عربي21:
2025-11-06@01:59:10 GMT

وقف إطلاق النار لا يعني انتهاء الصراع

تاريخ النشر: 6th, November 2025 GMT

في مثل هذه الأيام عام 1917، وتحديدا في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1917، وجّه وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور رسالة إلى المصرفي اليهودي البريطاني البارون بنيامين إدموند دي روتشيلد قال فيها:

"يسرّني جدّا أن أبلّغكم، بالنيابة عن حكومة جلالة الملك، التصريح التالي الذي يُعبّر عن التعاطف مع طموحات اليهود، والذي قُدِّم إلى الحكومة ونالت موافقتها عليه:

إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل قصارى جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يُفهم بوضوح أنه لن يُتخذ أي إجراء من شأنه أن يَمسّ الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، أو الحقوق والوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر.

ويسرّني أن أطلب منكم إبلاغ هذا التصريح إلى الاتحاد الصهيوني".

وروتشيلد هذا، كانت مساهماته وتبرّعاته للاستيطان اليهوديّ في أرض فلسطين قد بدأت في أوائل الثمانينات من القرن الـ19. فأخذ على عاتقه مهمّة تمويل كافة تكاليف مغتَصَبَات ريشون لتسيون، وزخرون يعقوب، وروش بيناه وعكرون، كما قدّم مساعدات لمستوطنات أخرى، ودعم هو ونسله من بعده 44 مغتَصَبَة على الأراضي الفلسطينية لصالح المشروع الصهيوني.

اندفعت القوى الغربية لممارسة أقصى وأقسى ضغط، لا على الحركات المقاوِمة في فلسطين ولبنان واليمن والعراق فقط، بل على جميع دول المنطقة بما فيها المحيطة أو الداعمة لهذه التنظيمات، والرافضة لها كذلك
بعد 108 أعوام من هذا التصريح لا يزال الصراع على أرض فلسطين قائما، وكان يبلغ ذروته في أوقات الحروب؛ 1948، 1956، 1967، 1973، 2006، ثم المواجهات العسكرية في فلسطين منذ تحرير غزة عام 2005، وأخيرا، وليس آخرا، معركة طوفان الأقصى عام 2023 التي اختلفت عن سابقاتها بأنها كانت مبادرة فلسطينية، وكانت الوحشية الصهيونية طويلة وممتدة وعلى مرأى ومسمع من العالم، ما سمح بتغيُّر الرأي العام العالمي تجاه المستعمَرَة الصهيونية في منطقتنا، وبات الداخل الأوروبي والأمريكي منقسما للمرة الأولى حول أخلاقية وقانونية أفعال هذا الكيان المجرم، وأحيانا يثور الانقسام حول مشروعية وجوده أصلا. وهذه سوابق غير معهودة في تاريخ هذا الصراع المستمر منذ نحو قرنين عندما أنشأ موشيه مونتيفيوري (ثري بريطاني) مشكنوت شأنانيم، أول حي يهودي بُني خارج أسوار المدينة القديمة في القدس وكان عبارة عن عشرين منزلا بدأ بناؤها في سنة 1855 وأُنجز في سنة 1860.

اعتاد الكيان الصهيوني في كافة معاركه الكبرى الخروجَ منتصرا، عدا في حرب عام 1973 التي هُزم فيها على الجبهة المصرية فقط، ولم يُهزم في جبهة الجولان أو الضفة الغربية، وبقيت فلسطين كلها محتلة عقب الحرب بالإضافة إلى الجولان السوري، وأيضا هُزم في المعارك مع التنظيمات المسلحة في لبنان وفلسطين من الناحية السياسية، إذ لم يُحقِّق نصرا سياسيّا في أي معركة منها. وتُعدُّ نتائج تفاوضه لوقف إطلاق النار في معركة طوفان الأقصى مختلفة عن النتائج السابقة بفوارق، نتيجة عوامل سيأتي ذكرها، لكن يجدر التأكيد على أن الحديث عن الانتصار السياسي، أي ما يترتب على المعركة، إذ الحروب كما يقول مُنَظِّرو السياسة "استمرار للسياسة بطريقة أخرى". فإذا لم تحقق الحرب غايتها السياسية فإن الدولة المحارِبة لا تُعد منتصرة.

الاختلاف هذه المرة أن حجم المفاجأة التي أصابت القوى الاستعمارية والدولة اللقيطة اضطرهم إلى استعادة النمط الاستعماري الاحتلالي القديم، وجعل الدعاوَى المزيفة تنكشف تحت وقع النيران التي تميِّز التزييف من الأصل، فأصبحنا أمام مشروع "لجنة وصاية" تترأسها دولتان؛ إحداهما صاحبة الإرث الاستعماري الأكبر؛ بريطانيا التي يمثلها توني بلير، والثانية وريثتها؛ أمريكا التي يمثلها ترامب بنفسه. كما أن المبعوث إلى لبنان توم باراك، يتحدث باللغة القديمة نفسها عن "دولة فاشلة"، و"صحفيين سلوكهم كالحيوانات"، في إشارة لتميِّز العرق الأبيض إداريّا وحضاريّا، فهل تختلف هذه التحركات والتصريحات، والوظائف (تعيين مبعوثين خواصّ) عن سلوكيات القرنين الثامن والتاسع عشر؟!

بالتالي، اندفعت القوى الغربية لممارسة أقصى وأقسى ضغط، لا على الحركات المقاوِمة في فلسطين ولبنان واليمن والعراق فقط، بل على جميع دول المنطقة بما فيها المحيطة أو الداعمة لهذه التنظيمات، والرافضة لها كذلك، وهذه الملاحظة الذكية ذكرها سفير مصر الأسبق في الأمم المتحدة؛ السفير معتز أحمدين خليل، فقال في مقال على موقع أوريان 21:

"أعلنت الدولُ العربيةُ الإسلاميةُ ترحيبَها بالخطة [خطة ترامب]، مع محاولة تأويلِها لإبراز أولوياتِها أمام ترامب وأمام شعوبها: وقف الحرب، وإدخال المساعدات، وعدم التهجير والضم، والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية، وإنشاء الدولة الفلسطينية. (...) لكنَّها تَجِدُ نفسَها مُضْطَرَّة للقبول، بل والضغط على حماس، والمقاومة، والسلطة الفلسطينية، لإخضاعها للخطة، بسبب الضغوط والتهديدات الصريحة أو المستترة التي تتعرض لها هي نفسُها، على غرار: قصف الدوحة، والتلويح بالصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها مصر، وبما قد يشكّله سد النهضة الذي انتهت إثيوبيا من بنائه مؤخرا من تأثير في حصة مصر من مياه النيل، والشكاوى الإسرائيلية المستمرة للولايات المتحدة بشأن إدخال مصر لقوات وأسلحة إضافية في شبه جزيرة سيناء بالمخالفة لاتفاقية كامب ديفيد للسلام. وأخيرا، لا ننسى خطاب ترامب الشهير خلال ولايته الأولى والذي أشار فيه إلى مكالمة له مع ملك السعودية طالَبَهُ فيها بدفع مقابل الحماية الأمريكية، وإِلَّا..".

المهم في هذه الملاحظة؛ أن موقف الداعمين للقضية الفلسطينية يركِّز على التخاذل العربي والتواطؤ أيضا ضد القضية الفلسطينية، وهذا التركيز يتسبب في إغفال جوانب أخرى لتفكيك العناصر الدافعة للمواقف العربية، وهنا نجد أن الموقف المصري، رغم الاعتراض على كثير منه خاصة في الجانب الإنساني، يشير إلى جوانب ضغط متعددة، بل طرأ على ما ذكره السفير خليل، تدفق الأسلحة على الغرب السوداني، ما أدى إلى سيطرة مليشيات الدعم السريع، المدعومة إماراتيّا، على مناطق متصلة تسمح بتقسيم جديد للسودان بعد انفصال الجنوب، فبات الحصار حول مصر شبه مطبق. ويضاف إليه ضغط اقتصادي بعدم تنفيذ اتفاقية الغاز وتوريد الغاز الفلسطيني المسروق من قِبل الاحتلال إلى مصر.

ما حدث منذ انطلاق عملية الطوفان، سيظل علامة فارقة في مسار الصراع مع العدو الصهيوني، ووقف إطلاق النار وما سيترتب عليه لا يعني انتهاء الصراع، ولا هدوءا في الداخل الفلسطيني، حتى لو سلَّمت الحركات المقاومة ترسانتها اليوم
هذا الحصار أدى إلى حدوث تجاذب في الموقف المصري، بين الأجهزة الوطنية التي تدفع إلى تحقيق مكاسب فلسطينية، وموقف رأس الدولة الذي يدعم القضاء على المقاومة الفلسطينية، كما قال في خطابه الشهير مع المستشار الألماني السابق شولتز، عن نقل الفلسطينيين إلى النقب حتى القضاء على الحركات المقاوِمة في غزة، وبالتالي أدَّت الضغوط الأخرى إلى إضعاف موقف الأجهزة الوطنية أمام الموقف الرئاسي، فوصلنا إلى مقترح خطة قد يؤدي إلى تحقيق مكاسب أمنية وسياسية للكيان المحتل، لم يكن ليصل إليها لولا استجابة العرب وتركيا للضغوط الأمريكية.

من المهم التنبيه إلى أن التفسير لا يعني قبول الموقف، بل هي محاولة لفهم منطلقات تحرك الجهات الفاعلة، وفقا لتكوينهم الثقافي والمهني وخلفياتهم الفكرية، وهي أمور تشكَّلت وفقا لثقافة غربية في الأساس وتتجاذبها خلفيات النشأة في مجتمع محافظ، لكن تبقى الخلفية المهنية والقافية المرتبطة ببيئة العمل هي صاحبة القرار في الأغلب الأعم. ومع ذلك التفسير، فإن الموقف اليمني طوال العدوان والموقف اللبناني طوال أكثر من عام، ومعهما الموقف الإيراني، يؤكد أن هناك أمورا يمكن فعلها، ويمكنها أن توقف العدوان، وتوقف التغول الأمريكي على القرار العربي، والتغول العسكري الصهيوني، وهي أمور لا يُشترط فيها استخدام القوة العسكرية، بل هناك أدوات اقتصادية ودبلوماسية أيضا، وسيترتب على استخدامها دفع ثمن ما، لكنه سيكون ثمنا مقبولا تستحقه القضية الفلسطينية وأهل غزة مع ما حاق بهم، وربما لن يكون هناك ثمن مدفوع إذا كان القرار العربي مُوَحَّدا، وغياب هذه الوَحدة لا يعفي أي دولة من مسؤولياتها تجاه القضية الفلسطينية والفلسطينيين.

رغم أن وقف إطلاق النار ما يزال هشّا، ومن غير المعلوم مدى صموده بعد انتهاء تسليم جثامين أسرى الاحتلال، فإن ما حدث منذ انطلاق عملية الطوفان، سيظل علامة فارقة في مسار الصراع مع العدو الصهيوني، ووقف إطلاق النار وما سيترتب عليه لا يعني انتهاء الصراع، ولا هدوءا في الداخل الفلسطيني، حتى لو سلَّمت الحركات المقاومة ترسانتها اليوم.

وغدا..
سوف يولد من يلبس الدرع كاملة
يوقد النار شاملة
يطلب الثأرَ
يستولد الحقَّ
من أَضْلُع المستحيل.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه فلسطين غزة الاحتلالي العربي وقف إطلاق النار احتلال فلسطين غزة عرب وقف إطلاق النار مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إطلاق النار فی فلسطین لا یعنی

إقرأ أيضاً:

تركيا تبحث مع حماس تثبيت وقف إطلاق النار في غزة

صراحة نيوز -عقد رئيس المخابرات التركية اليوم الأربعاء لقاءً مع وفد من حركة حماس لبحث سبل تثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة. وناقش الجانبان الخطوات اللازمة لتنفيذ المراحل التالية من خطة وقف إطلاق النار، وضمان سير العملية بسلاسة والتغلب على المشكلات القائمة.

وأكد وفد حماس التزامه بوقف إطلاق النار، رغم ما وصفه بانتهاكات إسرائيلية مستمرة، وتم خلال الاجتماع أيضًا بحث التعاون مع المنظمات الدولية لتسهيل وصول المساعدات إلى غزة.

ويأتي هذا الاجتماع في سياق جهود دولية للضغط على الأطراف المعنية للالتزام بالهدنة، والعمل على خطوات نحو حل طويل الأمد للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي.

مقالات مشابهة

  • تركيا تبحث مع حماس تثبيت وقف إطلاق النار في غزة
  • موقف عربى موحد من الحرب فى السودان
  • وقفة مسلحة في جبن بالضالع وفاء لدماء الشهداء وثباتا على الموقف
  • من البرلمان إلى الأمم المتحدة.. «أبو العينين» يجسد الموقف المصري المدافع عن القضية الفلسطينية
  • منظمات إغاثة إنسانية : المساعدات التي تصل غزة ضئيلة للغاية
  • غارات وعمليات نسف وقصف مدفعي.. العدو الصهيوني يواصل خرق اتفاق غزة
  • “الأحرار الفلسطينية”: قانون إعدام الأسرى دليل على نازية قادة العدو الصهيوني
  • الهيئة الدولية لدعم فلسطين: الخروقات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار لم تتوقف
  • بقائي: التهديد الرئيسي في المنطقة يأتي من الكيان الصهيوني