في وقت يواصل فيه الذهب تحطيم الأرقام القياسية متجاوزا حاجز 4300 دولار للأوقية، وذلك مع تصاعد النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، وتزايد التوقعات بخفض أسعار الفائدة الأميركية، تتعزز مكاسب المعدن الأصفر، لا سيما في ظل ترجيح خبراء استمرار هذا الاتجاه الصعودي خلال السنوات المقبلة.

وتعدين الذهب عمل تجاري عالمي يتم تنفيذه في كل قارة باستثناء القارة القطبية الجنوبية، ويتم استخراجه من مناجم ذات أنواع ومقاييس مختلفة على نطاق واسع.

على مستوى الدول، كانت الصين أكبر منتج عالميا في عام 2024، وبلغت حصتها نحو 10% من إجمالي الإنتاج العالمي بحجم إنتاج بلغ 380.2 طنا، تليها روسيا بـ330 طنا وفقا لمجلس الذهب العالمي.

في هذا التقرير تجيب الجزيرة نت عن سؤال: أين يقف العرب من سباق الذهب الدولي وما هي أبرز الدول العربية في إنتاجه؟

أبرز 6 دول عربية إنتاجا للذهب

1- السودان

يعد السودان اليوم أبرز منتج عربي للذهب، وتتركز عمليات التعدين في ولايات نهر النيل والشمال والبحر الأحمر، التي تشكل العمود الفقري لإنتاج المعدن النفيس في البلاد.

وحسب تقرير بعنوان "الذهب والحرب في السودان" (Gold and the war in Sudan) أعده "معهد تشاتام هاوس"، (Chatham House)، فإن تجارة الذهب ترتبط ارتباطا وثيقا بالصراع الدائر في السودان، وتُعد أحد أهم مصادر تمويل الحرب منذ اندلاعها عام 2023.

وتقدر قيمة تجارة الذهب بمليارات الدولارات سنويا، وتُغذي شبكة معقدة من الفاعلين المحليين والإقليميين تشمل جماعات مسلحة وتجارا ومهربين.

ووفقا للتقرير السابق، تجاوز إنتاج السودان الرسمي من الذهب 80 طنا سنويا بثبات قبل الحرب، لكنه تراجع بشدة في بدايتها ليصل إلى نحو طنين بين أبريل/نيسان وأغسطس/آب 2023، بعد 5 أشهر من الحرب، ثم عاد ليرتفع إلى 73.8 طنا عام 2024 وفقا لبيانات مجلس الذهب العالمي.

وأعلنت الشركة السودانية للموارد المعدنية أن إنتاج البلاد من الذهب بلغ 37.3 طنا خلال النصف الأول من عام 2025، مسجلا زيادة ملحوظة مقارنة بالسنوات الأخيرة، رغم استمرار الحرب وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية.

تجاوز إنتاج السودان الرسمي من الذهب 80 طنا سنويا بثبات قبل الحرب (شترستوك)

يتركز الإنتاج في المقام الأول في ولايات نهر النيل والشمال والبحر الأحمر، فيما يتم حاليا افتتاح مكاتب جديدة للشركة في جنوب كردفان، ليصل عدد الولايات المنتجة للذهب إلى 7 ولايات، رغم أن هذا العدد لا يزال أقل من فترة ما قبل الحرب عندما كان إنتاج الذهب يتم في 14 ولاية وفقا لـ"مركز ديفان للأبحاث" (DIVAN Centre).

إعلان

تشير تقارير صادرة عن "معهد الدراسات السياسية الدولية (ISPI) "وتشاتام هاوس" إلى أن جزءًا كبيرا من الإنتاج لا يُسجل رسميا بسبب التهريب والتعدين غير المنظم، مما يجعل الأرقام الرسمية أقل من الواقع الفعلي.

2- موريتانيا

أنتجت موريتانيا 21.9 طنا من الذهب عام 2024، وفق مجلس الذهب العالمي.

ويعد منجم تازيازت (Tasiast Gold Mine) أحد أكبر مناجم الذهب في قارة أفريقيا، حيث تجاوز احتياطيه 220 طنا. بدأ العمل في المنجم سنة 2007 عندما حصلت شركة كندية على رخصة الاستغلال من الحكومة الموريتانية، وفقا لتقرير سابق للجزيرة نت.

أنتجت موريتانيا 21.9 طنا من الذهب عام 2024 (شترستوك)3- مصر

تنتشر رواسب الذهب في مناطق واسعة من الصحراء الشرقية المصرية، التي شكّلت منذ العصور القديمة محورا رئيسيا لأنشطة التنقيب والتعدين بفضل غناها بالمعادن النفيسة، وتُعد هذه المنطقة جزءًا من الدرع النوبي العربي الذي يمتد عبر شمال شرق أفريقيا والجزيرة العربية، ويُعد من أغنى الأقاليم بالذهب في العالم.

يُعتبر منجم السكري أكبر وأهم منجم لتعدين الذهب في مصر، ويمتد على مساحة تبلغ نحو 160 كيلومترا مربعا في صحراء مصر الشرقية، وبدأت فيه عمليات التعدين الحديثة عام 2009، بينما انطلق الإنتاج التجاري في أبريل/نيسان 2010، ليصبح المنجم الركيزة الأساسية لصناعة الذهب المصرية.

وفي عام 2023، بلغ إنتاج منجم السكري نحو 450 ألفا و58 أوقية من الذهب (نحو 14 طنا) قبل استحواذ شركة أنغلو غولد أشانتي (Anglo Gold Ashanti) عليه، إذ أعلنت الشركة في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، استحواذها الكامل على شركة سنتامين المالكة السابقة للمنجم، في صفقة بلغت قيمتها 2.5 مليار دولار، مما منح أنغلو غولد السيطرة الكاملة على منجم السكري، الذي يُعد واحدا من أكبر وأغنى مناجم الذهب في العالم، وفق رويترز.

في عام 2023 بلغ إنتاج منجم السكري بمصر نحو 14 طنا (شترستوك)

وشركة أنغلو غولد أشانتي (AngloGold Ashanti Limited) هي واحدة من أكبر شركات تعدين الذهب في العالم، وتتمتع بحضور واسع وأنشطة استكشاف في 10 دول عبر 4 قارات، ويقع مقرها الرئيسي في جنوب أفريقيا.

4- السعودية

تتمتع السعودية باحتياطي كبير من الذهب الجوفي، يُقدر حجمه بنحو 323.7 طنا وفقا لوكالة الأنباء السعودية.
وقفز إنتاج الذهب في المملك بصورة متتالية منذ انطلاق رؤية المملكة 2030، التي ركزت على تطوير قطاع التعدين، ومن المتوقع أن يشهد هذا القطاع في المملكة نموا أكبر خلال السنوات القادمة، لا سيما بعد تخصيص عدد من مواقع احتياطيات التعدين التي ستخضع للاستكشاف بناءً على الدراسات الجيولوجية في المملكة.

ويوجد في السعودية 6 مناجم ذهب بلغ إجمالي حجم إنتاجها في عام 2020 نحو 434 ألفا و845 أوقية (نحو 13.5 طنا متريا)، ومن أبرز هذه المناجم: منجم الدويحي في مكة المكرمة، ومنجم مهد الذهب في المدينة المنورة وفقا للمصدر السابق.
وحسب تقرير لمنصة مايننغ تكنولوجي" (Mining-Technology) استنادا لبيانات شركة غلوبال داتا (Global Data)، صنفت السعودية بأنها المنتج الـ27 عالميا في 2023، ومن المتوقع أن يرتفع الإنتاج بمعدل نمو سنوي مركب قدره 6% بين عامي 2023 و2027.

يوجد في السعودية 6 مناجم ذهب بلغ إجمالي حجم إنتاجها في عام 2020 نحو 13.5 طنا متريا (شترستوك)5- المغرب

خطا المغرب خطوة حاسمة نحو الانضمام إلى قائمة كبار منتجي الذهب في أفريقيا، بعد تأكيد وجود رواسب عالية الجودة في مدينة "كلميم" جنوب البلاد.

إعلان

وأعلنت شركة التعدين أولاه بالاس للتجارة (OLAH Palace Trading) عن هذا الاكتشاف المهم، عقب تحديدها 34 عرقا من الكوارتز تحتوي على نسب ذهب تصل إلى 30 غراما في الطن الواحد، وهي نسبة تُصنف ضمن المستويات العالمية الممتازة وفقا للمعايير الدولية بحسب ما ذكرت منصة إنيرجي سايكل (Energy Circle).

وتشير التقديرات الأولية إلى أن احتياطات المنجم تتراوح بين 3 و5 ملايين أونصة من الذهب، مما يمثل نطاقا كفيلا بإعادة تشكيل خريطة الصناعة التعدينية في المغرب وتعزيز موقعه ضمن سوق الموارد الأفريقية المتنامي.

بلغت صادرات المغرب من الذهب نحو 27.7 مليون دولار (شترستوك)

وقبل هذا الاكتشاف اقتصر إنتاج الذهب لعقود على منجم صغير في منطقة "تيويت" بإقليم "تنغير".

وحسب بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) لعام 2023 -نقلتها منصة "إنيرجي سايكل" (EnergyCircle)- بلغت صادرات المغرب من الذهب نحو 27.7 مليون دولار، وهي قيمة متواضعة مقارنة بالدول الأفريقية الرائدة مثل غانا وجنوب أفريقيا.

ويقدر الإنتاج السنوي الحالي بأكثر من 100 كيلوغرام بقليل، أي ما يمثل نسبة هامشية من الإنتاج الإقليمي وفقا للمصدر السابق.

من جهتها ذكرت منصة "سي أيه أي سي داتا" (CEIC Data) أن إنتاج المغرب من الذهب بلغ 140 كيلوغرام عام 2022.

وصل إنتاج الجزائر من الذهب إلى 100 كيلوغرام عام 2023 (شترستوك)6- الجزائر

وصل إنتاج الجزائر من الذهب إلى 100 كيلوغرام عام 2023، وفقا لمنصة "غلوبال إيكونومي" (Global Economy). وبشكل عام، بلغ متوسط إنتاج الجزائر من الذهب سنويا نحو 250 كيلوغراما من عام 2001 إلى عام 2022، وفقا لمنصة "سي إي آي سي داتا" (CEIC Data).

وبلغت احتياطيات الجزائر من الذهب 173.56 طنا في الربع الثاني من عام 2025 وفقا لمنصة "تريدنغ إيكونوميكس".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات الجزائر من الذهب منجم السکری الذهب فی عام 2024 عام 2023 فی عام

إقرأ أيضاً:

السبيل الحاسم لإحياء الدول العربية من جديد

لم تعد تخفى على أحد تلك الحيرة التي ترتسم على وجوه المسؤولين السياسيين في بعض البلدان العربية، وهم يقفون أمام المشاكل المتراكمة المتعلقة بالشباب. بل كثيرا ما يظهر كما لو أن الطرفين يفتقدان إلى لغة مشتركة، وأن العلاقة الوحيدة الممكنة، هي سوء فهم مستمر.

ولعل العزوف الكبير للشباب اليوم عن السياسة تعبير صارخ عن هذا التطور الدراماتيكي الذي ينبئ بسقوط قطاعات واسعة من المجتمع بين براثن العدمية، والانعزالية.

ولا ريب أنه ستكون للأمر تبعات سياسية وخيمة، وذلك على الرغم من الاستثمار المفرط في "الحل الأمني".

طبعا، يمكن العودة بهذا المشكل إلى أسباب مختلفة، ومنها تبني الدولة العربية المعاصرة أجندة نيوليبرالية دون اعتبار للخصوصية الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية لبلدانها، فاصلة بذلك قدرها عن قدر المجتمع، لكن ما يُعمق أكثر من هذه الأزمة، التي تقترب في بعض البلدان العربية من حرب أهلية غير معلنة، هو غياب شبه تام للدور التربوي للدولة.

لا تنحصر التربية في المجال الخاص، وذلك حتى وإن جاء تدخل الدولة في التربية متأخرا في السياق الغربي.

تُقدم ألمانيا نموذجا مركزيا في النصف الثاني من القرن العشرين، إذ كان عليها أن تنقل المجتمع من نظام ثقافي وعقدي نازي إلى تبني قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان- ما اصطلح عليه المؤرخ الفرنسي دنيس غولديل بـ "المنعطف الغربي لألمانيا"- والخروج من إرث وسحر "المسار الخاص"، الذي جعل منها، في لغة الفيلسوف الألماني، هيلموت بليسنر، "أمة متأخرة".

ولعب الحلفاء، وخصوصا الولايات المتحدة الأميركية، دورا مركزيا في السنوات الأولى التي أعقبت الحرب في هذه العملية التربوية، وهو الدور الذي لن تلعبه، مثلا، في العراق، ومناطق أخرى من العالم، رغم كل الضجيج الإعلامي حول دمقرطة الشرق الأوسط.

يتعرض المجتمع الحديث لهزات قوية، تُعبر عن نفسها في سياق عربي وثالثيّ بشكل متطرف، ويحدث ذلك لأسباب:

إعلان أولا، حين تختل العلاقة بين الجماعة أو الجماعات والمجتمع (الطائفية في المشرق العربي). وثانيا، بين الفرد والمجتمع، فلا يشعر الأفراد بانتماء إلى مجتمع يحرمهم من تحقيق ذواتهم، فيطرقون باب الهجرة، الواقعية منها والرمزية، كما الحال مع عديد من النخب المتعلمة في شمال أفريقيا، التي باتت تفضل البرد الكندي على بلدان ما برحت تزداد ضيقا بالفرد وحرياته. وثالثا، حين تغترب الدولة عن المجتمع، كما يُفرز ذلك النموذج النيوليبرالي.

يكتب إيمانويل كانط في محاضرته حول التربية: "إن الإنسان لا يمكنه أن يصبح إنسانا إلا عبر التربية"، ويمكننا أن نواصل، وهذه المرة مع جون ديوي، بأنه لا يمكنه أن يُصبح مواطنا إلا من خلال التربية، وأن وحده الإنسان الحر يمكنه الدفاع عن الحرية.

وتلعب الدولة في التربية على المواطنة دورا محوريا، لا يتوقف عند أبواب المؤسسات التعليمية، أو ينتهي بتوزيع شهادات جامعية، بل الأمر يتعلق بمشروع مجتمعي متكامل، يُعبر عن نفسه في السياسات العمومية للدولة، في مؤسسات المجتمع المدني، في القيم التي تسود المجتمع والثقافة التي يتبناها، بل ويُعبر عن نفسه أيضا، فيما يصطلح عليه ريتشارد سينيت في كتاب يحمل العنوان نفسه: في "البناء والسكن".

إذ التربية على المواطنة شرط أساسي لبناء "مدينة مفتوحة"، يشعر المواطن بالانتماء إليها، ولا يشعر بالاغتراب أمام مؤسساتها، ويُقبل بمسؤولية على فضائها العام.

وهنا، يجب ألا نترك التربية لأيدٍ أجنبية، غريبة عن الثقافة والقيم المحلية، أو نسارع- في عُقد نقص مستحكمة- إلى الاحتفاء بالوافد الجديد، ونبذ القديم.

إن التربية على المواطنة منفتحة على العالم، ولكنه انفتاح في ظل التقاليد، يسمح بإغناء هذه التقاليد وتحويلها بشكل يخدم الفرد والجماعة، ويأخذ بعين الاعتبار حاجات الثقافات المحلية، إذ كثيرا ما ننجرّ إلى "مشاريع ثقافية" كبيرة في العناوين التي تطرحها، ولكنها صغيرة وضئيلة التأثير في نتائجها.

وذلك على الرغم من كل الضجيج الإعلامي والأكاديمي الذي يحيط بها، بل وسنجدها تقف حجر عثرة أمام حوار مجتمعي صحي، وهي تصطف إلى جانب طائفيات معينة، أو تنخرط في الحروب القبلية للأنظمة السياسية، أو تكتفي بنقل أجوف، وفي مازوخية، للموضات الغربية.

لا غرو أننا نحتاج إلى تربية تؤهل الشباب العربي للحياة في القرن الـ21، والتأقلم مع تحديات "التسارع" المختلفة، وهذا لا يرتبط بنقل موضات تعليمية غربية، أو تبني أسلوب حياة غربي، أثبت فشله في عقر داره، بل يجب أن نهدف إلى بناء نموذج تعليمي وتربوي مستقل، دون أن تعني استقلاليته انغلاقه أمام التجارب الأخرى، فهو سيظل في حوار مستمر مع تلك التجارب، ولكن انطلاقا وفي ارتباط بحاجات ولغات وأسئلة سياقاته.

تحمي التربية البناء المجتمعي، وتحافظ على لحمته وتحصنه أمام التأثيرات الخارجية، وترافق تحولاته في وعي بهذه التحولات ومتطلباتها، ولا يمكن للاعب رئيس مثل الدولة، وكما يكتب أحد كبار المتخصصين الألمان في عمليات الإصلاح التربوي، إنغو ريشتر: " أن يغفل البتة التربية. إن ذلك يعني أن تغمض الدولة عينيها أمام واقع التربية"، ومن خلال ذلك أمام واقع المجتمع.

إعلان

ولكن دور الدولة هنا لا يقوم على تربية مجتمع يقول فقط نعم للدولة، بل مجتمع يقول نعم للحريات العامة، ومستعد للعب دور المعارضة المسؤولة متى اقتضت الظروف ذلك.

فالأمر لا يتعلق بتربية توتاليتارية ترسم حركات وسكنات المجتمع، وتعطل التقسيم الاجتماعي، وتُكمم الأفواه، وتُلغي لعبة الأجيال، ولكن بتربية حرة ومُحررة.

وهذا ما تُعبر عنه مختلف الاحتجاجات التي تعرفها الدول الديمقراطية اليوم، ومنها تلك التي أضحت تتوجه إلى النظام الديمقراطي نفسه، والتي يمكن تلخيصها فيما تصطلح عليه بعض الأصوات في ألمانيا بـ "ديمقراطية الطقس الجميل"، وهي تلك الديمقراطية التي لا تستطيع الصمود أمام الأزمات الحقيقية التي تضرب المجتمع.

ولكن، إذا عدنا إلى سياقنا العربي، فإنه من شروط نُضج الدولة وتحولها من مجرد سلطة متسلطة على المجتمع إلى دولة تمثل طموحاته الأساسية- وهو ما نعدمه في كتابات المنظرين للدولة في سياق عربي- تحمل الدولة مسؤولياتها التربوية تجاه المجتمع، مثلا من خلال تبني حياد تام تجاه وجهات النظر المختلفة إلى العالم، أو تأسيس معاهد للتعليم المستمر أو تعليم الكبار.

وكذلك أيضا من خلال إحياء الأحزاب التقليدية، وتفعيل دورها التربوي، وتعميم نوادي الشباب، والتشجيع على تأسيس جمعيات تهتم بصورة المدينة والحياة بداخلها، فلا بد من استعادة المجتمع قبل فوات الأوان، وذلك خصوصا بالنظر إلى التحديات الخارجية الكبرى التي تواجهها الدول العربية اليوم، والتي لا ينفع معها الهروب إلى الأمام.

نعيش اليوم، في سياق عربي، في "دولة غير مكتملة" بلغة القانوني التونسي علي المزغني، والتي هي- لا ريب- امتداد لما أسميه بالمجتمع غير المكتمل، ومن هنا فالحاجة ملحة إلى اقتراح تربوي جديد، يؤسس لعلاقة مبدعة بالتقاليد، وهو ما يشترط الاعتراف بحقوق الأجيال الجديدة في إغناء هذه التقاليد.

يقول ابن القيم الجوزية: "لا تكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم". وهو اقتراح سيطالب بانفتاح نقدي على الحداثة ومنجزها التربوي، وبضرورة الالتزام بالقضايا الكبرى للمجتمع.

يعتقد عالم النفس النمساوي، زيغفريد برنفيلد في كتابه الشهير: "سيزيف أو حدود التربية"، بأن التربية تقوم على المحافظة، وأنها لم تسهم يوما في تغيير بنية المجتمع، وغالبا ما اقتصر دورها على شرعنة النظام الاجتماعي القائم.

وهو هنا يتحدث عن وجه واحد للتربية، وهو لا ريب وجه ضروري، فلا بد من الحفاظ على المجتمع وليس تخريبه، ولكن إلى تلك المحافظة ينتمي، لا شك، أيضا الدور النقدي للتربية، والمتمثل في ذلك الطموح المستمر إلى مجتمع أفضل، وأكثر قدرة على الإبداع والتواصل مع العصر. فيجب ألا ننسى أن تاريخ التربية في الغرب، هو بالأحرى تاريخ نقدها للمجتمع أكثر منه تاريخ محافظتها عليه.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • دول عربية تفجر مفاجئات جديدة في سباق الذهب العربي.. مناجم تُزهر وسط الحروب وأرقام تثير الشكوك والغموض
  • ليبيا تشارك باجتماعات «وزراء الإسكان العرب» في مصر
  • مدرب ليفربول يعلق مجددًا على انخفاض مستوى صلاح.. إليك أبرز ما قاله
  • السبيل الحاسم لإحياء الدول العربية من جديد
  • حظر الاتصالات الجوية وإلزامية الفواتير العربية.. أبرز تنظيمات الإنترنت الفضائي
  • تقرير دولي: مصر شهدت نموًا كبيرًا في إنتاج الفاكهة خلال العقدين الماضيين
  • مشروع لإنشاء إدارة للآثار العربية بجامعة الدول.. أحمد أبو الغيط يبحث المقترح مع الكحلاوي
  • سلامة الغذاء: 1320 شركة مصدرة.. والصومال والسعودية أبرز الدول المستوردة
  • روسيا تتوقع وصول حجم التبادل التجاري مع الدول العربية إلى 50 مليار دولار