الشهيد الغماري .. جهاد واستشهاد
تاريخ النشر: 21st, October 2025 GMT
للعظمة رجالها، وللقيادة أهلها، وللبطولة فرسانها، وللبذل والجود والعطاء كوادر أخلصت النوايا، وصدقت في الأقوال والأفعال، وجادت بالمال والنفس، وللجهاد رجال مؤمنون “صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا”، رجال باعوا من الله أنفسهم والله اشتراها منهم بثمن غالٍ جدًّا وهو الجنة، وهي التجارة الأكثر ربحية، والأعظم ثمرةً، والأكبر حجمًا، والتي لا تضاهيها أي تجارة على وجه المعمورة على مر العصور إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
تجارة اختص بها الله الخُلُّص من أوليائه المؤمنين المجاهدين في سبيله، الذين خرجوا ابتغاء مرضاته، ومن هؤلاء القائد المجاهد الكبير الفريق الركن الشهيد محمد عبد الكريم الغماري رئيس هيئة أركان القوات المسلحة اليمنية الفارس الحيدري الذي ترجل من على صهوة جواده ليرتقي شهيدًا على إثر غارة جوية لكيان العدو الصهيوأمريكي على بلادنا وهو يؤدي واجبه الجهادي المقدس في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس على طريق القدس والتي كان قائدها الميداني الفذ، وعقلها المدبر، و مهندس تفاصيلها الدقيقة، والمتحكم في مسارها، والوقود الذي يشعلها حممًا بالستية فرط صوتية صاروخية ملتهبة، وطائرات مسيرة هجومية متفجرة، تحت قيادة ربان السفينة وقائد المسيرة، السيد القائد العلم عبد الملك بدر الدين الحوثي ( يحفظه الله).
تاريخ نضالي جهادي مزدان بحلل الألق والبهاء، ومرصع بنياشين البطولة والعظمة والشجاعة والبأس والإقدام، والبذل والعطاء والشموخ والإباء والتضحية والفداء، من حروب صعدة الظالمة برز الشهيد الغماري مجاهدًا مقدامًا صال وجال في مختلف الجبهات والمحاور التي عمل نظام السعودية والولايات على دعمها وإسنادها في محاولة منهم لوأد المسيرة القرآنية في مهدها، واستهدافها في مسقط رأسها، والقضاء عليها في مراحلها الأولى، فكان القائد الميداني الفذ الذي نجح بامتياز في المهام العسكرية والأمنية التي أوكلت له، حيث أبلى بلاءً حسنًا، وكان لحضوره البارز في ثورة 21 سبتمبر وما تلاها من أحداث متمثلة في العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي ومشاركته في عدد من جبهات العزة والكرامة إلى جانب المجاهدين العظماء، حيث حكى لي أحد المجاهدين عن الزيارات التي قام بها الشهيد الغماري لهم والأسلوب الذي كان يتعامل به معهم والروح المعنوية التي كان يصنعها في أوساطهم، والرعاية والاهتمام والتفقد الذي كان يحيطهم به، والذي جعل من زياراته لهم أشبه بالعيد.
علاوةً على ما تميز به من ملكات إدارية وتطلعات عسكرية واسعة الأفق في جانب تعزيز قوة الردع اليمني، ما أهّله لاحقًا لتولي المهام الأمنية والعسكرية والتي كان آخرها توليه مهام رئاسة هيئة الأركان العامة بالقوات المسلحة اليمنية منذ العام 2016 وحتى اللحظة التي ارتقى فيها شهيدًا رِفقةَ نجله حسين وثلاثة من مرافقيه.
ويحسب للقائد المجاهد الشهيد الغماري إدارته الحكيمة ومشاركته الفاعلة والمشهودة في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس دعمًا وإسنادًا لغزة، وبصماته الواضحة في مجال التصنيع الحربي، والذي أعطاه جل وقته، وأحاطه برعايته واهتمامه، بل وإشرافه المباشر على المسرح العملياتي في إطار مسار الحشد والتعبئة، والاستعداد والجهوزية، لخوض غمار المواجهة مع العدو الأمريكي والصهيوني وأذنابهما والتي تأتي ردة فعل على معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس التي تخوضها بلادنا دعمًا وإسنادًا لغزة وفلسطين.
كل هذه الأدوار، وكل هذه المهام، وكل هذه المسؤوليات، قام بها ونفذها بكل كفاءة وفاعلية بصمت، نعم بصمت بعيدًا عن الظهور الإعلامي، وعدسات الكاميرات، حيث كان حريصًا على أن يعمل في صمت خلف الأضواء، لأنه كان لا يرى في ذلك أهميةً بالنسبة له؛ باعتبار ما يقوم به مسؤوليةً وواجبًا دينيًّا مقدسًا لا يحتاج إلى شكر وثناء، ولا كاميرات وأضواء، ولا إشادة وإطراء، فمن الله وحده كان يبغي الأجر و الثواب والجزاء، هكذا عرفه كل من حوله، وبهكذا عرفناه خلال تلكم المراحل التي تولى فيها المهام والمسؤوليات التي أوكلت له.
خلاصة الخلاصة: لقد توّج القائد المجاهد محمد عبد الكريم الغماري مسيرته الجهادية النضالية الإيمانية بالشهادة في سبيل الله رِفقةَ فلذة كبده حسين ومرافقيه العظماء، في أقدس معركة (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس) دعمًا وإسنادًا لغزة وفلسطين، وأشرف ساحة (على طريق القدس)، لقد نال ما تمناه، وما يتمناه كل مؤمن صادق مخلص لله ولرسوله، لقد أوفى بالعهد وأَبرَّ بالقسم، ولا غرابة أن يحتشد اليمنيون بكل تلكم الجموع الغفيرة من مختلف المحافظات بالأمس في مراسيم تشييعه المهيبة، وفاءً له وللإرث الذي خلّفه، وللمواقف والبطولات التي سطّرها، والتضحيات العظيمة التي قدّمها في سبيل الله، فهنيئًا لك أيها الشهيد المجاهد هذا المقام وهذه المكانة وهذا الحب وهذا التكريم وهذا الاصطفاء، وهذا الوفاء الرسمي والشعبي المستحق، وطبتم، وطابت روحكم الطاهرة ورفاقكم الشهداء العظماء في أعلى عليين.
والعاقبة للمتقين.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
مشروعية زيارة الأماكن التي تحتوي على التماثيل
قالت دار الإفتاء المصرية إن هناك جماعة من الفقهاء المحققين الذين أجازوا اتخاذَ التماثيل إذا لم يُقصَد بها العبادة، ونصوا على أن تحريم التماثيل الوارد في الشرع إنما جاء سدًّا لذريعة عبادتها، وحسمًا لمادة تقديسها، فأما المجسمات على صور الحيوانات والبشر التي لا تُتَّخَذُ للعبادة فلا تحرم، فالنهي عن اتخاذ التصاوير والتماثيل التي على هيئة ذوات الروح وعن صناعتها، لم يكن لكونها محرمة في ذاتها.
التماثيل
ومن المقرر أن سُنة الله في خلقه جرت على أن جعلهم شعوبًا وقبائل، وأقام الاختلاف بينهم في العاداتِ، والأعرافِ، والبيئاتِ، والعلومِ؛ ليتعارفوا ويتكاملوا فيما بينهم كأغصان شجرةٍ واحدة، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ [الحجرات: 13].
التعارف من سنن الله في خلقه
ولا يوجد مانع شرعًا من إقامة المتاحف المعبرة عن الحضارة والتاريخ، والتي تعدُّ وسيلة من وسائل التعليم والتثقيف، وأما النهي الشرعي عن إقامة التماثيل وصناعتها فمخصوصٌ بحالة قصد مضاهاة خلق الله تعالى، أو اتخاذها للعبادة من دونه سبحانه مما يبعد عن مقاصد إقامة تلك المتاحف، ولا مانع أيضًا من عرض التماثيل والصور المجسمة فيها بغرض عرض التاريخ، وكذا لا مانع من الزيارة للمشاهدة والاتعاظ والاعتبار والتعلُّم من آثار السابقين وعلومهم وحضاراتهم.
قال الإمام ابن عجيبة في "البحر المديد" (5/ 434، ط. الدكتور حسن عباس زكي): [الشعوب: رؤوس القبائل.. سُمُّوا بذلك لتشعُّبهم كتشعُّب أغصان الشجرة، والقبائل: دون الشعوب] اهـ.
إقامة المتاحف التي تحتوي على التماثيل والانتفاع بالتعلم منها
وقال العلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في "التحرير والتنوير" (26/ 259-260، ط. الدار التونسية): [جُعلت عِلَّة جَعْل الله إياه شعوبًا وقبائل، وحكمته من هذا الجعل: أن يتعارف الناس، أي يعرف بعضهم بعضًا. والتعارف يحصل طبقةً بعد طبقةٍ متدرجًا إلى الأعلى... وهكذا حتى يعمَّ أمَّة أو يعم النَّاس كلهم، وما انتشرت الحضارات المماثلة بين البشر إلا بهذا الناموس الحكيم] اهـ.
حكم صناعة التماثيل ووضعها في المتاحف وأقوال الفقهاء في ذلك
والأصل في صناعة التماثيل وإقامتها في المتاحف أنَّها منهيٌّ عنها في السنة النبوية بأكثر مِن حديث، فمنها: ما أخرجه الإمام مسلم عن أبي الهَيَّاجِ الأَسَدِيِّ قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ".
وما أخرجه الإمام البخاري عن سعيد بن أبي الحسن قال: كنت عند ابن عباسٍ رضي الله عنهما إذ أتاه رجل فقال: إني إنسانٌ، إنما معيشتي من صنعة يدي، وإني أصنع هذه التصاوير. فقال ابن عباس رضي الله عنهما: لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول: «مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فَإِنَّ اللهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا، فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ! إِنْ أَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تَصْنَعَ فَعَلَيْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ كُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ».
إلا أنَّ نصوص التحريم والنهي عن صناعة التماثيل واتخاذها جاءت متضمنة لحكاية حالٍ مخصوص واشتملت على عللٍ ظاهرةٍ، فذهبت طائفة مِن الفقهاء إلى أنَّ التحريم مخصوص بتلك العِلَلِ والأحوال، وهي أن يكون التمثال على هيئةٍ كاملةٍ مِن ذوات الأرواح أمَّا ما كان على غيرها أو كان عليها إلا أنَّه غير مكتمل فأجازوه؛ عملًا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ لِي: أَتَيْتُكَ الْبَارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ عَلَى الْبَابِ تَمَاثِيلُ، فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي فِي الْبَيْتِ يُقْطَعُ فَيَصِيرُ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ» أخرجه الإمامان: أبو داود، والتِّرْمِذِي.
المتاحف
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا ومرفوعًا عند البَيْهَقِي وغيره: "الصُّورَةُ الرَّأْسُ، فَإِذَا قُطِعَ الرَّأْسُ فَليسَ بِصُورَةٍ".
فكانت تلك النصوص مخصِّصة للعموم الوارد في النهي عن صنع التمثال وإقامته، كما وردت به نصوص الفقهاء:
قال الإمام ابن عابدين في "رد المحتار" (1/ 649، ط. دار الفكر): [(قوله: أو ممحوة عضو.. إلخ) تعميمٌ بعد تخصيصٍ، وهل مثل ذلك ما لو كانت مثقوبة البطن مثلا؟ والظاهر أنه لو كان الثقب كبيرًا يظهر به نقصها فنعم وإلا فلا... (قوله: لأنها لا تعبد)؛ أي: هذه المذكورات، وحينئذ فلا يحصل التشبه] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدامة في "المغني" (7/ 216، ط. دار إحياء التراث العربي): [إذا كان في ابتداء التصوير صورة بدنٍ بلا رأس، أو رأس بلا بدن، أو جُعِلَ له رأسٌ وسائر بدنه صورة غير حيوان، لم يدخل في النهي؛ لأن ذلك ليس بصورة حيوان] اهـ.
بل ذهب بعض الفقهاء ومنهم الشيخ الإمام محمد عبده إلى أنَّ النهي مخصوصٌ بحال مضاهاة صنع الله أو اتخاذها للعبادة من دون الله، فرأوا أنَّ التعليل الوارد في خصوص هذه المسألة إنما يُخَصِّصُ الحكم بها ولا يُبطل النصوص السابقة وغيرها مما هو في معناها؛ لأنه يجوز استنباط معنى من النَّصِّ يخصِّصُه، ولا يجوز استنباط معنى من النص يَكِرُّ عليه بالإبطال، كما في "الأشباه والنظائر" لتاج الدين السُّبْكِي (1/ 154، ط. دار الكتب العلمية)، و"غاية الوصول في شرح لُب الأصول" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (ص: 122، ط. دار الكتب العربية الكبرى).