فضيلة مفتى الجمهورية فى حوار لـ"البوابة نيوز": لا يوجد فى الإسلام زى محدد للمرأة أو الرجل.. والأصل هو الحشمة بأى شكل.. والمسلم يستطيع أن يندمج فى أى مجتمع محافظًا على هويته دون أن يفرض ما يريده
تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT
أجرت الحوار: داليا عبدالرحيمأعده للنشر: محمد غنوم ومحمود سمير وتصوير: محمد سويلم نحتاج إلى بذل العديد من الجهود لإعادة الصورة التى ورثناها عن رسول الله والصحابة والتابعين والعلماء عقدنا مؤتمر «التكوين العلمى والتأهيل الإفتائى لأئمة المساجد فى الخارج» عندما لاحظنا أن الأئمة بالخارج يحتاجون إلى تأهيل وتدريب من أجل تصويب الخطاب الدينىمرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة نتج عنه ما يزيد على 700 تقرير تدور حول التنظيمات المتطرفة فى العالمالمسلمون الأوائل عندما ذهبوا إلى الغرب لم يكن خطابهم الدينى بمثل ما نحن عليه الآن.
التقت داليا عبدالرحيم، رئيس تحرير جريدة وموقع «البوابة نيوز»، ومساعد رئيس قطاع القنوات الإخبارية لملف الإسلام السياسى بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، فضيلة الدكتور شوقى علام، مفتى الديار المصرية، أحد أهم علماء الإسلام، ورئيس المجلس الأعلى للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم.. حضر اللقاء الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتى الجمهورية، والأمين العام لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، ورئيس مركز سلام لمكافحة التطرف.. كما حضره الكاتب الصحفى محمود حامد مدير عام تحرير «البوابة».
فى بداية حديثه، قال فضيلة المفتى إن الإسلام جاء رحمة للعالمين جميعًا وجاء لبناء الإنسان والذى ينطلق من خلال هذا البناء إلى العمران والبناء الحقيقى والخلافة الحقيقية عن الله فى الأرض.. وأكد مفتى الجمهورية خلال حواره، أننا لا يمكن أن ننسب التطرف لدين بعينه، ولا بد من العودة مرة أخرى للطريق القويم والصحيح، ولا بد من إيجاد القواسم المشتركة التى نعيش من خلالها فنحن جميعًا أبناء الكرة الأرضية.. وإلى نص الحوار:
■ بدايةً.. الإسلام والمسلمون مُتَهمون فى الغرب دائمًا بالإرهاب.. ماذا فعلت المؤسسات الإسلامية لتصحيح هذه الرؤية؟
فضيلة المفتي: الإسلام جاء رحمة للعالمين جميعًا.. جاء لبناء الإنسان، والذى ينطلق من خلال هذا البناء إلى العمران والبناء الحقيقى والخلافة الحقيقية عن الله فى الأرض، والإسلام يكون فى نطاقه الحضارى المتقدم إذا وصلت صورته إلى العالم بصورته التى تركها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والتفسير الصحيح لما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك نحن نحتاج إلى بذل العديد من الجهود لإعادة الصورة التى ورثناها عن سيدنا رسول الله والصحابة والتابعين والعلماء وعن أثر الحضارة الإسلامية فى العالم كله.. نحن نريد أن نعيد هذه الصورة بأن الإسلام جاء أولًا ليبني، جاء للتعاون والتشارك ولم يفترض أن يكون هو فقط فى هذا الكون بل إن دلالة النصوص الشرعية على أن الإنسان المسلم يعلم تمام العلم ويوقن تمام اليقين بأنه ليس وحده وأن التنوع والاختلاف سنة كونية أرادها الله سبحانه وتعالى فى قوله (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة)، وفى قوله (ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعًا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين).. وأمام قضية التنوع التى هى سنة كونية لا بد من أن توجد الوسائل لكيفية التعامل مع العالم كله ومع الآخرين بما يفترض بالنسبة لنا نحن المسلمين "التعاون والتشارك لا الصراع" ولذلك نحن نرفض رفضًا تامًا قضية الصراع أو وجود ما يسمى بـ "صراع الحضارات" بل هناك تكامل وحوار للحضارات وإيجاد مساحة مشتركة، وما أكثر هذه المساحات المشتركة فيما بين الإنسان المسلم وبين غيره فى الكون كله.
■ هل هناك برنامج محدد لدار الإفتاء المصرية أو مشروع لتوضيح الصورة الحقيقية للإسلام فى الغرب؟
فى أغسطس ٢٠١٥، عقدنا أول مؤتمر لدار الإفتاء المصرية تحت عنوان "الفتوى.. إشكاليات الواقع وآفاق المستقبل:، ونتج عن هذا المؤتمر توصية على إنشاء أمانة عامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم بقصد التواصل والحوار فيما بيننا فى القضايا المهمة كمفتيين على مستوى العالم الاسلامى والعالم على وجه العموم، وبالفعل فى ١٥ ديسمبر ٢٠١٥ تم إنشاء الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم والتى أنشأت جملة من المشاريع المنسوبة للأمانة ودار الافتاء المصرية وهى جهد مصرى حقيقي.. بعد ذلك عقدنا ٧ مؤتمرات باسم الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، وبالفعل لاحظنا أن المراكز الاسلامية بالخارج والأئمة بالخارج يحتاجون إلى تأهيل وتدريب من أجل رصانة الخطاب الدينى ومن أجل تصحيح المسار فى كثير من القضايا ولذلك عقدنا مؤتمرًا بعنوان "التكوين العلمى والتأهيل الإفتائى لأئمة المساجد فى الخارج" وجاء إلينا وفود كثيرة يعرضون وجهة نظرهم فى هذا الأمر، والحقيقة كان المؤتمر مثمرًا، فى هذا الإطار أيضا وبعد أن قدم مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة الذى أنشأته دار الافتاء المصرية فى يناير ٢٠١٤ عملًا متقًنا فى قضية الرصد والتحليل وكتابة التقارير، ونتج عن هذا المرصد ما يزيد على ٧٠٠ تقرير تدور حول التنظيمات المتطرفة فى العالم والتى اعتمدت النصوص الشرعية فى تفسيراتها وتأويلاتها بعيدًا عن ارض الواقع وفى ظل الفهم الصحيح للدين الإسلامي، ولذلك فإن هذا المرصد درس حالات عديدة ورصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة وأوجد المعايير العلمية التى تنبنى عليها الفتوى وعرضنا هذه الفتاوى التكفيرية والمتشددة على المعايير التى نسير عليها ووجدنا خللا كبيرا فى هذه الفتاوى فقمنا بكتابة التقارير التى تعمل فى هذا الاتجاه.
تطور هذا المرصد إلى مركز سلام لدراسات التطرف والذى عقد أول مؤتمر له فى شهر يونيو عام ٢٠٢٢، وحضر هذا المؤتمر العديد من المنظمات والمؤسسات الدولية على رأسها المسئولون عن مكافحة التطرف فى الأمم المتحدة ويتقدمهم الدكتور جاهنكير خان.
■ جماعات الإسلام السياسى تنتشر وتتوغل فى الغرب عن طريق السيطرة على المساجد.. هل قدمت مصر عن طريق دار الإفتاء مشروع للتعاون مع حكومات الغرب فيما يتعلق بإرسال أئمة لبعض المساجد هناك لإحلالهم محل الأئمة الحاليين؟
امتدادا لهذا الحضور فى مؤتمر مركز سلام ذهبنا إلى الأمم المتحدة فى شهر يونيو الماضى بعد المؤتمر بسنة، والتقينا بالمسئول عن حوار الحضارات والمسئول عن مكافحة التطرف، وعرضنا وجهة نظرنا فى تجديد الخطاب الدينى وكيفية مكافحة التطرف وليس فقط على مستوى الإسلام لكن هناك متطرفين من أتباع ديانات أخرى، لذا لا يمكن أن ننسب التطرف للديانات أو لدين بعينه.
وفيما يختص بدورنا كدار الإفتاء المصرية بالفعل نحن نرسل علماء الدار إلى أماكن متعددة فى العالم فى مناسبات ومؤتمرات مختلفة وبلا شك أن الخطاب الذى تطرحه دار الافتاء المصرية ضمن الخطابات المتعددة مؤثر فى الحضور فى هذا الوقت، ويوجد بعثة أزهرية مستمرة للتعليم وأيضا أئمة يرسلون فى شهر رمضان الكريم من قبل وزارة الاوقاف المصرية، لكن على مستوى دار الافتاء المصرية نحن نرسل علماء الدار فى مناسبات مختلفة، ونريد أن نؤكد أننا أنشأنا تطبيق على الهواتف الذكية باسم: "فتوى برو" باللغتين الإنجليزية والفرنسية لنضع أقدامنا فى الموضع الصحيح فى سبيل تصويب الخطاب فى الغرب لأن هذا التطبيق موجه للعقل الغربى ولذلك حتى الفتاوى والافكار التى تطرح فى هذا التطبيق هى موجهة بأسلوب يفهمه العقل الغربى وليس بأسلوب الفتوى فى مصر أو العالم العربى فنحن نراعى السياق ومن نخاطب فى مثل هذا التطبيق لذلك أظن بعد أن يضع هذا التطبيق كل إمكانياته سوف ينافس ويأخذ مكانه بين الآخرين فى سبيل إيجاد خطاب دينى مستنير ومعتدل يصدر من مصر العظيمة بتاريخها.
■ في وقت سابق أصدر وزير التربية والتعليم الفرنسي قرارًا بمنع دخول الطالبات حال ارتدائهم العبايات أو الحجاب.. من وجهة نظركم كيف ترون هذا القرار؟ وهل للتمسك بالزي الاسلامي (الحجاب على سبيل المثال) في الغرب وعدم الاندماج في تلك المجتمعات ضرورة يحض عليها الدين الإسلامي أم هي شعارات سياسية استفادت منها جماعات الإسلام السياسي للتوغل والانتشار؟
الالتزام بالأحكام الشرعية لا يقتصر على فرنسا فقط أو غيرها من الدول وإنما هى ثابته من حيث الأصل ثم إذا ما حدثت حالة فردية تستدعى أن تغير هذه الاحكام لمواجهة ظروف طارئة يجب أن يصدر الحكم فى حدود الضرورة والحاجة التى تنزل منزلة الضرورة وهو ما يضبط الخطاب الدينى فى هذه الحالة لذلك المسلم يستطيع أن يعيش بأريحية شديدة جدًا فى كل الكون ويستطيع أن يندمج وأظن أن تجربة المسلمين الأوائل عندما ذهبوا إلى تلك الأماكن فى الغرب لم يكونوا بخطابهم الدينى فى هذا الوقت بمثل ما نحن عليه الآن.. وإنما كانت تصدر الأخلاق والسلوك الحضارى قبل الكلام الذى يفصح عن شخصية المسلم ويدعو إلى التساؤل عن هذا الانسان من هو وماذا يتبنى، إذا اتضحت هذه الصورة الأخلاقية أولًا وصورة السلوك الحضارى أظن بأن القلوب ستفتح أكيد قبل الأماكن وسيكون المسلم فى مرحلة اندماج ايجابى حقيقى فى المجتمع الذى يعيش فيه..
ونحن فى الفتوى نقول لا بد من احترام الخصوصيات.. الفتوى عندما تنزل إلى أرض الواقع تراعى فى أبعادها الخصوصية التى عليها المجتمعات والتى عليها الأفراد والأحوال ولذلك عندنا الفتوى تتغير بتغير الأحوال والأزمان والأماكن والأشخاص بما يعنى أن الفتوى مراعية للحالة ومتطورة مع الواقع وتعالج الواقع بأريحية كبيرة جدًا ولذلك نحن ندعوا المسلم دائما إلى أن يكون إنسانًا ايجابيًا فى أى موقع من المواقع التى يعيش فيها.
وفى هذا الشأن فكرنا فى ملتقى للعلماء الذين يعنون بدراسة قضايا الاقليات فى العالم الغربى وهذا الملتقى نفكر فيه ونرتب له فى أن نجمع كل المعنيين بدراسة واقع الأقليات وفقه الأقليات فى الخارج بأن نجلس سويًا على الطاولة ونتناقش فى هذه القضايا وكيف لهذا الانسان المسلم أن يحافظ على شخصيته وهويته الإسلامية ويعيش فى هذا المجتمع الذى ربما لا يعترف ببعض الخصوصيات له وكيف يعيش فيه مع الاحتفاظ التام بهذه الشخصية المسلمة ويكون فى نفس الوقت مؤديًا لدور ايجابى فى تلك المجتمعات.
وعمومًا، لا أحب التعامل بازدواجية إذا كان سيطبق القرار على كل الفئات دون التمييز فإن على المسلم أن يندمج فى هذا المجتمع، الإسلام ليس له زى محدد الشكل، ولذلك المسلم يستطيع أن يعيش فى أى مجتمع من المجتمعات محافظًا على هويته، والهوية هى الإيمان والأخلاق، كما أن الاحتشام والستر هو جزء لا يتجزأ من أحكام الشريعة وهذه الحشمة يُعَّبر عنها بهذا التعبير وهو الحجاب، والحجاب ليس له شكل معين إنما له مواصفات معينه، والزى عمومًا خاضع لثقافات الشعوب فمثلًا فى روسيا نجد أن المرأة تفضل ارتداء البالطو والقبعة فهى بذلك قد احتشمت، والمسلمة عليها أن ترتدى من الثياب ما تمليه عليها الثقافة أو البيئة بما يستر جسدها ولا يكشف إلا عن الوجه واليدين بأى زى تستطيع ارتداءه فى أى مجتمع من المجتمعات، فنحن لا نحدد شكلًا نمطيًا للزى الذى ترتديه المرأة ولكن نضع أوصافًا لهذا الزى بحيث لا يكشف ولا يشف ولا يصف ولا يظهر إلا الوجه والكفين.
والمسلم يستطيع أن يتحرك من خلال الأحكام الشرعية فى حال السعة وحال الاضطرار بما يجعله يعيش فى هذه المجتمعات ويعيش حتى فى مجتمعنا، على سبيل المثال لو ان الانسان يعيش فى مصر ثم استدعت ظروف معينة ان يخرج عن النمط العام فى الاحكام لظروف طارئة عنده لن نجبره ان يظل على ظروفه الحالية.
■ نعلم أن لكم تجربة فى بريطانيا وبخاصةً فى مجلس العموم البريطاني.. كيف نستقم لهذه التجربة وما هى نتائجها وماذا كانت محددات خطابكم هناك؟
تجربة كانت ناجحة فى تقديرى الشخصى ووفق المعطيات التى كانت تغطيها التجربة فى هذا الوقت لهذه الزيارة اولا نالت اهتماما كبيرا على مستوى الداخل والخارج كان الهدف هو توضيح الصورة وايصال رسالة الاسلام فى نمطها الصحيح وصورتها الصحيحة غير هذا الفكر الذى عرض عليهم ولذلك هناك خطاب أُلقى أمام مجلس العموم البريطانى وايضًا تقرير وزع عن جذور العنف لدى الاخوان وهناك محاضرة كانت مهمة للغاية ألقيت فى جامعة إكسفورد حول "من يتحدث باسم الإسلام" وهذا صلب المسألة من الذى سيتحدث هل هذه الجماعة؟ فوضعنا إطارًا عن الذى يتحدث عن الإسلام فى ثوبه الصحيح والنقى وهو الشخص الذى تخصص وتعلم ودرس فى معاهد معترف بها كالأزهر الشريف والقرويين فى المغرب والزيتونة فى تونس ومحاضر العلم فى اليمن مثلها من هذه المدارس العلمية التى تلتقى حول هدف واحد وهو الاسلام الصحيح الذى يحقق استقرار المجتمعات والذى ينبى ويحافظ على شخصية الإنسان المسلم أما من يستغل الدين للوصول لأغراض سياسية فخطابه فى الحقيقة ليس معتمدًا.
■ هل بالإمكان أن يحدثنا فضيلتكم عن التحول الرقمى فى مجال الإفتاء؟
لدار الإفتاء المصرية تجربة فريدة وسابقة فى الدخول بقوة إلى هذا المجال الحيوي؛ وهى تنطلق فى ذلك من خلال رؤية استراتيجية متكاملة شملت ميكنة العمل فيها وتعزيز وتطوير خدمات دار الإفتاء الشرعيَّة، التى تقدمها للمسلمين فى جميع أنحاء العالم، ومن ورائها منهجية شرعية علمية رصينة، مع رؤية متناسقة ومنسجمة للإنسان والكون والحياة.
فالأجيال المعاصرة تعيش فى ظل التطوُّر التكنولوجى الهائل والسريع مرحلة جديدة؛ حيث تعددية الاتصال والثورة الرقمية التى توغلت فى جميع المجالات، واندمجت فيها مختلف التخصصات.
وقد أصبح هذا التطور أمرًا جوهريًّا فى مسيرة نجاح المؤسسات الإفتائية التى تعتمد وبدرجة كبيرة على قدرتها وعزمها على تبنى عملية الرقمنة وتطويرها؛ لتقوم من خلالها بأداء مهامها فى إرشاد الأمة وتوعية أفرادها بالأحكام الشرعيَّة، خاصة أن المعلومات بأبعادها الثلاثة (النصى والصوتى والمرئي) بات التعبير عنها عبر الوسائل الرقمية المتنوعة أسبق من الكلمة المكتوبة والمطبوعة.
ويضاف إلى ذلك أن التطوُّر الرقمى أسهم وبصورة مباشرة فى طرح أنماط جديدة على ساحة الخطاب الدينى والبحث الفقهي، متزامنة مع انتشار للتيارات المتشددة والإرهابية عبر هذا الفضاء الواسع وأفكارهم الهدامة، مما يستوجب على المؤسسات الإفتائية أن تدخل وبقوة هذا المجال بفرصه الواعدة؛ لأن هذه المؤسسات الراسخة تنتهج منهجًا منفتحًا على العالمين، تنطلق فيه من مقصد شرعى أصيل يستمد من قول الله تعالى فى حق رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧]، فضلًا عن شعور علمائها والقائمين على شئونها بأن الأمانة تفرض عليهم المساهمة بفاعلية فى نشر المعرفة الصحيحة، وبناء الوطن، ونهضة الأمة، وإسعاد الإنسانية.
لقد بدأتم فى إنشاء فروع لدار الإفتاء بالمحافظات هل بالإمكان معرفة أسباب ذلك؟
الدار توجهت لإنشاء فروع جديدة لها فى محافظات مصر؛ تنفيذًا لخطتها الاستراتيجية الخمسية التى بدأتها الدار، وتهدف فى المقام الأول إلى تعزيز قنوات الاتصال مع الجمهور، والتيسير عليهم للحصول على الفتوى الصحيحة من أمناء الفتوى المتخصصين بدار الإفتاء، وغيرها من الخدمات الشرعية.
آخر إنجازات المؤشر العالمى للفتوى
أهم إنجازات المؤشر العالمى للفتوى نشر أكثر من (٧٥) إصدارًا متنوعًا بين الإصدارات الرصدية أو التحليلية، التى ضمَّت التقارير المختصرة أو البيانات أو الدراسات الموسعة، وكان أهمها التقرير السنوى الرئيسى للمؤشر العالمى للفتوى، وهو تقرير سنوى يصدر لتحليل للخطاب الإفتائى فى العالم.
وقد تمثلت جهود المؤشر خلال العام ٢٠٢٢م فى رصد وتحليل الخطاب الإفتائى محليًّا وعالميًّا للتصدى لكافة الظواهر السلبية المتعلقة بالخطاب الإفتائى وتفنيدها، حيث تم الاعتماد على محرك البحث الإلكترونى للمؤشر فى رصد الفتاوى والقضايا المتعلقة بها، وتقديم المعالجة لتلك القضايا. وتمخضت هذه المعالجة عن مجموعة من التقارير التحليلية، والدراسات النوعية، وتقديرات الموقف والبيانات والتقارير الإعلامية، والأبحاث المحكمة.
وقد أصدر المؤشر تقريرًا شاملًا لحصاد المؤشر السنوي، تحت عنوان "اجتهاد إفتائى فى المستجدات.. وتصدٍّ حثيث للتطرف"، وهو التقرير المعتمد على رصد وتحليل ما قارب (٤٠٠٠٠٠) فتوى بالاعتماد على محرك البحث الإلكترونى للمؤشر، ويقوم على التحليل الإحصائى الموضوعى للفتاوى خلال العام.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام شوقي علام مفتي الجمهورية دار الافتاء المصریة الإفتاء المصریة دار الإفتاء هذا التطبیق على مستوى رسول الله فى الغرب لا بد من من خلال فى هذه فى هذا جمیع ا
إقرأ أيضاً:
مصر تعاملت مع القضية الفلسطينية والتهجير بحنكة سياسية
التعليم حجر الزاوية ومن خالله تحل جميع المشاكلالخطاب الدينى المتشدد أدى لظاهرة العنف ضد المرأةأعتبر نفسى كاتبة هاوية تلعب مع العالملدينا أزمة أداء فى المشهد الثقافى
هكذا دلفت إلى المكان محملة بشعور المتعطش لرى تساؤلات شتى تسكننى، وبودٍ نادر استقبلتنى مرحبة..
اتخذت مكاناً قريباً ووجدتنى أرقب قسمات وجهها وردود فعل عينيها تجاه عبارات الاحتفاء والامتنان والاعتراف بجمال روح يخفى عن قرائها..
فى زحام من الجمال راح الجميع ورحت معهم نهنئ الأديبة الكبيرة والمبدعة سلوى بكر، ونحن نشعر بأننا إنما نهنئ أنفسنا أولاً بفوزها بجائزة البريكس الأدبية، فى دورتها الأولى التى انطلقت هذا العام، بينما تأكد شعورنا عبر حديثها بأن هذا الفوز إنما يعد انتصاراً للكتابة العربية ولزمرة المبدعين العرب كافة.
كدت أنسى مأربى وهدفى الثانى بعد الاحتفاء بسلوى بكر، ذلك الحوار الذى جرى اتفاقنا على إجرائه عقب الندوة، والذى رحت أعد له كامل عدتى طوال الليل، وأنتقى من الأسئلة أهمها ومن المحاور أكثرها دقة..
جلستُ وذاكرتى تطوف بأعمالها التى طالت بشهرتها بلادا شتى وترجمت للغات تجاوزت عدد أصابع اليدين..
تنتمى الروائية والقاصة سلوى بكر لحى الزيتون فى القاهرة، حصلت على بكالوريوس إدارة الأعمال من كلية التجارة بجامعة عين شمس عام 1972، كما حصلت على ليسانس النقد المسرحى من المعهد العالى للعلوم المسرحية عام 1976، وفى عام 2001 عملت أستاذة زائرة بالجامعة الأمريكية، تنوع إبداعها بين الروايات والمجموعات القصصية والمسرحيات، تُرجمت أعمالها إلى العديد من اللغات، واختار اتحاد الكتاب العرب روايتها «البشموري» كواحدة من أفضل 100 رواية عربية، وحصلت على جائزة «دويتشه فيله» للأدب عن قصصها القصيرة عام 1993، وجائزة الدولة التقديرية عام 2021، وأخيرا ومنذ أيام حازت على جائزة الـ«بريكس» للأدب لعام 2025، كأول شخصية أدبية تنال الجائزة فى دورتها الأولى.
والـ«بريكس الثقافية» جائزة دولية أُطلقت فى نوفمبر 2024 خلال منتدى «القيم التقليدية» الأول لدول الـ«بريكس» فى موسكو، ترجع فكرة تأسيسها وإطلاقها للكاتبة المصرية ضحى عاصى، وتدعم الجائزة الكُتّاب المعاصرين الذين تعكس أعمالهم القيم الثقافية والروحية لدول المجموعة.
هكذا حملتُ أسئلتى ومعها فضولى لأتحدث إلى الأديبة المصرية الكبيرة سلوى بكر...
* ماذا يمثل لك فوزك بجائزة البريكس؟
بالتأكيد فإن الفوز بجائزة يعد خبراً مفرحاً، ولكن عندما تكون الجائزة بحجم جائزة البريكس، المعبرة عن مجموعة من الدول الكبرى، والتى لها وزنها الثقافى وذات باع طويل فى الأدب، مثل الصين والهند وروسيا والبرازيل، فهو أمر مفرح جدا، فهى تؤكد أن أدبنا المصرى والعربى يستحق التكريم وأن يكون له موضع قدم راسخ فى الأدب العالمى.
فالأدب المصرى أدب راسخ وأحدث تراكماً قوياً على مدى أزمان، وأحدث بصمات وقفزات مهمة توج ذلك بمنح محفوظ جائزة نوبل.. لكنه لم يأخذ حظه على خارطة الأدب العالمى وذلك بسبب وجود قصور شديد فى ترجمة الأدب العربى للغات الأخرى، فهناك إجحاف أصاب الأدب المصرى تحديدا، فقد راكم خبرات وكماً كبيراً من الكتابات التى تضاهى ما يكتب عالميا.
** هل هناك فجوة فى كيفية إدارة وتنظيم الجوائز العربية وبين الجوائز العالمية؟ وما الذى ينقص الجوائز المصرية؟
الجوائز عموماً هناك جدل واسع حولها، لكن أهميتها تكمن فى كونها تلفت النظر إلى كاتب ما أو عمل ما، إذن فهى تضيء الكتابة، ولكن ملابسات هذا الالتفات يشوبها أحيانا عوار يتعلق بالميول الخاصة لمن يمدحون الجوائز وحسابات تتعلق بإعلاء شأن نوع أدبى على حساب نوع آخر، إذن فالجوائز غالبا ما تكون محل انتقاد وجدل.
الجوائز بمصر لها قيمتها بالفعل، ولكن قد يخيل للبعض أن القيمة المادية هى المعيار الأهم فى كون هذا الأدب يستحق التقدير أم لا، فهناك فى المنطقة العربية بعض الجوائز التى تكون قيمتها مبالغ كبيرة جدا تكون محل تنافس كبير، إلا أن بعضها يشوبها شوائب وصراعات ذات طابع إقليمى ويعبر عن هوى وهيمنة إقليم ما على الأدب العربى، ولكن السؤال الأهم هنا هو ما قيمة ما يقدم من أدب، ومن هنا أرى أن جائزة البريكس تبحث عن القيمة فى المقام الأول، وقد منحت لجنة التحكيم الجائزة وفقا لما أعلنته الجائزة من قبل وهو الرغبة فى إعلاء القيم الثقافية لمجتمعات دول البريكس.
ورغم ذلك فهناك جوائز تتميز بالموضوعية الشديدة مثل جوائز الدولة وجوائز معرض الكتاب، وقد حكمت فى أكثر من جائزة.
أيضا فالقيمة المادية للجوائز المصرية تكون منخفضة لكونها خاضعة لميزانية الدولة وميزانية وزارة الثقافة، وهى بالطبع محدودة جدا مقارنة بالجوائز الأخرى، لأن مصر بثقلها الثقافى والحضارى تصبح لجوائزها قيمة تتخطى القيمة المالية للجوائز الأخرى.
** هل لدينا فى عالمنا العربى أزمة فى الحركة النقدية؟ وهل هناك مجاملات على حساب القيمة الأدبية؟
النقد فى العالم العربى الآن هو فى مجمله نقد أكاديمى ومدرسى، فهو يستخدم نظريات مسبقة ويطبقها على النص الأدبى، إلا أننا هنا يجب أولا أن نسأل ما الإبداع؟ قاموسا تعريف الإبداع هو الإنشاء على غير مثال، إذن فالنقد بالتالى هو إبداع منشأ على إبداع بمعنى أن ترى عين الناقد ما لا ترى العين العادية، والنقد المبدع هو النقد الذى ينبه المتلقى أو القارئ والكاتب وكل من يتعامل مع النص بمستويات من الوعى بالنص سواء الوعى الجمالى أو الوعى الخطابى أى الخطابات المقدمة فى النص والتى قد لا تتم ملاحظتها لدى القارئ العادى أو فى القراءة الأولى. هذا النوع من النقدربما نفتقده بدرجة أو بأخرى، كما أن هناك أسبابا أخرى مثل وجود جماعة تنتصر لكاتب ما لأسباب أيديولوجية وأسباب اجتماعية، فهناك ناقد ينتصر لكاتب ربما لوجود علاقة بينهما، أى أن كلها حسابات بعيدة عن القيمة الفعلية الموجودة فى النص الإبداعى.
** هل سلوى بكر عانت من النقد؟
ربما أنا لا أتعامل مع الإبداع بشكل يجعلنى ألتفت لذلك، فأنا طوال الوقت أعتبر نفسى كاتبة هاوية، بمعنى أننى أكتب لأننى أستمتع بالكتابة، أستمتع بعملية خلق عوالم وتتحدد مصائرها عبر العوالم التى أتخيلها، إذن أنا أتعامل مع الكتابة كنوع من اللعب، فلا أصنف نفسى ككاتبة محترفة ولا أعتبر الكتابة مهمة يجب أن أقوم بها، لذلك لا أهتم مثلا أن يكون لى كتاب كل عام فى معرض الكتاب ولا أهتم عندما يصدر لى كتاب أن أسعى لعقد ندوات أو نشر أخبار وغيرها.
**ما الذى يشعر سلوى بكر بالتحقق والتشبع النفسي؟
ربما يشعرنى تعليق أو حديث من إنسان عادى جداً عن كتاب لى بالسعادة أكثر من كتابات ناقد مرموق مع احترامى وتقديرى للنقاد الذين تناولوا أعمالى، فمثلاً عندما تحولت قصة نونة الشعنونة إلى عمل تلفزيونى كان بعض الناس يستوقفوننى فى الشارع ويثنون على العمل، هذا يسعدنى كثيرا، كل هذا يشعرنى بالتحقق ربما أكثر من التحقق الذى يتيحه مقال نقدى مادح.
** كيف ترى سلوى بكر المشهد الثقافى المصرى خاصة والعربى بشكل عام؟ هل نحن أمام فقدان للثقافة وقيمتها وما أسباب ذلك فى رأيك؟
فى رأيى الشخصى أن الثقافة مازالت تمثل قيمة فى المجتمع المصرى، فهناك تقدير من العامة للمثقفين وللمتعلمين حتى فى طريقة حديثهم إليهم وفى طريقة مخاطبتهم لهم.
المشكلة فى المشهد الثقافى هى مشكلة فى الأداء نفسه، فنحن لدينا إنتاج كبير لا يستهان به فى كل العصور وكل الأزمان والأجيال، ولكن أى هذا الإنتاج سيبقى وسيجد التحقق فى صدور العامة، هنا يجب أن نسأل عن الأداء الثقافى.
نعم، هناك صفحات ثقافية فى كافة الجرائد، هناك برامج ثقافية فى الإعلام المرئى والمسموع، لكن تكون الصفحة الثقافية هى أولى الصفحات التى يتم التضحية بها إذا ما وجد إعلان يحتاج مساحة، إلى جانب أن معظم الصفحات الثقافية فى الصحافة المكتوبة لا تدار بمثقفين أو مبدعين حقيقيين.
ففى فترة من الفترات كان المسئول عن الصفحة الثقافية فى الأهرام هو لويس عوض، لذلك فقد أثار معركة الشعر الحديث بين العقاد وصلاح عبدالصبور، وكانت الصحافة الورقية طوال الوقت لديها مساحات للشعر والقصة القصيرة، ولا أنسى صفحات الجمهورية التى قدمت كل جيل الستينيات الذين تركوا بصمات واضحة فى الكتابة الإبداعية، كذلك لا أنسى أخبار الأدب التى ما زالت صامدة حتى الآن، ولولا جمال الغيطانى المبدع الجميل ما كانت هناك أخبار الأدب.
إذن، فنحن نفتقد للأداء الثقافى الجيد والإيجابى القادر على إبراز هذا المشهد بوجهه الجميل.
** هل ترين أن هناك وسائل خبيثة لبث الفرقة بين العرب من خلال استحداث مصطلحات أدبية مثل الرواية الإسلامية وغيرها، وإلى أى مدى ترين قدرة تلك الأسلحة على التفريق؟
أنا أعتقد أن تلك الأسلحة قادرة على التفريق، وخصوصاً فى غياب الوعى، فالوعى الثقافى هو حائط الصد الذهبى، أما تلك الأسلحة فهى تستند إلى الطائفية والإقليمية والمذهبية والأيديولوجيات السياسية، كذلك إلى وجود المال السياسى الذى يضخ فى المشهد الثقافى لتكريس كل هذه المصطلحات وهذه النظريات.
الأمر يحتاج إلى جماعة ثقافية قادرة على مواجهتها، ونحن نفتقد إلى ذلك لأننا نفتقد إلى الوعى بصفة عامة، وإلى جماعة ثقافية قادرة على المواجهة.
** المرأة لها نصيب الأسد فى كتابات سلوى بكر، ما أسباب ظاهرة العنف ضد المرأة التى استشرت فى الفترة الأخيرة، ومتى تنتهي؟
بحكم التجربة والسن، أنا أعتقد أن هذه الظاهرة متفاقمة بسبب الخطاب السياسى الدينى وهيمنة خطاب الإسلام السياسى على المشهد، بكل ألوانه، وهو طوال الوقت ينتقص من قدر المرأة ويضعها فى إطار وظائف الجنس والحمل والإنجاب فقط، ويتعامل مع المرأة طوال الوقت باعتبارها مواطنا من الدرجة الثانية أو باعتبارها مواطنا قاصرا يحتاج إلى الولى ويحتاج إلى الرجل فى كل مراحله. من هنا بدأت تظهر ظواهر لم نكن نعرفها من قبل، مثل أن يقتل الشاب فتاة لمجرد أنها قد رفضت الارتباط به، أو أن يقتل أحدهم طليقته لمجرد أنها تزوجت آخر.
إذن فنحن أمام خطاب دينى متشدد فى غياب الخطابات التنويرية ومهاجمتها، كل هذه الأمور أدت إلى تفاقم أنواع محددة من الجريمة، وهى الجريمة شديدة الارتباط بهذا الخطاب.
** إلى أى مدى ترين أهمية استدعاء التاريخ كحدث أساس أو حتى كخلفية فى العمل الأدبى، وهل تعتقدين أن للكاتب حرية تناول الأحداث والتغيير فيها حسب رؤيته الفنية أم أن هناك ضوابط؟
أنا لا أستدعى التاريخ، أنا أكتب رواية عن التاريخ، ولكن ما هو التاريخ؟ التاريخ هو جملة من الوقائع التى جرت فى زمن محدد وتم تدوينها، ومن هنا تبدأ إشكاليات التاريخ. فيكون السؤال الأول: هل كل الوقائع التى حدثت دونت؟ وهل كل الوقائع التى دونت دونت وفقاً لأهميتها؟ ألم تكن هناك وقائع مسكوت عنها فى التاريخ؟ بل أن المؤرخ الذى يكتب التاريخ يمتلك أيديولوجيا خاصة به ومرجعية خاصة وموقفاً من العالم وموقفاً من الأحداث، فيكتب بتأثير كل هذه العوامل. ومهمة الرواية هى إعادة النظر فى المرويات التاريخية واستدعاؤها لمنطقة البحث والتمحيص والتساؤل. إذن فمهمة الرواية هى إعادة النظر فى العلاقة بين المتون والهوامش التاريخية، فما كان هامشاً قد يكون هو فى الحقيقة المتن والعكس صحيح.
وإذا لم نؤمن بالعين النقدية فى هذا التاريخ وطرح الأسئلة، ربما لن نستطيع أن نضع أيدينا على مواطن القوة والضعف.
** فى رأيك، هل يجب أن يعبر الكاتب عن مواقف تجاه القضايا والأزمات الكبرى أم عليه أن يكتفى بالكتابة الإبداعية؟
الكاتب يتعامل مع القضايا الكبرى باعتباره مواطناً وإنساناً، أما عندما يكتب بعدها عن تلك القضايا فيكتب من منظور الكاتب ومن رؤيته الخاصة للشخصيات والعوالم وغيرها، لكن كونه كاتباً يجعل مسئوليته أكبر لأنه يمتلك مساحة أخرى من الوعى لها طابع خاص ولها تميزها الذى يدفعه لأن يكون له مواقف منحازة طوال الوقت لكل ما هو إنسانى وجميل.
** على ذكر المواقف الإنسانية، ما رأيك فى الموقف المصرى تجاه أزمة التهجير؟
أنا أعتقد أنه لم يقدم بلد من بلدان المنطقة العربية للقضية الفلسطينية مثلما قدمت مصر منذ بداية القضية وحتى الآن، هذه واحدة، المسألة الأخرى هى موقف الدولة المصرية منذ ما حدث فى ٧ أكتوبر وحتى الآن، وهو موقف حكيم وعبر عن حنكة سياسية عالية وعن تفكير إنسانى كبير، لأن مصر أولا، ومنذ اللحظة الأولى، أدركت أن ما حدث كان يستهدف جرها إلى مناطق من الإشكاليات التى لا يعلم غير الله مداها.
أما موقفها من التهجير، فأنا أظن أن هذا الموقف تاريخى لمصر، لأنه حرص على ألا تضيع القضية الفلسطينية. فمصر كانت حكيمة فى كونها لم تنجر إلى مهاترات مع حماس ومع الجانب الإسرائيلى، فالدولة المصرية أثبتت أنها بالفعل دولة واعية محنكة سياسياً قادرة على صدد أى هجوم أيا كان مستواه على الحدود والخريطة المصرية، حافظت على الخريطة المصرية وحافظت على القضية الفلسطينية.
لم تتوقف مصر عن مد يدها إلى القضية الفلسطينية وتقديم المساعدات طوال الوقت، فكانت إذا ما فتح المعبر ترسل المساعدات، هذا هو موقف مصر، والذى لن يتوقف، إلا أن الإسلام السياسى والإخوان المسلمين وغيرهم مازلوا يشوهونه بكل الطرق الممكنة.
** كان لك تصريح مهم عن كيفية تدريس مناهج التربية الدينية فى المدارس، هل ترين أن لذلك انعكاساً على السلوكيات العامة للشباب والمجتمع؟
فى الماضى كانت حصة الدين ممتعة وجميلة، يقدم خلالها الدين بطريقة بسيطة ورائعة، تتلاءم مع المرحلة العمرية للطلاب، وكان يقدم القصص الدينى بطريقة رائعة نتعلم من خلالها الكثير من المبادئ، حتى المدرسون أنفسهم كانوا يدرسون الدين بطريقة هادئة ومحبة، فعرفنا على أيديهم أن الدين المعاملة، وهذا ما جعلنا نحب إخواننا المسيحيين، فنشأنا جميعاً أحباباً وأصدقاء، للأسف لم نعرف التعصب الحالى وهذا العنف إلا عندما تم تدريس جانب من الدين يتحدث عن النار والسعير وعذاب القبر، فنحن بهذا ندفع الأطفال لكره ما يدرسون، المشكلة ليست فى الدين، المشكلة فى طريقة تدريس الدين وفى المناهج الموضوعة والتى لا تتلاءم مع المراحل العمرية للأطفال.
** لدىَّ خمسة مصطلحات أريدك أن ترتبيها حسب احتياج المجتمع لها: الثقافة، الصحة، الدين، التعليم، تحسين المستوى المعيشي؟
أولاً التعليم، ثانياً الصحة، ثالثاً الثقافة، رابعاً الدين، وإذا تم الاعتناء بالتعليم العناية الواجبة فإن 90% من المشاكل الاقتصادية سوف يتم حلها، فالتعليم هو حجر الزاوية وكلمة السر فى كل المجتمعات، انعدام التعليم يعنى ألا يكون هناك وعى وبالتالى تتدهور جميع جوانب المجتمع، فالاستنارة والوعى يصنعهما التعليم.
أما ذلك «الكوكتيل» الذى ينتشر فى مصر من تعليم حكومى وخاص وإنترناشونال وغيره فهو أولاً يصنع فجوة كبيرة بين الجيل الواحد ويفقدنا الهوية، فلا يكون هناك تفاعل بين أبناء الجيل الواحد، مما أظهر ما سمى بمصر وإيجيبت، فأصبحنا مجتمعاً متشظياً، فى الماضى كان طه حسين ابن الفقراء يذهب فى بعثات علمية ليتعلم فى السوربون، وهو ما جعله عميدا للأدب العربى، هذا ما يفعله التعليم فى المجتمعات، وفى رأيى الشخصى فإن مصر تتعرض لمؤامرة كبيرة، وأخطر مؤامرة تعرضت لها مصر هى مؤامرة تدهور التعليم.
هكذا لملمت أوراقى واحتضنت إجاباتها، وأنا أودع الكاتبة الكبيرة سلوى بكر.