئها محددة نسبيا في الريف وجزيرة أيرلندا ما سهل التحقّق الميداني بعد توافق قيادة الحركة.
في المقابل، تملك حماس ترسانة أكبر ومتنوّعة تشمل آلاف الصواريخ بأنواع ومدى مختلفين، قذائف هاون، طائرات مسيّرة هجومية، أسلحة مضادة للدروع ومخازن موزعة داخل شبكة أنفاق؛ إضافة إلى قدرات صناعية محلية تعيد إنتاج مكوّنات السلاح، ما يجعل الضبط الدائم أعقد بكثير.
بُنية الإخفاء والمرونة الصناعية تزيدان التعقيد: في حين أن مخابئ الـ(IRA) كانت قابلة للتعقّب والتحقّق بتنسيق محلي وإقليمي، بَنَت حماس نظامَ إخفاءٍ متداخلا، مما يجعل الوصول الآمن إلى مواقع التخزين والتعطيل مستحيلا عمليا دون تعاونها. لذلك أي عملية جمع أو تعطيل للأسلحة في غزة لا تُمثّل مجرد إزالة مخزون موجود، بل مواجهة قدرة متجددة على إعادة التصنيع والاختفاء، ما يفرض حلولا تقنية وأمنية مستمرة وليست مؤقتة.
نجاح نزع السلاح في غزة مشروط سياسيا وأمنيا:
لا بد أولا من إطار سياسي يربط العملية بترتيبات أمنية بديلة لتفادي فراغ. ثانيا، تفويض دولي متعدد الجنسيات بصلاحيات واضحة للدخول والتحقّق وإدارة المخزون، مع تنسيق لوجيستي استخباري مع إسرائيل ومصر لمنع التهريب.ثالثا، يتطلب الأمر آليات مراقبة دائمة: (بحرية، برية، جوية وعمليات رقابة للمعابر)، وتقنيات كشف وتتبع (رغم محاولات المراقبة السابقة، فإن الوصول الفعلي إلى تلك المواقع ظل محدودا).
رابعا، يجب أن تُرفق عملية نزع السلاح بخطة شاملة تدمج المقاتلين في أجهزة أمنية تقوم على عقيدة وطنية موحّدة، وتفتح أمامهم فرص عمل وتنمية اقتصادية مستدامة.كما ينبغي اعتماد بروتوكول أمني يضمن سلامة المفتشين والسكان المدنيين، مع وجود آليات شفافة وقضائية تراقب التنفيذ، وتمنع أي تجاوز أو تعطيل للعملية.
الجانب التقني ممكن لكنه غير كافٍ بمفرده؛ نزع السلاح عمل فني وسياسي في آن معا. وغياب حل سياسي جذري أو تعاون القيادة سيؤدي إلى فراغ أمني وانشقاقات أو بروز مجموعات بديلة. لذا النجاح يحتاج إلى توافق سياسي إقليمي ودولي، وتفويض تنفيذي واضح، ومنظومة رقابية وطويلة الأمد مرافقة لبرامج اجتماعية-اقتصادية لإعادة الاستقرار.
إعلانإن نجاح أي عملية لنزع السلاح يعتمد أيضا على ضمان العدالة الانتقالية، وآليات محاسبة شفافة، ومشاركة مجتمعية واسعة تضمن قبول السكان، مع ضمانات دولية لحماية الحقوق وإعادة بناء مؤسسات أمنية تحظى بشرعية وطنية وطويلة الأمد وتدابير اقتصادية واجتماعية ملموسة ومستدامة.
في الختام.. غزة ليست بلفاستالتجربة الأيرلندية قد تحمل دروسا مفيدة، لكن استنساخ نموذج بلفاست في غزة يواجه اختلافات جوهرية تجعله محفوفا بالمخاطر. فمن ناحية، فإن نزع سلاح طرف مقاوم لا يُحلّ إلا ضمن اتفاق سياسي يُلبّي جزءا مهما من طموح هذا الطرف.
في أيرلندا، جرت تسوية داخل سيادة دولة واحدة أمّنت بدائل سياسية واجتماعية للمقاتلين، بينما في الحالة الفلسطينية يبقى الاحتلال الطويل، وغياب الحقوق الوطنية، والحصار المستمر عناصر مغيّبة إذا اقتصر التركيز على السلاح وحده.
فرض نزع السلاح بالإكراه في سياق استمرار الاحتلال (بكل شروره) سيولّد رد فعل مضادا ويعمّق الرفض الشعبي. لدى الجمهور الفلسطيني، يُنظر إلى السلاح أحيانا كصمام أمان ضد عدوان مستمر؛ لذا الوعود بالإعمار أو المساعدات المادية وحدها لا تكفي لاحتواء المخاوف، أو استبدال الشرعية الشعبية بالقوة المسلحة.
التجارب التاريخية تعلمنا أن نزع السلاح الفعلي عادة ما يتبع اتفاقات سياسية تُعالج الأسباب البنيوية للنزاع، لا يسبقه؛ ومحاولات معزولة لنزع السلاح من دون معالجة جذور المشكلة غالبا ما تؤدي إلى تجدد المقاومة، أو ظهور أشكال مسلحة بديلة.
فيما يخص تجربة منظمة التحرير الفلسطينية، لم يحدث نزع سلاح شامل وقابل للتطبيق داخل مناطق النزاع. فبعد خروج المنظمة من لبنان عام 1982، وانتقال قيادتها إلى تونس، شهدت بنية السلاح الفلسطيني تحولا كبيرا؛ إذ جرى حل أو تقليص بعض التشكيلات العسكرية، بينما أعادت فصائل أخرى تموضعها في الخارج.
وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، أدى اتفاق أوسلو عام 1993 إلى إنشاء أجهزة أمنية فلسطينية جديدة، نُقل إليها جزء من المقاتلين ضمن ترتيبات السلطة الناشئة، لكن ذلك لم يؤدِ إلى إلغاء كامل لآليات المقاومة.
مع مرور الوقت، ظهرت أنماط تسليح جديدة لأسباب سياسية وأمنية كثيرة: تصنيع محلي في غزة (كالصواريخ القصيرة المدى)، وتهريب عبر الأنفاق والمعابر، ودعم خارجي وفني سمح بإعادة بناء قدرات قتالية تختلف نوعيا عن ترسانة منظمة التحرير السابقة. وهكذا، أثبتت التجربة أن نزع سلاح قيادة واحدة لا يُنهي الظاهرة المسلحة ما دامت أسبابها الجوهرية قائمة.
غياب ضمانات أمنية متوازنة يمثل عقبة أخرى. إسرائيل تطالب بضمانات ضد الصواريخ والأنفاق، بينما يطالب الفلسطينيون بحماية مدنية، وإنهاء الحصار، ووقف الاعتداءات.
نزع السلاح من دون آليات تحقق وحماية سيترك السكان في وضع هش أمام قوة احتلال متفوقة عسكريا، ما ينهش الثقة في أي ترتيبات دولية.
يمكن الاستفادة من عناصر من تجربة أيرلندا، الوساطة الدولية، التدرج، الإدماج. لكن في غزة، كما في كل نزاع تحرري، لا يُنزع السلاح قبل أن يُستعاد الحق.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات أیرلندا الشمالیة الجیش الجمهوری نزع السلاح فی أیرلندا نزع سلاح ما یجعل فی غزة
إقرأ أيضاً:
تقدير إسرائيلي.. تنسيق قطر مع أمريكا بشأن غزة يُضيّق الحيز الاستراتيجي للاحتلال
ما زالت الأوساط الاسرائيلية تترقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن الشروع في المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، حتى بدون إعادة جثة آخر جندي قتيل في غزة، وبدون نزع سلاح كامل من القطاع، وفي الوقت الذي يُطلب من الولايات المتحدة تضييق الفجوة مع دولة الاحتلال، يبقى السؤال عما إذا كان ذلك على حسابها.
أمير بار شالوم المحلل العسكري في موقع زمان إسرائيل، ذكر أنه "في نهاية الأسبوع الماضي، انعقد "منتدى الدوحة" في قطر، وهو مؤتمر جمع قادة عربًا قدّموا العديد من التصريحات البارزة حول قضية الاحتلال الإسرائيلي وقطاع غزة، ومع ذلك، كشف تصريحٌ باللغة الإنجليزية لرئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني عن نظرة الدولة المضيفة للمؤتمر إلى استمرار خطة ترامب للقطاع، قائلا إننا اجتمعنا هنا لفرض استمرار العملية، مستخدما كلمة "فرض"، ما لا يدع مجالاً للشك في مقصده".
وأضاف في مقال ترجمته "عربي21" أنه "ينبغي لهذه الكلمات أن تثير قلق الاحتلال، لأنها تشير إلى الاتجاه الذي تنظر به قطر، وربما تركيا أيضاً، إلى استمرار العملية، وتتمثل في فرض حل على الجانب الإسرائيلي، بدلاً من الحوار معه، ولذلك لم يكن استخدام المصطلحات القطرية مصادفة، بل نتاج تحليل لتصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأخيرة".
وأوضح أنه "من وجهة نظر إسرائيل، لا استمرار للمرحلة الثانية من الخطة ما لم تعد جثة الجندي القتيل ران غويلي من قطاع غزة، فقد ألمح بنيامين نتنياهو لذلك في مؤتمر صحفي عقده مؤخراً مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس، قائلاً إننا أوشكنا على إتمام المرحلة الأولى، ولم يتبقَّ لنا سوى مختطف واحد لإعادته، ستكون المرحلة الثانية هي الأصعب، أما السؤال المطروح هو ما سيكون عليه الموقف الأمريكي من هذه المسألة، فهل سيتبنى النسخة الإسرائيلية أم القطرية لاستكمال العملية".
وأشار إلى أنه في غضون ذلك، وطالما أن حماس عاجزة عن العثور على جثة غويلي، فإن الاحتلال لا ينظر في الموضوع بتاتًا، و"ثمة نقطة اختبار أخرى يقترب منها بخطى حثيثة، وهي موعد ومدة وكيفية نزع سلاح حماس، فمن وجهة نظره، لا توجد خطة لإعادة إعمار غزة دون نزع سلاح كامل لها، وفي الوقت الراهن، على الأقل، لا توجد دولة مقبولة لديه ومستعدة لإرسال جنود إلى قوة متعددة الجنسيات يُفترض أن تدخل القطاع".
وأكد أنه "من وجهة نظر حماس، فالوضع مختلف تمامًا، فمن خلال ما يصدر عن قيادتها، يبدو أن هناك محاولة لإيجاد حل وسط يتمثل في إيجاد صيغة تُبقي الحركة مسلحة، وفي موقع قوة مؤثر، وليس من المستبعد أن تحظى هذه الخطوة بدعم من قطر وتركيا، وقد صرّح مسؤولوها بأنها منفتحة على جميع الخيارات بشأن مصير الأسلحة. يمكننا مناقشة تجميدها، أو تخزينها، أو التخلص منها، مع ضمانات فلسطينية بعدم استخدامها إطلاقاً خلال فترة وقف إطلاق النار".
وأكد أنه "بعبارة أخرى، لا يتضمن أي من هذه الخيارات نزع سلاح الحركة، ومن المحتمل أن تتوافق هذه الخيارات مع التعويضات التي وُعدت بها مقابل إطلاق سراح الرهائن، بمعنى آخر، من الممكن أن يكون الوسطاء قد أوضحوا لحماس أنه مقابل إطلاق سراح الرهائن، سيكون لها خيار البقاء في قطاع غزة بتشكيل معين، وعندما سُئل نتنياهو عن وضع جداول زمنية لنزع سلاح حماس، وعن المدة التي سيكون مستعدا للانتظار فيها، تهرب من الإجابة، وقال إنه سيناقش الأمر في اجتماعه المرتقب مع ترامب نهاية الشهر".
وأشار أنه "بات من الواضح الآن أن على الولايات المتحدة التدخل لسدّ هذه الفجوة من أجل المضي قدماً في خطة ترامب لإعادة إعمار قطاع غزة، في غضون ذلك، يبرز اختلاف كبير وجوهري بين التفسيرين الإسرائيلي والقطري للمرحلة الثانية، وهذا التباين والانقطاع بين تل أبيب والدوحة قد يفسران الاجتماع الذي عُقد في الولايات المتحدة بين المبعوث الأمريكي للمنطقة، ستيف ويتكوف، ورئيس الموساد ديفيد بارنيع، وممثل رفيع المستوى للحكومة القطرية، ولعلّ موافقة القطريين على الاجتماع تحديدًا مع بارنيع دون غيره من الممثلين الإسرائيليين لم تكن عبثًا".
وأضاف أن "رئيس الموساد مسؤول عن الملف القطري نيابةً عن إسرائيل، لذا فمن المنطقي أن يكون هو الممثل في هذا الاجتماع، لكن ثمة حقيقة لا بد من التذكير بها، ففي سبتمبر، عارض المحاولة الإسرائيلية لاغتيال قيادة حماس في الدوحة، ولم يغب هذا الأمر عن أنظار كبار المسؤولين في الدوحة، وفي الواقع، يُعدّ الاجتماع الذي عُقد في نيويورك، من وجهة نظر الولايات المتحدة، استمرارًا مباشرًا لمحادثة الاعتذار التي فرضها ترامب على نتنياهو خلال زيارته للبيت الأبيض في سبتمبر، عقب الهجوم الفاشل في الدوحة مباشرةً".
تكشف هذه القراءة الإسرائيلية القلقة أن هناك محاولة أمريكية لتقريب وجهات النظر بين الطرفين مجددًا، انطلاقًا من معرفة ترامب بأن قطر عاملٌ ذو تأثير كبير على حماس، وبالتالي فهي مفتاحٌ هام لنجاح المرحلة الثانية، لكن السؤال الإسرائيلي المقلق هذه المرة ما إذا سيكون ذلك على حساب الاحتلال هذه المرة.