بين الوقود والرقابة… دولة تُجاهد لتواكب قائدها
تاريخ النشر: 21st, October 2025 GMT
ليست زيادة أسعار الوقود هي جوهر الأزمة، فالجنيه أو الجنيهان اللذان أُضيفا إلى لتر البنزين لا يصنعان كارثة اقتصادية، بقدر ما يكشفان عن منظومة رقابية عليلة، ومؤسسات فقدت قدرتها على التفاعل الذكي مع قرارات الإصلاح.
إن المعادلة أبعد من مجرد سعر للوقود، إنها مسألة بنية مؤسسية لم تُواكب بعد التحول الكبير في فلسفة إدارة الدولة.
فالمشكلة في مصر اليوم ليست في القرار، بل في المنظومة التي تنفذه. مؤسسات ما زالت تحمل جينات دولة مبارك الإدارية، دولة التحالف بين النفوذ المالي والسلطة البيروقراطية، حيث الرقابة شكلية، والتنفيذ روتيني، والعقل الإداري عاجز عن مجاراة عقل القيادة الذي يتحرك بسرعة الضوء في عالم رقمي لا ينتظر المترددين.
إن أي إصلاح اقتصادي حقيقي لا ينجح إلا إذا صاحبته ثورة في أدوات الإدارة. والإدارة الحديثة في العالم لم تعد تعتمد على التفتيش الورقي أو اللجان المتكررة، بل على منظومات رقمية ذكية توحّد المعلومات وتُحوّل المواطن من متلقٍ سلبي إلى مراقب فعّال.
في سنغافورة مثلًا، لا يمكن لأي تاجر أن يرفع سعر سلعة دون أن ينعكس ذلك فورًا في قاعدة بيانات مركزية تُحدث تلقائيًا، ويتلقى المواطن إشعارًا بسعرها الصحيح. وفي الإمارات، يُدار السوق عبر منصات ذكاء اصطناعي تراقب الأسعار لحظة بلحظة، وتضبط أي تلاعب أو احتكار دون حاجة لجيش من المفتشين.
ولذا، فإن الحل في مصر يبدأ من إعادة صياغة مفهوم الرقابة. نحتاج إلى إنشاء هيئة وطنية للحوكمة الرقمية والأسواق، تكون مستقلة فنيًا، وتضم خبراء في البيانات والاقتصاد السلوكي، وتعمل على إدارة قاعدة بيانات مركزية للسلع والخدمات، مرتبطة بكل المنافذ التجارية، مزودة بنظام باركود موحد يُلزم المنتج والتاجر بإعلان السعر الرسمي للمستهلك.
ومن خلال تطبيق ذكي للمواطنين، يمكن الإبلاغ عن أي تجاوز في السعر أو الغش في المنتج، ليُحال البلاغ تلقائيًا إلى خوارزمية ترصد الأنماط وتصدر الإنذارات إلى الجهات المختصة، فتتحول الرقابة من إجراء متأخر إلى رد فعل فوري استباقي.
إننا بحاجة إلى نقل الدولة من ثقافة “رد الفعل” إلى ثقافة “التحكم الذكي”، بحيث تصبح المعلومة والسعر والمخالفة في متناول النظام لحظة وقوعها، لا بعد أن تُصبح أزمة. وهذا لا يتحقق إلا بدمج القطاع الخاص في منظومة الرقابة عبر شراكات تشغيلية تحكمها معايير الشفافية، كما فعلت دول الاتحاد الأوروبي حين نقلت الرقابة من المكاتب إلى الأنظمة الرقمية.
ورؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي في هذا الاتجاه واضحة، فهو يتحدث منذ سنوات عن ضرورة التحول الرقمي، وربط كل مؤسسات الدولة بقاعدة بيانات موحدة، وإلغاء التعقيد الإداري الذي يعيق التنمية. غير أن الواقع يكشف عن فجوة خطيرة بين سرعة نظام الرئيس وبين بطء أجهزة الدولة التنفيذية.
فالرئيس يسابق الزمن في بناء الجمهورية الجديدة، بينما تتحرك البيروقراطية بخطوات مثقلة، تُبطئ الوتيرة وتفرغ الرؤية من مضمونها، وكأننا أمام دولتين تسيران بسرعتين مختلفتين: دولة الرؤية والإنجاز، ودولة الورق والختم.
إن الخطر الحقيقي ليس في ارتفاع الأسعار، بل في استمرار هذا التفاوت بين فكر القيادة ومناخ التنفيذ. فحين تكون القيادة تفكر بعقل المستقبل، والمؤسسات تعمل بعقل الماضي، تصبح كل خطوة إصلاحية معركة ضد الزمن.
ولذلك، فإن المرحلة المقبلة تستوجب إصلاحًا مؤسسيًا جذريًا، يعيد هيكلة الأجهزة الرقابية والإدارية وفقًا لمنظومة “الحوكمة الرقمية الذكية”، ويُخضع كل مسؤول لمؤشرات أداء زمنية دقيقة، فلا يُترك القرار فريسة للتباطؤ، ولا يُمنح المنصب لمن لا يجيد لغة العصر.
فالإصلاح الاقتصادي يشبه الدواء المر، لا يمكن رفضه، لكنه يحتاج إلى نظام صحي قوي ليستفيد منه الجسد الوطني.
ومصر، بكل ما تمتلكه من طاقة قيادة وشعب وموقع، قادرة على أن تتحول إلى نموذج في الانضباط والشفافية، إذا ما أُزيلت الحواجز بين القرار والرؤية، وبين طموح القائد وبطء المؤسسة.
لقد بدأ الرئيس السيسي مشروع الإصلاح بشجاعة القائد، وبقي أن تُجاريه مؤسسات الدولة بشجاعة التنفيذ، فالإصلاح لا يقاس بما نعلنه، بل بما نُطبقه على الأرض، وبالسرعة التي نصل بها إلى المواطن قبل أن يسبقنا وجعه.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
حملات مكثفة لضبط الأسواق بعد تحريك أسعار الوقود | تفاصيل
تواصل المحافظات حملاتها التموينية المكثفة لضبط الاسواق بعد تحريك اسعار الوقود، ومنع استغلال المواطنين.
البحيرةواصلت مديرية التموين والتجارة الداخلية في محافظة البحيرة، حملاتها التموينية على محطات الوقود بقرى ومراكز المحافظة، للتأكد من وصول الدعم إلى مستحقيه، وعدم تهريب المواد البترولية للسوق السوداء، بالتزامن مع تحريك أسعار الوقود، واتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة حيال المخالفين.
وشنت الإدارة التموينية بمركز دمنهور، حملة تموينية على محطات الوقود، بإشراف مصطفى غريب، مدير الإدارة، وبرئاسة علي أبوزيد، رئيس الرقابة، وبمرافقة رمضان شرشر، مباحث تموين البحيرة.
وأسفرت الحملة عن ضبط محطة وقود لتصرفها في كمية 5789 لتر بنزين 92 وبيعها في السوق السوداء، وتم عرض الواقعة على جهات التحقيق لاتخاذ الإجراءات القانونية، وضبط محطة وقود أخرى لتصرفها في كمية 1623 لتر سولار بالسوق السوداء، وتم عرض الواقعة على جهات التحقيق.
في مركز شبراخيت تمكنت حملة تموينية مماثلة، بإشراف ورئاسة أحمد أبو الليف، رئيس الرقابة، وعضوية حسام عيد، المفتش بالرقابة، بالاشتراك مع الإدارة العامة لمباحث التموين، من ضبط والتحفظ على كمية قدرها 1000 لتر سولار تم تجميعه بغرض بيعه بالسوق السوداء لتحقيق أرباح غير مشروعة.
المنياشدد اللواء عماد كدواني، محافظ المنيا، على ضرورة تكثيف الرقابة التموينية على الأسواق والسوبرماركت والمحال التجارية والسلاسل الكبرى والمطاعم والمخابز البلدية ومستودعات البوتاجاز ومحطات الوقود، لمتابعة حركة تداول السلع وضمان الالتزام بالأسعار المقررة وجودة المعروض منها، حفاظًا على حقوق المواطنين وردع المخالفين والمتلاعبين بالسلع التموينية أو الاستراتيجية.
وأكد المحافظ أن الجهود تأتي تنفيذًا لتوجيهات القيادة السياسية، بضرورة التنسيق والتعاون بين كافة الجهات المعنية، بما في ذلك مديريات التموين والصحة والطب البيطري، وجهاز حماية المستهلك، ومباحث التموين، ورؤساء الوحدات المحلية، لتحقيق الرقابة الشاملة على الأسواق وضبط أي مخالفات تمس حقوق المواطن أو تؤثر على استقرار السوق المحلي.
حملات تموينية
وأوضح المهندس حلمي الزهري، وكيل وزارة التموين بالمنيا، أن الحملات التموينية المكثفة أسفرت عن تحرير 257 مخالفة متنوعة، وذلك في إطار خطة المديرية لمتابعة المخابز البلدية والأسواق والمحال التجارية.
وأشار وكيل الوزارة إلى أنه تم في مجال مجابهة المتلاعبين بالدعم تم ضبط سيارة محملة بـ 1000 لتر بنزين قبل بيعها في السوق السوداء، وضبط 5 شكائر سماد مدعم خاص بوزارة الزراعة قبل الاتجار بها لتحقيق أرباح غير مشروعة.
الوادي الجديدشكلت الدكتورة سلوي مصطفي مدير عام مديرية التموين والتجارة الداخلية بمحافظة الوادي الجديد، حملات تفتيشية لمتابعة الالتزام بأسعار أسطوانات البوتاجاز في ضوء قرار الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء وطبقا لقرار اللجنة المختصة بتحديد أسعار أسطوانات البوتاجاز وفقًا لبعد المسافات بين المراكز.
وأكدت مدير تموين الوادي الجديد، أن الحملات مستمرة على مدار الساعة بالتنسيق مع الجهات الرقابية والأمنية لضبط أي مخالفات، مشيرًة إلى توافر المواد البترولية وأسطوانات البوتاجاز بجميع المراكز.
طالبت مدير التموين بالوادي الجديد، بالمواطنين التعاون والإبلاغ الفوري عن أي تجاوزات أو محاولات استغلال عبر القنوات المخصصة لتلقي الشكاوى، في إطار حرص وزارة التموين على ضمان انضباط السوق وتحقيق العدالة في توزيع المواد البترولية وأسطوانات البوتاجاز لخدمة المواطنين.