ملتقى حواري ولقاءات ميدانية تعزز القيم والمواطنة في محضة
تاريخ النشر: 29th, October 2025 GMT
البريمي- ناصر العبري
نظّم مكتب والي محضة ممثلاً في لجنة التنمية الاجتماعية، وبشراكة مع المديرية العامة للتربية والتعليم ودائرة التنمية الاجتماعية والقطاعات الأهلية بالولاية، ملتقى بعنوان "محضة للعطاء والقيم – حوار طلابي مجتمعي"، في شريعة فلج محضة، الذي جمع بين الأصالة والمواطنة، مستهدفًا فئة الطلبة لترسيخ القيم الوطنية وتعزيز الانتماء، في أجواء حوارية مجتمعية حملت عبق الماضي وإشراقة الحاضر.
وتضمّن الملتقى ثلاثة محاور رئيسية، تناول الأول دور الأفلاج في بناء الإنسان العُماني في محضة باعتبارها رمزًا للتعاون والعطاء المتجذر في المجتمع العُماني، فيما استعرض المحور الثاني ملامح الحياة في عُمان قبل النهضة المباركة وصولًا إلى النهضة المتجددة بقيادة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه- أما المحور الثالث فركز على جهود التنمية الحضرية في ولاية محضة وما شهدته من مشاريع وإنجازات تنموية.
وشهد الملتقى مشاركة عددٍ من المهتمين من أبناء الولاية، الذين قدّموا مداخلاتٍ ثرية تناولت تاريخ محضة وإرثها المائي والاجتماعي، ودور الإنسان العُماني في الحفاظ على القيم الأصيلة ومواصلة مسيرة البناء والعطاء.
وفي كلمته الموجَّهة لأبنائه الطلبة، دعا سعادة الشيخ سيف بن عبدالله المعمري، والي محضة، إلى الاعتزاز بهويتهم العُمانية والمحافظة على الإرث التاريخي والحضاري الذي تزخر به ولايتهم، وأن يكونوا قدوة في العطاء والانتماء والسلوك المسؤول في مجتمعاتهم ومدارسهم، وحثّهم على الاجتهاد في طلب العلم واستثمار الفرص المتاحة للمشاركة في مسيرة التنمية التي تشهدها السلطنة في ظل القيادة الحكيمة لمولانا السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه.
رعى الفعالية سعادة الشيخ والي محضة بحضور عددٍ من المسؤولين وأعضاء المجلس البلدي ممثلي الولاية، حيث جرى في ختام الملتقى تكريم المشاركين تقديرًا لإسهاماتهم القيّمة.
وفي سياق متصل، وامتدادًا لجهود مكتب والي محضة في التواصل الميداني مع المواطنين، التقى سعادة الشيخ والي محضة بأهالي منطقة الفّي بنيابة الروضة، بحضور ممثلي الجهات الحكومية وأعضاء المجلس البلدي، جرى خلال اللقاء بحث تطلعات الأهالي ومقترحاتهم التطويرية، إلى جانب تنفيذ زيارة ميدانية شملت المدرسة والمركز الصحي بالنيابة للاطلاع على أوضاعهما وسبل تحسين الخدمات المقدمة، وتعكس هذه اللقاءات والفعاليات حرص مكتب الوالي على تعزيز التواصل المجتمعي، وترسيخ قيم المشاركة والمسؤولية المشتركة في خدمة الوطن والمجتمع.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
حواري مع رئيس سوريا الجديد
في مدينة نيويورك قبل عدة أسابيع، جلست في مقابل أحمد الشرع، وهو الرجل الذي اعتقلته قواتنا في العراق سنة 2006 بسبب أفعاله مع القاعدة، وبات الآن رئيسًا لسوريا. وليست رحلة أحمد الشرع من كونه شابًا متطرفًا في العراق إلى كونه رأس دولة، بالرحلة بعيدة الاحتمال وحسب، ولكنها أيضا رحلة غير مسبوقة.
قبل أن أتحاور مع الشرع على مسرح قمة كونكورديا، قضيت بعض الوقت في استعراض مساره، المسار الذي ذكرني ببعض أحلك فصول حقبة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر وآمال الربيع العربي الأشد هشاشة. لقد اعتقلت القوات الأمريكية في العراق أحمد الشرع عام 2006 حينما كان يزرع عبوة متفجرة بالقرب من الموصل. وقد كان زعيم خلية تابعة للقاعدة في العراق، والقاعدة هي الجماعة المسؤولة عن بعض أقسى الهجمات في تلك الفترة. قضى الشرع خمس سنوات في منشآت الاعتقال التابعة لنا وكان معتقلا في عامي 2007 و2008 حينما رجعت إلى العراق قائدًا للقوات الإضافية وحينما تمكنت قواتنا من هزيمة القاعدة في العراق.
وفي حين أنني لم أعرفه قط ولم أسمع باسمه في تلك الفترة، فقد كنت أعرف نوعيته: الملتزم أيديولوجيا، الخطر تكتيكيا، والتهديد الخطير لقواتنا. والحق أنني فيما كنت أتهيأ لمحاورته، فكرت في الأسر التي لقي أبناؤها أو بناتها أو أزواجها أو زوجاتها مصرعهم على يده هو ورفاقه الجهاديين، وفي ما قد يدور في أذهانهم حينما يرون القائد الذي ائتمنوه سابقًا على أحبائهم جالسًا قبالة زعيم سابق من زعماء القاعدة في العراق.
لقد كان ما جرى بعد إطلاق سراح الشرع في عام 2011 أمرًا يستعصي على التوقع. إذ رجع إلى سوريا وسرعان ما ظهر فيها قائدًا لجبهة النصرة، وهي الجماعة التابعة للقاعدة والعنصر الذي ظهر ضمن العناصر المناهضة لنظام بشار الأسد الدموي. (وخلافًا لبعض السرديات المنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي، لم يكن الشرع واحدًا من «أصولنا» حينما عملت مديرا لوكالة المخابرات الأمريكية في ما بين 2011 و2012، بل وخلافا لتوصياتي في تلك الفترة، لم تقدم حكومة الولايات المتحدة في تلك الفترة غير أقل المساعدة للقوات التي كانت تقاتل عناصر النظام السوري).
بحلول عام 2016 قطع الشرع علاقاته مع القاعدة وأعاد تقديم حركته باسم هيئة تحرير الشام. وأصبحت هذه الهيئة في نهاية المطاف هي العنصر المهيمن في محافظة إدلب بشمال سوريا وقوة عسكرية ذات شأن كبير. بل إن هيئة تحرير الشام، في ظل قيادته، أقامت هياكل حكم أولية ـ من محاكم وأنظمة تجارية ومنشآت تعليمية ـ وإن تكن ذات طبيعة استبدادية وإسلامية.
ثم حانت اللحظة الحاسمة في أواخر عام 2024 التي غيرت مسار سوريا، إذ أطاحت قوات الشرع بنظام بشار الأسد الدموي. وسعت عناصر هيئة تحرير الشام إلى تحرير حلب في الشمال من قوات النظام، فلما سقط النظام بسهولة ما كان لأحد أن يتوقعها، واصلت عناصر الهيئة التقدم جنوبا لتحرير حماة وحمص من سيطرة النظام. ومع انهيار عناصر نظام الأسد أمامهم، بات الطريق إلى دمشق مفتوحًا، فاندفعت قوات الشرع دافعة بشار الأسد وزوجته إلى الفرار إلى روسيا.
بحلول يناير من عام 2025، أدى الشرع القسم رئيسا لسوريا. وبعد سنين من فرض العقوبات على نظام بشار الأسد واعتبار هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية، رفعت الولايات المتحدة كثيرا من العقوبات ورفعت مكافأة الملايين العشرة من الدولارات المرصودة لرأس الشرع (برغم أن عقوبات الكونجرس تبقى مفروضة، ويجب رفعها الآن، مع ربط مساعدات مستقبلية أيضا بأفعال على الأرض تقوم بها الحكومة الجديدة). ولقد التقى الرئيس ترامب بالشرع في الرياض في مايو خلال تجمع نسقته قيادة المملكة العربية السعودية، ونشر الرئيس الأمريكي بعد ذلك منشورًا بملاحظة إيجابية على الشرع في موقع تروث سوشيال.
حينما التقيت بالشرع في كواليس قمة كونكورديا، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة أذهلني سلوكه، فهو هادئ الكلام، عميق، متزن. ولديه رؤية مثيرة للإعجاب ومعرفة كبيرة بمكونات اقتصاد سوريا والبنية الأساسية فيها. لم يتكلم بنبرة الثائر، وإنما بنبرة الرجل المثقل بتاريخ هو عازم على إعادة صياغته. فقد قال في حوارنا على المنصة: «إنه ليس بوسعنا أن نحاكم الماضي بناء على قواعد اليوم وليس بوسعنا أن نحاكم اليوم بناء على قواعد الماضي».
وكان لقوله ذلك صدى ـ لا لدى الجمهور وحده، وإنما لديّ أنا الآخر ـ حتى حينما تذكرت أن هذا هو الرجل الذي قاد هجمات القاعدة ضد قواتنا في العراق. أما الجمهور، الذي كان يضم الكثيرين من الأمريكيين السوريين المتحمسين الذين طالما تمنوا الإطاحة ببشار الأسد، فقد سرهم كلامه ذلك واستبشروا به خيرا. وأنا مثلهم. والحق أننا جميعا «معجبون» بما أقر أنه يحاول تحقيقه.
يسعى الشرع الآن إلى توحيد سوريا، البلد الذي يجري فيه كثير من خطوط الصدع الإثنية والطائفية والقبلية في الشرق الأوسط. وهو يحاول إقامة حكم يكون ممثلا لكل كيانات سوريا الكثيرة وضامنا لحقوق الأقليات بالتوازي مع حكم الأغلبية. وهو يسعى إلى إشراك كثير من عناصر سوريا المتعددة تحت سلطة الدولة، وأن يعيد بناء اقتصاد سوريا الذي مزقه الحرب وبنيتها الأساسية التي تخربت. وقد أقام قنوات اتصال غير رسمية مع إسرائيل ودعا إلى إلغاء عقوبات قانون سيزر التي أقرها الكونجرس الأمريكي وفرضها على النظام السابق. وخطابه وطني لا جهادي. وموقفه برجماتي لا أيديولوجي.
فهل هذا تحول حقيقي؟ هذا ما سيجيب عليه الزمن. لقد وقعت بالفعل أفعال ووقائع يجب أن تحملنا على التريث، منها إعدامات للدروز في جنوب سوريا وللعلويين على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وهي إعدامات مرتبطة بقواته.
لكن بوصفي شخصا قضى عمره في دراسة التمرد، ومكافحة التمرد، وحكم ما بعد الصراع، فإنني أعلم أن التعافي في الجغرافية السياسية أمر نادر، وهش. ومن مصلحة الشعب السوري الآن، وكذلك جيران سوريا، والولايات المتحدة، أن ينجح الشرع وتنجح معه سوريا.
لم تكن محاورة الشرع، وهو الذي كان في الجانب الآخر طول سنواتنا الأولى في العراق، محض لحظة تأمل شخصي (لا يخلو من قدر من الغرابة). وإنما كانت أيضا تذكرة بأن التاريخ ليس خطيًا، وأن أبعد الناس احتمالًا يمكن في بعض الأحيان أن يكونوا الأكثر تأثيرا. فلنرجُ أن يكون هذا هو الحال في حالة أحمد الشرع. وسواء ثبت الرجل على ما تحول إليه أم تراجع، فإن الرهانات بالنسبة لسوريا ـ وبالنسبة لنا ـ كبيرة بدرجة هائلة.