في مدينةٍ كانت تُعرف يوماً بأنها درّة الجنوب وبوابة اليمن إلى البحر والعالم، يعيش اليوم سكان العاصمة عدن في ظلام دامس وعطش خانق وانقطاع رواتب مستمر منذ أشهر، في مشهدٍ يلخص حجم الانهيار المعيشي والخدمي الذي يضرب العاصمة، وسط صمت حكومي ورئاسي مطبق يثير غضباً شعبياً متصاعداً ومخاوف من انفجار إنساني وشيك.

منذ مساء الأحد، دخلت عدن مرحلة "العتمة الكاملة"، بعد خروج جميع محطات الكهرباء عن الخدمة، لتتحول المدينة إلى لوحة من السواد الممتد فوق بحرٍ متعبٍ من الصبر. ومع توقف المراوح والثلاجات والمضخات، تحوّل الليل في المدينة الساحلية إلى كابوس خانق، حيث الحرارة والرطوبة تسحق أنفاس الناس، فيما الأطفال ينامون على الأرض بحثاً عن نسمة هواء لا تأتي.

انهيار غير مسبوق

تشهد مديريات عدن انقطاعاً شاملاً للتيار الكهربائي منذ أكثر من 24 ساعة، بعد توقف جميع محطات التوليد عن العمل نتيجة نفاد الوقود، في أزمة وُصفت بأنها الأسوأ في تاريخ المدينة منذ عقود. وقالت المؤسسة العامة للكهرباء إن القدرة التوليدية بلغت "صفر ميجاوات" عند الساعة الواحدة ظهراً من يوم الاثنين، مشيرة إلى أن التيار منقطع كلياً دون فترات تشغيل منذ يوم الأحد.

وأكدت مصادر فنية أن محطة الطاقة الشمسية في عدن – التي روّجت لها السلطات كحل بديل – لا يمكنها العمل بشكل مستقل، إذ تحتاج إلى وجود توليد رئيسي من محطات “المنصورة” أو “الرئيس” لضبط تردد الشبكة وتوزيع الأحمال، ما جعلها عاجزة عن إنقاذ المدينة في أزمتها الحالية.

ويقول مهندسون في المؤسسة إن محطة "الرئيس" خرجت بالكامل عن الخدمة بعد نفاد كميات الوقود المشغلة، فيما لم تصل أي شحنات جديدة من مأرب أو حضرموت، لتغرق المدينة في ظلام غير مسبوق حتى في سنوات الحرب. وأشاروا إلى أن عدن تعتمد على قواطر وقود محدودة قادمة من حضرموت، لكنها غير كافية لتشغيل المحطات ولو لساعات، مؤكدين أن "الوضع تقنيًا وعمليًا وصل إلى نقطة الصفر."

ولم تتوقف الأزمة عند حدود العتمة فقط، إذ امتدّ تأثيرها إلى خدمات المياه والصرف الصحي التي أصبحت مهددة بالتوقف الكامل، ما ينذر بكارثة صحية وإنسانية جديدة. وحذّرت المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي في عدن من أن استمرار انقطاع الكهرباء سيؤدي إلى توقف ضخ المياه في جميع المديريات، بالإضافة إلى تعطّل محطات الصرف الصحي.

وأوضح بيان صادر عن المؤسسة أن حقول الإنتاج في بئر أحمد والروى والعريش توقفت فعلياً عن العمل بسبب عدم توفر الطاقة اللازمة لتشغيل المضخات، مشيرة إلى أنها تحاول الاعتماد على مولدات احتياطية محدودة "لكنها لا تكفي لتغطية احتياجات المدينة."

وأكدت المؤسسة أن الأزمة الحالية “تتجاوز إمكانياتها التشغيلية والفنية”، داعية الحكومة إلى توفير الوقود بشكل عاجل، ومؤكدة أن استمرار الوضع بهذا الشكل “قد يؤدي إلى كارثة بيئية وإنسانية واسعة”.

عدن تُخنق عمداً

وعلى منصات التواصل الاجتماعي، تصاعدت حالة الغضب الشعبي في عدن، حيث عبّر ناشطون وإعلاميون عن سخطهم الشديد تجاه صمت الحكومة، مؤكدين أن ما يجري في المدينة "ليس مجرد خلل فني بل إهانة ممنهجة".

الإعلامي فؤاد مرشد كتب بمرارة: "حين تعيش عدن 24 ساعة في الظلام، فهذا يعني أن هناك من قرر إهانة المدينة عمداً، أن هناك من يستمتع برؤية الناس يلهثون وراء مروحة لا تدور وماء لا يُضخ ودواء يتلف في ثلاجة لا حياة فيها. مضيفا: "محطة الطاقة الشمسية التي وعدونا بها لا تعمل إلا بإذن من الظلام! عدن الآن مصباح يتيم في آخر العمر اختنق ضوءه حتى ابتلعه العتم؛ إنها ليست أزمة كهرباء فحسب، بل أزمة كرامة."

أما الناشط أنور حسين فحمّل الحكومة والتحالف العربي مسؤولية ما وصفه بـ"الفشل المزمن في إدارة أزمة الخدمات": "عدن الوحيدة التي لم تستفد من المليارات المقدمة كمساعدات من السعودية والإمارات. نسمع عن دعم بمليارات ولا نرى سوى مزيد من الانطفاءات. الدعم يغرق في بحر الفساد الداخلي".

الكاتب جلال جميل محسن وصف ما يجري بأنه “أزمة وطن وليست مجرد أزمة كهرباء”، قائلاً: "الكهرباء في عدن تُستخدم كورقة صراع سياسي بين الأطراف، بدل أن تكون خدمة إنسانية. المواطن يعيش في جحيم الانقطاع، بينما المبررات جاهزة: الحرب، نقص الوقود، الظروف. من يفشل في إنارة مدينة، كيف له أن ينير وطناً؟".

بينما تواصل عدن غرقها في ظلامٍ دامسٍ، يزداد شعور المواطنين بأنهم منسيّون في وطنهم. فالأزمة لا تقتصر على الكهرباء والمياه، بل تمتد إلى تأخر صرف المرتبات وانعدام الخدمات الصحية وتدهور البنية التحتية، مما جعل الحياة اليومية في المدينة شبه مستحيلة.

ويطالب الأهالي بتدخل حكومي ورئاسي عاجل لإنقاذ العاصمة من الانهيار الكامل، مؤكدين أن "عدن لم تعد تحتمل المزيد من الصمت"، وأن استمرار الأزمات دون حلول حقيقية "قد يدفع الشارع إلى الانفجار".

المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: فی عدن

إقرأ أيضاً:

أزمة كهرباء خانقة تشلُّ عدن

الجديد برس| تشهد مدينة عدن، الخاضعة لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، تصاعداً حاداً في انقطاعات التيار الكهربائي التي اقتربت من 20 ساعة يومياً، نتيجة نفاد الوقود في محطات التوليد. وأفادت مصادر محلية بأن محطة بترومسيلة تعمل حالياً بقدرة لا تتجاوز 65 ميجاوات فقط، جراء استمرار احتجاز ناقلات النفط في مديرية أحور بمحافظة أبين، ما أدى إلى ارتفاع ساعات الانطفاء إلى 18 ساعة مقابل ساعتين تشغيل فقط. وأضافت المصادر أن كافة محطات المازوت والديزل في عدن توقفت عن العمل بسبب عدم توفير كميات إسعافية من الوقود، وسط تجاهل من الجهات المعنية. وتسببت الأزمة في تفاقم معاناة السكان مع ارتفاع درجات الحرارة وتدهور الأوضاع المعيشية، وسط استياء شعبي واسع من استمرار الانقطاعات وتدهور الخدمات الأساسية في المدينة.

مقالات مشابهة

  • عدن تغرق في ظلام مطبق.. المدينة تنطفئ بالكامل بعد نفاد آخر قطرة وقود
  • احتجاجات غاضبة في عدن تنديدا بانقطاع الكهرباء وتهديدات بالتصعيد
  • اجتماع مسائي للإطار التنسيقي للتباحث بشأن أزمة المياه والتحضيرات للانتخابات
  • محافظ عدن يدعم مؤسسة المياه بوقود إسعافي لتشغيل الآبار
  • عدن تغرق في ظلام دامس بعد توقف خدمة الكهرباء بشكل كلي
  • أزمة كهرباء خانقة تشلُّ عدن
  • كهرباء عدن تحذر من توقف كامل للمنظومة وتناشد الرئاسة والحكومة إنقاذ المدينة من الظلام
  • وفد حكومي تركي يزور بغداد للتباحث بشأن ملف المياه والنفط
  • عدن تغرق في الظلام.. انقطاع الكهرباء يشل الخدمات وينذر بكارثة صحية